المصورة اعلاه تمثل احد التكوينات الزخرفية الابداعية المزينة لاحد جدران مداخل الحضرة العباسية المقدسة في مدينة كربلاء المقدسة ، وهو عبارة عن تكوين زخرفي مركب ذي قوام مستطيل الشكل، يشغل حيزا من مجموعة النقوش الزخرفية المتجاورة والمتنوعة ، وهو ذي قوام متشكل من صفائح القاشاني المزجج ذي البريق المعدني المرصوف بحرفية ودقة متناهيتين .
التصميم ذو شكل منتظم الهيأة مصاغ على شكل مستطيل افقي تسوده مصفوفة من الاشكال العقدية مقسمة بداخل كل منها وفق تناظر ثنائي عبر محور عمودي، يبدو انه قد حقق توزيعاً متكافئاً للتكوينات داخل تصميم كل عقد منها من تكوينات ركنية وقلوب زخرفية ، اسهمت في احداث الموازنة المماثلة للمحور العمودي للفضاء الاساسي ، خضع من خلالها الاطار الزخرفي للتقسيم التناظري للوحدة الاساسية ضمن فضاء الاطار شاغلاً المساحة الكلية بصورة عمودية وافقية وبشكل منتظم مع النظام العام لمجمل الفضاء.
لو تأملنا الى التصميم اعلاه لوجدا انه استند الى انشاء مزدوج لنوعين احدهما كأسي و اخر زهري وهي مدعمة بمفردات زخرفية كأسية وزهرية متنوع، اذ تكونت الزخارف النباتية الكاسية من مظهر مزدوج الخطوط وحشو كأسي ضمن العناصر الكاسية الاحادية الفلق والثنائية والثلاثية وتضمنت الخطوط الخارجية لها على براعم مدورة احادية وثلاثية الفصوص مزدوجة الخطوط، فضلاً عن عنصر كأسي احادي القاع ثنائي الفلق وثلاثي مدمج مع الغصن ضمن الخطوط الخارجية ووظفت ضمن الاغصان الكاسية عقد رابطة مزدوجة منها ذات قاع مجوف ثلاثي الفلق وأخرى ذات قاع مفلوق ثلاثي الفلق شغل بعضها منطقة لتفرع الاغصان او اشغال فضاء ضمن التصميم وللمبالغة في قياسات الاغصان الكأسية ومفرداتها واشغالها الحيز المكاني المتاح الكبير والمغايرة اللونية لها اعطت السيادة المظهرية في فضاء التصميم على الرغم من المقاربة اللونية مع بعض التكوينات الاخرى .
وتضمن التصميم أيضا زخارف نباتية زهرية احادية الغصن مصمتة لونيا وازهار مركبة وبسيطة مفردة ومزدوجة الخطوط، واوراق نباتية سعفية مسننة الحواف مفردة ذات قاع كأسي ثلاثي الفلق ملحق بها بعض المفردات البسيطة ووريقات مفردة ومفردات مركبة متعددة الاشكال خماسية الاوراق ورباعية وثلاثية وازهار مركبة اشبه بورقة العنب مسننة الحواف ومستوحاه من شكل ورقة سعفية، اضافة الى ازهار بسيطة ثنائية وثلاثية وخماسية مفصصة واغصان زهرية تضمنت توريقات بسيطة حافاتها مسننة ذات استطالة مفردة ومركبة وبراعم مدورة احادية الفصوص وثنائية مدمجة مع الغصن ضمن مسار حركته الغصنية .
اما الاطار الزخرفي فمفرداته تقترب من ان تكون ذات اشكال كأسية مصمتة لونياً وذات حشو بمفردات كأسية صغيرة وبراعم مدورة شغل فضاء العناصر الكاسية ثنائية الفلق وكأسية احادية وثلاثية الفلق، وهناك تنوع مسار حركة الاغصان في التصميم اذ تتحرك الاغصان الكأسية الرئيسة بحركة دورانية معكوسة لا تعتمد على نقطة انبثاق معينة والاغصان الزهرية ذات حركة حلزونية مغايرة لمسار حركة الاغصان الكأسية، في حين تتحرك اغصان التكوينات الركنية بصورة حلزونية مفصصة عند بعض المفردات ومتموجة في بعضها الاخر وتنوعت مناطق انبثاق الاغصان وفقاً لمسار الغصن في اشغال فضاء التكوينات الركنية ، في حين جاء الإطار الزخرفي على وفق حركة متموجة ضمن المفردة الاساسية الكاسية في الوحدة القابلة للتكرار ضمن فضاء الاطار ، والتباين في قياسات الزخارف الكاسية والزهرية ضمن التصميم والتكوينات وتنوع الوانها والتعدد في حركتها الغصنية ولد قوة اظهار اكبر لشكل التصميم تنطوي على هيأة متوازنة شكلياً .
ومن وجه اخر من وجوه التصميم اعلاه نجد ان المصمم قد اتاح تنظيم القلوب الزخرفية عبر تسلسل تتابعي بصورة عمودية ليضفي ايقاعاً مساحياً متفاوتاً في القياس داخل العقد الواحد، بدءاً من تكوين القلب اعلى فضاء التكوين الى اسفله مرورا بالشكل الزخرفي المركزي المتمثل بالزهرية وسط اللوحة، مما حقق استقراراً شكلياً منتظماً من خلال اعتماد تكوينات التكرار المتغير ضمن الفضاء العام للتصميم والذي ادى بالنتيجة الى بروز السيادة للشكل المركزي ذي المغايرة اللونية والشكلية، اذ ولد منطقة جذب بصري له دون غيره من باقي التكوينات مما حقق السيادة المظهرية ، وأما فيما يخص مسارات حركة الاغصان ضمن الاشكال الزخرفية فعولت على التنظيم الملتف نحو الداخل للشكل المركزي، فضلاً عن الحركة المتموجة المتحققة ضمناً في بعض المفردات الكأسية في حين اعتمد القلب الاعلى والاشكال الاخرى من تحته على الحركة الحلزونية المتموجة بغية اشغال المساحة المتاحة والمعتمدة على نقطة انبثاق واحدة للأغصان او منطقتين ضمن فضائهما.
لقد ظهر فضاء التصميم ذي اللون (الأصفر) والزخارف الكاسية المزدوجة الخطوط ضمن المساحة الاساسية ، وعولجت بعدة الوان متضادة ، فالخطوط الخارجية للأغصان والمفردات على وفق اللون الأسود حصر داخلها فضاء باللون الشذري واشغال فضاءات العناصر الكأسية باللون الأزرق المتقارب مع لون الفضاء الاساسي ولتضاد هذه الالوان مع لون الفضاء الاساسي احدث التاكيد السيادة المظهرية للزخارف الكاسية ، فضلاً عن تحقيق البروز المظهري لها ، اما الازهار المركبة والبسيطة فاعتمد على (الأزرق – الشذري – الأبيض) وتم توزيعها بطريقة انتشارية ضمن فضاء التصميم لتعطي توازناً وانسجاماً لونياً وعدم التشتت اللوني في منطقة معينة دون اخرى.
في حين عولج فضاء التكوينات الركنية بالالوان المتقاربة كالوان الاصفر والابيض والبني للفضاء والأزرق والأسود للزخارف والبني الغامق الموظفة داخلها ، اما الشكل السيادي في وسط اللوحة فنجده قد شغل مساحته المقررة باللون الازرق واللون الشذري والاغصان البنية مطعمة بنقاط واشكال متداخلة من اللون الأزرق، والقلب الاعلى جاء به الفنان باللون الابيض المطعم بالأزرق والبني الفاتح، في حين استخدم الوان الأبيض والبني الفاتح للأغصان المنبثقة منها براعم متفرعة والمفردات الكاسية والتي نتجت بدورها عن المقاربة اللونية بين الشذري والأزرق، مما ادى الى تحقيق وحدة تصميمية منسجمة ذات استقرار بصري لمجمل التصميم وتكويناته الزخرفية .
اترك تعليق