حسن الكعبي (1366 ــ 1442 هــ / 1947 ــ 2021 م)
قال من قصيدة (كربلاء مدرسة الأجيال) وتبلغ (64) بيتاً:
و(كربلاء) مــنــارٌ حــامــلٌ شُــعلاً مـن الــمـبـادئ تـهـذيـبـاً وتـكوينا
كـأنّــهـا درةُ الــتــاريـــخِ أطــلـــقها ركبُ الخلودِ أضاءت في دياجينا
قامتْ على أرضِها المعطاءِ مدرسةٌ تخضرُّ من نفحِها الزاكي فـيـافينا (1)
ومنها:
و(كربلا) تربةٌ بـالـحـبِّ تـجـمـعُنا لكنه طـيـفُ عـاشـوراءَ يُـبكينا
قتلُ العطاشى بـجنبِ النهرِ يُؤرقنا ولـيـسَ من حولِنا قلبٌ يواسينا
حـرقُ الـخـيـامِ بـيومِ الطفِّ يؤلمُنا ومشهدُ النارِ والأطفالِ يُشجينا
وصرخةُ السبطِ يشكو فقدَ صحبتهِ نـمـوتُ فـيـها أسىً لولا تأسِّينا
وقال من قصيدة (يد على جراح الوطن)
يا وطني الذي تناسلت من نسقه الحروف
لتبعث الحياة في الحقول
وتشعل الشموع في الكهوف
وتدخل النماء في الصخور والعيون والحقول
والذين بايعوا العجول يحسدون كبرياءك
ويمقتون (كربلاء) ك
ويحرقون كل يوم
خيمة الحسين
الشاعر
عبد الحسن فالح حسين ناصر الكعبي، ولد في ناحية القادسية في النجف الأشرف ونشأ في ظل أسرة متدينة وكان أبوه من رجال الدين، ولما توفي والده عام (1964) انتقلت مسؤولية الأسرة إليه مما اضطره إلى التنقل بين عدة محافظات ومن بينها بغداد لطلب الرزق، لكن ذلك لم يمنعه من ممارسة هوايته ورغبته وإشباع نهمه في القراءة فقرأ دواوين الشعراء من العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث.
غادر العراق في التسعينات ورجع إليه بعد سقوط النظام البائد ليستقر وفي جعبته خمسة دواوين منها ديوانه (الحسينيات) والذي طبع عام (2012)
أقام الكعبي في كربلاء حتى وفاته ودفن فيها.
شعره:
قال من قصيدة (يا أميراً على قلوب التقاة) وتبلغ (50) بيتاً:
طـأطـأ الـكـبـرُ فـي بُـنـى أدواتـي ثم أحـنـتْ رؤوسَــهـا مُـفرداتي
واعـتـرى خـاطـرُ الـكـلامِ ذهـولٌ واختفتْ فيه جــرأةُ الـــكــلماتِ
كـلّـمـا طـفتُ فـي رحابِ المعاني جـمـدَ الـدمــعُ في عـيونِ دواتي
وتـخـلّـتْ عــن الـطــرادِ خـيـولي وانزوتْ عن عرائـسِ الغزواتِ
وإذا مــا طـرقـتُ بـابـاً لأنـــجـــو مـن ضـيـاعٍ مـخــضَّبٍ بشتاتي
زادَ من حيرتي اتساعُ الصحارى نـصـبَ عـيـنٍ لــتـســتـقرَ بذاتي
مـفـزعُ الـقـلـبِ هـائماً في شعابٍ لـيـسَ فـيـهـا مــسـاحـةٌ لصلاتي
كـالـذي حـاولَ اقــتــلاعَ صخورٍ حـطّـمـتْ قــبـلـه سـيوفَ الكماةِ
لـسـتُ أدري أغــفـلــةٌ تـعـتريني أمْ جـنـونٌ يـــسـرُّ حـسنَ التفاتي
ألـفُ عـفـوٍ إلـى الــكــلامِ فــإنّـي طـوعُ نـفــسٍ كـثـيـرةِ الـهـفواتِ
ألـفُ عـفـوٍ إذا تـطـاولــتُ شـدواً مـقـحـمَ الــبـوحِ في زحامِ الشداةِ
ألـفُ عـفـوٍ إذا تــجــرَّأتُ أحــبـو فـي جــبــالٍ إلى العُلى شاهقاتِ
كبرَ الخوفُ في لـسـانـي وقـلـبي كـيــفَ أجـتازُ أصعبَ الطرقاتِ
لـيـسَ عـنـدي كـلالـةٌ غـيـر أنـي أشـتــكي من غيوميَ المُمحلاتِ
ثـمَّ حـارتْ سـفـيـنـتـي أينَ أرسو فـاسـتـراحتْ بشاطئِ المكرماتِ
شـاطـئُ الـعـدلِ والـتُقى والتفاني ومـلاذُ الـشـجـي فـي الـعـادياتِ
فـيـهِ نـارُ الـقِـرى وفـيــهِ عــلــيٌّ مُـوقـدُ الـنـارِ فـي فـمِّ الـداجياتِ
أزهـدُ الــزاهــديــنَ قــولاً وفعلاً ووصـيُّ الـرسـولِ بـعـدَ الــوفاةِ
صـائـغُ الـحـبِّ عادلٌ لن يُجارى وأمـيـرٌ عـلـى قـلـوبِ الــتــقــاةِ
طـارَ لــبُّ الــكـمـالِ حــيــنَ رآهُ وتـغـنّـى بـمـا لـهُ مــن صـفـاتِ
واسـتـفـاقَ الـجـمالُ زهواً وكبراً إنـه مـن ظــلالــهِ الــوارفــــاتِ
مـعـجـزاتُ الـكـلامِ تـأتيهِ طوعاً مـعـجـزاتٌ تـهـيـمُ في معجزاتِ
حـكـمـةُ اللهِ قــد تـجـلّــتْ بــيـانـاً سـاحـرَ الـلـفـظِ سـاحرَ النغماتِ
مـن نـواحـيـهِ لـؤلـؤٌ مـسـتـفيضٌ كـشـمـوسٍ عـلـى الدنا مشرقاتِ
سـيـدُ الـحـرفِ والـبـلاغــةِ طرَّاً سـجـدتْ خـلـفـه جـبــاهُ الـلـغاتِ
عجزَ المادحونَ عن وصفِ بحرٍ مـنـه كـلُّ الـنـدى وكـل الـهباتِ
يـا عـلـيـاً مـن الـعُـلى جاءَ عدلاً لـيـقـيـمَ الـحـقـوقَ والـواجـبـــاتِ
يـا مـجـيـرَ الـعـفـاةِ عـنـدَ الليالي ومـغـيـثَ الـجـيـاعِ فـي الـنكباتِ
يـا أبـا الـمـسـلـمـيـنَ والمسلماتِ يـا حـمـى الـمؤمنينَ والمؤمناتِ
أنـتَ عِـدلُ الـكـتـابِ دونَ فروقٍ أنتَ سيفُ الإلـهِ فـي الـحـادثاتِ
أنـتَ عـيـنُ الرســولِ أنـتَ يـداهُ أنتَ أمضى سيوفِهِ الـضـاربـاتِ
أنـتَ قـبــلَ الغديرِ كـنـتَ أمـيـراً حـيـث ولّاكَ سـيـدُ الـكـائــــناتِ
كلُّ آيــاتِ (هـل أتـى) أنتَ فيها مـثـلَ نـورٍ يــشــعُّ مــن نـيِّـراتِ
أنـتَ يـومَ الـوداعِ كـانَ امـتحاناً لـزمـانٍ يــعــجُّ بـالـمـعـطـيـــاتِ
فـارتـضـاكَ الإلــهُ فـــيــنـا ولياً فـيـه ركـنُ الـهـدى وحبلُ النجاةِ
مـنـذُ غـادرتــنــا ونـحـنُ بفيضٍ مـن هـدايـا جـراحِـكَ الـنـازفاتِ
ومِـنَ الـنـاسِ صادقٌ في النوايا ومِـن الـنـاسِ ســيءُ الـنـزعـاتِ
والـذي سـاءَ حــظــه وتـــردّى وجـرتْ فــيـه شـهـوةُ المغرياتِ
مـالَ عـن نـهـجِكَ القـويمِ وولّى مـدبـراً تــحتَ وطــأةِ الـلـعـناتِ
واسـتُـبـيـحـتْ وصــيةُ اللهِ فيكمْ بـيـنَ أهـلِ الـهـوى وظلمِ الرواةِ
وإلـى الآنَ والـمـراديُّ غـــولٌ يـزرعُ الـرعبَ في طريقِ الهداةِ
وإلــى الآنَ والـمـراديُّ يسعى عـابـثـاً فــي حــدائــقِ الأمـنـياتِ
شـاهـراً سـيفَه على كلِّ غصنٍ يـنـثـرُ الـوردَ فـي وجــوهِ الحياةِ
واسـتـطـالـتْ عـلى ربانا دعاةٌ كـالـشـيـاطـيـنِ يـا لـهمْ من دعاةِ
قـطـعـوا الوردَ عن شفاهِ بيوتٍ تـأخـذُ الـمـاءَ مـن عـيونِ صفاةِ
صـمـتـتْ ألـسنُ الزمانِ وشلّتْ عـنـدمـا سـادَ مـنـطـقُ الـعبواتِ
فـإلـى من أبثّ شكوى جراحي واحـتـمـالَ الأذى وظـلمَ القضاةِ
وإلـى أيِّ ساحلٍ سوفَ أمضي يـا هـلاكـاً يــجــودُ بـالـمهلكاتِ
وإلـى أيِّ مــذهــبٍ مُــنــتـهـانا بـعـد أن بـادَ مــذهــبُ الـثـكناتِ
يـا أبـا الـحـسـنـيـنِ إنَّـــا بــراءٌ مـن قـلـوبٍ لـغـيــرِكــم خافقاتِ
وقال من قصيدة في مولد الحسن المجتبى (عليه السلام)
كلُّ الـيـنـابـيـعِ قـد يغتالها نضبُ ومـاءُ بـحـرِكَ دفَّـاقُ وما رُدما
وقد رميتَ بعينِ العطفِ أسوأهمْ وما رميتَ ولكن مُحتداكَ رمى
قدتَ النفوسَ إذ الـطوفانُ يخنقُها وفي ضميرِكَ سـلـمٌ لا لـيـنـتقما
قالوا وداعاً فقد نأوي إلـى جـبـلٍ عند العبورِ فحالَ الموجُ بينهما
إن الذينَ اباحوا ظهرَ صـاحـبِهمْ لا يعقلونَ وإن طـوَّقتهمْ حِـكـمـا
إنَّ الـطـيـورَ الـتي غنّتكَ مِن ألمٍ عادتْ وريشاتُها لا تـشتكي ألما
وقال من قصيدة في رثاء الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
يا لـيـلـة مـا كـانَ غـاسـقُها إلّا على نـعـي الهدى وقبا
وإذا المنونُ يطوفُ طائفُها في جانبِ المحرابِ منثقبا
فـدنـا إلـى سـيفِ الإلهِ وقد أهوى بسيفٍ ساءَ مُـنـقـلبا
فأهتزَّ عرشُ اللهِ سـاعـتـها لـيـريـكَ مـن آيـاتهِ عـجـبا
وقال من قصيدة لقاء البحرين في زواج الزهراء من الإمام علي (عليهما السلام):
مهما أتيتُ عن الـبـحـارِ فـأنــــهُ وجـمـيـعُ مـا مـلكتْ يـدي الماحُ
وكـأنـنـي طـفـلٌ يُـقلبُ بالحـصى وعلى الشواطئ تلعـبُ الأشباحُ
ماذا عساني أنْ أقولَ سوى الذّي فيهِ لبعضِ صـبـابـتـي إيـضـاحُ
هـذانِ مـحـبـوبـاي مـن ذكراهُما تشفى الجراحُ وتستفيقُ جِــراحُ
أ ألـوذُ بـالــكـتـمـانِ حـيـثُ نوالهُ وهمٌ وصمتُ العاشقينَ صــياحُ
منْ قـالَ إنكَ قد وِلدتَ ولــم تـلـدْ أحداً وماؤكَ راكدٌ ضـحـضــاحُ
قد يُحدٍثُ الـقــبسُ اشتعالاً هـائلاً نـيـرانـهُ تـجـتـاحُ مــا تـجـتــاحُ
ولـرُبَ فـاتـنـةٍ أضـــرَّ بـعـودِهـا وقـعُ الـسـنـيـنُ وهـجرُها اللّفاحُ
هزَّ الـجـمـالُ فؤادَها فـتـفـتـحـتْ أزهـارُهـا وتـسـاقطَ الــتــفـــاحُ
ومن الليالي الـسـاكـنـاتِ زلازلٌ تـمـشـي سـيـوفٌ تحتها ورماحُ
وزلازلٌ زرعـتْ غـصـونَ محبةٍ يـشـدو عـلـيـهـا طـائـرٌ صدّاحُ
وقال من قصيدة (أسماء والغدير):
عطِشَ الزمانُ فحطَّ فوقَ ضفافهِ فتعانقَ التُعساءُ والسُـعـداءُ
حَمَلتْ إلى الأبـوابِ منه رسائلاً وتعمَّدتْ في مائهِ الأشــياءُ
لو أنزلَ الـرحـمـنُ فـيـهِ مـقـالـةً ماذا سيكتبُ بعدهُ الشُـعراءُ
بـكَ يـا عـلـيُّ تـكـلّمتْ بصماتُنا وتنفّسَ الأمواتُ والأحـيــاءُ
أنتَ الذّي الدستورُ اصبحَ كامِلاً فيه وغيرُك نـقـمـةٌ وبــلاءُ
نـيِـطتْ بأيديّ اللاعبين فصولُهُ فتحكّمتْ بـفـصولهِ الأهواءُ
فطويتَ كشحاً عـن مفاتِنِها ولَنْ تُغريك في ضحكاتِها أسماءُ
حتى ملكتَ من القلوبِ زمامَها ولـمـثـلِ هـذاْ يعملُ العظماءُ
وقال من قصيدة (أخـا الـحـسـيـن) وهي إلى حـامـل لـواء الـحـسـيـن أبي الفضل العباس (عليهما السلام)
أكبرتُ شمسَ غرامي والهوى شَغَـفُ وكـأسُـه مــن بـقايا الروحِ تــغـتــرِفُ
غـضٌ وقـد هـالـني أنّي غدوتُ فـتــىً وراقَ لـي مـنذُ فجرِ العشقِ مُـنعَطـفُ
عـنـدي ألـذُّ الحـكـايـا طرَّزتْ زَمَـنـي ومـنْ حــدائـقِ صمتي أورقـتْ تُحَـفُ
أتـيـتُ أبـحثُ عـن صحـبي بكلِّ مدى سعياً بأقـصـى حدودِ الصبرِ لا يـقــفُ
حـمـلـتُ أجـمـلَ أحـلامي وطفتُ بهـا ورحـتُ أعـــرضُ أوراقي وأعتــرفُ
مـا أجـمـلَ الـبـوحِ لـو كانـتْ نوافــذُه عن شامخـاتِ الأماني ليسَ ينـحـــرفُ
أصـبــو لـبـاقـةِ وردٍ لا يـــنـازعُـنــي لـهـوٌ عـلــيـهـا ولا زهــــوٌ ولا تــرَفُ
كأنَّ لحنَ الصِّـبـا في كـلِّ جـــارحــةٍ مِـنِّـي جــديـدٌ ومَـسـتُـــورٌ ومُـنـكَـشِـف
لا أستجيبُ لأهـلِ الـعـذلِ إن عـذلــوا عـنـدَ الـزُّحامِ إذا شطّـوا أو ائــتــلـفُـوا
كانـتْ مـضاربُهمْ قـربـي وقـد رحلوا وربَّ جــرحٍ بـه تُستنــطـقُ الـصُّحُـفُ
إنَّ الـذيـنَ غزتْ قـلـبـي مـنازِلُـــــهـم لمْ يرحَلوا والهوى عنـدي هـوَ الهَـدَفُ
شَـقّوا الـطريقَ إلى الأرواحِ واعجبي هُـمُ الــدواءُ وقـلـبي عــنـدهـمْ دَنِـــــفُ
سـادوا قـلـوبـاً شَـتَاتَـاً فـي طـرائِـقِـهـا إنَّ الــسـيادةَ لا تـــأتــي بِــها الصُّـدَفُ
لله أكـتـافُـــهـم.. لله مــا حَـمَــــــــلـتْ صــوبَ الثـريَّـا نـفوسـاً مِــلـؤهَـا أنَـفُ
هُـمُ الإبـاءُ إبـــــــــــاءٌ لا حـــدودَ لـه مـثـلَ الـوفــاءِ وفـاءٌ فـــوقَ مـا أصِـفُ
فـي ركـبِـهـم قـمرٌ يـسـمـو وشـاغِـلـه من غيرِ ذي الجودِ لـم ينهضْ به كَتِفُ
مـهـنَّـدٌ قــــد بــراهُ اللهُ ... مـنـتـقــمـاً من كلِّ ذي عِوَجٍ خــانتْ بــهِ الـنُّـطـفُ
وفـاؤه لـوفاءِ الـنـــــــاسِ أجـمـعِـهــمْ قـصـيـدةٌ تستحي مـــن غـورِهـا النّتَـفُ
تـلـقّـفَتْـه حِـجُـورُ الـفـضلِ من صِغَـرٍ وشـبَّ لـلـفـضـلِ فـــي أحــضانِهِ كَنفُ
مـا ضاءَ في خاطرٍ الأيّامِ من لهَـــبٍ إلّا وكانَ إلـى عــــيـنـيـــــــــهِ يــزْدَلفُ
هذا أبو الفضلِ من أرسى محامدَه الـ ـذي مـن يـــديــهِ الـفـضــلُ يُـــقــتَطـفُ
المجدُ ســـاحـتُـه والـبـأسُ ديـــــدنَـــه والـحـقُّ مـــوئِـلـه والـعــزُّ والــــشرفُ
وإنْ أصابَ قوامَ الأرضِ مـن خَـلَـــلٍ وأعرضَ الناسُ عن مرساهُ وانصرَفَوا
فـاللهُ غـايـتُه فــي كـل مـا افـتعــلـــوا وفـي رضـاهُ متى مـا شــاءَ يـلــتــحـفُ
لـو يـنـفـدُ البحرَ لمْ يـنـفـدْ لــــه ألـــقٌ بـه بـصـائـرُ أهلِ الـودِّ تـخــــــتـــطـفُ
تـلـكَ السجايا كثيراً مـا فـتـنـتَ بـهــا حتى تـمـنَّـيـتُ أن النـــاسَ مـا عَــرفَـوا
والـلـــؤمُ كـالـظـلِّ لـلأقزامِ حاقَ بهمْ إنْ حُوصِرُوا هرَبَوا أو أكرِمُوا عَسَـفُـوا
لا زلتُ أحملُ جرحي فوقَ ناصيتـي وليسَ في خـــاطـري حــيـفٌ ولا أسفُ
ولا تـضـيـقُ بـيَ الـدنـيا بما رحُبــت وصاحبُ الجودِ فـي أطــرافِـهـا طـرَفُ
ساقي العَطاشى بيومِ شَـــحَّ مـــوردُه من جـودِكَ النـارُ بـردٌ حـيـنَ تــرتَـشِـفُ
مـلـكـتَ نـفـسَـكَ قـبـلَ الـمـاءِ مُقتدرِاً وأنـتَ والـنـفـسُ فـردٌ لـســـتَ تـخـتـلـفُ
أدنيتُه عطـشـاً مـن فـيـكَ فــانْـبَجَسَتْ بـكَ الـمـواقـفُ مـأخــوذاً بــمـنْ سَـلَـفُـوا
نـبـذتُـه جـمــــــرةً يـؤذيـكَ لاهــبُـهـا ومـا شـربـتَ وفـاءً لـلـذيـــــــــــنَ وَفُـوا
أخَـا الحُسينِ.. وهلْ نزفُ المدادِ يَفِي نـزفَ الـدِّمـاءِ لـدى الأحرارِ إن نَزَفُـوا؟
لـكـنَّمَـا حـرقـةٌ فـيـنـا تُــــــــــؤرِقُـنَـا مـنـهـا مـلامـحُ وجـهُ الـموتِ تــرتـجـفُ
وقال من قصيدة (أتهدم قبة الهادي نهارا !!) فـي الـذكـرى الـمـفـجـعـة لـتـهـديـم قـبـة الإمـامـيـن الـعـسـكـريـيـن (عـلـيـهـمـا الـسـلام)
زحـامٌ بـيـنَ أنـفــاسي وبـيـــنـي وبين أحـبّتي ودموعِ عـيـنــي
أنـازلُـه ضحىً ودويَّ صــوتـي لدى الدنيا بعرضِ المـشرقينِ
فـلا نـامـتْ عيونـهـمُ وعـنـــدي فؤادٌ مترعٌ بـهـوى الحـسـيـنِ
وعـزمٌ دأبُـه خــــوضُ الـمـنـايا من العباسِ مقـطـوعِ الـيـديـنِ
أعطّرُ من لهيبِ الـطفِّ روحي وأشهرُ سيفَه فـي الـخـافـقـيـنِ
فـويـلٌ للذي قـد جـاءَ يـســـعـى لـيـقـتـلَ عــنفوانَ الـفـرقــديـنِ
عـجبتُ من المآذنِ كيفَ تـعـلـو ولا تـنــهـارَ بـعـدَ الـقـبّـتــيـنِ
وصـرحٌ قــد تـربّـى الـمجدُ فيهِ وألـبـسَـه ثــيــابَ الـقـبـلـتـيـنِ
لوى أنفَ الـــزمانِ وصافـحتْـه سماءُ العشقِ عند الـجـانـبـيـنِ
لـه ألـقٌ بـقـلـبِ الـدهـــرِ يمشي وتـرسَلُ شـمسُه في المغربينِ
أحاطته القلــوبُ بـفـيــــضِ ودٍّ تـخـضّـبَ أصلُه بشــهـادتـيـنِ
ومـنْ ذا لا يصدِّقُ خــيـرَ حكمٍ تـكـلّـمَ مـن ثـنايـا الـبــيـعـتـيـنِ
أتـهـدَمُ قـبَّـةُ الـهــادي نـــهـاراً وصرحُ العسكريِّ بلحـظـتـيـنِ
وتنحسرُ الجبالُ بعصفِ ريــحٍ تـحـدّرَ مـنْ زمانِ الهجـرتـيـنِ
كـأنَّ اليومَ قــد بُعثــتْ قـريـشٌ إلـى حربِ الرسولِ بجحفلـيـنِ
وقد بُعثتْ أميــــــةُ مـن جـديـدٍ بخسَّتِـــهـا وخـبـثِ الـنـيــتـيـنِ
وجيشٌ من بنــي العباسِ يبغي فـســاداً فـي ربـوعِ الـرافـديـنِ
يـطـاردُ غـيـمـــةً مطرَتْ نماءً ليجعـلَ مـاءَهـا فـي خـنـدقـيـنِ
بزحفٍ كالجرادِ يــزفُّ جوعـاً ويـرتـعُ فـي بقايا الـنـعـمـتـيـنِ
وجــاءوا نحوَنا من كلِّ صوبٍ يـبـيعونَ الـحـيـاءَ بـدرهـمـيـنِ
تجـــولُ صغارُهم في شاطئينا وتسرحُ خيلَهم في الـضـفـتـيـنِ
لـهــمْ مـــن جيفةِ الدنيــا قلوبٌ تُـقـادُ إلى الضلالِ بهمـسـتـيـنِ
وآذانٌ بــــهــــــا وَقَــرٌ ولـكـنْ مُـفـتّـحـــةً عـلـى دجـلٍ ومـيـنِ
وأفئدةٌ غــــلاظٌ لـيــسَ تحظى مـن الـشرفِ القلـيــلِ بـذرُّتـيـنِ
وجوهٌ تحـــتــفي في كلِّ ضوءٍ وليسَ بـهـا تـوهّــجَ ركـعـتـيـنِ
طُعِنَا والنفـــوسُ تضيقُ ذرعاً بـواحـدةٍ فـكـيـفَ بــطـعـنـتـيـنِ
وجيـرتُنـا تــــصافِـحُـنـا بـليـلٍ لـتـقـتـلُـنـا نـهـــــــاراً مـرتـيـنِ
وتوقـظُ أختَــهـــا لـتـردَّ بغضاً مـن الـجسدِ الـجريحِ قديمَ ديـنِ
فـمـا لـقـلوبِـنـا غــيرُ انـتـظـارٍ سـنـتــركُـه بـيــومِ الصيحتـيـنِ
وتـنـعـمُ بعـد ذلــــكَ فـي حـياةٍ يـظـلـلـــــهـا قــطـافُ الـجنّتينِ
وقال من قصيدة (كربلاء مدرسة الأجيال):
مـاذا وراءكَ هـــل شــيءٌ لـتـغـريـنـا أمْ أنّ لـيـلـى عـلـى بـعـدٍ تُـحـيـينا
أمْ زاركَ الـوجـــدُ حـتـى ذقـتَ لوعتَه من الغرامِ الذي ما انـفــكَّ يكوينا
أفِـقْ فـلـيسَ الــهوى إلّا الذي اقترنتْ أرواحُـنـا فـيـهِ وابـيـضَّــتْ مآقينا
حـتـى عــقـــدنـا لـواءً مـن أضــالـعِنا في الغاضرياتِ يعلو في روابـينا
يـمـدّنـا الـــعـذلُ تـهـيـامــاً بـروضِته إن كنتَ مستغرباً فانظرْ لماضينا
أو كـنـــتَ تـجـهـلُ ما للعشقِ من أثرٍ عـلـى الـمـحبّينَ فاسألْ عن ليالينا
تلكَ التــي أورثـتـنـا الـحـزنَ مُـتّــخذاً نوحَ الـحـمـائـمِ حـتـى في أغانينا
نـمـدُّ أبـــصـارَنا للأمسِ حيـث نـرى حمرَ الشدائدِ ما زالـتْ تـنـاجـيــنا
لـتـبـــعـثَ الـثـورةَ الـحمراءَ في دمِنا ولو رأيـنـا الـمـنـايـا فـي أمـانـيـنا
هـذا الـتـرابُ أبــى إلا مــــقــارعـــةً مـع الـزمـانِ ويـسـتـشري أحايينا
وأرضُـنـا ريــحُـهـا ســـيـفٌ كتربتِها لا يـرتـجـي ظـالـمٌ في حـدِّه لـيـنـا
و(كربلاء) مــنــارٌ حــــامــلٌ شُــعلاً مـن الــمـبـادئ تـهـذيـبـاً وتـكوينا
كـأنّــهـا درةُ الــتــــاريـــخِ أطــلـــقها ركبُ الخلودِ أضاءت في دياجينا
قامتْ على أرضِــها المعطاءِ مدرسةٌ تخضرُّ من نفحِها الزاكي فـيـافينا
مِـن كـلِّ طـــودٍ إذا لـذنــا بــســدّتـــهِ فـي الـنائباتِ وقد خابتْ مساعينا
كـفـاهـمُ رفــــعـةً أنَّ الــخــلــودَ بــهمْ لـكـلِّ أسـفـادِه كــانــــــوا عناوينا
طوبى لـــكِ اليومَ من أرضٍ يعطّرُها ذكـرُ الـحـسـيـنِ ويسقيها رياحينا
حـطّـمــــتِ بـالأمــسِ آمــالاً مشوَّهةً عـنـد الـمـغـيرينَ فانهاروا مولّينا
كـمْ حــــاولوا هدمَ صرحٍ شامخٍ فأبى ألّا وحـقـكِ أن يـــحــيـا ويـحـيينا
أوحــــتْ إلــيَّ لـيـالٍ كـنـتُ أعـشـقُها مـن كـلِّ عامٍ وشطرٌ من تصافينا
أن أفـرشَ الـدربَ مما أزهـرتْ ألـقـاً وأطـعمَ العمرَ بعد الشوكِ نسرينا
فـيـهـا الدروسُ دروسُ المجدِ نأخذها جـيـلاً فـجـيـلاً عـلـى الأيامِ تلقينا
ونـجـعـلُ الـطـفَّ لـلأجـيـالِ مـدرسةً تـرسـو بساحتِها الفضلى مراسينا
يـسـتـلـهـمُ الـبـرُّ مــن تـاريـخِها عبقاً ويـشـربُ الـفسقُ زقوماً وغسلينا
والـخـيِّـرونَ بـكـلِّ الأرضِ شرعتهمْ أن صـيَّـروا الحبَّ للتقوى ميادينا
وأصـبـحـتْ بابُنا لـلـنـاسِ مـشـرعـةً يـؤمُّـهـا الـسـادةُ الأحـرارُ تـقـنـينا
لينشدوا فـي ظـلالِ الـطـفِّ مـلـحمةً تشـابـه الـسـحـرَ تـألـيـفـاً وتـلـحينا
ويـعـلـنـوا لـلـدنـى أن الإبــا هـبــــةٌ مـن الإبــاءِ إلـى جـمـعِ الـمـحـبِّينا
لـيـهـنـأوا عــزةً تُـغـنـي مـحـبَّــتــهمْ ويـعـقـدوا مـن نـجـاواهـمْ دواويـنا
دمُ الــشـهـادةِ يـعـلـو فـي مـنـابرِهمْ سـيـفاً يطولُ العدى درءاً وتحصينا
والـحـاقـدونَ عـلـيـنـا مـلـؤهمْ خورٌ ظـنّـوا أحـابـيـلـهـمْ بـالـمـكـرِ تُلهينا
مـمـزَّقـاتٍ عـلـى الآفــاقِ أوجـههمْ مـوتـى وإن عُـمِّـروا فـيـهـا مـلايينا
والـعـابـثـونَ بـنـارٍ سـوفَ تحرقُهم وتـنـتـقـي مـن سـجـايـاهـمْ بـراهـينا
الـنـابـشـونَ قبورَ الناسِ في صلفٍ والـراقـصـونَ عـلـى أشـلاءِ أهـلـينا
والواقفونَ على حرفٍ ونحنُ نرى لـو أخـطـأوه لـبـاعـوا السينَ والشينا
هـلْ أبـجـديـتـنـا مـلـكٌ لــشـانــئِـنـا حـتـى يـفـوَّض فـيـهـا غـيـرُ مـاشينا
نـحـنُ الـسـفـيـنـةُ يـرعـاهـا ربابنةٌ إن دمـدمَ الـمـوجُ شـدواً فـي أيـاديـنا
نـحـنُ الـسـفـيـنـةُ ناجٍ شأنُ راكبِها ومَـن تـخـلّـفَ عـنـهـا لـيـسَ يـعـنـينا
الـعـدلُ مـنـهـجُـنـا والـحـقُّ مبدؤنا والـجـرحُ يـبـعـثـنـا والـمـوتُ يحيينا
فـكـرُ الحسينِ ضياءٌ في محاجرِنا مـسـدَّدٌ نـحـوَ أفـكـارٍ الــمـضـلّـيــنــا
مـوفـونَ بالعهدِ مهما أوغلوا سفهاً فـي بُـغـضِ مُـنـصفِنـا أو حبِّ قالينا
سـيـطـلـعُ الـغَـبَـشُ المأمولُ منتقماً مِـن الـظـلامِ الـذي مـا زالَ يُـؤذيـنا
وعـنـدهـا تـلـبسُ الزهراءُ فرحتَها ويـنـطـقُ الــعــدلُ حكماً في أعادينا
بـحـرُ الـجـراحِ ومـثوى كلِّ نازلةٍ وبـعـضُ آلامِـنـا صـارتْ بـسـاتـيـنا
و(كربلا) تربةٌ بـالـحـبِّ تـجـمـعُنا لـكـنـه طـيـفُ عـاشـوراءَ يُـبــكــيـنا
قتلُ العطاشى بـجنبِ النهرِ يُؤرقنا ولـيـسَ من حـــولِــنـــا قلبٌ يواسينا
حـرقُ الـخـيـامِ بـيومِ الطفِّ يؤلمُنا ومــشــهـدُ الـنـارِ والأطفالِ يُشـجينا
وصرخةُ السبطِ يشكو فقدَ صحبتهِ نـمـوتُ فـيـها أســىً لــولا تــأسِّــينا
تـكـادُ صـحـبـتُــنـا تُـبـلـى وشافعُنا دمـعٌ عـلـى سـائـرِ الأحـزانِ يُـعـلينا
وقال من قصيدة في رثاء الخطيب الحسيني الشيخ هادي الكربلائي (رحمه الله):
لا زلتَ يا شيخَ ذكرى عزَّ موقـعُـها فينا وصـــوتُــكَ في الأرواحِ محفورا
رحـلـتَ لـكـنْ خـيـالٌ أنـتَ بـاعـــثُه غدا بأعـمـــقَ ما في النفسِ مـغـمـورا
حـتـى تـراءى لـبـعـضٍ من أكابرِنا عـنـدَ الـمـنـامِ كـتـابُ الـكــونِ منشورا
وطـيـفُ مـولاكَ قـد نـاداكَ قُمْ فرحاً واخرجْ من البرزخِ المحتومِ منصورا
هـذا شـفـيـعُـكَ قد أعـفــاكَ من فزعٍ يـفــرُّ من هولِهِ الإنــســانُ مــذعــورا
ما عشتَ تقرأ في الدنيا مـصـيـبـتَـه حتى انـــقــلــبـتَ إلى أهليكَ مسرورا
كمْ قد صعدتَ على الأعـوادِ تذكـرُه والــدمــعُ يـشـرقُ مـن عينيكَ منثورا
باركتَ مسعى الذي صارَ الهيامُ بهِ على الحسينِ ومن والاهُ مـــقــصــورا
شـيـخٌ عـلـى مـنـبـرِ الأحـزانِ جلّله صــوتٌ تــمـرَّغَ فـي أحضانِ عاشورا
لم يقربِ الموتُ لا روحاً ولا جسداً من صوَّرَ الصدقَ في النيَّاتِ تصويرا
كـانـتْ مـسـيـرتُـه لـلـنـاسِ مـدرسةً لم يبقَ في بابِها الإخــلاصُ مــهـجورا
مـعـلّـمُ الـحـبَّ لـو شـاهـدتَ مـنـبرَه أصبحتَ في حبِّ أهلِ البيتِ مسحورا
.......................................................
1 ــ زودني ابن الشاعر بسيرة أبيه وقصائده
اترك تعليق