324 ــ علي الجاسم: (1240 ــ 1332هـ / 1824 ــ 1913 م)

علي الجاسم: (1240 ــ ١٣٣٢ هـ / 1824 ــ 1913 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (85) بيتاً:

فـهووا على حرِّ الصعيدِ بـ (كربلا)      صرعى مضرجةَ الجوارحِ بالدمِ

فـكـأنّـمـا نـجـمُ الـسـمـاءِ بـهـا هوى      وكـأنّـهـا كـانـت بـروجَ الأنـجـــمِ

وبـقـي ابـنُ امِّ الـمـوتِ فرداً لم يجدْ      فـي الـروعِ غـيـر مـهـنّدٍ ومطهَّمِ (1)

ومنها:

وتـقـولُ لـلـحـادي رويـدكَ فـاتـئـد      هذي معاهدُ (كربلاءَ) فيَمِّمِ

قِفْ بي أُقيمُ على مصارعِ إخوتي      نـوحاً كنوحِ الثاكلاتِ بمأتمِ

أنـعـاهـمُ فـرسـانَ صـدقٍ لـم تكنْ      هـيَّـابـةً عـند اللقا في المقدمِ

وقال من حسينية أخرى تبلغ (70) بيتاً:

مُلقىً بصاليةِ الهجيرِ على ثرى      في (كربلا) مُتوقّدِ الرمضاءِ

مــــتوسِّداً حرَّ الصعيدِ وقد غدا      نـــــهباً لحدِّ صوارمِ الأعداءِ

قد وزِّعــــتْ بشبا الظبا أشلاؤه      اللهُ يــــــــــا لموزَّعِ الأشلاءِ

وقال من أخرى تبلغ (43) بيتاً:

ومِن الصعيدِ بـ(كربلا)      باتـتْ تُوسِّدُه صخورُه

ورؤوسُ فــــــتيتِه بأبـ      راجِ القنا بزغتْ مُنيره

أكلَ الحديدُ جســومَهمْ      فغــدتْ مضمَّخةً عفيره

وقال من قصيدة طويلة:

الله يقضـــــي ابنُ النبي ظاميا      في (كربلا) والماءُ فيها التطما

لا غروَ أن قد بكت السما دماً      فـــــحقَّ أن تبكي السماءُ أنجما

والـــــــدينُ قد تهدَّمتْ أركانُه      مِن بـــــعدِ ما كان بِناها محكما

ومنها:

وكمْ دمٍ طاحَ لكمْ في (كربلا)      فاحمرَّ وجهُ الأفقِ مِن تلكَ الدِّما

فــــلا قرارَ أو تثيروها وغىً      شـــــــبَّتْ إلى أمِّ السماءِ ضرما

لا حـملتكِ الخيلُ أو تأتي بها      شعثَ الـــنواصي علكتها اللجما

ومنها:

قد أرغمتْ آنافَكم في (كربلا)      ما بالها عهدي بها لن ترغما

لا فــخرتْ بعد الحسينِ هاشمٌ      إن لـــم تثِرْ نقعاً يشيبُ اللمما

عهـــــــــدي بكمْ أبيةً نفوسُكم      فما القــــعودُ بعدها أجلْ فما؟

ومنها:

كأنكمْ لـــمْ تعلموا بما جرى      فـــي (كربلا) وكلُّ شيءٍ علما

وهــــذه كرائمُ الوحي غدتْ      تُساقُ من خدورِها سوقَ الإما

قد برزتْ مروعةً مِن الخبا      فأركـــــــــــــبوهنَّ نياقاً وسما

وقال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (19) بيتاً:

وصبيتُه صــرعى بعرصةِ (كربلا)      تمجُّ دماً منها صدورُ اللهاذمِ

ونـــــــسوتُه تُسبى على قتبِ المطا      فــكانَ بعينِ اللهِ سبيُّ الفواطمِ

تجشّمها المسرى كما شاءتِ العدى     فـــــلمْ ترَ إلّا شامتاً إثرَ شاتمِ

وقال من قصيدة في رثاء الخطيب الشيخ شهيب الحلي ومعزِّياً ولده الخطيب الشيخ عبد الحسين ويطلب منه أن يتأسّى بالحسين عليه السلام:

نهنه أبا حسنٍ جــــــواكَ بكَ العزا      حسنٌ وإنْ جَلَّ الـمصابُ الأفظعُ

فلأنتَ أكـــــــــــرمُها تقىً وتعفُّفاً      ولأنتَ أخطــــــبُها البليغُ المصقعُ

واصـبرْ فإنَّ الصبرَ أجملُ بالفتى      إنَّ القــــــــضا ما عنه يوماً مدفعُ

واذكرْ مصابَكَ بالحسينِ ورهطِه      فبـ(كربلا) حرَّى الحشاشةِ صُرَّعُ

الشاعر

الشيخ علي بن قاسم الأسدي، المعروف بـ (علي الجاسم) شاعر وأديب وخطيب، ولد بالحلة وتلقى تعليمه فيها على يد الكتاتيب فتعلم القرآن الكريم والكتابة، ثم أكمل تعليمه على يد خطباء وعلماء مدينة الحلة، فدرس مقدمات العلوم، وعلوم اللغة والأدب، وحفظ كثيراً من أشعار العرب.

قال الخاقاني: (كان أبوه ريفياً زراعاً فارق أسرته ــ بني أسد ــ التي تقطن على نهر الهندية قرب ــ طويريج ــ وحل في الحلة فاتخذها وطناً، غير أن وليده الذي جاء إلى الدنيا في عام ارتحاله من قومه كانت علائم الذكاء تبدو عليه وتظهر، فأودعه عند كتاب علمه القرآن والكتابة، وما إن بلغ الحلم حتى رمقه الناس لحدة ذكائه وفطنته وتذوقه الشعر واختلف على بعض الخطباء فكان يلقنه بعض القصائد في رثاء الإمام الحسين عليه السلام وكان ذا صوت جهوري يحكي مزامير داود فتطلع إليه الناس وأحبوه) (1)

عُرف الجاسم بإنشاده الشعر في المجالس الحسينية بطريقة مميزة وكان يقرأ شعر معاصريه من شعراء الحلة والنجف وخاصة شعر السيد حيدر الحلي فعرف بـ (المنشد) أيضاً، وطريقته في الانشاد لا تزال إلى هذا اليوم تعرف بـ (الطريقة القاسمية) نسبة إلى اسمه الذي عرف به، وكان هو المنشد الوحيد يومئذ لأكثر قصائد معاصريه في الحلة والنجف وبصورة خاصة لشعر السيد حيدر الحلي، له مجموعة قصائد في مختلف أغراض الشعر كانت عند ابن أخته الشيخ أحمد الراضي في الحلة. لأن المترجم له لم تك له ذرية حيث لم يتزوج قط وتوفي في الحلة ونقل إلى النجف ودفن في وادي السلام (4)

قال عنه الشيخ علي كاشف الغطاء: (كان شاعرا ماهرا وأديبا لبيبا مطبوع الشعر حسن الطبيعة والعشرة، جيد الخط نشأ بين أهل الأدب، وكان كاملاً في العلوم العربية، وقد تصدى ابن أخته الشيخ أحمد لجمع شعره في ديوان) (5)

وقال الشيخ جعفر النقدي: (كان من ظرفاء أهل الأدب، لطيفاً إلى الغاية ذا صوت يحكي مزامير داود) (6)

وقال الشيخ محمد علي اليعقوبي: (كان في ريعان شبابه وعنفوان كهولته معدوداً في جملة قراء الحلة وذاكريها في المحافل الحسينية، وله في إنشاد من الرثاء وغيره تلحين خاص وطريقة معروفة امتاز برقة نغمتها على غيره وتعرف حتى اليسوم بالكريقة ــ القاسمية ــ وكان المترجم هو المنشد الوحيد يومئذ لأكثر قصائد معاصريه في الحلة والنجف وبصورة خاصة السيد حيدر الحلي، ويمتاز برواية كثير من أشعار المتقدمين والمتأخرين خصوصا شعراء بلده كالكوازين وأضرابهما من أدباء القرن الثالث عشر ممن لم يدرك أحداً منهم..) (7)

توفي الجاسم في الحلة ودفن في النجف ولم يتزوج طيلة حياته

شعره

عُرف الجاسم بنفسه الطويل وقد ذكر السيد جواد شبر أن للجاسم: (عدة قصائد في رثاء أهل البيت عليهم ‌السلام رأيتها في مخطوطة الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي والتي هي اليوم في حيازة ولده الخطيب الشيخ موسى اليعقوبي ...) (8)

وذكر الخاقاني هذه القصائد كاملة في ترجمة الشاعر والقصائد هي:

1 ــ ما بال هاشم عن بني الطلقاءِ      قعدت ولم توقد لظى الهيجاءِ / وتبلغ (69) بيتاً

 2 ــ عُجْ بالركابِ على حمى البطحاءِ     فيه معرّسُ هاشمَ العلياءِ / وتبلغ (70) بيتاً

3 ــ لِمَ هاشمٌ أغضتْ عن الأعداءِ      وهمُ ذوو النجداتِ في اللأواءِ / وتبلغ (69) بيتاً

4 ــ أيّــها الـمـمـتـطـي الـشملةَ يطوي     فـي سـراهُ أديـمَ تـلـك الـنــواحي / وتبلغ (28) بيتاً

5 ــ لم أنسَ يومَ الطفِّ خيرَ كرائمٍ      ممَّن نماها المصطفى الطهرُ / وتبلغ (39) بيتاً

6 ــ يا غــاديـاً يـطوي بمـسـ     ـراهُ الــسـهـولـةَ والـوعـورة / وتبلغ (43) بيتاً

7 ــ أقِمْ أيُّها الغادي صدورَ الرواحلِ      إلى النجفِ الأعلى وبثَّ رسائلي / وتبلغ (54) بيتاً

8 ــ إن جزتَ نعمانَ الأراكِ فيممِ      حياً به الحيُّ النزيلُ وسلمِ / تبلغ (85) بيتاً

9 ــ انـتـثري يا شهبُ أبراجِ السما     لقد أطلَّ فادحٌ قد عـظما / ذكر منها الخاقاني (51) بيتاً

10 ــ أبا الفضلِ يا ليثَ الكريهةِ إن سطا     يُراعُ الردى منه بضنكِ الملاحمِ / وتبلغ (51) بيتاً

11 ــ أتى الملأ الأعلى لتهنئةٍ الهدى      إلى المصطفى المختارِ صفوةِ هاشمِ / وتبلغ (19) بيتاً

كما ذكر الخاقاني قصائد له في الإمام أمير المؤمنين والإمام الحجة المهدي (عبيهما السلام) وتخميس لقصيدة الشيخ حسن مصبح الحلي في أمير المؤمنين (عليه السلام) وتبلغ (27) بيتاً

شعره

قال الخاقاني: (تنوع في قرض الشعر ونظم في مختلف فنونه فأجاد في كثير منها، وهو في معظم ما نظم حسن السبك رقيق الروح والعاطفة منسجم التركيب...) (9)

قال عنه عبد العزيز البابطين: (شعره، في مطوّلات تتنوّع موضوعياً بين الرثاء وهو الأكثر انتشاراً في شعره..)

قال من قصيدته الحسينية:

بـالـطـفِّ كـمْ مـعـها أريـقَ دمٌ وكـــمْ     مـنـهـا اسـتِـحـلَّ مـحــرّمٌ بـمحرمِ

يـومٌ أتـتْ حـربٌ لـحـربِ بني الهدى     في فـيـلقٍ جـمَّ الـعـديـدِ عـرمـرمِ

فـاسـتـقـبـلـتـهُ فــتــيــةٌ مــن هــاشـــمٍ     مِـن كـلِّ لـيــثٍ لـلـقـراعِ مُصمِّمِ

مـنـه يُـراعُ الـمـوتُ بــابــنِ حـفـيظةٍ     حـامـي الـحــقـيـقـةِ باللواءِ مُعمَّمِ

قـومٌ إذا سـلّـوا الـسـيـوفَ مـواضـيـاً     صـقـلـوا شــبـاها بالقضاءِ المُبرمِ

لو قـارعـتْ يـومـاً بـقـارعـةِ الـوغى     صـعـبَ الـقـيــادِ ربيعةَ بن مكدَّمِ

لـتـقـاصـرتْ مـنـه خـطـاهُ رهـــبـــةً     وانـصـاعَ مُـنـــقـاداً بـأنفٍ مُرغَمِ

لـم تـدَّرعْ مـا كـان أحـكـمَ نـســجَــها     داودُ من حـلـقِ الــدلاصِ المُحكمِ

لـكـنّـهـا أدَّرعـتْ بـمـلـحـمـةِ الـوغى     حـلـقَ الـحـفـاظِ بــموقفٍ لم يذممِ

في مـوقـفٍ ضـنـكٍ يـكــادُ لـهـولِـــه     يـنـهـدُّ ركـنـاً يــذبـــلٌ ويــلـمـلــمِ

يـمـشـونَ تـحتَ ظِلالِ أطرافِ القنا     نحوَ الرَّدى مشيَ الـعطاشِ الـهوَّمِ

يـتـسـارعـونَ إلـى الـحـتوفِ ودونه     جـعـلـوا الـقـلـوبَ دريَّةً لــلأسـهمِ

وهـووا عـلـى حـرِّ الـصـعيدِ بكربلا     صرعى مضرجةَ الجوارحِ بالدمِ

فـكـأنّـمـا نـجـمُ الـسـمـاءِ بـهـا هـوى     وكـأنـهـا كـانـتْ بـروجَ الأنــجــمِ

وبـقـي ابـنُ امِّ الـمـوتِ فـرداً لم يجدْ     فـي الـروعِ غـيـر مـهـنَّدٍ ومطهَّمِ

فـنـضـا حـسـامـاً أومـضـتْ شـفراتُه     ومـضَ الـبـروقِ بعارضٍ متجهِّمِ

وتـكـشّـفـتْ ظـلماتُ غـاشـيةِ الوغى     عـن وجـهِ أبـلـجَ بـالـهـلالِ مُـلـثّمِ

وسـقـى الـعـدى مـن حـرِّ طعنةِ كفِّهِ     كـأسـاً مـن الـسـمِّ الـمُـدافِ بـعلقمِ

وعـنِ الـدنـيَّـةِ أقـعـدتــه حـــمــيــــةٌ     نـهـضـتْ بـه مــن عــزَّةٍ وتـكرُّمِ

شـكـرتْ لـه الـهـيـجـاءُ نـجـدتَه التي     تـردي مـن الأقـرانِ كلَّ غشمشمِ

حُـمـدتْ مـواقـفُـه الـكـريـمةُ مـذ بها     لـفَّ الـصـفـوفَ مـؤخَّــراً بـمقدَّمِ

ومـعـرِّضٌ لـلـطـعــنِ ثـغـرةَ نــحرِهِ     لـيسَ الـكـريـمُ عـلى الـقنا بمحرَّمِ

فهوى صريعاً والـهدى في مصـرعٍ     أبـكـى بـه عـيـنَ الـسـمـاءِ بـعندمِ

منه ارتوتْ عطشى السيوفِ وقـلـبُه     مـن لـفـحِ نـيـرانِ الـظما بتـضرُّمِ

وعـلـيـه كـالأضـلاعِ بـيـن ضـلوعِهِ     مـمَّـا انـحـنـينَ من القنا المتـحطّمِ

وأمـضّ خـطـبٍ قـد تـحكّمتِ العدى     بـكـرائـمِ الـتـنـزيــــلِ أيَّ تـحــكّمِ

مـن كـلِّ مُـحـصـنـةٍ قـعـيـدةِ خدرِها     لا تـسـتـبـيـنُ لـنـاظــرٍ مُــتـوسِّــمِ

قـد أصـبـحـتْ بـعـدَ الـخـفـارةِ تـتقي     ضـربَ الـسـياطِ بكفِّها والمعصمِ

ومـروعةٍ جمعتْ على حرقِ الأسى     مـنـهـا شـظـايـا قـلـبِـهـا الـمـتـألّمِ

تـدعـو ودفّـاعُ الـحـريــقِ بـقـلـبِـهــا     من حرِّ ساعرةِ الجوى المتضرِّمِ

وقال في الإمام زين العابدين (عليه السلام):

لقد صابرَ الـــــــــــــــــــسجَّادُ أيةَ محنةٍ      يقلُّ لها صلدُ الصــــــــــــــفا يتصدَّعُ

إذا ما جرتْ ذكرى مصـــــــارعَ قومِهِ      بني فــــــــــــــــــاطمٍ إلّا وعيناهُ تدمعُ

وتأخذُ منه رجـــــــــــــــفةُ الـحزنِ قلبَه      وتُطوى على جمرِ الجوى منـه أضلعُ

ويبدي الشجا منه لواعـــــــــــجَ حسرةٍ      تكادُ شظايا القلبِ مــــــــــــــــنه تُقطّعُ

وأفنى سنيـــــــــــــــــــناً أربعينَ بعبرةٍ      تسيلُ كرجَّـــــــــــافِ الحيا حين يهمعُ

لـــــــــــــمَن قُتلتْ صبراً بضفَّةِ نينوى      أمــــــــــــضّ بها حرَّ الحديدِ فصُرِّعوا

ومَن قد قضتْ حرَّى القلوبِ مِن الظما      وكانَ لهمْ في عرصةِ الطفِّ مـــصرعُ

........................................................................

1 ــ أشعاره حسب الحروف الأبجدية عن: شعراء الحلة ج 4 ص 131 ــ 208

2 ــ خطباء الحلة الفيحاء ص 125

3 ــ شعراء الحلة ج 4 ص 128 ــ 129

4 ــ أدب الطف ج 8 ص 249 ــ 250

 5 ــ الحصون المنيعة ج 2 ص 171

6 ــ الروض النضير ص 279

7 ــ البابليات ج 3 ص 185

8 ــ أدب الطف ج 8 ص 250  

9 ــ شعراء الحلة ج 4 ص 131

كما ترجم له:

السيد محسن الأمين / أعيان الشيعة ج ٨ - ص ٣٠١

محمد السماوي / الطليعة من شعراء الشيعة ج 2 ص 70 ــ 71

الدكتور سعد الحداد / الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 288

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار