383 ــ مهدي الحجار: (1318 ــ 1358 هـ / 1900 ــ 1939 م)

مهدي الحجار: (1318 ــ 1358 هـ / 1900 ــ 1940 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (45) بيتاً:

بـرأدِ الـضـحـى نـزلـتْ (كربلا)      وفي الليـلِ بـاتتْ بجنّاتِها

تـهاوتْ ولـيـسَ تـعـابُ الـنـجـومُ      إذا مــا تـهـاوتْ كعاداتِها

وباتتْ على الأرضِ مثلَ البدورِ      عراها الخسوفُ بهالاتِها (1)

ومنها:

فتلكَ الحرائرُ في (كربلا)      ستـرنَ الـوجوهَ براحاتِها

لـمَنْ ترفعونَ الخدورَ وقد      ثـكــلـنَ الـخـدورُ بربَّاتِها

وجـاءتْ لـكافِلِها تستغيثْ      وتبكي العدى لاستغاثاتِها

الشاعر

الشيخ مهدي بن داود بن سلمان بن إسماعيل الحجار، عالم فقيه وأديب وشاعر   ولد في الحيرة، وكان جده سلمان وهابياً ينتمي إلى فخذ الشيخان من عشيرة الجبور العشيرة العراقية الساكنة في ناحية القاسم من قضاء الهاشمية وفي الإسكندرية، وكان أجداده ممن سكن الإسكندرية ثم انتقل سلمان إلى الكوفة سنة 1319 وعمل هناك في الحقول فلاحاً مع الفلاحين وفي هذه الفترة انتقل إلى المذهب الشيعي ثم توفي سلمان في الكوفة تاركاً ولده داود والد المترجم فولد لداود عدة أولاد منهم عبد الرضا وكان يجيد نظم الشعر الشعبي وهادي وكان نادباً للحسين عليه السلام وكاظم ثم المترجم.

وكان داود أمياً يشتغل باستخراج الأحجار من أنقاض الحيرة القديمة وبيعها في الكوفة ومن هنا لقب بالحجار. (2)

ويقول الخاقاني: إن داود كان من أبناء السنة وإن ولده سلمان ــ جد الشاعر ــ انتقل إلى كربلاء مع ابن عمه حمادي للعمل بالفلاحة في بساتينها وفيها علق التشيع بذهنيهما فتشيَّعا (3)

وقد روى الشيخ محمد حرز الدين عن داود هذا قصة غريبة وهي أنه قال:

كنت أنقّب عن الحجارة الدفينة في الأرض ــ قرب الطريق القديم المؤدى إلى الكوفة حوالى الثوية ــ على بعد حدود المائة خطوة من قبر العالم الجليل كميل بن زياد رضى اللّه عنه فعثرت على مكان فيه حجارة وصخرة كبيرة مكتوبة بالخط الكوفى فقلعتها محتفظاً بها وحملتها معي إلى النجف وأريتها العالم الرباني الشيخ الملا علي الخليلي وحكيت له قصتها، ولما قرأها قال لي: احملني إلى مكانها فأركبته دابتي والصخرة أمامه حتى انتهينا إلى موضعها فوضعها فيه وسوّى عليها بعض التراب وقال لي: لا تنبش هاهنا فإنها قبور وجوه أهل الكوفة، وهذا رسم قبر المغيرة بن شعبة كما تحكيه هذه الصخرة، ثم أردف قائلاً: إن في وضع الصخرة بمحلها فوائد سيظهرها التاريخ و الأثر ....

ثم يعقب حرز الدين على هذه الحادثة بالقول: ولعل غرض الشيخ من إعادة الصخرة هو تكذيب لزعم بعض النواصب وافترائهم بأن قبره هو مرقد بطل الإسلام الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في النجف الذى هو منار العالم الإسلامي ومقصده حتى تقوم الساعة ولكن ما أقول لقوم لا حياء لهم، قال الأديب:

من أين تخجلُ أوجهٌ أمويةٌ     سكبتْ بلذّاتِ الفجورِ حيائها (4)

وقد روى هذه الحادثة أيضاً الشيخ عبد الزراق حرز الدين (5)

أما الشيخ مهدي فيذكر السيد محسن الأمين أن ولادته كانت عام 1322 هـ (6) فيما ذكر الخاقاني (7)، والسيد جواد شبر (8) أن ولادته عام 1318 هـ وهو ما اعتمدناه. فيما اتفقت هذه المصادر الثلاثة على عام وفاته وهو ما ذكرناه.

اكتسب لقب الحجّار صبغة أدبية وعلمية حينما نشأ الشيخ مهدي حيث كان والده أمياً وكذلك جده فنشأ مهدي في بيت الشيخ الخطيب حسون الجابري ــ زوج خالته ــ فأخذ حب العلم والأدب ينبضان فيه فدرس المقدمات وهو لم يتجاوز العشر سنوات وفي سن الخامسة عشر من عمره بدأ كتابة الشعر. (9)

وقد اختلف على مشاهير العلماء وتتلمذ على الزعيم الروحي الشيخ أحمد كاشف الغطاء كما حضر على المرجع الديني الميرزا حسين النائيني في الأصول ولمعت مواهب الشيخ الحجار وراح يغذي الشباب بالعلوم الدينية والدروس العربية الإسلامية مضافاً إلى حلقة أدبية تضم العشرات من الشباب الذين كانوا يعرضون عليه نتاجهم الأدبي ويعتدّون برأيه إذ كان أبرع أقرانه يومذاك ونشرت المطابع قصيدته الشهيرة الطويلة المسماة بـ (البلاغ المبين) في العقائد فكان المتأدبون يحفظونها ويتداولونها ويتدارسون معانيها ومضامينها وله غير هذه مجموعة أراجيز منها أرجوزته المسماة (فوز الدارين في نقض العهدين) (10)

درس الحجار الفقه والأصول والمنطق في النجف الأشرف على يد أعلام العلماء فيها أمثال الشيخ أحمد كاشف الغطاء، والميرزا حسين النائيني، والشيخ عبد الكريم الجزائري، والشيخ أغا ضياء العراقي، والشيخ جواد البلاغي، والشيخ حسون الجابري ــ وظهر ميله للأدب فأسس ندوة أدبية في بيته ضمت مجموعة من الأدباء الشباب الذين نهلوا من علمه وأدبه، وكان من أبرز تلامذته الشيخ محمد جواد السهلاني 

أرسله السيد أبو الحسن الاصفهاني ممثلاً عنه في منطقة (المعقل) في البصرة لأداء وظيفته الدينية حتى عاجله الموت هناك فنقل جثمانه إلى النجف وصلى عليه المرجع أبو الحسن الأصفهاني ودفن بوادي السلام. (11)

دلت أقوال الأعلام فيه على شخصيته المبرزة ومزاياه العديدة:

قال السيد محسن الأمين: (نشأ فقيراً في بيئة جاهلة ولكنه كان عصامياً طموحاً فسمت همته إلى الدرس والمطالعة فقرأ أول الأمر في الكوفة ثم انتقل إلى النجف حيث تابع دراسته في المقدمات ثم في الفقه والأصول، وكان من أساتذته الشيخ آغا ضياء العراقي والشيخ احمد كاشف الغطاء والشيخ حسين النائيني والشيخ جواد البلاغي. كما درس عليه نخبة من الطلاب برزوا بعد ذلك وتوفقوا.

لقد عاش فقيراً معوزاً ولكن عفيفاً مجدّاً، وكان كل ما حوله يثبط الهمم ولكنه صمد للزمن صموداً كريماً فلم تثبط همّته حتى غدا من أعلام النجف فضلاً وعلماً وأدباً وشعراً، ولكن ظلت حياته ضيقة إلى أن احتضنه مرجع عصره السيد أبو الحسن الأصفهاني فأرسله معتمداً من قبله إلى ناحية المعقل في البصرة.

ويصفه بعض الباحثين في هذه الفترة من حياته بقوله: لقد تجلى كرمه حين تفتحت عليه الدنيا في البصرة بما كان يغدقه على الضيوف ويصل به ذوي الحاجات من الطلاب والفقراء الذين يقصدونه هناك.

كما وصفه في موضع آخر بقوله: بدأت قريحته تتفتح عن أشعاره الأولى ولما يبلغ الحلم واستهوته النوادي الأدبية والحفلات العلمية والشعرية في النجف الأشرف، ويمكننا ان نعتبر تلك النوادي مدرسته الأولى.

وشاعت جوانب ثقافته فأخذ يشترك في مطارحات الشعراء وأحاديث الأدباء وقد لمع نجمه وأخصبت شاعريته.

وقال يصف قامته في البصرة: حين انتقل إلى البصرة أصبح مطمح الأنظار ومثار اعجاب مختلف الطبقات، فكان ديوانه دكة القضاء وندوة الأدب ومدرسة التوجيه الاسلامي الصحيح ومعهد الخير ومأوى البؤساء والفقراء.

وقد ظل في البصرة خمس عشرة سنة داعية صلاح ونصير اصلاح وفيها توفي ونقل جثمانه إلى النجف الأشرف حيث دفن في وادي السلام بعد أن صلى عليه السيد أبو الحسن الأصفهاني) (12)

وقال عنه الأستاذ علي الخاقاني: (عالم فقيه أديب شاعر أصولي ضليع). (13)

وقال عنه أيضاً: (كان عالماً فاضلاً، وأستاذاً مربياً جليلاً، وشاعراً مطبوعاً، وقد تحمل من هضم الظروف له وقسوتها معه فراح يقابلها بصبر وجلد قويين، ورغم عسره فقد كان كريم النفس، رقيق الروح، حسن السمت، صمد أمام التيارات ووقف ضد الخصوم كأعنف مخلوق يستمد القوة من عقيدته التي كانت مثار إعجاب إخوانه...) (14)

وقال الشيخ محمد حسين حرز الدين: (كان من أهل الفضيلة والعرفان والكمال، أديب لغوى مهذب شاعر له نظم حسن متوسط في الجودة، حضر الفقه والأصول على علماء عصرنا المتأخر ...) (15)

وقال الأستاذ كامل سلمان الجبوري: (ظهر في شعره مصلحاً اجتماعياً واقفاً مع دعاة التجدد والتحضر والتقدم) (16)

مؤلفاته

ترك الحجار عدة مؤلفات شعرية ونثرية منها:

شيعة الهدى، في نقد كتاب موسى جار الله

البلاغ المبين، منظومة في المعارف الدينية

أرجوزة في حديث الكساء

فوز الدارين في نقض العهدين

ديوان شعر

شعره

قال من قصيدته الحسينية التي قدمناها:

أثِــرهــا تــعــجُّ بـــــــــأصــواتِـهـا      ألا يـا لـفـهـرٍ وثــاراتِــهــا

وقُـدهـا عِـــرابـــــاً ألـفــنَ الــفـــلا      كـأنَّ الـعنا في استراحاتِها

تـخـايـلُ مـن تـحـتِ فـرســـانِــهـــا      تـخـايـلـهـم فـي أريـكـاتِـها

عـلـيـهـا مـن الـصـيـــدِ غــــلّابـــةٌ      تـصـيـدُ الأســودَ بـغـاباتِها

طـلائـعُ هـــــــــاشــمَ يـقـتـادُهـــــا      إلـى الـحـربِ خـيرُ بقيَّاتِها

حــنــانــيـكَ يا خلفَ الــسـالــفـيـنْ      ووارثُــهـا فـي كـرامـاتِـهـا

أعـــــــــدّتــكَ آلُ لــويٍّ لــمَــــــنْ      لـواهـا وســوَّدَ رايــاتِــهـــا

فـحـتـى مَ تـغـضـي وأنـتَ الغيورُ      على هضمِها واغتصاباتِها

أمـثـل ابـنِ هـندٍ يــمــيــتُ الـبتولَ      بــفــادحِ خـطـبٍ رزيَّــاتِها

ومــثــلَ أمــيّــةَ تـلــكَ الــــتـــــي      تـبـيـتُ نـشـاوى بـحـانـاتِها

تـــــــــغـالـبُ مـثـلَ بـنـي غالــبٍ      وتــدفــعُـهـا عـن مــقاماتِها

لـذاكَ أبــى ذاكَ ربُّ الإبــــــــــــا      فـأرسـى عـلى غاضرياتِها

ودكَّ مـن الـطـفِّ أطــوادَهــــــــا      بـآسـادِ فـهـرٍ وســاداتِــهـــا

كـمـاةٌ يـهـابُ الــردى بــطـشَـهـا      ويخشى القضا من ملاقاتِها

دعـاهـا إلـى الـحـربِ مـحـبـوبُها      فـخـاضـتـه قـبـلَ إجـابـاتِـها

وهـبَّــتْ ونـاهـيـكَ فـيـمـنْ تـهـبُّ      لـتـرضـي الـحـبيبَ بهبَّاتِها

تـرى أن فـي النقعِ نشرَ الـعـبـيـرْ      ومـا ذاكَ إلّا شـذى ذاتِـــها

جلتها من العـزمِ بـيـضُ الصفاحْ      كـأحــســابِــهـا وكـنـيَّــاتِـها

صـحـائـفُ تقـرأ مـنـهـا الـكـمـاةُ      (إنّــا فــتــحــنــا) وآيـــاتِـها

فـتـبـغـي الـفرارَ وكـيـفَ الـفرارُ      وأرجـلُـها فـــوقَ هــامـاتِها

لـقـد تـاجرتْ ربَّـهـا فـي النفوسْ      وقـد ربـحـتْ في تـجاراتِها

ومُذ أرخـصتْ سـومَــهـا لـلهدى      أراهـا الــمنى في مـنـيَّاتِها

برأدِ الـضحـى نزلتْ (كـربلاء)      وفـي الـلـيلِ بـاتتْ بجنَّاتِـهـا

تـهاوتْ ولــيــسَ تُـعابُ الـنجومْ      إذا ما تـهـاوتْ كـعــــاداتِـها

وباتتْ على الأرضِ مثلَ البدور      عراها الـخـسـوفُ بهالاتِها

مــغــسَّـــلـةً فـي جـراحـاتِـــهــا      مـكـفّـنـةً فـي شـهــاداتِــــهـا

ولـمّـا رأى الــســبــط أنــصارَه      سـقـتـها الـحتوفُ بـكاساتِها

رقـى ضـامـراً ونــضـا صارماً      فـقـرَّبَ أشـراطَ سـاعــاتِـها

وحـيـنَ انـبـرى نــحـوَ هـاماتِها      بـراهـا ابـنُ خيرِ بـريَّــاتِـها

يــنــادي بــآجــالِـــهــا ســيــفُـه      فـتـأتـيـهِ مـن قـبـلِ أوقــاتِها

كـأنَّ الـجـمـاجــمَ مــشـغــوفـــةٌ      بـهِ فـهـيَ تـأتــيـهِ من ذاتِها

ترى الأرضَ ترجفُ من تحتِهِ      بـأحـيـائِــــهـا وبـأمــواتِـهــا

لـكِ الـوهنُ يا أرضُ عن ثابتٍ      يـزلـزلُ سـبـعَ سـمـاواتِـــها

ولـمَّا رأى أن هـذي الـنـفـوسْ      جـمـيـعاً رهـائنَ مـيـقـاتِـهــا

فـشـاقـتـه مـنـزلـةَ الـصـالحينْ      فـتـاقَ رواحـاً لــغـايـــاتِـهــا

قـضـى ابـنُ عـلـيٍّ فـيـا هاشم      قـعـي بـعـده فـي مــذلّاتِــــها

لـمَـن أنـتَ مِـن بـعـده للورى      لآرائِـهـا أم لـحـــــاجــاتِــهــا

ألطماً على الصدرِ من بعدما      غــدا صدرُه رهـنَ غــاراتِها

حــرامٌ عـلـى غـالـبٍ أن تـبلَّ      بـالـمـاءِ حـرَّ حــشـاشـاتِــهـا

وتــلـكَ يـتـامـاهـمُ تـشـتــكــي      وفـي الـمـاءِ جـلَّ شـكـاياتِها

ويــا آلَ فــهـرٍ لـقـد حـــقَّ أن      تـمــيــطوا خبا عـلـويّــاتِــها

فـتـلــكَ الـحرائرُ في (كربلا)      سـتـرنَ الـوجــــوهَ براحاتِها

لمَنْ تـرفـعـونَ الـخـدورَ وقـد      ثُـكـلـنَ الـخـدورُ بـربَّـاتِــــها

وجـاءتْ لــكـافِـلِـهـا تستغيثْ      وتـبـكـي الـعدى لاسـتغاثاتِها

أما قصيدته في العقائد (البلاغ المبين) وتبلغ (314) بيتاً فقد جاءت على روي واحد وبحر واحد دلّت على علمه بالعقائد والفقه، كما دلت على شاعرية كبيرة، قد قسمها إلى عدة أبواب هي: النسيب العرفاني، التخلص، في الدين وصلاحه وإصلاحه، في مضار الجهل ووجوب التعلم، في الشروع في الاحتجاج، في الإله جل شأنه، في الطبيعة، في المادة، واجب الوجود، في علم الإله وحكمته، في النفس ودلالتها، في العدل، في شرائط النبوة، في معاجز الرسول الأعظم، في القرآن الكريم، في المعاد. (17)

يقول الحجَّار في باب: (الدين وصلاحه وإصلاحه):

أخلاقُه فاضلةٌ غــــــــــــرٌّ وفي      تعــليمِه يُشفى عضالُ السقمِ

يأمرُ بالإحــــــسانِ والعدلِ وينـ     ـهى عن وبيلِ الخلقِ المذمَّمِ

يَنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والـ     ـبغـــي بوعظٍ فائضٍ بالحِكمِ

يأمرُ بالصفا وإخلاصِ الـــــولا      فيا له مِــــــــن مصلحٍ مُعلّمِ

وفي باب: (مضار الجهل ووجوب التعلم):

لا خيرَ فــي العلمِ بدونِ عملٍ      فالعلمُ زينةٌ إذا لم يُـــــــــــــــكتمِ

وما كــرامـةُ الطبيبِ إن يكنْ      لمْ يُشفِ يـــــــــوماً طبُّه ذا سقمِ

ومـــا كرامةُ السراجِ إن يكنْ      لا تنــــــــجلي ما حوله مِن ظلمِ

لا وطئتْ رجليَ ساحةً العُلى      إن قعدتْ بي دونَ سعيي هِممي

في باب الشروع في الاحتجاج:

يــــــــــــا مازجاً إسلامَه بريبةٍ     ليسَ تليقُ ريبةٌ مِـــن مسلمِ

هذي البراهينُ تجلّتْ في الهدى      تفكُّ عنه كلَّ جـرفٍ مدغمِ

فإنّ في خـــلقِ السماواتِ العُلى      دلائلاً فـــــــطريةً لـم تبهمِ

والمرءُ إن لــــم يعتصمْ بفطرةٍ      مأمونةٍ عن خطأٍ لم يُعصمِ

وفي باب (الطبيعة)

مـا هذهِ الطبيعةُ العميا التي      تدورُ فـي الكلامِ في تغمغمِ

يُـنمى إليهِ الكونُ في تعليلهِ      يــــا عجباً وهيَ إليهِ تنتمي

طبيعةُ الكائنِ بنتُ كونِهِ الـ     ـمعلولُ لا كالأبِ في التقدُّمِ

إن لـمْ يكنْ كونٌ فلا طبيعةٌ      فالجأ لمــا ورائها واعتصمِ

وفي باب: (واجب الوجود)

فالجأ لواجبِ الوجودِ واستبنْ      يا علمُ منهــــاجَ الهدى واستقمِ

وصـــــــفه بالذي يليقُ بوجو      بــــــــــــــهِ بلا زيغٍ ولا تقحُّمِ

هذا مقامُ القدسِ والجلالِ والـ     ـجمالِ والمجدِ العظيمِ الأعظمِ

يا علمُ فـاسعَ نحوه وطفْ به      فهوَ ملاذُ العــــــــاكفِ الملتزمِ

ويقول في باب (في علم الإله وحكمته):

وانظرْ إلى جسمِكَ في تخطيطِهِ     تجده ثوباً حِيكَ مِن إبريسمِ

نـــــــــــــــظّمَه عقداً فريداً ربُّه      فكانَ صنعَ ربِّهِ الــــــمُنظَّمِ

هذي القــوى التي بهِ قد أبْهَرتْ      مداركَ الـــــــتلميذِ والمعلمِ

هل أبدعتـــــــــها صدفةٌ طبيعةٌ      شعورُها قد جزَّ لا في جلمِ

ويقول في باب (في النفس ودلالتها):

كلُّ المقولاتِ إليهِ ينتهي      وجودُهـــا كيفَ إليها ينتمي

وإنَّمــــــــا اللهُ إلهٌ واحدٌ      والـــــقولُ بالتثليثِ لمْ يستقمِ

لا يتجسَّدُ الإلـــهُ إذ فسا      دُ الكونِ والتركيبِ أيّ ملزمِ

لو كانَ فيهما إلـهٌ غيرُه      لـمْ تدحَ أرضٌ والسما لمْ تقمِ

وقال في باب (العدل):

فالقولُ بالــــعدلِ أساسٌ يُبتنى      علـــــيهِ علمٌ فيهِ كشفُ البهمِ

وفيهِ معــراجُ الهدى وفيهِ منـ     ـهاجُ التقى وفيهِ كشفُ الغممِ

وخــــــــيرُ ميزانٍ ولولاهُ لما      مَيَّزتَ بـــــينَ مؤمنٍ ومجرمِ

أنكرَ حسنَ القولِ قومٌ قد رأوا      عقولَهم في حـــسنِه لمْ تحكمِ

وفي باب (شرائط النبوة):

ومِـن شرائطِ النبيِّ حمله      في طاهرِ الصلبِ وزاكي الرحمِ

وكونه أكمل خلقِ اللهِ في      خَـــــــــلقٍ وفي خُلقٍ وفي تكرُّمِ

وعصمةٌ يحبوهُ فيها ربُّه      مِن مبــــــــدأ العمرِ إلى المُختتمِ

لمْ يقترفْ هدمَ مروةٍ ولا      ألمَّ في كبائــــــــــــــــــرٍ أو لَمَمِ

وفي باب (معاجز الرسول الأعظم):

وكمْ بدتْ للمصطفى معاجزٌ      بها شروطُ الصدقِ لمْ تنخرمِ

قـد خرقتْ ناموسَ كلَّ عادةٍ      فــــما امتلاكُ الحسنِ بالمنوُّمِ

وطابقتْ دعواهُ فاختصَّ بها      وآبَ مِــــــن عارضِه بالسأمِ

فالوحشُ قد سلَّمَ والذراعُ قد      كلّمَ يا لصــــــــــــامتٍ مُكلِّمِ

وفي باب (القرآن الكريم):

هذا هو الذكــــرُ الذي أنزله      اللهُ ولـــــــــــــولا حفظه لمْ يدمِ

هذا هوَ الحبلُ المتينُ للهدى      والعروةُ الوثقى الـــتي لمْ تفصمِ

هــــذا شفاءٌ وهدىً ورحمةٌ      فاستشفِ أو فاستهدِ أو فاسترحمِ

دلائلُ الإعـجازِ في إيجازِهِ      مطوَّلُ المعنى بلفظٍ أفــــــــــــخمِ

ومنه في النصوص القرآنية في ولاية أمير المؤمنين والأئمة من بعده (عليهم السلام):

فالدينُ عندَ اللهِ والحـــــــــقُّ هو الـ     إسلامُ لو يعلمُ مَن لــــــــــــمْ يسلمِ

وكلّما قـــــــــــــــــــــرَّرَ للنبيِّ مِن      أدلةٍ بــــــــــــــــــــــها الإمامُ يمَّمِ

وزِدْ عليها إنَّ شـــــــــــــرعَ اللهِ لا      بدَّ له مِن حافظٍ ومِــــــــــن حَمي

يكـــــــــــــــونُ كالنبيِّ في أتِّصافِهِ      بعصمةٍ وغــــــــــــيرِها مِن أنعمِ

أعضاءُ جسمِ المرءِ لم تُتركْ سدىً      حــــــــــــتى غــدتْ لقلبِه كـالخَدَمِ

وهــلْ ترى مِـــن سائسٍ ليــسَ له      وليُّ عـــــــــــــــــهدٍ إن يغبْ يُقدَّمِ

وســـــــــــائلِ النحلَ إذا يعــسوبُه      أودى أيبقى فـي الــــضلالِ يَرتمي

نصــبُ الإمامِ واجبٌ بواجــبِ الـ     لـــــطفِ مِـن اللهِ اللطيــفِ الأرحمِ

بعلمِه ونصَّهِ يــــــــــــــــــكونُ لا      بالرأي مِنّا أو تـــواطٍ مُـــــــــــبرمِ

يا تالـــياً (اللهُ أعلمُ) التفــــــــــــتْ      لما بها مِن حُـــــــــــــــجَّةٍ واستقمِ

يعلمُ بالمــــــــــعصومِ مِن عبــادِهِ      فـــــــــــــــــيجتبيهِ لــلمقامِ الأعظمِ

إن سدَّدَ الإجــــماعُ في أمرٍ فــمِن      سدادِ عصمةِ الإمـــــــــــــامِ فاعلمِ

لمْ يرتضِ اللهُ لــــــــها غيرَ فــتىً      بغيرِ تــــــــــــــــــقوى اللهِ لمْ يَتَّسِمِ

لا غيره كيفَ وذا الاجــــمــاعُ قد     نادى بأنَّ غيرَه لــمْ يُعــــــــــــصمِ

مـــــــــــــيَّزَهُ اللهُ بما حبـــــاهُ مِن      فضلٍ وعلمٍ وهــــــــــــــدىً وأنعُمِ

إذ كانَ أســــخاها وأتقاهـــــا وأقـ     ـضاها وأمـــــــــــضاها بكلِّ الهِممِ

فانظرْ إلى (فقلْ تعالوا نــبتـــهلْ)      تجده نفسَ أحــمدٍ في الـــــــــــعظمِ

وهوّ بنصِّ (إنَّــــــــــــما وليـــكم)      وليُّ كلَّ مؤمــــــــــــــــــنٍ ومسلمِ

قد وهبَ الخاتمَ لكــــــــــــــن ربَّه      في خـــــــــــــاتمِ الولاءِ قالَ اختتمِ

أوحى إلى نبيِّهِ يا أيُّــهـــــــــــا الـ     ـرسولُ بلِّغْ وبِــنا فاعــــــــــــتصمِ

لذا رقى الأحداجَ فــي خــــمٍّ على      رؤوسِ ذاكَ الــمـــــجمعِ المُزدحمِ

وقالَ مَن كنــــتُ لــه مولــــىً فذا      مولىً لــه أكـرمْ بهِ وأنــــــــــــــعمِ

وقـــــالَ يا عليُّ أنــــــــتَ وارثي      وأنتَ قــاضي عُدَّتــــــي ومَغرمي

وخالـــــطَ الإيمانُ منـكَ اللحمَ والـ     ـدمَ كمــا خـــــــــالطَ لحمي ودمي

وقالَ أقــــضاكمْ علــــــيٌّ والقضا      في الــحكــمِ لا يُعطى لغيرِ الأحكمِ

وفي حديــــثِ أنتَ مـنّي قد حوى      مــــــــــــــــــــنزلةً عظيمةً لمْ ترمِ

وقالَ لــــــــــــــــــــلعلمِ أنا مدينةٌ      وذا هوَ البـــــــــابُ الذي لم يــردمِ

وكمْ له معاجزٌ لـــــــــــــو لمْ يكنْ      نصٌّ كفــــــــتْ في حقّهِ المُختــرمِ

فالشمـــــــــسُ قد رُدَّتْ له مكرَّراً      فــــــــــــــــــنوَّهتْ بشأنِه المُعــظمِ

وخاطـــــــبَ الثعبانَ والذئبَ وأهـ     ـلَ الــــــــــكهفِ في تحيَّةِ الــمُسلّمِ

وهزَّ بـــــــــابَ الحصنِ يومَ خيبرٍ      بــــــــــــــــقوَّةِ اللهِ التي لــم تُحجَمِ

وغيرُه لمْ يكُ مـــــــــــعصوماً فلا      يفي لفقدِ ركــــــــــــــــــنِها المُقوَّمِ

ولاكَ يا عليُّ في مفاصِــــــــــــلي      جرى كما يجري الشفــا في السقمِ

فأنتَ يا أخا الرســـــــــــــولِ أوَّلٌ      في الفضلِ مِن بعدِ الرسولِ الأكرمِ

وفــــي الإمامـةِ التي جرى بها الـ     ـعهــــــــــــــدُ لإبراهيمَ في المُحتّمِ

عهدٌ حــــــــــباكَ اللهُ في الذكرِ بهِ      مُنوِّهاً بقدسِــــــــــــــــــــكَ المُفخَّمِ

عهدٌ يضيءُ نــــــــورُه في جبهةٍ      ما سجدتْ قطّ لرجسِ الصــــــــــنمِ

وبعدكَ السبطانِ شبــــــلاكَ وهل      يخلفُ إلّا الشبــــــلُ ما في الضيغمِ

ثمَّ عليُّ بنَ الحسينِ زينــــــــةُ الـ     ـعبادِ فاسألْ عنه ليـــــــــــــلَ النوَّمِ

وبعده الباقرُ للـــــــــــــــعلمِ ومَن      لولاهُ برقُ دينِنــــــــــــــــــا لمْ يُشمِ

وبعدهُ الصادقُ مَن جدَّدَ فــــي الـ     إسلامِ كلَّ دارسٍ مُنهــــــــــــــــــدِمِ

وبعده الكاظمُ للــــــــــــغيظِ ومَن      لولاهُ أركانُ الــــــــــــــهدى لمْ تقُمِ

وبعده ابنُه الرضــــــا العدلُ ومَن      لـــــــــــــــولاهُ بيتُ الظلمِ لمْ يُهدَّمِ

وبــــــعده الجوادُ ذو الفضلِ ومَن      لـــــــــــــــولاهُ أمُّ الفضلِ لمْ تُكرَّمِ

وبعده الـــــــهادي لمَن ضلَّ ومَن      لولاهُ ظهرُ الـــــــــــغيِّ لمْ ينفصِمِ

والعسكريُّ بـــــــــــعدَه وبعدَه الـ     ـمهديُّ إثني عشرٍ لُذ بـــــــــــــــهِمِ

عَدَدَ أسماءهمُ طهَ وقـــــــــــــــــد      نصَّ عليهمْ بالصـــــــــريحِ الألزمِ

ونصَّ كلُّ ســــابقٍ منهمْ على الـ     ـلاحقِ نصَّاً مُحكَماً لمْ يصــــــــــدمِ

وهمْ أولوا العصـــمةِ والقربى له      وهُمْ أولي الأمرِ الــــــــــهداةُ الأممِ

............................................................

1 ــ أدب الطف ج 10 ص 312 ــ 312

2 ــ أعيان الشيعة ج ١٠ ص ١٤٧

3 ــ شعراء الغري ج 12 ص 206

4 ــ معارف الرجال ج 3 ص 160 ــ 161

5 ــ تاريخ النجف الأشرف ج 1 ص 334

6 ــ أعيان الشيعة ج ١٠ ص ١٤٧

7 ــ شعراء الغري ج 12 ص 206

8 ــ أدب الطف ج 10 ص 312 ــ 312

9 ــ شعراء الغري ج 10 ص 206

10 ــ أدب الطف ج 10 ص 313 ــ 314

11 ــ أدب الطف ج 10 ص 315

12 ــ أعيان الشيعة ج ١٠ ص ١٤٧ ــ 148

13 ــ شعراء الغري ج 12 ص 206

14 ــ شعراء الغري ج 12 ص 208

15 ــ معارف الرجال في تراجم العلماء و الادباء ج ٣ ص 159

16 ــ معجم الأدباء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002 ج 6 ص 278

17 ــ ذكرت كاملة في شعراء الغري ج 12 ص 228 ــ 242

كما ترجم له:

الشيخ أغا بزرك الطهراني/ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 9 ص 232

الشيخ عبد الحسين الأميني / الغدير ج 3 ص 325

الشيخ محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 1 ص 393

حميد المطبعي / أعلام العراق في القرن العشرين ج 3 ص 249

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار