457 ــ هاشم الصياح (توفي 1193 هـ / 1779 م)

هاشم الصياح (توفي 1193 هـ / 1779 م)

قال من قصيدته المشهورة التي مطلعها (قم جدد الحزن في العشرين من صفر) وتبلغ (76) بيتاً:

يا واردي (كربلا) من بعد رحلتِهمْ     عنها إلى بقعِ الـتـهـتـيـكِ والـشهرِ

يا زائـري بـقـعـةً أطـفـالُـهم ذُبحتْ     فيها خذوا تربَها كحلاً إلى البصرِ

والـهـفـتـا لبناتِ الطهرِ حين رنـتْ     إلـى مـصـارعِ قـتـلاهـنَّ والـحـفرِ (1)

ومنها:

لا تحسبوا (كربلا) قفراءَ موحشةً      أضحتْ تفوقُ رياضَ الخلدِ بالزهرِ

يا راجـعـيـنَ الـسبـايا قاصدينَ إلى     أرضِ الـمدينةِ ذاكَ المربعِ الخضرِ

خُذوا لـكـمْ من دمِ الأحبابِ تحفتكمْ     وخـاطـبـوا الـجـدَّ هذي تحفةُ السفرِ

ومنها:

قـولـوا لـعـابـــدِه أن لا يــفــارِقُـــه     فـ (كربلا) منزلُ الأحزانِ والضجرِ

يا (كربلا) أيَّ جسمٍ في ثراكِ ثوى     لـو تـعـلـمينَ لنلتِ العرشَ في القدرِ

لآلـئٌ كـعـبـةُ الـهـادي لـهـمْ صدفٌ     لـديكِ مـا بـيـنَ مـكـسـورٍ ومـنـفـطرِ

الشاعر

السيد هاشم الصياح الستري القاري البحراني: عالم وشاعر ولد في قرية سترة بالبحرين، وينتسب إلى الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، قال عنه الشيخ علي البلادي: (من علماء البحرين السيد النجيب الأديب السيد هاشم المعروف بـ (الصياح) الستري البحراني، كان رحمه‌ الله شاعراً له يد طولى في علم التجويد ولهذا يلقب بالقاري، سمعت من شيخنا الثقة العلامة المرحوم الشيخ أحمد ابن المقدس الشيخ صالح أن له كتاباً في القراءة سمّاه (هداية القاري إلى كلام الباري)

ثم قال البلادي: وعندنا كتاب (مقنعة الشيخ المفيد) رحمه ‌الله نسخة قديمة جداً عليها تملكه، وأنهى نسبه فيها للإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ولم أقف له على ترجمة تغمده الله بالرضوان والرحمة. (2)

شعره

لم نعثر من شعر الصياح سوى على قصيدته التي ذكرناها والتي كتبت عند قبره، (3) وقد خمس وشطر هذه القصيدة كثير من الشعراء وطالما رددها خطباء المنبر الحسيني وهي تحكي قصة أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) ورجوع السبايا إلى كربلاء لدفن رؤوس الشهداء مع الأجساد الطاهرة، يقول الصياح في قصيدته:

قُمْ جدِّدْ الحزنَ في العشـرينَ من صُفرِ     فـفـيـهِ رُدَّتْ رؤوسُ الآلِ لــلـحـفرِ

آلُ الـنـبـيِّ الــتــي حُـلّــتْ دمـــاؤهـــمْ     في دينِ قومٍ جميعُ الكفرِ مـنه بري

يا مـؤمـنـونَ احـزنـوا فــالـنارُ شـاعلةٌ     ترمى على عروةِ الإيمانِ بـالـشررِ

ضُـجّـوا لـسـفـرتِـهـم وابكوا لرجـعتِهم     لا طبتِ من رجعةٍ كانتْ ومِن سفرِ

تـذكّـروا مـبـتـدا أيـامِ رجــعـــتِــهـــــم     وأعـقـبـوا سـوءَ مـا لاقوا بذا الخبرِ

فـسـلـهـمُ هـلْ رجـعـتـمْ لـلـجـسـومِ وقدْ     تـركـتمـوهـا مـزارَ الـذئـبِ والنَّسِرِ

وسَـلـهـمُ عـن رؤوسِ الآلِ هلْ نـشفـتْ     دماؤهـا أمْ لهـا الـتـقـطـيـرُ كالمطرِ

وسَـلْ أرأسُ حـسـيـنٍ غــابَ رونــقُـــه     أمْ نورُه مُـخـجـلٌ لـلـشـمـسِ والقمرِ

وسَـلْ عـن الـلـؤلـؤِ الـمـنظومِ في فــمِه     لـعلـه بـعـد قـرعٍ غــيــرُ مُـنـتـشــرِ

وسـلـهـمُ عـن جـبـيـنٍ كـانَ مُـنـتــجــعاً     مِن الـرسـولِ بتقبيلِ الرسولِ حَري

واسـتـحـكِ عـن شـعـراتٍ في كـريمـتِه     فديـتُ طـلعةَ ذاكَ الشيبِ في الشعرِ

هـلِ الـطـرواةُ فـي الـوجـهِ الوجـيـهِ له     أمْ غيَّـرتـهـا لــيـالـي الـسـودِ بـالغِيرِ

وقـد رووا أنّــه لـمّـا يـزيـــدُ قــــضـى     مـآربـاً مـن بـنـي الـمختارِ بالضررِ

دعـا يـزيـدٌ عـلـيَّ بــنَ الـحــسـيـنِ إلى     مـقـامِـه فـي عـلـوٍّ أيَّ مـفـتـخــــــرِ

وقـالَ مـعـتـذراً يـا ابـنَ الـحــسـيـنِ لقد     كانَ الذي كانَ أمراً صارَ في القدرِ

أبـوكَ قـاومـنـي فـي الـمـلـــكِ مـفـتخراً     يـقولُ أنّــي بـتـقـديـمٍ عـلـيـكَ حَري

وكـانَ يـعـلـمُ أنّـي لا أطــــيـــــعُ لـــــه     لا أتركُ الــمـلـكَ لو خُلِّدتُ في سقرِ

والآنَ إذ كــانَ مـا قـــد كانَ وازدهرتْ     لآلِ سفـيــانَ دورُ الـفـتـحِ والــظـفرِ

أن كـنـتَ تـهـوى ديـــارَ الـشـامِ تسكنُها     فـانـزلْ بـهـا مـسـتـقـراً غيرَ مُحتقرِ

وأن أردتَ رجــــوعــاً لـلـمـديـنــةِ سِرْ     مـؤيَّــداً سـالـمـاً مـن بـعـدِ مُــزدجـرِ

وخُـــذ مِـن الـمـالِ مــا تــخـتــارَه ديـةً     عـن الـحـسـينِ وعن أخوانِـكَ الغُررِ

فـــعـنـدَ ذاكَ بـكـى الـسـجــادُ مُـنـتـحباً     وقـالَ لازلـتُ فــي ذلٍّ وفـــي ضررِ

لــقد قـتـلــتَ أبـي ظـلـمـاً عـلـى ظــمـأً     وأخـوتـي وبـنـي عـمّــي ومـفتخري

والآن تـــطعمني في الحالِ مـن دمِـهـمْ     فـيـالـكَ الـويـلُ لا بُـوركـتَ مِن بشرِ

لـقـــد صــنـعـتَ بِـنـا مـا شئتَ من نكدٍ     فـأعـطـنـا رخـصـةً مـن هـذهِ الحجرِ

لـــعـلَّ أمــضـي بـأهـلـي والـحريمَ إلى     ديـارِ طـيـبـةَ نـقـضـي الـعمرَ بالكدرِ

ومــطـلـبي منكَ أن مُرْ لي برأسِ أبـي     وروسَ قـومـيَ أهـديـهـا إلــى الـحفرِ

ومُرْ بأن يسلكوا بي في الطريقِ علـى     سمتِ الطفوفِ لأقضي بالبُكا وطري

فقالَ إنَّـا وهـبنـاكَ الــرؤوسَ فـــسِــــرْ     بـهـا لـمـا شـئـتَ أن تـدفـنْ وأن تـذرِ

هـنـاكَ نـــادى بــنـعـمـانٍ وقـــالَ لـــه     أنـتَ الأمـيـرُ عـلـى تـسـيـيـرِهمْ فَـسِرِ

واسـتـخـرجَ الـسـيـدُ الـسـجَّـادُ نســوتَه     مِـن بـلـدةِ الـشـامِ بـالإكــرامِ والسـررِ

ورأسُ والــدِه كـانـتْ بــضــاعـــتُــــه     مـن شـامِـهـمْ ورؤوسُ الـعترةِ الغُـررِ

لـهـفـي عـلـى الـنسوةِ الحزنا محـــملةً     عـلـى الـنـيـاقِ تشيعُ النعيَ في السـفرِ

يا واردي كربلا مـن بـعـدِ رحـلـتِـــهمْ     عنها إلى بقعِ الـتـهـتـيـكِ والــشــهــرِ

يا زائـري بـقـعـةً أطـفـالـهـمْ ذبـحـــتْ     فـيـهـا خُـذوا تـربَها كحلاً إلى البصرِ

والـهـفـتـا لـبـنـاتِ الطهرِ حينَ رنـــتْ     إلـى مـصـارعِ قــتـــلاهـــنَّ والـحـفرِ

رمينَ بالنفسِ مِن فــوقِ الـنياقِ عـــلى     تـلـكَ الـقـبـورِ بـصـوتٍ هــائــلٍ ذعِرِ

فـتـلـكَ تـدعـو حسيناً وهيَ لاطــــمــةً     مـنـهـا الـخـدودَ ودمـعُ الـعـينِ كالمطرِ

وتـلـكَ تـصـرخُ واجـــداهُ وأبـــــتـــــا     وتـلـكَ تـصـرخُ وايــتـمـاهُ فـي الصغرِ

فـلـو تـروا أمَّ كــلــثــومٍ مُـــــنــاشـــدةً     ولـهـى وتـلـثـمُ تــربَ الـطـفِّ كالعطرِ

يا دافني الرأسِ عندَ الـجثةِ احــتـفظوا     بـاللهِ لا تــنــثــروا تــربـــاً عـلـى قـمرِ

لا تــدفنوا الرأسَ إلّا عـنـدَ مــرقـــــدِه     فـأنّـه روضـةُ الـفــردوسِ والــزهــــرِ

لا تـغـسـلـوا الدمَ من أطرافِ لـــحيتِه     خـلـوا عـلـيـهـا خـضـابَ الشيبِ والكِبرِ

لا تـخرجوا أسهماً في جسمِه نـــشبتْ     خــوفــاً يــفــورُ دمٌ يــطـفـو على البشرِ

رشـوا عـلـى قـبـرِهِ مـاءً فـصــاحـــبُه     مـعـطّـشٌ بـلـلـوا أحـشـــاهُ بـالـقـطـــــرِ

لا تـدفـنـوا الـطـــــفـلَ إلّا عـنـدَ والـدِهِ     فـإنّـه لا يــطـيـقُ الـيـتـمَ فـي الـصــغـرِ

لا تـدفـنـوا عــــنــهـمُ الـعـباسَ مـبتعداً     فالرأسُ عن جسمِه حتى الـيـديـنِ بُري

لا تـحــــسـبـوا كـربلا قفراءَ مــوحشةً     أضـحـتْ تـفـوقُ ريـاضَ الـخلدِ بالزَّهرِ

يا راجعينَ الـسـبـايـا قــــاصـديـنَ إلى     أرضِ الـمـديـنـةِ ذاكَ الــمـربـعِ الخضرِ

خذوا لكمْ من دمِ الأحـــبابِ تُـحـفـتـكمْ     وخــاطـبـوا الــجــدَّ هـذي تـحـفـةُ السفرِ

قــولــوا لــعـــــابـدِه أن لا يــفــارقُـــه     فـكـربـلا مــنــزلُ الأحــزانِ والـضـجرِ

يا كـربـلا أيَّ جـســـــمٍ في ثراكِ ثوى     لــو تــعـلـمـيــنَ لنلتِ العرشَ في الـقدرِ

لآلـئٌ كــــــعـبـةُ الـهادي لـهـمْ صـدفٌ     لــديــكِ مــا بــيــنَ مــكــسـورٍ ومُنـفطرِ

شـكـكـتِ مـن نـقطِ المرجانِ من دمِهمْ     قـــلائـــداً نــورُهـــا يــعـلو عـلى الدُّررِ

ضـمـمـتِ أشـبـاح أنــوارٍ فــواعـجبـاً     عن ساحةِ الأرضِ فوقَ العرشِ لم تصرِ

وطـتـكِ أقـدامُـهـمْ فـأرتـاحَ مـن شرفٍ     ثـراكِ يـعـطـي حـيـاةَ الــجـنِّ والــبــشرِ

زاروكِ يـومـاً فـأمـسـى زائــروكِ لهمْ     شـــــــأنٌ تـفـوَّقَ مِـن حــاجٍ ومُــعـتــمـرِ

يـا مـؤمـنـونَ اكـثروا للحزنِ وانتحبوا     عـلـيـــــــهـمُ مـدَةَ الآصــالِ والــســحــرِ

حـطـوا عـزاهُ وقـولــوا رأسُ ســيِّــدِنا     قـد رُدَّ للـــــجسمِ في العشرينِ مِن صفرِ

وابـكـوهُ يـرنـو شـطـوطَ الــما ومهجتُه     فــي حـرَّةٍ لــــــم يـطـقـهـا طـاقـةٌ البشرِ

وابـكـوهُ يـلـثـمُ أطـفـالاً ويــرشـفُـــهـــا     مُـودِّعـاً ودمــــــوعُ الــعـيـنِ كـالـمــطرِ

وابـكـوهُ إذ صـارَ مـأوى الـنـبـلِ جـثّتُه     وصـدرُه مـركـزُ الــــــخـطـيَّــةِ الـسُّـمرِ

وابـكـوهُ أذ بـلَّ وجـهَ الأرضِ من دمِه     وخرَّ عن متنِ برجِ الــــــسـرجِ كـالـقمرِ

وابـكـوهُ والـشـمـرُ جـاثٍ فـوقَ مـنـكبِهِ     يـحـزُّ رأسـاً سـمـا عـن كـــــلِّ مُــفـتخَرِ

قـد مـكَّــنَ الـسـيـفَ فـي نـحـرٍ يـهـبِّرُهُ     والـسبط يفحصُ رجلاً حـــــالَ مُحـتضرِ

وابـكـوهُ والـذابـلُ الـخـطـيِّ مُـحـتـمــلاً     رأسَ الجلالِ ورأسَ الـمجــــدِ والـخطرِ

وافدوا نتيجةَ واطي العرشِ تحطمُه الـ     ـجـيـادُ لـم يـبـقَ عـضـوٌ غـيــــرُ مُنكسِرِ

لا يـفـجـعُ الـدهـرُ إلّا مَــن يــحــسُّ بهِ     مـلـجـاً مـرجَّـىً لدفعِ الضيمِ والــــضَّررِ

كـلُّ الـثـمـارِ عـلـى الأشــجـارِ بـاقـيـةً     ولـيـسَ يُـقـطـعُ إلّا طــــــيِّــبُ الــثــــمـرِ

كـلُّ الـكـواكـبِ فــي الأفــلاكِ آمــنــةً     والكسفُ والخسفُ حـظ الشمسِ والـــقمرِ

يا عترةَ الـمصطفى المختارِ يا عُددي     ومَـن بـدولـتِـهـم عـــزِّي ومُــفــتـخـــري

أنتمْ أولوا الـفـضـلِ إذ جـئتـمْ على قدرٍ     كـمـا أتـى ربَّــه مــوســى عـلـى قـــــدرِ

يـا سـادتـي أرتـجـيـكـمْ دائــمـاً لأبـــي     والأمُّ والأهــلُ أمـنــاً مـن لـظـى سـقــــرِ

صـلـى عـلـيـكـمْ إلـهـي حيـثُ خصَّكُمُ      بـعـصـمـةٍ مـن جـمــيـعِ الإثـمِ والـكـــدرِ

.........................................................................

1 ــ ديوان القرن الثاني عشر ج 2 ص 118 ــ 124 / عن موسوعة شعراء البحرين ج 4 ص 419 / ذكر منها (8) أبيات في أدب الطف ج 7 ص 318

2 ــ أنوار البدرين ص ٢٣٢ ــ 233

3 ــ حسن الوردي ــ السيد هاشم الصياح الستري البحراني أصالة و إبداع ــ موقع سنوات الجريش

ترجم له:

السيد محسن الأمين / أعيان الشيعة ج ١٠ ص ٢٣٧

السيد جواد شبر / أدب الطف ج 7 ص 318 

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار