280 ــ عبد المنعم الجابري: (1354 ــ 1386 هـ / 1935 ــ 1967 م)

عبد المنعم الجابري: (1354 ــ 1386 هـ / 1935 ــ 1966 م)

قال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (60) بيتاً:

اليومُ تجتمعُ الألوفُ بـ (كربلا)      لتعيدَ ذكرى من بها مُستشهدُ

فـنـهـلُّ من جـرحِ المآقي أدمعاً      مـدرارةً غضبـى تفورُ وتبردُ

هوجاءَ يقتصرُ الأسى وجدانَها      لـمـصـابِـكـمْ فـغدتْ به تتورَّدُ (1)

ومنها:

البيتُ هذي (كربلا) أكرمْ بها      لـلـديـنِ عـاصـمـةٌ بها يتخلّدُ

وعـقـيـدةُ الإيـمانِ يغمرُ قلبَها      نورٌ به النفسُ الضليلةُ تُرشدُ

وتـلـوذُ بالقبرِ الشريفِ حليقةً      لـكَ يـا حـسـينُ هتافُها يتردَّدُ

الشاعر

عبد المنعم بن عبود بن مجيد بن مرهون بن جاسم الجابري، ينتمي إلى عشيرة الأنباريين، ولد في كربلاء، ودرس في مدارسها الابتدائية والمتوسطة، ثم أكمل دراسته في دار المعلمين الابتدائية في بغداد، وعيِّن معلماً في عدد من المدارس في بغداد والموصل والديوانية، وكانت تنقلاته هذه بسبب نشاطه السياسي حيث اعتقل لأكثر من مرة في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، ثم واصل دراسته في الجامعة المستنصرية عام (1965) ودرس فيها لثلاث سنوات لكن الأجل عاجله قبل أن يتخرج منها ودفن في الروضة العباسية المقدسة بالقرب من باب العلقمي.

توفي الجابري وله من العمر (32) سنة لكنها كانت مليئة بالقراءة والمطالعة والعطاء، كما كان مشاركاً في النشاط الأدبي وهو عضو في (ندوة الخميس الأدبية) التي كانت تضم أعلام الأدب والشعر في كربلاء والتي أسَّسَها الأديب السيد سلمان هادي آل طعمة، وقد ترك الجابري ديواناً لا يزال مخطوطاً إلى الآن اسمه (الجابريات) ضمَّ مختلف أغراض الشعر وهو لدى شقيقه كاظم عبود الجابري.

يقول عنه السيد سلمان هادي آل طعمة: (كان يكثر من المطالعة، وأظهر اهتماماً واضحاً بالأدب العربي والشعر إلى جانب العلوم الإسلامية، فكان ذلك عاملاً ساعد الشاعر على توسيع دائرة معارفه ...

ويستشفّ القارئ لشعره مدى ثقافته وإلمامه بالتاريخ الإسلامي والثقافة العامة من خلال مجاراته للقصيدة للوصول إلى الغاية فقد عرف بنفسه الطويل في قصائده.

شعره

يقول من قصيدة (مولد الهدى) وهي في مولد سيد الكائنات محمد (صلى الله عليه وآله):

سَـلْ عـن النورِ أيَّ نورٍ تسامى      لـولـيـدٍ قـد خـصَّـهُ الرحمنُ

واصـطـفـاهُ لـنـفـسِـهِ كـحـبـيـبٍ      ذاكَ طـه وتـشـهـدُ الـكـهَّـانُ

فنصارى عيسى وأحبارُ موسى      شـهـدوا لـلـولـيـدِ والرهبانُ

جـاءكـمْ ذلـكَ الـذي بـشَّـرَ الرو     حَ رسـولاً لـيُـسَـعدَ الإنسانُ

سـبِّـحـوا لـلإلـهِ حـمـداً وشـكراً      سـبَّـحَ الـحـورُ قبلنا والجانُ

قبسٌ شـعَّ فـي الـحـياةِ فأضحى      كـبـديـلٍ بـكـفـرِهـا الإيـمـانُ

ذاكَ طـه سـلـيـلُ أكـــرمِ بـيـتٍ      عـربـيٍّ وجـدُّه عــــدنـــــانُ

وخــلــيـــلُ لله جـــــــــــدُّ ذراهُ     أنجبته الأشرافُ والأعـيـانُ

فـسـلـيـلُ الأبــاةِ طــهَ عـظـيــمٌ      رفـعـتْ رأسَـهـا به العربانُ

شـرَّفَ اللهُ أمَّــةَ الــعـربِ فـيـهِ      فـهو منها والـشـاهـدُ القرآنُ

وارتضينا الإسلامَ ديـنـاً فـفزنا      وعـلا فـيـه لـلـعـروبةِ شـانُ

وأقِـمـنـا قـواعـدَ الـحـكمَ فـيـهـا      بـسـبـيـلٍ دسـتــورُه الإيمانُ

فـزرعـنـا بـين الشعوبِ سلاماً      ولـقـد سادَ في الـربوعِ أمانُ

وأقِـمـنـا بـاســمِ الإلـهِ نـظـامـاً      ظلَّ كالشمسِ للهدى إعـلانُ

وابـتـنـيـنـا مدارسَ العلمِ يزهو      في رُباها الإيمانُ والعرفانُ

قد طـلـبـنـا الـسـمـاءَ نـعبدُ ربَّاً     فـاصـطـفـاهُ لـدينـه أعــوانُ

ويقول من قصيدته (ثورة الحسين):

بِـكَ لا بـغـيـرِكَ تـقتدي الأممُ      وبـوثـبـةِ الـشـهداءِ نـعتصمُ

وبـثـورةٍ فـجَّـرتَـهـا فــغــدتْ      نـوراً تُـنـارُ بضوئِـها الظلمُ

بـكَ بـالـكـفـاحِ بـمـبـدأٍ بــــدمٍ      تمضي إلى تحريرِها الأممُ

وبـفـجـرِهـا الـدامـي ندكُّ بهِ      حـصـنَ الطغاةِ البغيُ ينهدمُ

بالأمسِ أسوارُ الطغاةِ غدتْ      شـلـواً وكـل شـمـوخِها رِمَمَ

قَـسَـمَـاً بـهـا وبـفـجـرِها أبداً     إنَّا بمنهجِها الدامي سنرتسمُ

وقال من قصيدة (ثورة الحق) وقد شارك الشاعر بها في موكب نقابة المعلمين في كربلاء الذي انتظم مع مواكب العزاء لأول مرة ليلة العاشر من المحرم سنة (1962):

عـصـفـتْ فـبـانَ سـناؤها الـمـتـفـرِّدُ      وانـهـدَّ ركـنٌ لـلـضــلالـةِ أسـودُ

وتفجَّرَ الـبـركـانُ يـحـرقُ بـالـلـظى      مـن كان يـزرعُ بالفسادِ ويحصدُ

صرختْ بوجهِ الظالمينَ وعـسـفـهمْ      ورعيدُ صـرختِها الطفوفُ تردِّدُ

تـطـوي عـروشَ الخـائـنـيـنَ وتنتفي      تـبـنـي الـعُـلا بـربـوعِـها وتشيِّدُ

صـرحُ الـعـدالـةِ والـمـسـاواةِ الـتـي      أضـحـتْ بـهـا كـلُّ العوالمِ تسعدُ

يـا ثـورةً لـلـسـبـطِ أرغـمـتِ الــعـدا      فتراجعوا عن غيِّهمْ بل واهتدوا

يـا ثــورةً هـتـفـتْ بـكــلِّ عـظـيـمـةٍ      أمـسـى بـنـورِ سـنـائِها يـسترشدُ

يا ثورةً عصفتْ فأرعـبـتِ الـوغـى      وارتـاعَ مـنـهـا حـاكـمٌ مُـسـتـعبِدُ

يا ثـورةً لازالَ مـوردُهــا الــهــدى      والـعـدلُ والايـثـارُ وهوَ المقصدُ

يـا مـنـهـلَ الـثـوراتِ يـا رمـزَ الإبا      يـا ثـورةً سـبـقـتْ فأعظمَها الغدُ

فــالــســبــطُ أكــرمُ قـائـدٍ مـتـفـانـيٍ      ضـحى بما ملكتْ وأجمعتِ اليدُ

هـذا ابـنُ طـهَ والـشـهـادةُ تــشــهــدُ      أنَّ الـحـسـينَ هوَ الزعيمُ الأوحدُ

يا سيدي يا ابنَ الـنـبـيِّ الـمـصطفى      عـفـواً بدأتُ بغـرِّ ذكـرِكَ أنـشـدُ

آمـنـتُ بــاللهِ الــعــلــيِّ، بـديـنِـهِ الـ     إسـلامِ يـمـنـحـنـي الـحـياةَ فأسعدُ

آمـنـتُ بـالـديـنِ الـحـنـيـفِ كـثـورةٍ      كـبـرى تـهـزُّ الـظالـمـيـنَ وتبعدُ

آمــنــتُ بــالإســلامِ مــبـدأهُ الـسـلا     مُ ولـلـشـعـوبِ مُوحِّـدٌ ومُـعــبِّــدُ

آمـنـتُ فـيـكَ أبـا الــشـهـادةِ والإبـا      بـطـلاً تـهـدّ قـلاعَ مـن يـتـهوَّدوا

آمــنــتُ أنــكَ قــائــدُ الأحـرارِ في      كـلِّ الـعــصـورِ مُـخلّـد ومُـجـدِّدُ

آمـنـتُ بـالـنـهـجِ الـرشـيـدِ عـقـيـدةً      أوضـحـتـهـا وبـسـالــةٍ تـتــوقــدُ

الـيـومَ تـجـتـمعُ الألوفُ بـ (كربلا)      لـتـعـيـدَ ذكرى مـن بها مُستشهدُ

فـنـهـلُّ مـن جـرحِ الـمـآقـي أدمـعاً      مـدرارةً غـضــبى تـفـورُ وتبـردُ

هوجاءَ يـقـتـصـرُ الأسـى وجـدانَها      لـمـصـابِـكـمْ فـغـدتْ بـه تــتورَّدُ

جاءتْ تُـجـدِّدُ عـهـدَهـا وتـصـونُـه      أن لا يــبــاعِــدهـا عــدوٌ أمــردُ

هـذي عـقـيـدتُــهـا تـحـجُّ لـكـعـبــةٍ      قـد خصَّـهـا اللهُ الـعـلـيُّ وأحـمـدُ

الـبـيـتُ هـذي (كـربـلا) أكـرمْ بها      لـلـديـنِ عاصـمـةٌ بهـا يـتـخـــلّـدُ

وعـقـيـدةُ الإيــمـانِ يـغـمـرُ قـلـبَـها      نـورٌ بـه النفـسُ الضلـيـلةُ تُرشَدُ

وتـلـوذُ بـالـقبرِ الـشـريـفِ حـلـيـقةً      لـكَ يـا حـسينُ هـتافُـهـا يـتــردَّدُ

هـذي مـواكـبُـهـا يـرفُّ لـواؤهـــا      ولـمـوكـبِ الأنصارِ بعدَكَ مشهدُ

هـذي الألـوفُ أتـتـكَ تبكي حسرةً      وقـلـوبُــهـا بـأنـيـنِهـا لا تــهــجـدُ

ذكـرى مـصـابِـكَ يـا شـهـيدُ فإنَّها      جـنـدٌ تـفــدِّي أنــفـسـاً وتُـجــنِّـــدُ

فمصابُ يومِكَ أحزنَ السبعَ العُلى      تـبـكي الملائكُ في السماءِ وتنهدُ

واهـتـزَّ عـرشُ اللهِ فـي أكــوانِـــهِ      وبـكتْ عـلـيـكَ الراسـياتُ الصُّلَّدُ

فـعـسـى مـواكـبُـنا تفوزُ براحةٍ الـ     ـدارينِ بـاسـمِكَ يا حسينُ وتسعدُ

بـدمِ الـعـزاءِ سـنـجـتـنـي ثمراً لها      أروتـه منَّـا أدمــعٌ تــــتـــــــورَّدُ

وبـذاكَ مـوكـبُـنـا الـمـمـثـلُ أسـرةً      بـالـعـلمِ يهـتـفُ يـا حسينُ وينشدُ

ونـقـابـةُ الـتـعـلـيـمِ تـخـرجُ موكباً      فـي كـلِّ عامٍ بـالـمـصـيـبةِ تهجدُ

وإلـيـكَ يـا سـبـطَ الـنـبـيِّ شعارُها      يـعـلـو بـأهدافِ الرسالـةِ يـحمـدُ

بـدأتْ بـهـذا الـعـامِ تـسعى جهدَها      إحـيـاءَ ذكـراكَ الألـيـمـةَ تـقصدُ

فـأنِـرْ لـهـا دربـاً تـشـاطرُ هذه الـ     أنـصـارَ مـأسـاةَ الـطـفوفِ فتخلدُ

وقال من قصيدته (ثورة الحسين):

يـحـتـارُ فـي تـقـيـيـمِـهـا الزمنُ      وتـتـيـهُ فـي أجـوائِها الـسُّـنـــنُ

يـقـفُ الـمـؤرِّخُ خـاشـعـاً وجِلاً      وبـهـذهِ الـمـأسـاةِ يــفــتـــتــــنُ

أعـيَـتْـه ذاكـرةٌ مـقــرَّحـــــــــةٌ      وأصابَه في وصـفِـهـا الـوهــنُ

مـاذا يـقـولُ كـثـورةٍ هــــدرتْ      فانداحَ في إعـصـارِهـا الـزمـنُ

أرسـالـةٌ قـدســيــةٌ رســمــــتْ      دربَ التحرُّرِ فانـجـلـى الـوسنُ

أمْ أنَّـهـا دســتـــــــورُ مـؤتـزِرٍ      روحَ الكفاحِ لـيُـسـعَـدَ الــوطـنُ

هـيَ فـلـسـفاتُ الدهرِ بلْ قدرُه      هـيَ مـعـجـزاتٌ مـالـهـا ثــمــنُ

هـيَ كـلُّ هــذا أيَّ مُـنـطــلـــقٍ      لـلـعـدلِ فــيـه الـحـقُّ يُـؤتَـمَـــنُ

اللهُ أكــبــرُ لـلـعـلـى هـتـــفـتْ      فهوى الطغاةُ كما هـوى الـوثـنُ

وسـقـتْ ربـيعَ العدلِ من دمِها      ورداً لتـمـخُـرَ بـحـرَه الـسـفـــنُ

مـن شـاطـئ الإسـلامِ مـبدؤها      وبـمـنـتهـاهـا تــكــثــرُ الــمِـنَـنُ

هزَّتْ عروشَ البغي وادَّرعتْ      بُـرَدَ الـوفــاءِ فـيـالَ ذاك عـنـوا

فـيـهـا رجـالُ الـمـجـدِ غـايتهمْ      قـد حـقـقــوهـا فـانـجـلـتْ إحَــنُ

عشقوا فما ضعفوا وما وهـنوا      سوحَ الوغى ولطيبِ ذاكَ جنـوا

قـد فـجَّـروهـا ثـورةً عـصـفتْ      بـالـظـلـمِ حـتـى تـنـتـفـي الـفـتنُ

وعـقـيـدةُ الإيـمـانِ تـغــمــرُها      بـالـفـردِ حـيـث الـفـردُ مُـمْـتَـهَنُ

أكـرمْ بـهـا وبـإسـمِــهـا ولـهـا      هـتـفَ الـزمـانُ فـصـفَّـقَ الوطنُ

وقال من قصيدة (قم يا أباها) وهي تصوير لمشهد من مشاهد الطف الأليمة حيث يصور الشاعر طفلة الإمام الحسين (عليه السلام) وهي تفر إلى البيداء بعد أن أحرق العدو خيام النساء:

اسمعْ نداها تـسـتـغـيـثُ مـن العدى      يـا حـامـي الـخـدرِ استمعْ لنداها

اسـمـعْ صـراخَ الـثـاكلاتِ وصبيةٍ      أكـبـادُهـا حـرَّى بـنـارِ ظـمـاهــا

شـبُّـوا بـخـدرِكَ نـارَهـمْ وتـسابقوا      لـلـسـلـبِ أيـنَ تـفـرُّ مـن بـلــواها

أتـفـرُّ فـي الـبـيـداءِ تـحـمي نفسَها      والـبـيـدُ تـطـرقُـهـا خـيـولُ عِداها

أو تحتمي بالمجرمينَ وقد طـغـتْ      حمى الجريمةِ في النفوسِ سَراها

لا الـبـيـدُ تـحـمـيها ولا من حولِها      فـرَّتْ إلـيـكَ لـتـسـتـجـيـرَ أبــاهــا

بالأمسِ كانتْ في رعايةِ عمِّها الـ     ـعـبـاسِ قـلْ مـن بـعـدَه يـرعــاهـا

بـالأمـسِ كـنـتَ تـمـدُّ كـلَّ يـدٍ لـها      بـالـخـيـرِ فـارفـقْ لا تـردَّ نِـداهــا

فـلـقـدْ أتـتـكَ وأنـتَ تـعـلـمُ مـا بها      هـذي مـخـدرةُ الـصِّـبـا بـفـلاهـــا

تـعـمـى الـعـيونُ إذا رنتْ لخيالِها      والـيـومَ أضـحـتْ فـرجـةً لـعِـداها

قمْ يا أباها واحـتـميها مـن أذى الـ     أشـرارِ تـأمَـنُ فـي حـمـاكَ أذاهـا

قـمْ ضـمَّـها بحنانِ صـدرِكَ بـالإبا      قُـمْ واطـفـئِ الـنـارَ الـتـي بـرِدَاها

قمْ واطفـئِ الـنـارَ الـتـي بــفؤادِها      بـكـتِ الـمـلائـكُ فـي السما لبكاها

أو تُـسـتـبـى لـيـزيـدَ بـعــد مـعزَّةٍ      وتُـذلُّ مـن شـمـرٍ فـمـا أشـجـاهـــا

سـلـبـوا حُـلِيها واستباحـوا حرمةً      بـالأمـسِ كـانـتْ فـي أعـزِّ ذُراهــا

...............................................................

1 ــ ترجمته وأشعاره في شعراء كربلاء ج 3 ص 109 ــ 129

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار