338 ــ ابن الفخار الرعيني: (592 ــ 666 هـ / 1195 ــ 1267 م)

ابن الفخار الرعيني: (592 ــ 666 هـ / 1195 ــ 1267 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (21) بيتاً:

(كربـلاءٌ) بـ (كـربلاءٍ)     وهانَ ما لم يـكنْ بهينِ

أرضوا عداهُ وأسخطوهُ     قُـبِّـحَ راضٍ بالخطّتينِ

ألمْ تمدْ يـومَ ذاكَ أرضٌ     وطبَّقَ الرزءُ الخافقينِ (1)

الشاعر

أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن هيضم الرعيني الإشبيلي، المعروف بـ(ابن الفخار الرعيني)، عالم وشاعر وأديب ولغوي وقاضي، ولد في إشبيلية من أسرة علمية كانت تعرف بـ (ببني الحاج)، ودرس فيها وفي قبطيل ومالقة وبشريش وقرطبة ومرسية وغيرها من مدن الأندلس، ونبغ في العربية فأجازه علماء عصره وهو صغير وسمحوا له بالتعليم في مجالسهم.

يقول الرعيني في ترجمته لأستاذه أبي بكر محمد بن عبد النور السبتي المتوفى سنة (614 هـ): (أجاز لي إجازة مطلقة غير مرة، وكثر انتفاعي به ووسمني للإقراء في مجلسه وتعليم العربية) (2) أما لقبه بـ(ابن الفخّار) فقد جاء نسبة لمهنة أبيه الذي كان فخَّاراً (3)

قال عنه لسان الدين بن الخطيب: (الكاتب البليغ المحدّث الراوية. قال الأستاذ: كان من أهل العلم والمشاركة، وغلبت عليه الكتابة السلطانية واعتمدها صناعة. وكتب لجلّة من ملوك الأندلس والعدوة. وكان انفصاله من الأندلس قبل سنة أربعين وستمائة) (4)

وقال عنه الأستاذ عارف عبد الكريم مطرود: (تُعد شخصية الرُّعيني في بلاد الأندلس من الشخصيَّات المهمَّة التي كان لها دوراً بارزاً في بلورة تراث الأندلس، وقد سجَّل له الأدب العربي حضوراً ونتاجاً ادبيَّاً مميَّزاً، تمثَّل ببرنامجه الذي يُعد سجلاً يحتفظ بمئات الشخصيَّات المترجم لها من العلماء الأجلاء، مع ذكر بعضٍ من نتاجهم الأدبي، ولا عجب ان يُعد هذا الكتاب مرجعاً من مراجع الأدب العربي الأندلسي المهمَّة، ويمكن ان يُصنَّف بوصفه معجما للتراجم المحققة المعتمد عليها.

كان الدكتور عبد العزيز الأهواني اوَّل من ذكر الرُّعيني ضمناً، حينما درس في بحثه "كتب برامج العلماء في الأندلس" ضمن بحوث مجلة معهد المخطوطات العربية، ولم يُفصّل فيه، وذلك سنة ١٣٧٥ هـ - ١٩٥٥ م، وكان إبراهيم شبُّوخ ثاني من أعطى تقديماً لشخصيَّة الرَّعينيّ، حينما حقق كتابه "برنامج شيوخ الرُّعينيّ"، ضمن مطبوعات مديريَّة إحياء التراث العربي، وذلك سنة ١٣٨١ هـ - ١٩٦٢ م.). (5)

وقد حقق الباحث إبراهيم شبّوح كتاب الرعيني (برنامج شيوخ ابن الفخار الرعيني) تناول فيه حياة الرُّعيني من اسمه وكنيته وولادته وأسرته ومكانته العلميِّة ووفاته، ودوره قاضياً، وذاكراً رحلاته ومؤلّفاته ونتاجه الأدبيَّ، ومعطياً نبذة عن كتب البرامج، وما الطريقة التي اتَّبعها في برنامجه ومتى كتبه، كما كتب الأستاذ عارف عبد الكريم مطرود عنه كتاباً بعنوان: (ابن الفخَّار الرُّعينيِّ الإشبيليِّ ومختصر أشعار شيوخه)

أما قصة أبياته في كربلاء فقد ذكرها المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي فقال (6):

(وفي شمالي أفريقية وصل الشعر أوجه بعد المرابطين حين وصل الموحدون إلى السلطة وكان للشعر الحسيني بالذات أرضية خصبة ويدلنا على ذلك ما أورده ابن رشيد (7) بأن الشريف نجم الدين بن يونس بن عثمان الحسني (8) أنشد بحضرة مراكش (9) في أيام رشيد بن عبد المؤمن (10) يوم عاشوراء بيتين لابن حكينا (11) الذي يقول فيهما:

ولائـمٌ لامَ فـي اكـتحالي     يـومَ اسـتـحلوا دمَ الحسينِ

فقلتُ دعني أحقُّ عضوٍ     يحظى بلبسِ السوادِ عيني

وطلب من الشعراء حوله التذييل فكان ممن شارك في ذلك: الحسين ابن القطان، وأبو بكر يحيى الفزاري، وأبو عبد الله ابن الحناط، ومحمد بن علي العشبي، وحجاج بن حجاج الإشبيلي، وعبد الله بن القاسم المعروف بـ (ابن زغبوش) وعبد العزيز بن محمد الطهيري، وابو الحسن ابن زنون، وعبد السلام بن غالب المسراتي، وأبو الحجاج بن موسى بن لاهية، وعبد الله بن عبد الرحمن العراقي، وابن عمران، وعلي بن محمد بن هشام الجياني، وعمر بن أبي ثلاثة، وأبو عبد الله المصانعي، وحازم بن محمد القرطاجني، وأخوه الحسن بن محمد القرطاجني، وغيرهم كالرعيني

 ثم يقول الكرباسي: ومن الجدير بيانه هنا أن هذه القائمة من الأسماء لا تحصي جميع من حضر في مجلس الشريف نجم الدين لمكان قول ابن رشيد: (فكان ممن شارك في ذلك) وقد بذلنا جهدا كبيراً في اتجاهات أربعة:

1- التعرف على مجموع المشاركين في النظم الحسيني بذلك المجلس.

2- التعرف على شخصياتهم حيث لم نتمكن من التعرف على كل من ورد اسمه.

3- التعرف على شعرهم المنظوم في ذلك المجلس حيث لم نتمكن من الحصول على شعر خمسة ممن وردت أسماؤهم وهم ابن عمران وابن غالب وابن قطان وابن هشام والجياني.

4- التعرف على سائر شعرهم الحسيني حيث نحتمل ذلك).

شعره

قصيدة ابن الفخار

يقول الرعيني في قصيدته:

ولائــمٌ لامَ فـــي اكـتـحـالـي     يومَ اسـتـحـلّـوا دمَ الحسينِ

فـقـلـتُ دعـني أحـقُّ عـضـوٍ     يُحظى بلبسِ السوادِ عيني

حـزنـاً لـيـومٍ عـصيبِ كربٍ     أفـاضَ لـلـعـيـنِ كـلِّ عـينِ

أصـيـبَ خـيـرُ الأنـــامِ فـيـهِ     بالطاهرِ ابنِ الـمـطـهَّـرينِ

مصرعُ سـبطِ الرسولِ مالي     فيهِ على الصبرِ من يـدينِ

كـربـلاءٌ بــكــــربـــــــــلاءٍ     وهـانَ مـا لـمْ يـكنْ بـهـيـنِ

أرضـوا عـداهُ وأسـخـطــوهُ     قُـبِّــحَ راضٍ بـالـخـطّـتـينِ

ألــــمْ تـمـدْ يـومَ ذاكَ أرضٌ     وطـبِّـقَ الرزءُ الـخـافـقـينِ

ولم تـجـرِ الأفــلاكِ طــــراً     أم كـيفِ دارتْ بـالنـيـرينِ

فـالـيـومَ حـقــاً وَدَدتُ أنّـــي     من قبلِهِ قد وردتُ حـيـني

حـقـاً يـزيـدُ الـقرودِ أضحى     يـــقـرعُ درَّ الـثـنـيَّـتـيـــن

وأنَّ رأسَ الـحــسـيـنِ وافى     يـحـمـلُـه ضـدّه الـرديـني

لا حزنَ عندي كـحزنِ يومٍ     أودعـه طـسـتـه اللـجـيني

فـلـيـتـنـي مُــتُّ قــبـلَ ما قد     أصمَّ ناعيهِ الـمـسـمـعـينِ

وليتني حاضـرٌ فـأحــضـى     في الدمعِ عنه بالحـسنيينِ

يا آلَ حــربٍ بُــؤتمْ بـحربٍ     فـقـدْ أتـيـتـمْ بـكـلِّ شـيــنِ

عاديـتمُ الـمصطـفى جـهاراً     والصدقُ عارضتمُ بمــينِ

حـقــداً قـديـــمـاً أثـرتــموهُ      في حسنٍ قبلُ والحســيـنِ

ويا شبابَ الجــنانِ صبـراً      فقد أصِـبـتمْ في السيــديـنِ

واللهُ قـد شـاءَ أن يـــكــونا     في جنّةِ الـخـلـدِ خـالـديــنِ

خابَ مـعـاديـهما وفــــازا     بفضلِ ما فـي الشــهادتيـنِ

..............................................

1 ــ الذيل والتكملة للمراكشي ص 471 / ديوان القرن السابع ص 185

2 ــ برنامج شيوخ الرعيني بتحقيق إبراهيم شبوح ص 14

3 ــ قالت بذلك كل المصادر التي ترجمت له

4 ــ كتاب الإحاطة في أخبار غرناطة ج 4 ص 139

5 ــ ابن الفخَّار الرُّعينيِّ الإشبيليِّ ومختصر أشعار شيوخه ص 65

6 ــ دائرة المعارف الحسينية ديوان القرن السابع ص32 ــ 34

7 ــ ابن رشيد: هو محمد بن عمر بن محمد السبتي (657 - 721هـ) مؤلف كتاب الرحلة المسماة بـ (ملء العيبة بطول الغيبة في الوجهتين الكريمتين مكة وطيبة), تولى الخطبة والإمامة عام 692هـ في غرناطة في عهد محمد الثاني من ملوك بني الاحمر.

8 ــ الشريف نجم الدين ابن يونس: كان قاضي القضاة في عهد الرشيد الموحدي وأخيه السعيد علي (640 - 646هـ) الحادي عشر من الملوك الموحدين.

9 ــ أسسها يوسف بن تاشفين من ملوك المرابطين عام 454 هـ وبلغت أوج ازدهارها في عهد الموحدين.

10 ــ الرشيد: أبو محمد عبد الواحد بن المأمون إدريس عاشر ملوك الموحدين حكم ما بين 630 - 640 هـ.

11 ــ ابن حكينا: الحسن بن احمد بن محمد شاعر بغدادي ترجم له ابن شاكر الكتبي في فوات الوفيات ج 1 ص 319 / و(شذرات الذهب في أخبار من ذهب) لعبد الحي الحنبلي ج ٤ ص ٨٨ الذي قال في وصفه: (أجمع أهل بغداد على أنه لم يرزق أحد من الشعراء لطافة شعره)

كما ترجم للرعيني:

ابن عبد الملك المراكشي / الذيل والتكملة على كتابي الموصول والصلة ص ٣٢٣ – ٣٦٩ رقم 636 

ابن المقري الأندلسي / نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ج ١ ص ٣١١ و ج ٥ ص ٥٢ - ٥٣

الذهبي / تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير الأعلام ص ٢٢٨ من حوادث ووفيات (٦٦١ - ٦٧٠ هـ) رقم الترجمة ٢١٣

لسان الدين بن الخطيب / أوصاف الناس في التواريخ والصلات ص ١٣٣

محمد بن عبد الله بن خليل / اختصار القدح المُعلَّى في التاريخ المُحلَّى لإبن سعيد المغربي ص ١٧٣

ابن خلدون / العبر ج ٤ ص ١٦٩

الزركلي / الأعلام ج ٤ ص ٣٣٣

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار