هل الشيعة هم المقصودون بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا) ؟

إنّ الخطابَ القرآنيّ بهذهِ الآياتِ مُتوجّهٌ إلى المؤمنينَ، حيثُ أُخذَت صفةُ الإيمانِ في متعلّقِ الخطابِ، وهذا يُعتبرُ تشريفاً وتكريماً للمؤمنينَ، وتحفيزاً وتشجيعاً لغيرِهم ليتحلّوا بصفةِ الإيمانِ.. ويقعُ التّساؤلُ: هلِ المرادُ بالإيمانِ هوَ الإيمانُ الواقعيّ، أو الإسلامُ الذي هوَ أعمُّ فيشملُ المُنافقينَ والمُخالفين؟ فيهِ خلافٌ.. 

ذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أنّ الخطابَ للمؤمنينَ ـ كما هوَ ظاهرُ الآياتِ ـ، لا المُسلمينَ. قالَ الشّيخُ الطوسيّ: هذا الخطابُ يتوجّهُ إلى جميعِ المؤمنينَ، وقد بيّنّا أنّ المؤمنَ هوَ المُصدِّقَ بما وجبَ عليه. (التبيانُ في تفسيرِ القرآنِ ج2 ص81)، وأفادَ السيّدُ الخُمينيّ: أنّ الخطابَ مُتوجّهٌ إلى المؤمنينَ الواقعيّينَ. (ينظرُ: المكاسبُ المُحرّمة ج1 ص250).

وذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أنّ المرادَ بالإيمانِ هوَ الإسلام، وهوَ الإذعانُ الظّاهريُّ باللهِ ورسولِه معَ عدمِ إنكارِ المعلومِ بالضّرورةِ مِن دينِ الإسلامِ، فيشملُ الضّالّينَ والمُنافقينَ أيضاً. قالَ المُحدّثُ البحرانيّ: والمرادُ بالمؤمنينَ المُخاطبينَ هُنا هُم المسلمونَ وإن كانوا مُنافقينَ أو مخالفينَ ـ كما دلّت عليهِ أخبارُ العترةِ الأطهارِ صلواتُ اللَّهِ عليهم ـ، لا المؤمنينَ بالمعنى الخاصّ. (الدّررُ النّجفيّةُ ج2 ص40).

والرّواياتُ الواردةُ بهذا الخصوصِ مُختلفةٌ، فيستفادُ مِن بعضِها أنّ الخطابَ لعمومِ المُسلمينَ، ومِن بعضِها لخصوصِ المؤمنين: 

أمّا الطائفةُ الأولى ـ وهيَ التي أشارَ لها المحدّثُ البحرانيّ في كلامِه الآنفِ ـ: فهيَ ما رواهُ العيّاشيّ والكلينيّ عَن جميلٍ بنِ درّاج: أنّ الطيّارَ سألَ أبا عبدِ اللهِ عليه السّلام فقالَ له: جُعلتُ فداكَ، قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} في غيرِ مكانٍ في مخاطبةِ المؤمنينَ أيدخلُ في هذهِ المُنافقونَ؟ فقالَ: « نعَم يدخلونَ في هذهِ المنافقونَ والضّلّالُ وكلُّ مَن أقرَّ بالدّعوةِ الظّاهرة ». (تفسيرُ العيّاشي ج1 ص34، الكافي ج2 ص412، ج8 ص274). وما رواهُ العياشيّ عن جميلٍ بنِ درّاج، قالَ: سألتُ أبا عبدِ الله عليهِ السّلام عَن قولِ الله: {كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتَالُ} و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ}، قالَ: فقالَ: « هذهِ كلّها يجمعُ الضّلّالَ والمنافقينَ وكلَّ مَن أقرَّ بالدّعوةِ الظّاهرة ». (تفسيرُ العيّاشي ج1 ص78)، ولعلَّ هذهِ الرّوايةَ وسابقتَها مُتّحدتانِ. 

أمّا الطّائفةُ الثّانية ـ وهيَ إختصاصُها بالمؤمنينَ ـ: فهيَ ما رواهُ العيّاشيّ عَن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام في قولِه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ} قالَ: « هيَ للمؤمنينَ خاصّةً ». (تفسيرُ العيّاشي ج1 ص78). وما رواهُ أيضاً عَن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام في قولِ اللهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ القِصَاصُ} أهيَ جماعةُ المُسلمينَ؟ قالَ: « هيَ للمؤمنينَ خاصّةً ». (تفسيرُ العيّاشي ج1 ص75).

وربّما أمكنَ توجيهُ الإختلافِ بأنّ الخطابَ خاصٌّ بالمؤمنينَ بينَما التّكليفُ عامٌّ للمُسلمينَ، فتُحملُ الطائفةُ الأولى على أنّ التّكاليفَ ـ المُضمّنةَ في الآياتِ المُصدّرةِ بخطابِ المؤمنينَ ـ شاملةٌ لكلِّ مَن أقرّ بالدّعوةِ الظّاهرةِ سواءٌ كانَ مؤمِناً أو منافقاً او ضالّاً، وإن كانَ الخطابُ خاصّاً بالمؤمنين. 

وبهذا يظهرُ: أنّ كونَ الخطابِ مُختصّاً بالمؤمنينَ أو بالمُسلمينَ لا يُنافي شمولَ التّكاليفِ لجميعِ المُكلّفينَ؛ لقيامِ الأدلّةِ والبراهينِ على أنّ التّكاليفَ مُشتركةٌ بينَ المُسلمينَ، سواءٌ كانوا رجالاً أو نساءً، عالمينَ أو جاهلينَ.. فالقولُ بتوجّهِ الخطاب للمؤمنينَ الواقعيّينَ لا يُنافي شمولَ التّكاليفِ لسائرِ المُسلمينَ. قالَ العلّامةُ المجلسيّ: كونُ ظاهرِ الخطابِ المُصدّرِ بـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} مُختصّاً بالمؤمنينَ، أو بهِم وبالمُنافقينَ والمُخالفينَ، لا يُنافي شمولَ التّكاليفِ بدليلٍ آخرَ لجميعِ المُكلّفينَ، وقد حُقِّقَ ذلكَ في كتبِ الأصولِ وكتبِ الكلام. (بحارُ الأنوار ج5 ص319).

المرفقات