322 ــ علي البلادي: (1274 ــ 1340 هـ / 1857 ــ 1921 م)

علي البلادي: (1274 ــ 1340 هـ / 1857 ــ 1921 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (48) بيتاً:

إذ أتى في (كربلا) أمِّ البلا     بـكـرامٍ صـفـوةٍ سـادوا الـعـبـادا

هـمْ رجـالُ اللّه‏ أكــرمْ بـهُمُ     مِن رجالٍ طاولوا السبعَ الشـدادا

وهُمُ شادوا المعالي والعُلا     إذ سواهم عن طريقِ الحقِّ حادا (1)

وقال من منظومته (جامعة الأبواب لمن هم لله خير باب) وهي في مواليد النبي والأئمة والزهراء ووفياتهم عليهم ‌السلام:

ومـولـدُ السبطِ شهيدُ (كربلا)      ثـالـثُ شـعبـانَ على قولٍ علا

وقيلَ في الخامسِ منه بعد أن     مضتْ من الهجرةِ ج فافهمنْ

قـدْ خـتـمَ اللهُ لـه الـشــهــــادةْ      كـمـا لـه قـــد خـتـمَ الـسـعـادةْ

بـعـاشـرِ الـمـحـرَّمِ الـمـشـومِ      بـ (كربلا) بـالـحـائـرِ المعلومِ

مـصـابُـه قد هدَّ أركانَ العُلا      وجـلـبـبَ الأكـوانَ شجواً وبلا

فلـعـنةُ اللهِ عـلـى مَـن قـتـلـه      ومَـن رضي بفعلِ من قد فعلَه (2)

الشاعر

الشيخ علي بن حسن بن علي بن سليمان البحراني (3) صاحب كتاب (أنوار البدرين)، عالم وفقيه كبير وشاعر وأديب ومؤرخ، ولد في قرية البلاد بالبحرين.

مات والده عند رجوعه من الحج وخلّفه صغيراً وكانت البحرين آنذاك تعيش أوضاعاً سياسية متوترة تسودها الاضطرابات والأحداث والفتن التي أدت إلى قتل حاكمها علي بن خليفة، فهاجر البلادي وأمّه مع كثير من أهل بلده إلى القطيف وفيها درس البلادي على يد خاله الشيخ أحمد بن صالح آل طعان العلوم الدينية والعربية، وكان آل طعان قد سبق البلادي وأمه بالهجرة إلى القطيف واستقبلهم فيها وقد تزوج البلادي بنت خاله صالح آل طعان.

يقول البلادي وهو يصف سفره مع أمه إلى القطيف بعد وفاة والده: (كنت مع الوالدة المرحومة حتى وقعت الواقعة العظيمة على بلادنا البحرين سنة 1284 هـ التي قتل فيها حاكمها (علي بن خليفة) وغيره فتفرقت أهلها في الأقطار وتشتتوا في الديار فكنت ممن رمته مناجيق الأقضية والأقدار وقذفته نون الآونة والأخطار في بلاد القطيف مع الوالدة المقدسة وقد كان الأمجد الأرشد المرحوم العلامة أعلى الله مقامه في دار المقامة (ذكرناه في ترجمته) قد سكنها مع الأهل والأولاد وشرف تلك البلاد فصرت في حجره وتربيته فقربني وآواني وعلمني وحباني وقدمني على أولاده فضلا عن أقراني وكان شيخي وأستاذي وجد أولادي فجزاه الله عني وعن المؤمنين خير الجزاء وحباه أفضل الحباء). (4)

ولم تمض سنتين على إقامته في القطيف حتى ماتت أمه فهاجر إلى النجف الأشرف وفيها وجد ضالته في مجالس العلم والأدب يقول البلادي وهو يتحدث عن نفسه في تلك الفترة:

(سافرت إلى النجف الأشرف مهاجرا لتحصيل العلوم وحضرت متطفلا عند جملة من فضلائها وثلة من علمائها كالعلامة الأمين الشيخ محمد حسين الكاظمي أصلا والنجفي مدفنا وأهلا والفاضل ذي المجد والشرف الشيخ محمد طه نجف وسيدنا المقدس التقي الزاهد النقي السيد مرتضى ابن السيد مهدي الكشميري النجفي والعالم التقي الشيخ محمود ذهب النجفي المقدس والشيخ حسن ابن الشيخ مطر الجزائري وغيرهم من العلماء الأتقياء (قدس الله أرواحهم وطيب مراحهم ونور أشباحهم) وفي تاريخ هذا الكتاب لم يبق أحد منهم سوى ذكرهم الجميل المستطاب فهم أحياء وإن ضمهم التراب الناس موتى وأهل العلم أحياء) (5)

وبعد أن أنهى دراسته عاد إلى بلاده فتبوأ بها مكانة سامية وتصدى للفتوى والتدريس، وتشير إجازة له على أنه تصدر الفتوى وهو في النجف حيث يقول السيد جواد شبر في ترجمته: (وقد عثرت على إجازة كتبها بخطه لجدي السيد محمد بن علي شبّر قدس الله سره سنة (١٣٢٧ هـ)‍. وقد ذكرها شبر كاملة (6)

وكان من أساتذته في النجف الأشرف: الشيخ محمد حسين الكاظمي، والشيخ محمد طه نجف والسيد مرتضى بن مهدي الكشميري النجفي والشيخ محمود ذهب النجفي، والشيخ حسن ابن الشيخ مطر الجزائري (7)

البلادي في أقوال الأعلام

قال عنه حفيده الأديب الشيخ علي بن حسين القديحي: (كان رحمه الله مطاعاً في قومه مهاباً عند كافة أهل بلاده، محترماً عزيزاً يرون فيه الحجة الورع والزعيم المصلح يأتمرون بأوامره وينكصون عن ارتكاب ما نهى عنه إذ عرفوه عالماً ربانياً لا يغضب إلا لله ولا يأمر إلا بما أمر الله ولا ينهي إلا عما نهى الله عنه.. يمتاز بين أقرانه بسعة الحلم وقوة الذاكرة ورجاحة العقل وعظم المخافة لله تعالى والفرق منه والتقوى له، ولعل التقوى أبرز ظاهرة فيه فقد اشتهر حتى الآن بين أبناء وطنه لذلك ولعل تقاه بل هو نفسه أكبر دافع لكثير من أبناء البلاد ووجهائها وأصحاب الثروة ذوي الاحسان فيها في الوصاية عليه، والعهد بالولاية على أولادهم وإنفاذ وصاياهم، ولأجل تقواه وورعه وزهده وأمانته وعفته وصيانته حبست الوقوفات عليه وعلى ذريته من كافة الطبقات

وإلى جنب ما ذكرنا فهو أديب وشاعر ولكن من الطراز القديم وعلى النحو المألوف بين أمثاله في ذلك الوقت، فمن نظر في خطبه ومقدماته لمؤلفاته وتعليقاته عليها وعلى سائر الكتب وجدها كما ذكرنا، وهذا الكتاب كثيرا ما فيه من إنشائه بل أكثره، وهو على المنهاج الذي أسلفنا ولكن رغم ذلك فالقارئ يجد في قراءتها متعة ولباقة، والمستمع إلى خطبه العيدية يأخذه وقع لفظها ويسيطر عليه ما احتوت عليه من غرر الدر المنثور، وبما فيها من تشويق للإقبال على الآخرة وتخويف من التعرض للدنيا، وأمر بأداء الواجبات ونهي عن ارتكاب المحرمات..

أما شعره فلم يكن فيه ثمة تجدد عن شعر أهل القرن الماضي ولكن يمتاز بتأثيره العظيم سيما في الرثائيات، وقد وقف حياته الأدبية على خدمة أهل البيت عليهم السلام ومدائحهم ومراثيهم، ولم يتعرض لسواهم إلا قليل) (8)

وقال الشيخ جعفر سبحاني: (الفقيه الإمامي، المشارك في الفنون ...) (9)

وقال السيد محمد مهدي بن محمد الموسوي الأصفهاني الكاظمي: (الوحيد العلم السديد البحاثة الخبير والمتتبع النحرير الشيخ علي البحراني). (10)

وقال الشيخ آغا بزرك الطهراني: (الشيخ المحدث الماهر). (11)

وقال الزركلي: (أديب إمامي مؤرخ، من أبناء الخليج). (12)

وقال رضا كحالة: (مؤرخ، متكلم، ناظم). (13)

وترجم له الشيخ علي المرهون ترجمة وافية قال فيها: (كان رحمه الله عالماً فاضلاً، تقياً ورعاً، تلقى مبادئ علومه في القطيف على يد العلاّمة الأوحد الشيخ أحمد آل طعان المتقدّم ذكره، ثم هاجر إلى النجف الأشرف، وتلمذ فيها على فطاحلها الأعلام وعباقرتها الأفذاذ، كالنجفي والكاظمي والكشميري والجزائري وغيرهم (قدس اللّه‏ أرواحهم)، حتى فاز بكل ما يفوز به المجد في طلب العلم. فكان عالماً أديباً، شاعراً مؤرّخاً، قام بواجبه، وأدى رسالته، فقد ألّف ونظم فيما يتعلّق بأحكام الدين والدفاع عنه شيئاً كثيراً، ومنها كتابه التاريخي الشهير المعروف بـ (أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين) ذلك الكتاب الذي ضمّ بين دفتيه أعلاماً أهملهم التاريخ لولاه لكنه بجهوده قد حفظ لهذه الأطر الثلاثة ما يجب أن يحفظ، فكان في صف مصادر (أعيان الشيعة) للأميني المرحوم، وكذلك كل من جاء بعده على أن ما ذكره أشبه شيء بنموذج من أعلامها، وخصوصا بالنسبة إلى الأساء والقطيف؛ فقد ذكر لهما ( 86 ) ترجمة، وذكر للبحرين ( 123 )، مع العلم أن هناك أمثالاً وأاثل لمن ذكر. (فجزاه اللّه‏ خير جزاء المحسنين)؛ فقد أصبح صاحب اليد البيضاء على الجميع، وفاق بذلك أوائلهم وأواخرهم تغمده اللّه‏ بالرحمة....) (14)

مؤلفاته

يعد كتاب (أنوار البدرين ومطلع النيرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين) من أهم كتب البلادي فقد وثق تراجم علماء الشيعة في القطيف والأحساء والبحرين، وهو مصدر مهم للباحث والدارس عن أعلام هذه البلاد، وإضافة إلى هذا الكتاب فللبلادي عدة مؤلفات في الفقه والأصول والعقائد والأدب منها:

جواهر النظوم في معرفة المهيمن القيوم / منظومة

زواهر الزواجر في معرفة الكبائر / منظومة

جامعة الأبواب لمن هم لله خير باب / منظومة في مواليد النبي والأئمة والزهراء ووفياتهم عليهم ‌السلام

جامعة البيان في رجعة صاحب الزمان / منظومة

جنات تجري من تحتها الأنهار.

حواش كثيرة على شرح ابن أبي الحديد

رياض الأتقياء الورعين في شرح الأربعين وخاتمة الأربعين / يشتمل على ٥٢ حديثاً مشروحة مبسوطة في الاصول والفروع والمواعظ والمناقب

جنات تجري من تحتها الأنهار.

الجواهر العزيزة في جواب المسألة الوجيزة.

الحق الواضح في أحوال العبد الصالح / وهي عن سيرة خاله وأستاذه الشيخ أحمد آل طعان

النعم السابغة والنقم الدامغة / في الإمامة

الجوهرة العزيزة في جواب المسألة الوجيزة / في التوحيد وله بعض الحواشي المتفرقة على بعض الكتب الفقهية.

وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام (15)

تلامذته

درس عند البلادي كثير من أعلام القطيف منهم:

ولده الفقيه حسين الشهير بالقديحي (صاحب كتاب رياض المدح والرثاء)

الشيخ عبد الله بن معتوق القطيفي 

حسن علي بن عبد اللّه البدر القطيفي

محمد بن ناصر بن نمر العوّامي

توفي البلادي في القطيف ورثاه العديد من الشعراء منهم الشيخ عبد الكريم الممتن الذي أرخ وفاته بقوله:

بـدرُ الـسـمـاءِ لـما اختفى     دجا بأفقِ الحقِّ ديجورُ

فانبجستْ عيني دماعندما     أرَّخته (غابَ لنا نورُ) (16)

كما رثاه الشيخ فرج الله آل عمران الخطي بقوله:

لمْ أدرِ أيَّ الـراسـخـيـنَ به سرى     نعشٌ أرضوى أمْ عليُّ به سرى

عجباً له كيفَ استطاعَ لحملِ مَن     فـي صدرِهِ علمُ الوصيِّ تصدَّرا

لو كانَ عرشُ اللهِ هذا الـنعشُ أمْ     لأبِ الحسينِ عـليِّ أضحى منبرا

قد أوحشَ الـدنيا عليٌّ إذ مـضـى     مـنـهـا إلـى الـعلماءِ أشجى كدَّرا

وبه تباشرتِ الـجـنـانُ وأهـلُـهــا     لمّا بها ألقي عليُّ عصى السرى

ولـــنــا أبـانَ مـؤرخـوهُ بــأنّـــه     ما زال فيها باسـمِـهـا مُـسـتـبشرا (17)

شعره:

من شعره المنظومة التي ذكرنا بعضها في مقدمة الموضوع وقد ذكر السيد جواد شبر ستة أبيات منها فقط وقال: (وهي في مكتبتي بخطه) ولا نعرف عدد أبياتها

وكل ما عثرنا عليه من شعره قصيدتين في رثاء الإمام الحسين عليه السلام في (شعراء القطيف) يقول من الأولى وتبلغ (48) بيتاً وقد قدمناها:

يـا لـخـطـبٍ زلـزلَ السبعَ الشدادا     ولقد أوهى مـن الـدينِ العِمادا

ورمـى الإســلامَ سـهـمـاً مـثـبــتاً     فـأصـابَ الـقـلبَ مـنه والفؤادا

وكـسـا الإيــمـانَ ثـوبــاً أســــوداً     بيضُ أيامِ الهدى عادتْ سوادا

ومـصـابٌ هـدَّ أركــانَ الــهـــدى     والـمـعـالـي والعُلا ثم الرشادا

ذاكَ رزءُ المصطفى والمرتضى     وذوي الإيـمـانِ بـدءاً ومـعـادا

بـالـحـسينِ الطهرِ مصباحُ الهدى     مَن لـبـنيانِ العُلا والفخرِ شادا

سـيِّـدِ الـسـاداتِ مـن أهـــلِ الإبـا     قـائـدُ الـقـاداتِ جـوداً ورشـادا

لـسـتُ أنـسـى رزءه الـمـرَّ الـذي     ليسَ يُنسى أبداً حتى الـمـعـادا

ويقول من الثانية وتبلغ (49) بيتاً:

قومٌ لهم شرفُ الـعـلـيـاءِ مـن مـضرٍ     يـنـمـيـهُـمُ لـلـمعـالي أشرفُ النسبِ

وصفوةٌ من كرامِ الـناسِ قد ضربوا     عـلـى المعالي قـبابَ المجدِ والطنبِ

زعـيـمـهـمْ سـيِّـدُ الـساداتِ خيرُ فتىً     يـنـمـيـهِ إمَّـــا نــبـيٌّ أو وصــيُّ نبي

ذاك الـحـسـيـنُ أبـيُّ الـضـيـمِ قائدُهمْ     أكـرمْ بـهِ مــن زعـيـمٍ قـائــدٍ وأبــي

حتى إذا حلَّ في أرضِ الـبلاءِ غلتْ     مراجلُ الحربِ من طعنٍ ومن لهبِ

فـصـادمـتـهـا لـيوثُ الكرِّ من مضرٍ     شمُّ العرانينَ من أهـلٍ ومـن صحبِ

فـكـلّـما استعرتْ نارُ الحروبِ خبوا     نـيـرانَـهـا بـسـيـوفِ الـهندِ والقضبِ

وكلّما أسفرتْ عن وجهِ ذي غضبٍ     مشوا إليها بوجهِ البشرِ لا الـغـضبِ

وكـلّـمـا نـكـصـتْ أبـطـالـهـا قـدموا     كـأنّـمـا اسـتـقـبـلـوا خوداً على نجبِ

وكـلـمـا الـتـهـبـتْ أكـبـادُهـم عطشاً     ترشّفوا من دمِ الأعـدا عـن الـلـهـبِ

وجـاهـدوا دونَ مـولاهـمْ وسـيِّـدِهم     وكـابـدوا أعـظـمَ الأرزاءِ والـكــربِ (18)

......................................................

1 ــ شعراء القطيف ج 1 ص 208 ــ 210

2 ــ ذكر منها السيد جواد شبر (6) أبيات في أدب الطف ج 9 ص 28

3 ــ أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين للشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي البحراني ــ أشرف على طبعه وتصحيحه محمد علي محمد رضا الطبسي ــ مطبعة النعمان ــ النجف الأشرف 1377 هـ ص 270‍

4 ــ أنوار البدرين ص 270 ــ 271

5 ــ نفس المصدر ص 271

6 ــ أدب الطّف ج 9 ص 29

7 ــ أنوار البدرين ص ٢٧١

8 ــ مقدمة كتاب أنوار البدرين ص 10 ــ 12

9 ــ موسوعة طبقات الفقهاء ج 14 ص 412

10 ــ تقريظ لكتاب أنوار البدرين ص 3

11 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 2 ص 420

12 ــ الأعلام ج 4 ص 281

13 ــ معجم المؤلفين ج 7 ص 65

14 ــ شعراء القطيف ج 1 ص 207

15 ــ أنوار البدرين ص ٢٧٢

16 ــ أدب الطف ج 9 ص 29

17 ــ أنوار البدرين ص ١٣

18 ــ شعراء القطيف ج 1 ص 210 ــ 212

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار