وحدها الضوء

إلى كربلاء .. قديسة المدن

وحدَها الضوءُ والـفصولُ ضَبَابُ      ولِـشـمـسـيـهـا .., رحــلةٌ, ومـآبُ

وحـدُهـا بـرزخُ الـمـلائـكِ، نــدّتْ      واحـةَ الفجرِ، فاستـفاضَت رحابُ

أيـقـظـتْ في النخيلِ زيتونَ عشقٍ      حينَ أغْفى على الـحضورِ الغيابُ

روحُـهـا الـريـحُ إذ تَــنـاءتْ دُنـوَّاً      فـاسـتَـقَـى رعـشـةَ الذهابِ الإيابُ

حـزنُـهـا مـزمـارٌ .. يــرتّـلُ طـفَّـاً      ومــداها .. قـصــيـدةٌ ، وكــتــابُ

أوّبـتْ عـند صوتِها الشعراءُ، اسْـ      ـــتَرَقُوا الوحيَ، فاسـتهلَّ الحِجَابُ

كـسـمـاءٍ أحـزانُـهـا اسـتـمـطـرتْها      أغـنـيـاتُ الأسـى، فـثـارَ السَّحَابُ

نـثَـرتْـهـا الأنـداءُ أنــفــاسَ صـبـحٍ      فـاحـتـواهـا الـنـسـريـنُ واللـبلابُ

في خُطاها الأمطارُ تتلو صحارى      وسـمـاهــا، مــوطــنٌ، واغـترابٌ

نـخـلـهـا تـخـفـقُ الـعـصـافـيـرُ فيه      راودتْــه عـلى الـظــلامِ الــذئــابُ

دربُـهـا تـنـفـثُ الـشـيـاطينُ في أمـ      ــلاكـهِ الـنارَ، فـاســـتُرِقَّ الإهابُ

وحدُها الروحُ في شَغافٍ من الدمـ      ــعِ شـفـيفٍ، لـم يُـجلَ عنه النِقابُ

سِـفـرُ إيــلافــها نــــوافــلُ عـشــقٍ      وحــــمــامٌ، وقـــبــلــةٌ، وقِــبــابُ

سـرُّها الـعـذبُ عـتّـــقــتــهُ شِــفــاهٌ      فـاسـتـفـاقـتْ بـخـمـرِها الأكـوابُ

أرشـدت بـوصـلاتِ قـلـبٍ خُـطاها      كــبُــراقٍ لــه اشــرأبــتْ رقــابُ 

نـسـلـتْ مـن قـوافـلِ الـضوءِ حزناً      فــتـلـظّـتْ بــدمــعِــهــا الأهـدابُ

يـرتـديـها الرحيلُ، صمتَ اعتكافٍ      وازورارٌ يــحــفُّــهــا، وصــوابُ

أمْـطـرَتْـهـا الـعـيـونُ شـتّـى النوايا      فــتــهــاوتْ بــوهــمــهــا الآرابُ

ظـلُّـهـا قـربـانُ الـتـراتـيـلِ، قــمـحٌ      حَـــجَـرٌ، هـابـيــلٌ، دمٌ، وغــرابُ

صـوتُـهـا أسـوارُ الـمُـحـالِ بـيـأجـو     جَ ومـأجـوجَ ضـاقــتِ الأســبـابُ

راقـصـتْ خـفقَها الرفيفَ السواقي      ظـلـلّـتــهــا بــسـحرِهـا الأعـنـابُ

أورقَ الـهـمـسُ يـاسـمـيـنَ شـذاهـا      فـتـنـدّتْ مـن عـطـرِهـا الأنـخابُ

مـرقـدٌ فـتّـقَ الـدجى، أورقَ الصبـ      ــحَ، تـسـامى بين الفصولِ اللبابُ

هِـيَ مـمّـا تـجـلّـتِ الأرضُ سـحراً      ومن الأمـلاكِ اصطفاها الخِطابُ

وهْـيَ سـرُّ، يـضـيـقُ فـيـه انـعتاقٌ      وسـؤالٌ، لـمْ يَـدنُ مـنـهُ الــجـوابُ

وحـدُها النهرُ .. فـالـسواقي عِذابُ      وحــنـيـنٌ يـضـمُّـهـا وانــتــحــاب

وحـدُهـا ظـلّـتْ مـن سـبـايـا الأقـدا      ر .. هـضـابٌ تـلـفُّـهــا وشِـعـابُ

سـافـرتْ فـي مـجـرّةِ الـسـهدِ واجـ      ــتاحتْ نجوماً وآبَ منها الذهابُ

هـزّتِ الـذكـرياتِ وانـتـبـذتْ بـالـــ      ــقـلـبِ أسـراراً حـاطــهنَّ اليبابُ

صـمـتُـهـا بــئــرٌ، فـيـهِ وجـهُ نـبـيٍّ      مـتـحـتْ مـاءَه الوجـوهُ الغِضابُ

سمتـها طـفـلٌ، مـهـدُه الـبـحـرُ ألقتـ      ـهُ عـلـى خـوفٍ، واسـتبدَّ العِقاب

خَـتَـمَ الـحـلـمَ عـنـد مــسـراهُ قـلـبٌ      وسـكـونٌ، وشـهـقـةٌ، واضطرابٌ

غـفـلـةٌ فـي الـمـسـارِ نـضـحُ دعاءٍ      رُبَّ غـاوٍ يـــتـوقـهُ الــمــحــرابُ

هُـدْهُـدُ الـعـشـقِ قادَ بلقيسَ والـشمـ      ــسَ لـواحـاتٍ فـاحَ فـيـها المَتابُ

أيـقـظَ الـحـلـمَ فـي الـدمـاءِ يـقــيــنٌ      وأمــــانٍ، ورعـشةٌ، واضطراب

آنـسَ الـجـرحُ فـي صـحاراهُ وهْداً      فـتـراءى عـلـى يـديـهـا الـشـهابُ

وَلَـهٌ.. مـوتٌ .. بــرزخٌ .. وبــوارٌ      وخـــلـــودٌ مــــؤثّـــلٌ وشـــبــابُ

عـمـرُهـا ومــضــةٌ تــزيــدُ اتّـقـاداً      كـلّـمـا جـدّتْ في المدى الأحقابُ

صـوتُـهـا الـصـبـحُ زقزقاتُ طيورٍ      صـمـتُهـا الليلُ كُحْلُها والخضابُ

اسـمُـهـا الـبـكـرُ فيءُ أسماءِ راقتْ      لــــبـــلادٍ تــجــلّــهـــا الألــقــابُ

وحـدُها الـدربُ والـجـهـاتُ سرابُ      ويـقـيـنٌ يـــحـوطـها وارتـــيــابُ

دبّـتِ الـذكـرى رتّـلـتـها خطايا الــ      ــأنـفـسِ الـطـهـرِ شـبّـهـنَّ عتابُ

لـحـظـةٌ أطـفـأتْ تـواريـخَ الـفـجـــ      ــرِ فـأوراها في الليالي المصابُ

وحـدُها الـحـبُّ والـحـنـينُ انتظـارٌ      واحــتــظـارٌ وغــمــرةٌ وتــبــابُ

أيـقـظَ الـديـكُ فـي الـمـديـنـةِ أحـلا      ماً مـضـاميرَ استوقدتها الصعابُ

نـزفـتْ دمـعَـهـا بـخـطـوٍ وأسـرى      بـرجـاءِ الـصـلاةِ فــيـهـا الـثـوابُ

عـجـنــتــهـا كـفُّ الـنـوايـا بــحــنّـ      ـاءٍ بـلاهــا الـضـريـحُ والأبـوابُ

سـمـتُ أمـي مـنـارةٌ طَـلْـقُـها الذكـ      ــرُ تـمـاهـى بـه الـدعاءُ المُجابُ

صـبـغـتْ مــهــدي من دماءِ أبي آ      خـرِ رأسٍ تـنـاقــلـتــه الــحـرابُ

جئتُ من أقصى بئرِ رؤيايَ شعراً      سـخـطـتْ مـن تـأويـلهِ الأغرابُ

كـنـتُ أجـلـو عـن الـقـبـورِ تـرابـاً      لـكـن الـيـومَ عـزَّ فـيـهـا الـتـرابُ

محمد طاهر الصفار

المرفقات

: محمد طاهر الصفار