عباس الخطيب البغدادي (1271 ــ ١٣٣١ هـ / 1854 ــ 1912 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (28) بيتاً:
فسَلْ (كربلا) تنبـيكَ عمَّا جرى بها فحين التقى الجمعانِ كانوا جبالَها
نـعـمْ ثـبـتـوا فـيـها إلى أن ثووا بها فـعـطّـرَ نـشـرُ الأكـرمـينَ رمالَها
وعادَ فريدُ الدهرِ فرداً يرى العدى تـجـولُ وقـد سـلّـتْ عـليه نصالَها (1)
الشاعر
السيد عباس الموسوي البغدادي، شاعر وخطيب كان يُعدّ الخطيب الأول في بغداد في وقته، ولد في بغداد في أسرة علوية شريفة يعود نسبها إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) ونسب الشاعر هو:
السيد عباس بن علي بن حسين بن درويش بن أحمد بن قاسم بن محمد بن كاسب بن قاسم بن فاتك بن أحمد نصر الله بن ربيع بن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن علي بن يوسف بن علي بن محمد بن جعفر ــ جد آل الطويل ــ ابن علي بن الحسين بن محمد الحائري ــ العكار ــ ابن إبراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام).
عُرف السيد عباس بالتقوى والصلاح والورع وكان منذ طفولته شغوفاً بالاستماع للمراثي الحسينية فلما عرف منه أبوه هذه الرغبة فعهد به إلى الخطيب الكبير والشاعر محمد القيم الحلي الذي كان يقيم آنذاك في بغداد فدرس عنده النحو والمنطق ووجهه أحسن توجيه وعلمه فن الخطابة والشعر حتى صقل موهبته.
وكان البغدادي ينظر بعين الامتنان والعرفان لأستاذه على تعليمه حيث يقول في كتابه: (المآتم المشجية لمن رام التعزية):
(كنت في عنفوان الشباب شديد الاشتياق إلى استماع المراثي الحسينية وأتطلب المجالس التي تعقد لمصابه فتبيّن أبي مني ذلك فقال: أتحب أن تكون ذاكراً لمصاب سيد الشهداء فأطرقت براسي حياءً منه، وعرف مني الرغبة فجعلني عند سلطان الذاكرين وعز المحدثين الملّة محمد بن ملّة يوسف الحلي الشهير بآل القيم وذلك سنة ١٢٨٤ هـ فبذل إلى الجد والجهد والقصائد الغرر وأفاض من بحر تلك الدرر، وكان عندنا يومئذ ببغداد فبقيت ملازماً له حتى بلغت من العمر سبعة عشر سنة فزوَّجني أبي من ابنة معلمي المزبور وذلك سنة: (١٢٨٧ هـ) وبقيت معه التقط من نائله ست سنوات، ثم مضى بعدها للحلة الفيحاء وفيها قومه وعشيرته، وهم يعدون من أشرافها فمكث فيها ستة أشهر وتوفي فيها سنة (١٢٩٣ هـ) تغمده الله برحمته).
وإضافة إلى هذا الكتاب فللسيد عباس الخطيب عدة كتب منها:
المجالس المنظمة في مقاتل العترة المحترمة
ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين
معاجز الائمة
مقتل الحسين عليه السلام
سلسلة الأنوار في النبي المختار
الرحلة الرضية ـ منظومة تبلغ الألف بيتاً نظمها عند زيارته للإمام الرضا (عليه السلام) سنة ١٣٠٠ هـ
قال عنه السيد جواد شبر: كان من خطباء بغداد البارزين بل خطيبها الأول، اشتهر بالفضل والصلاح
وقد كتب الأستاذ المرحوم السيد جودت كاظم القزويني ترجمة وافية للسيد عباس الخطيب وعدد فيها مآثره وذلك في مخطوطه (الروض الخميل).
توفي عباس الخطيب في بغداد ودفن بها ورثاه جماعة من الأدباء منهم: السيد حسون ابن السيد صالح القزويني البغدادي، والشيخ قاسم بن محمد الحلي
قال عنه السيد جواد شبر: وبعد لقد قضى السيد عباس عمراً في خدمة المنبر الحسيني واعظاً ومرشداً ومحدثاً وناصحاً ، ومنابر بغداد تشهد له ومحافلها تذكره بكل إعزاز وفخر
ورثاه جمع من الأدباء منهم السيد حسون ابن السيد صالح القزويني البغدادي بقصيدة مطلعها :
مصابٌ عرا قد أرعبَ الكونَ هائله به المجدُ عمداً قد أُصيبتْ مقاتلة
ورثاه الشيخ قاسم الحلي نجل المرحوم الشيخ محمد الملا بقصيدة عامرة في 35 بيتاً ، مطلعها :
عصفت على الدنيا بأشأم أنكدِ صرّ بها نسفت جبال تجلـدي
ورثاه ولده السيد حسن بقوله :
تزلزلت الدنيا وساخت هضابها غداة انطوى تحت التراب كتابها
وهذه المراثي موجودة في ديوانه المخطوط الذي جمعه ولده السيد حسن وفرغ منه في ىخر صفر سنة 1345 هـ ومعها قصائد في مدائحه وخاصة ما قيل فيه عند رجوعه من حج بيت الله مع والده السيد علي (2)
شعره
قال من قصيدته التي قدمناها وتبلغ (28) بيتاً:
دهـى الـديـنَ خـطـبٌ فـادحٌ هـدَّ ركـنَه ودكَّ مــن الـشــمِّ الـرعـانِ ثـقـالَــهـا
غـداةَ بـأرضِ الـطـفِّ حـربٌ تجمَّعتْ وحثّتْ عـلى الـحربِ العوانِ رجالَها
لـتـنـحـرَ أبــنــاءَ الــنــبــيِّ مــحــمـــدٍ بـأسـيـــافِـــهــا مـا لـلـنـبـيِّ ومـا لَـها
أمـا كـانَ يـومُ الـفـتـحِ آمــنَــهـــا وقـد أعـزَّ بــبـيــضِ الـمـرهـفـاتِ حـجالَها
فـكـيـفَ جـزتــه فـي بـنـيـهِ بـغــدرِها عـشـيَّـةَ جــاءتـهـمْ تــقـودُ ضــلالَـهـا
كـأنّـي بـأسـدِ الـغـابِ مـن آلِ غـالــبٍ وقـد تـخــذتْ مـرَّ الـمـنـونِ زُلالـهــا
فـيـا مـا أُحـــيـلاهـمْ غــداةَ تــقـــلّــدوا من البيـضِ بيضَ المرهفاتِ صقالَها
فـأيـمـانُـهـم تـحـكي ندىً سحبَ السما وأوجـهُـهـم في الحربِ تحكي هلالَها
فــثــاروا وأيـــمَ اللهِ لـــولا قـــضــاؤه لـمـا نـالـتِ الأعـداءُ مـنـهـم مـنـالَـها
فـسـلْ كـربـلا تُـنـبـيـكَ عمَّا جرى بها فـحـيـنَ الـتقى الجمعانِ كانوا جبالَها
نـعـمْ ثـبـتـوا فـيـهـا إلـى أن ثـووا بـها فـعـطّـرَ نـشـرُ الأكـرمـيـنَ رمـالَـهـا
وعـادَ فـريـدُ الـدهرِ فـرداً يرى العدى تـجـولُ وقـد سـلّـتْ عـلـيـهِ نـصالَها
فـصـالَ بـسـيـفٍ ثـاقـبٍ مـثـلَ عـزمِه ورمـحٍ رديـنـيٍّ يــشــبُّ نـــزالَـــهــا
فـتـعـدو فـراراً حـيـنَ يـعـدو وراءهـا وتـنـثـالُ حـيـث الـسـيـفُ منه أمالَها
وقـد مـلأ الـغـبـرا دمـاً مـن جـسومِهم وضـيَّــقَ بـالـكـفـرِ الـطـغـامِ مجالَها
فـوافـاهُ مـنـهـمْ فـي الحشى سهمُ كافرٍ فـلـيـتَ بـقـلـبـي يـال قـومـي نـبـالَها
ألا مـنـجـدٌ يـنـحـو الـبـقـيـعَ بــمــقـلـةٍ تـهلُّ كـغـيـثِ الـمـزنِ مـنها انهلالها
فـيـحثو الثرى مسـتنهضاً أسدَ الشرى مـن اتـخـذتْ نـقـعَ الجـيـادِ اكتحالها
ومَـن ضـربـتْ فــوق الضراحِ قبابَها فـمـرّتْ عـلـى شهبِ السماءِ ظلالها
بني مُضرِ الغرُّ الـتي سـادتِ الـورى وقـد مـلأتْ سـتَّ الـجـهـاتِ نـوالـهـا
ألـسـتـمْ بـهـالـيـلَ الـوغى يومَ معركٍ وفـرسـانَـهـا عـنـد الـلـقا ورجــالَـهــا
فـكـيـفَ قـعـدتـمْ والـفـواطـمُ حُـسَّــراً وأنـتـمْ إذا جـارَ الـعــدو حــمــىً لها
فـوالله لا أنـسـى الـمـصـونـةَ زيـنـبـاً غـداةَ اسـتـبـاحَ الـظـالـمـونَ رحـالَها
لـهـا الله مـن ولـهَـانـةٍ بــيـنَ نــســوةٍ ركـبـنَ مـن الـنـيـبِ العجافِ هزالَها
تـجـوبُ بـهـا شـرقَ الـبلادِ وغـربَها وتـنـحـو بـهـا سـهـلَ الـفـلا وجـبالَها
تـحـنُّ فـيـجـري من دمِ القلبِ دمعُها حـنـيـنُ نـيـاقٍ قـد فـقـدنَ فــصــالـهـا
وأعـظـمُ رزءٍ صـدَّعَ الصخرَ رزؤه وأخـمـدَ مـن شمسِ الوجودِ اشتعالها
وقوفُ بناتِ الوحي حسرى بمجلسٍ بـه سـمعـتْ آلُ الـطـلـيـقِ مــقــالــها
وقال من حسينية أخرى:
فـيـا راكـبـاً مـهـريّـةً شَــأَتِ الـصَّـبا كـأنَّ لـهـا بـرقَ الـغَـمـامِ زمــامُ
إذا جُـزْت فـي وادي قِـبـا قُل بعَولةٍ أهـاشـمُ قـومي فـالـقـعـودُ حـرامُ
لـقـد حـلّ فـيـكـم حـادثٌ أيُّ حـادثٍ هـوت فـيـه لـلدينِ الحنيفِ دعامُ
قـضـى الـسـبطُ ظمآنَ الفؤادِ وشلوُه لبيضِ المواضي والرماحِ طعامُ
وقـد قُـطّـعـتْ أوداجُـه بـشَـبـا الظبا ورُضّـتْ لـه بـالـصافناتِ عِظامُ
وأعظمُ رزءٍ زلـزلَ الكـونَ خـلـبُــه ودَكَّ الـراوسـي فـهيَ منه رِمامُ
هجومُ العِدى بغياً على حُجْبِ أحمدٍ ولـم يُـرعَ فـيـهـا لـلـنــبـيِّ ذِمـامُ
فـبـينا بناتُ الوحي في الخدرِ إذ به أحـاط لـسـلـبِ الطاهـراتِ طُغامُ
ففرَّتْ من الأعـداءِ حسرى مروعةً لـهـا الصونُ سِترٌ والعَفـافُ لثامُ
تـجـيـلُ بـطــرفٍ لِـلـحماة فلا ترى سـوى جُـثـثٍ قـد غـالـهـنَّ حِمامُ
فنادت وقد عـضّ المصـابُ فؤادَها وشبَّ لها بين الـضـلـوعِ ضَرامُ
أيا سائقَ الأظـعانِ قِـفْ لــيْ هُـنيئة فها إخـوتـي فَـوقَ الـصعيدِ نيامُ
أغـسِّـلُ أجـســاداً لـهـمْ بــمـدَامـعـي أكـفـكـفُـهـا بـالراحِ وهيَ سِجامُ
فـرقّ لـهـا قــلـــبُ الـعـــدوِّ كــآبــةً ونـاهـيـكَ رزءٌ رقَّ فـيـه لِـئــامُ
فـمـرَّ بـهـا والـهـاشـمـيـونَ كُـلُــهـمْ ضَـحـايـا على عفر الرّغام نِيامُ (3)
.................................................................
1 ــ أدب الطف ج 8 ص 242 ــ 243
2 ــ ترجمته عن: أدب الطف ج 8 ص 243 ــ 246
3 ــ موقع القصائد الولائية بتاريخ 15 / 8 / 2019 / صحيفة الوسط البحرينية العدد 1604 بتاريخ 26 / 1 / 2007 الموافق 7 / محرم 1428 هـ / ذكر مطلعها السيد جواد شبر ــ أدب الطف ج 8 ص 243 وقال عنها: كنت أرويها كثيراً وأنشدها
اترك تعليق