ما حكم من أنكر ضروريات الإسلام ؟

التّكفيرُ حكمٌ شرعيٌّ لا يكونُ إلّا ببيّنةٍ شرعيّةٍ، وهذهِ وظيفةُ الفقهاءِ وأهلِ الإختصاصِ حتّى لا يكونَ ظُلماً وتعدّياً، فقَد إختلفتِ الأمّةُ الإسلاميّةُ وتباينَت إلى مذاهبَ متعدّدةٍ، وكلُّ واحدٍ منها يرى نفسَه الحقَّ والآخرَ باطلٌ، فلو تُركَ التّكفيرُ من دونِ ضوابطَ لكفّرَت الأمّةُ بعضَها البعضَ، وعليهِ فإنَّ الحدَّ المُشتركَ الذي يجمعُ بينَ جميعِ المُسلمينَ هوَ الإيمانُ باللهِ وبرسالةِ النّبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وبذلكَ يتحقّقُ الإنتماءُ للإسلامِ، أمّا الإعتقاداتُ الخاصّةُ في كلِّ مذهبٍ فهيَ ضوابطُ خاصّةٌ يتمُّ مِن خلالِها الحكمُ على مَن هوَ داخلُ المذهبِ أو خارجَه، وبذلكَ نُفرّقُ بينَ ما يُوجبُ سقوطَ الهويّةِ الإسلاميّةِ وما يوجبُ سقوطَ الهويّةِ المذهبيّةِ، فليسَ كلُّ مخطئٍ أو مبتدعٍ أو ضالٍّ كافراً بالضّرورةِ؛ لأنَّ تحديدَ هذهِ العناوينِ قد يكونُ مسألةً خلافيّةً وليسَ موردَ إتّفاقٍ، ولو لم يحدُث في مفهومِها إختلافٌ قد يحدثُ إختلافٌ في تحديدِ مصاديقِها في الخارجِ وتشخيصِ مَن تنطبقُ عليه، ومِن هُنا تعلّقَ حكمُ التّكفير بمَن ينكرُ ما أجمعَت عليهِ الأمّةُ بأنّهُ ثابتٌ منَ الدّينِ بالضّرورةِ، فالخوارجُ الذينَ كفّروا الإمامَ عليّاً (عليهِ السّلام) وحاربوهُ لم يُكفّرهم ولم يمنعهم مساجدَ المُسلمينَ، ولم يُبادِر إلى قتالِهم إلّا بعدَ أن سفكوا الدّماءَ واعتدوا على المؤمنين. 

وقد بيّنَ الفقهاءُ ضوابطَ التّكفيرِ وموانعَه ولم يحكموا بالكُفرِ إلّا في مواردَ محدودةٍ، مثلَ مَن أنكرَ أصلاً مِن أصولِ الدّينِ الأساسيّةِ، كالتّوحيدِ، أو نبوّةِ النّبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، أو أنكرَ ما هوَ معلومٌ منَ الدّينِ الإسلاميّ بالضّرورةِ مثلَ إنكارِ المعادِ، أو وجوبِ الصّلاةِ، معَ إلتفاتِه بأنّها منَ الضّروريّات.

وهناكَ خلافٌ بينَ الفقهاءِ حولَ بعضِ الأصولِ مثلَ الإمامةِ والعدلِ، وما هوَ مشهورٌ أنّها لا تُخرجُ مُنكرَها منَ الإسلامِ ظاهراً لأنّها منَ الأمورِ الخلافيّةِ، ومنَ الواضحِ أنَّ المقصودَ بالتكفيرِ كحُكمٍ شرعيٍّ هوَ ترتيبُ بعضِ الآثارِ الإجتماعيّةِ وبعضِ الأحكامِ الشّرعيّةِ، ولا علاقةَ لذلكَ بيومِ القيامةِ لأنَّ علمَها وحُكمَها عندَ اللهِ تعالى، وما هوَ كافٍ لترتيبِ تلكَ الآثارِ هوَ الشّهادةُ بوحدانيّةِ اللهِ وبنبوّةِ النّبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بوصفِه محدّداً لهويّةِ المُسلمِ عَن غيرِ المُسلم. 

وعليهِ فإنَّ ملاكَ الكُفر هوَ الإنكارُ الصّريحُ للإسلامِ أو إنكارُ ما يلزمُ منهُ إنكارُ الإسلام معَ إلتفاتِه إلى تلكَ المُلازمةِ لا مُجرّد وجودِها، وما يؤكّدُ ذلكَ السّيرةُ القوليّةُ والعمليّةُ لرسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وأئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) مُضافاً إلى الآياتِ التي حكمَت بالكُفرِ في مواردَ مُحدّدة. 

وإذا ثبتَ ذلكَ؛ يصبحُ حُكماً عامّاً لجميعِ المُسلمينَ سواءٌ مَن كانَ مُعاصِراً أو كانَ في أزمانٍ ماضيةٍ، إلّا أنَّ ذلكَ لا يمنعُ منَ البحثِ في العدالةِ بوصفِها شرطاً لكثيرٍ منَ الأحكامِ الشرعيّةِ، ومِن هُنا كانَ البحثُ في عدالةِ الصّحابةِ يُعدُّ بحثاً شرعيّاً لمعرفةِ مَن يجوزُ قبولُ شهادتِه في ما يُنقلُ مِن أحكامٍ أو لا يجوزُ، وقد حكمَ أهلُ السّنّةِ بعدالةِ جميعِ الصّحابةِ وجعلوا منهُم واسطةً لمعرفةِ تعاليمِ الإسلامِ، وهوَ أمرٌ مُخالفٌ لطبيعةِ الإنسانِ، فلا يمكنُ الحكمُ على عدالةِ كلِّ مَن شاهدَ الرّسولَ وعاشَ في زمنِه وآمنَ بهِ حتّى لو كانَ ظاهِراً، وقد أثبتَت المصادرُ التّاريخيّةُ والحديثيّةُ أنَّ كثيراً منَ الصّحابةِ مصيرُهم إلى النّارِ كما روى البُخاريُّ ومسلمٌ في حديثِ الحوضِ، وعليهِ يجوزُ البحثُ في تاريخِ الصّحابةِ لمعرفةِ مَن كانَ منهُم صالِحاً أو غيرَ صالحٍ، وليسَ بالضّرورةِ أن يستتبعَ ذلكَ التّكفيرُ وإنّما يكفي بيانُ ما عليهِ حالهم ومخالفتُهم لِما أمرَ اللهُ بهِ ورسوله. 

أمّا حديثُ مَن كفّرَ مُسلِماً فقد كفرَ، فقَد جاءَ في الكافي بعباراتٍ أخرى فعَن أبي جعفرٍ (عليه السّلام) قالَ: ما شهدَ رجلٌ على رجلٍ بكفرٍ قط إلّا باءَ بهِ أحدُهما، إن كانِ شهدَ على كافرٍ صدقاً، وإن كانَ مؤمناً رجعَ الكفرُ عليهِ، فإيّاكُم والطّعنُ على المؤمنينَ) فالمقصودُ إذا كفّرَ من ليسَ بكافرٍ فقَد كفرَ نفسه؛ لأنَّ الذي عليهِ أخوه المسلمُ هوَ نفسُ الذي هوَ عليه، ومِن هُنا لا يجوزُ التّكفيرُ إلّا ببيّنةٍ تقطعُ بكفره.

المرفقات