139 ــ قاسم العابدي: ولد (1391 هـ / 1971 م)

 قاسم العابدي (ولد 1391 هـ / 1971 م)

قال من قصيدة (نجوى في سماء النور) وهي في الإمام الحسين (عليه السلام)

و(كربلا) ؤكَ يا أشجانَ زينبِها     يا لحظةَ الوحيِ في قلبِ الذينَ بَقوا

من حاءِ ألفِ حياةٍ أنتَ نبضتُها     لنونِ ألفِ نعيـــــــــــــمٍ فيكَ ينعتقُ

يا كبرياءَ الذينَ استنبـطوا أملاً     من ضفّتيكَ ومهما في هـــواكَ لقَوا  (1)

وقال من قصيدة (نزفٌ على محرابِ الحب) وهي في سيد الشهداء (عليه السلام) أيضاً:

نادته شوقاً (كربلاءَ) فجاءها     ولقد رأى فيها مواضعَ سَلبِهِ

لكنه قرأ الزمــــــــانَ بنظرةٍ     نبــــويِّةٍ فرأى انتصارَ مُحِبِّهِ

تنسابُ فوقَ يديهِ ألفُ نبوءةٍ     وخريـــطةٍ فيها ملامحُ شعبِهِ

وقال من قصيدة (ظلال من واحة الجرح) وهي في سيد الإمام الحسين (عليه السلام) أيضاً:

أشجــــانُ عمري الذي أوقدتُ لهفتَه      من (كربلاءَ) تهاوتْ فوقَ آثاري

فرحتُ أبني وشريانُ الرؤى لمستْ     روحــــي فغابتْ على إيحاءِ ثُوَّارِ

حيثُ الحسيـــــــــنُ وحيداً في تَبِتُّلِهِ      كأنَّه صـــــارَ محراباً إلى الباري

وقال من قصيدة (على كفّيه يتكئُ المُستحيل) وهي في الحسين الخالد:

فَهل تخَيّلتَ سَيــــــــلاً حَفّهُ عَطَشٌ     وَالـ (كربَلاء) آتُ في عَينيهِ تَلتجئُ

أم هَل تخيّلتَ معنى المَجدِ في قَلقٍ     وَالمُستَحيـــــــــــلُ عَلَى كفّيهِ يَتّكئُ

لا تَحتَويهِ لغَاتٌ رغمَ كُــــــــثرَتِها     وَكيفَ تَحويهِ وهـــــــوَ البَاءُ والنبَأ

الشاعر

قاسم بن عبد العباس العابدي، ولد في ناحية (غماس) في محافظة الديوانية وهو حاصل على:

1 ــ دبلوم تكنيك رادار ١٩٨٩

2 ــ دبلوم إدارة أعمال ١٩٩٤

3 ــ بكالوريوس علوم قرآن ٢٠١٧

وهو:

1 ــ عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق

2 ــ عضو مؤسس لبيت الشعر في محافظة الديوانية

3 ــ عضو رابطة نيبور الثقافية في الديوانية

صدرت له أربع مجاميع شعرية هي:

1 ــ سماوات البنفسج

2 ــ هديل النوافذ

3 ــ إيقاع القمر الفضي

4 ــ مدن يغازلها التراب

5 ــ ناي لأسلاك الغياب

6 ــ إيقاع القمر الفضي

شارك في العديد من المهرجانات الشعرية داخل العراق وخارجه، ونشر قصائده في العديد من الصحف والمجلات الورقية والألكترونية في تونس والجزائر والإمارات والدنمارك وأستراليا وبيروت وسوريا ومصر والسعودية إضافة إلى العراق. وحصل على العديد من المراكز المتقدمة والجوائز في المسابقات الشعرية منها:

1 ــ المركز الأول في مسابقة الشعراء الشباب لوزارة الشباب العراقية سنة ٢٠٠٨

2 ــ المركز الأول في مسابقة شاعر المساء في المملكة العربية السعودية سنة ٢٠١٠ و ٢٠١١

3 ــ المركز الأول في مسابقة القلم الحر جمهورية مصر العربية ٢٠١٣

4 ــ المركز الثاني مسابقة همسة في جمهورية مصر العربية ٢٠١٧

5 ــ المركز الأول مسابقة الجواهري في سيدني / أستراليا ٢٠١٧

وقد كتب العديد من النقاد والشعراء عن تجربته الشعرية منهم الشاعر زيد القريشي الذي كتب مقدمة لديوان العابدي (إيقاع القمر الفضي) يقول منها:

(قد لا تكفي بضعة سطور مقتضبة لقراءة مجموعة شعرية تنم عن تجربة شعرية وارفة، ولكن ما يهم في الأمر أننا أمام قصائد تكشف عن معناها الأول من لحظة الوقوف عند عنوان هذه المجموعة . فلا يمكنني أن أمر إلى القصائد التي تحتويها هذه المجموعة دون المرور بعنوان المجموعة (إيقاع القمر الفضي) الذي يعكس عن انزياحات واضحة المعنى.

يوظف الشاعر فيها منذ البداية تفاصيل الجمال فيستخدم اللون الفضي لينسبه للقمر ويسخر قدرته الجيدة في اللعب على حبال اللغة ليكون الإيقاع هو الرابط للقمر بلونه الفضي، وما توظيف الشاعر لمفردة الإيقاع إلا ليعكس لنا ومن خلال بقية القصائد التي تمثل متن المجموعة في أن الإيقاع يشكل لحنا شجيا لا يمكن له أن يتوقف عن ديمومته ليمتد لأن يكون هذا الإيقاع هو سير الحياة والأشياء وكل ما موجود في الكون. فنكتشف بعد حين أن حركية هذا الإيقاع يلازم حتى الجماد! فيتحول كل شيء جامد حولنا إلى حركة ذاتية ذات نمط إيقاعي توظفها لغة الشاعر في قصائده)

ثم يقدم القريشي نماذج من شعر العابدي ويسلط عليها مجهره الأدبي للكشف عن خصائصها وما تحويه من إيحاءات ودلالات ثم يقول:

(وقد نجح الشاعر في توظيف اللغة التي تشكل قصائده لتغدو لع أداة طيعة بتشكيل من الصور والاستعارات التي كما نراها. وهنا لا بد أن أشير إلى موضوع ذي أهمية بالغة يتعلق بلغة الشاعر، فبيئة الشاعر الجنوبية تتضح بصورة بادية للعيان وتنعكس في قصائده إذ نرى الشاعر يكثر من مفردات تلك البيئة التي تزخر بالقرنفل والياسمين والعصافير والماء.

وهذا ما يؤكد أن بيئة الشاعر انعكاس لتجربته التي يصورها في قصائده وخير مثال على ذلك نجده في قصيدة (أنا الفرات) فلهذه القصيدة نظرة خاصة تشكل صورة الشاعر وبيئته من بداية القصيدة حتى الختام. ونجد في ختام القصيدة أنها تتحول من النظرة الخاصة المتمثلة ببيئة الشاعر إلى نظرة عامة تمثل الوطن الذي يسكن في أرجائه.

(إيقاع القمر الفضي) هي لا تقتصر على أن تكون تجربة شاعر بل تتعدى لأن تصل إلى تجربة حياتية يعيشها من يقرأ القصائد فهي مشاهدة حية وتجارب نمر بها ونعيشها، فنتفاعل مع إيقاعها الذي يبدأ من أول حرف ليصل إلى ذروة الإيقاع الذي لا ينتهي أبداً)

شعره

قال العابدي من قصيدة (بوصلة الفجر) وهي إلى رسول الإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله)

أشتقُّ من مُقلي إليكَ حـــــــــروفا     وتهبُّ أيّامـــــي عليكَ ضيوفا

وألمُّ أوردةَ الكـــــــــــــلامِ أصبُّها     فيشابِهُ اللحـــنُ الشفيفِ وريفا

شوقي إليكَ بـــــدا يضـجُّ بخافقي     فأتيتُ أشكو في مداكَ صُروفا

وإلى وصـــالِكَ كلُّ حـرفٍ قادني     نحوَ الهيــــــامِ أتى إليكَ رديفا

لا أرتــــــــجي إلا شـفاعتَكَ التي     فيــها الأمانُ وكنتَ فيَّ رؤوفا

مــاذا تزغردُ في الـصباحِ بلابلي     فــلأنتَ مُلهمُ لحنَها الموصوفا

أو ما ستنشدُ في المـساءِ قصائدي     فلأنتَ من جعلَ القصيدَ شفيفا

يا جنّةً للروحِ غــــــادرها الرَّدى     وُجِدتْ لتغدو للخــــلودِ سقوفا

يا روضةً العشقِ التي أسرى لها     قلبي فأصبحَ هائماً مـــــــلهوفا

ألهمتَ ذاكرة الزمانِ خـــــــلائقاً     للآنَ تغزلُ من رؤاكَ قطـــوفا

عفواً رسولُ الله جئتكَ خاشــــعاً     وخطايَ تحملُ بالشجونِ خريفا

الفجرُ بوصلةٌ توجَّهُ شطــــــرُها     نحوَ المديــــــــنةِ نسمةً ورفـيفا

إن يمتطي كَتَفُ السحـابِ معبِّراً     يلقي التحايا في يديكَ صــــفوفا

وقال من قصيدة (مسافة ركعتين) وهي في أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد قدمها بقوله:

لأنَّ علياً كان أكبر من التاريخ, وأعمق من المعنى, وأسطع من الضوء, فلا غرابة أن لا يستوعبه التاريخ.. لذا كتب القرآنُ تاريخَه من كافِ الكهفِ إلى نونِ الدخانِ مروراً بالألف... (الإنسان).

مسافة ركعتيـــــــــــنِ إلى الأذانِ     ستنزفُ جرحَها السبعُ المثاني

مسافة نظرتيــــــــــنِ وليلِ سيفٍ     وقصَّةِ من طوى أفـقَ المعاني

وحــــــــــيثُ توافدَ الملكوتُ يتلو     قـــــــــرائين الـتنائي والتداني

هناكَ على سما المحرابِ شخصٌ     توسَّدَ جـــــرحَـه كتفُ السِنانِ

سيصنعُ من نزيفِ الـصبرِ فجراً     ويملأ بالهمــــومِ رؤى الزمانِ

يرتّقُ كفَّ عفَّته الحيـــــــــــارى     كأنَّ يديه بوصلةُ الأمـــــــــانِ

ومرَّت في ندى عينيـــــهِ ذكرى     ووجــــــــه محمدٍ عَبرَ الجنانِ

تخضّبَ وجهُه بدمـــــــــاهُ حتّى     أفاضتْ مــــــــن سمائه مقلتانِ

تخطّ دمــاؤهُ فـي الأرضِ وجهاً     عراقياً تُمزِّقه الثــــــــــــــواني

لقد كان المكـــــــــــانُ بكلِّ قلبٍ     بكافِ الكهفِ أو نونِ الدخُـــانِ

بلا.. قد فازَ قبلَ الفـــــــوزِ لكنْ     سيفتقــــــــدُ المكانُ إلى المكانِ

وتصطبحُ اليتامى كاليتـــــــامى     ويـــــــنتسبُ الأذانُ إلى الأذانِ

وقال من قصيدة (خشوعٌ على ضفاف الأمير) وهي أيضاً إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

كُلي خــــطايا.. فمـــــني كيف أنتصفُ؟     وأينَ أمضي وعن أنّايَ أنصرفُ؟

وحــــيثــــــــــــــما يمَّمَتْ عينايَ مُعتكفاً     فـــــــما وجدتُ مـكاناً فيه أعتكفُ

شيَّعتُ ذاتي إلى اللا أيــــــــــــنَ مبتعداً     واليأسُ يـــعصـفُ ذاتاً مالها هدفُ

شاهدتُ وجهيْ على مــــــرآةِ خاطرتي     والإصفرارُ بــــذاكَ الوجهِ يقترفُ

ذنباً على الذنبِ مــــــــــاذا بعدُ أكتشفُ     والهمُّ بين لغاتي اليـــــــــوم يأتلِفُ

ملامحُ القهـــــــــــــرِ في دنيايَ تُلهمني     فتستفيقُ ويغفو داخلي اللــــــــهفُ

أغصانُ روحــــي يباسٌ، غربتي وطنٌ     لا لونَ أبصِـــــــــرُ إلا أنَّني سَدفُ

دبَّ الــــرمــــادُ بأنغامي الــتي خَدشت     في كفِّ فَقْدٍ فشلّــــت عنديَ الكتفُ

أحــــصيـــــتُ بالآهِ عمراً ضــمَّ أسئلةً     وكمْ تمنّيتُ تلكَ الآهُ تــــــــــنخسفُ

وهـــــــا أنا الآن لا تــــنفكُّ أشــرعتي     إلى محيطٍ من الهالاتِ تنعــــــطفُ

بحيثُ كونُ العــــطايا البيضِ يمــنحها     كفّ السحابِ ويحنو عندها الشّرفُ

وكيف لليـــــــــأسِ أن يدنو لأوردتي؟     والقلبُ منّي بحبّ الآلِ ينجــــــرفُ

وكيف تأتي صـحارى الحرفِ قافيتي؟     وفي محيــــــايَ وشمُ الحقّ يتّصفُ

وشمٌ من العــــــــــالمِ العلويّ موضعهُ     شاءَ الإلهُ بأن تــــــــرقى به النجفُ

بدرٌ يضيءُ طريـــــــقَ الناسِ في دلجٍ     فإن يسيروا ففي دربِ العـــلا يقفوا

روضٌ إذا ما أتاهُ القلــــــــــــبُ مكتئباً     فنحوَ روضِ إلهِ الكونِ ينعــــــطفُ

عندي قواريرُ دمعً كنتُ أحفــــــــظها     منذُ اقتـــــــربتُ إلى مثواكَ أرتجفُ

أيا عليّ ضلوعي يا سمـــــــــــا لغتي     يا لمحةً من سخـــــــــاءِ اللهِ ترتشفُ

أسعفْ فديتكَ بالإلهــــــــــامِ خاطرتي     أنتَ النّسيمُ وكلّي بالهــــــــوى كَلِفُ

شيّدتَ دولةَ فكرٍ نحنُ شـيــــــــــــعتُها     لذلكَ الفكرُ في أنحائنا تُحـــــــــــفُ

قدستُ فيكَ اقتحـــــــــامَ الـحبِّ قافيتي     لأنّ منكَ لغـــــــــاتُ الحبِّ تُقتطفُ

يا مانحــــــــــاً وجهَ ذاكَ الفجرِ بسمتَهُ     فيها تبلســـــــــــــمَ للأيتامِ ما نزفوا

جسّدتَ عالمَ وعــــــــــــيٍ في مواقفنا     وكنتَ وحياً علـى الأضــلاعِ يأتلفُ

كم من نوائبِ دنيا صبّها قــــــــــدري     وكنتُ فيكَ برغمِ الجـــــرحِ ألتحفُ

ظمآنةٌ يا ربيـــــــــــبَ الضّوءِ أخيلتي     ولي بجــــــودكَ رؤيا حفّها التّرفُ

وللعابدي في الإمام الحسين (عليه السلام) قصائد كثيرة يقول من قصيدة (عطش في سمت المعنى):

عـطشي إليكَ بلهـــــــفةِ الصحراءِ     يتلو لقدسِــــــــــــــــــكَ سورةً للماءِ

عـطشي بتــــــــاريخِ اللهيبِ مخيَّمٌ     كعزاءِ موصـــــــــــــولٍ غدا بعزاءِ

شــــــــــفتي يباسٌ منذُ بدءِ خليقتي     وأضــــــــــــالعي مقصورةُ الغرباءِ

مُـدني يغازِلُها الضبابُ، صوامعي     لغةُ اضطرابِ الصمتِ في الأرجاءِ

أبـتِ القوافي أن تكونَ قصيـــــــدةً     وبها معاني بهجتي وهــــــــــــنائي

روحٌ يصاحبُها الأنينُ على المدى     ومــــــــــــــــــــقيلة كسحابةٍ وطفاءِ

جــــــــسَدٌ تضاجِعُه الجراحُ خليلةً     بمباضعٍ من دونِ أيِّ فـــــــــــــــناءِ

ملأتْ أحــــاديثُ الجفافِ حكايتي     وروت تــــــــفاصيلُ الهمـومِ سمائي

قد بات يأســــــــــي قاتلاً لتفاؤلي     وتفاؤلي متناثــــــــــــــــــرُ الأحـشاءِ

ونوافذي مغلوقةٌ بكــــــــــــــــآبةٍ     وكــــــــــــــــــآبتي منصوبةٌ بـبكائي

حتى إذا ما جئتُ قبــــرَكَ خاشعاً     فتحتْ على مصـــــــــراعِها أشـيائي

فشهقتُ شهقةَ عـــــاشقٍ لمَّا رأتْ     عينايَ قدسَ ملائكٍ ببـــــــــــــــــهاءِ

ومددتُ كفي نحوَ مـوضعِ خافقي     أترعته فـــــــــــــــرحاً بطيبِ رجاءِ

ألقيتُه في راحتيكَ مُـــــــــــزقزقاً     وغـــضضتُ عنكَ الطرفَ باستحياءِ

فانهالَ من ذا القلبِ فيضُ مَحبتي     وغــــــــدت كما الطوفانُ في البيداءِ

مُــــــــــــتلاطمٌ لا سدَّ يوقفُ مدَّه     إلا هواكَ ودمـــــــــــــــعتي ووفائي

رتّقتُ ما فَــــــتقَ الزمانُ بخافقي     وكسوتُ بالعشقِ الجليِّ عــــــــزائي

ويقول من قصيدة (جرح على وتر النجوى):

هُوَ الذي كانَ كوناً ليــسَ تُدرِكُه     حروفُ كونٍ ولـــــكنْ شأنُه بَشَرُ

عليه تهفو حروفُ الثـائرينَ وما     إلّاهُ رامتْ كـــــقطـبٍ ليسَ يندثرُ

وشادَ بالطفِّ دنيا الحُبِّ يجمعُها     اذْ في مغانيهِ باتتْ تزدهي الأطرُ

وراحَ يهدمُ صرحَ الظلمِ، ينسفُه     بنزفِ جـــرحٍ على الأيامِ ينتصرُ

فهلْ رأيتَ فؤاداً نازفـــــاً لمعتْ     منه المفاهــيمُ حتّى قد أتى الظفرُ

وقيلَ ما قيلَ يومَ الطفِّ مــــقتلُه     وكيفَ يُقتَــلُ من بالموتِ يأتزرُ؟

فالموتُ عمرٌ تجلّى فوقَ مــقلتِهِ      ولحظةُ المــوتِ عمرٌ باتَ يستترُ

وقال من قصيدة (نجوى في سماء النور):

غـادرْ إلى حيثُ يروي صوتَكَ الأفـقُ     يا لمحةً من سخــــــــاءِ اللهِ تنبثقُ

غادرْ عن الصمتِ يا تكبيرةً صدحـتْ     بها ملائكُ ربِّ الكونِ تنـــــــطلقُ

فمـــــــــــــــا ببكةَ إلّا أنتَ إن عـدلتْ     عنها دروبُكَ يوماً صــــابَها القلقُ

إذ يرتجيكَ عــــــــــراقُ الـليلِ كوكبهُ     فأنتَ من قبلِهِ يحـــــدو بكَ الأرقُ

ناجتكَ كلّ عيونِ الخـــــــــلقِ بلسمَها     وأنتَ أنـغامُها تــــحدو بكَ الطرقُ

يستأنـسُ الغيمُ في كفّيكَ زخّــــــــــتَهُ     إذا رأيـــــــــــتَ نبيلاً صابهُ الملقُ

فــــــــــكيفَ كفّاكَ والأوطـانُ ظامئةٌ     لعالمٍ فيه أنـتَ الفجرُ والــــــــغسقُ

تمشي بســـــرعةِ نـزفٍ كنتَ ممتلكاً     أشجانَ ألفِ نـبيٍّ خــــــلفكَ التحقوا

شابهتَ جـــدّكَ بالمعـراجِ إذْ سطعتْ     أنوارُهُ في سمـــــــاءٍ مـسَّها النسقُ

أسرى إلى حيـــــثُ أمـلاكٍ تصاحبُه     وأين مــــــــــرَّ تمشّى نحوهُ الغدقُ

لكنّهُ عادَ ليلاً بعدَ رحـــــــــــــــــلتهِ     ولــــــــمْ تعــدْ غيرَ دمعٍ لمّهُ الحدقُ

كنتَ انتظاراً لمن لم يـمـــــتلكْ عبقاً     فصرتَ شوقاً لـصدرِ الموتِ تعتنقُ

و(كربلا) ؤكَ يا أشـــــــجانَ زينبِها     يا لحظةَ الوحـيِ في قلبِ الذينَ بَقوا

من حاءِ ألــــــفِ حـياةٍ أنتَ نبضتُها     لنونِ ألفِ نعيــــــــــــــمٍ فيكَ ينعتقُ

يا كبرياءَ الذيـــــــــنَ استنبطوا أملاً     من ضفّتيكَ ومــهما في هواكَ لقَوا

سيرسمونَ على الأضلاعِ أسطُرَهُم     بدفءِ عالـــــــمِكَ الصّوفيِّ تحترقُ

وقال من قصيدة (نبضٌ من صلاةِ العشق):

باسمِ الحُسينِ تراءى الضوءُ في الدربِ      فأنزلَ اللهُ قــــــــــــــــرآناً من الحُبِّ

هــــــناكَ حينَ ارتعاشِ الماءِ عن خَجَلٍ     وحـــــــينَ فاضتْ صفاتُ الآهِ باللبِّ

وحيثُ صُـــــفَّتْ حروفُ الطفِّ غافرةً     عجزَ اللغاتِ التي غصَّتْ على الذنبِ

هنا على الطـــــــــفِّ شادَ السبطُ مأثرةً     أضحتْ لكلِّ البرايا لفــــــــتةَ القطبِ

أبيُّ ضيمٍ سَمَتْ فـــــــــي الكونَ ثورته     وأخرجَ الشعبَ من طامـــورةِ الجُبِّ

وخطّ ملحمةَ الثوَّارِ مِن دمــــــــــــــــهِ     وراحَ يُلقي ظلالَ الظلمِ بالــــــشطبِ

فمن سِــــــوى السبطِ نرجو في محبتهِ     أن يُبدلَ الجدبَ في الأيامِ بالعُـــــشبِ

لا نبضَ في النــبضِ إنَّ النبضَ كربَلنا     على حسيـــــــنٍ ضبطنا نبضةَ القلبِ

هوَ الحسينُ. وكـــــــــونُ الطفِّ غايتُنا     لذا نزفنا نشيدَ الدمـــــــــــــعِ بالقربِ

وقال من قصيدة (نزفٌ على محرابِ الحب):

يتصـــــــدَّرُ الدربَ الطويلَ بشيبِهِ     وتــــــمرُّ أســفارُ الغيابِ بغيبِهِ

وكــأنَّ في صمتِ الملامحِ نورَسَاً     يأتي ويذهــبُ خلفَ رفَّةِ سِربِهِ

تــــتراجفُ الطرقاتُ حينَ مسيرِهِ     عن هيـبةٍ تــهدي النذورَ لدربِهِ

هو في حديثِ الضوءِ لحظته التي     جاءتْ عــلى نسقٍ تُبلـسِمُ عَتبِهِ

شلّالُ طــــــهرٍ في رحابِ وريدِه     ينسابُ من نبعِ الرُّؤى ومـصبِّهِ

يا قلبه العنــــــوان حيث تناسختْ     لغةُ المحبةِ في مســــــــافةِ قلبِهِ

هو سورةُ الإنســــــانِ كلُّ فضيلةٍ     تخذتْ مساحتَها بلوحـــــةِ قُربِهِ

نادته شوقاً (كــــــربلاءَ) فجاءها     ولقد رأى فيها مواضـــــعَ سَلبِهِ

لكنه قرأ الزمانَ بنـــــــــــــــظرةٍ     نبويِّةٍ فرأى انتصارَ مُــــــــحِبِّهِ

تنسابُ فوقَ يديهِ ألفُ نبـــــــوءةٍ     وخريطةٍ فيها ملامحُ شعـــــــبِهِ

كونٌ من المعنــــــى يرافقُ سيرَه     دستـــــورُ تضحيةٍ يخط لحزبِهِ

نهراً تفجَّرَ منذُ شـــــــاهدَ أمةَ الـ     إســــــلامِ في مرضٍ تهيمُ بطبِّهِ

وجدَ الذينَ أتى يطبِّــــبُ روحَهم     قد أشجروا عـمقَ المكانِ لحربِهِ

ولأنّه صوتُ الجـــــــراحِ وربُّها     نزفاً تســــــــامى في محبَّةِ ربِّهِ

وقال من قصيدة (ظلال من واحة الجرح):

خبَّأتُ عندَ لغـــــــاتِ الغيمِ أسراري     فطرَّزَ الوجعُ المخبــوءُ أشعاري

ورحـــــــتُ انسجُ من آفاقِ أوردتي     بوحــــــاً تُمَسِّدُه أهــدابُ أوتاري

فَبِي من الطفِّ جرحٌ ما استمعتَ له     إلّا وغِبْتُ به مــن دونِ أوزاري

يا لهفةَ الليلِ مُرِّي فــوقَ خاصرتي     ولتصلبينـــــــي على إيقـونةِ النارِ

أشجانُ عمري الذي أوقـــدتُ لهفتَه     من (كربلاءَ) تهاوتْ فوقَ آثاري

فرحتُ أبني وشريانُ الرؤى لمستْ     روحي فغابتْ عـــلى إيـحاءِ ثُوَّارِ

حيثُ الحسينُ وحيداً في تَبِـــــــــتُّلِهِ     كأنَّه صارَ محراباً إلـــــى الباري

أفنتْ عليهِ المَنَــــــــايا دهرَ دورتِها      فاستقبلَ الموتَ عملاقاً كـإعصارِ

تكربَلَ الكونُ ملهوفاً بــــــــــراحتهِ     كأنَّما الكونُ يُذكي جــــــمرةَ الثارِ

وترتــــــــديهِ فصولُ النزفِ أجوبةً     لكـــــــــــلِّ اسئلةٍ في ضربِ بتّارِ

يُجيِّشُ الصــــوتَ بالثوراتِ في أبدٍ     طيراً أبابيـــــــلَ يهوي فوقَ فُجَّارِ

يطرِّزُ الفجرَ فـــــــوقَ الليلِ، يبعثُه     من الركامِ فيُــــزجي نبضَ مِغوارِ

وقال من قصيدة (على كفّيه يتكئُ المُستحيل):

منذُ ارتجَاهُ عَلى أيّـــــــــــامِهِ الظمَأُ     وَكانَ جرفُ حنينِ النهرِ يَهتَرِئُ

لم يَلقَ شيئاً ســـوى أقصَى مروءَتِهِ     فَــــــراحَ من حَائِهِ للكونِ يَبتدئ

يَفيضُ في الــــــوَقتِ وَقتاً ثمّ ينسفُهُ     كأنّما مِـــنهُ مَعنى الوَقتِ يَجتزِئُ

في ضِفّتـــــيهِ صَوابٌ، بَاتَ يُرهقُه     مُذ أبصرَ الأمرَ بَوحاً حَفّه الخطأُ

فَراحَ يَــروي ترابَ الطفِّ من دَمِهِ     كأنّه سيـــــــلُ كونٍ والثرى سَبَأ

سِـــــــفرُ الإباءِ تَسَامى مِن طفولَتِهِ     فكيفَ يَنكرُ أدنــــى ضوءَه الملأ

كلّ الأمـاكنِ رَوّتــــــــــــها كهولَتُهُ     فَـــــصـارَ يَنزفُ حبّاً حيثما يَطَأُ

لَم يعزفِ الرَعــــدُ الحانًا على فَمِهِ     بَل كــــانَ يذوى حَياءً ثمّ يختبئ

فَهل تخَيّــــــــلتَ سَيلاً حَفّهُ عَطَشٌ     وَالكربَـــلاءاتُ في عَينيهِ تَلتجئُ

أم هَل تخيّلتَ معنى المَجدِ في قَلقٍ     وَالمُستَحيـــــــلُ عَلَى كـفّيهِ يَتّكئُ

لا تَــــــــحتَويهِ لغَاتٌ رغمَ كُثرَتِها     وَكيفَ تَحويهِ وهـــوَ البَـاءُ والنبَأ

لِذَا اصطفَتهُ الرؤى عنوانَ ثَورتِهَا     فكلّ قلبِ محبٍ فيــــــــــه يَمتلئُ

وفي أبي الفضل العباس (عليه السلام) قال العابدي من قصيدة (موسمُ الحزنِ المقدّس):

سأنسجُ من رُبى الآهاتِ حــــرفا     وأرصفُ مـــــــقلتيّ عليه رصفا

فمن بين القدومِ على ضــــلوعي     أتيتكَ من دروبِ الحــــــــبِّ لهفا

حديثُ الفقدِ يُــــــــــــلهمني لأنّي     عــــــــــــرفتُ الفَقدَ عنواناً مُقفّى

يغـــــــــــــازلني الشتاءُ بلا دثارٍ     ويهجرُني الربيعُ فـــصرتُ منفى

هي الأشياءُ في الــــلا لونِ تهفو     فهل ألقى زمــــــــانُ الحتفِ حتفا

ضـريرٌ موســـــــمُ الأفراحِ يأتي     ونحنُ نُــــــــــقدِّسُ الأحزانَ زُلفا

فننـــــــــــأى عن سعادتنا لحزنٍ     كأنَّ الحزنَ للأحشاءِ مَـــــــــشفى

يــدبُّ الضعفُ في جسدي عميقاً     ففي الأضلاعِ من مـــــأواهُ ضعفا

فهل ضربتْ سنينُ اليأسِ روحي     وجسمي من هـــــوى الدنيا تحفّى

ســـــأحملُ ثقلَ أحزاني وأمضي     إلى نهرٍ مــــــــن الطهرِ المُصفّى

أبيّـــــــضُ عتمةَ الأزمانِ وصلاً     وأنـــــــــهلُ من لذيذِ القربِ غرفا

فتحتُ نـــــــوافذَ الأضلاعِ شوقاً     وصرتُ على ضفافِ الطفِّ جُرفا

ارتِّقُ بالتأمِّــــــــــلِ فتقَ روحي     وآخــــــــــذُ من معاني المجدِ قطفا

ربيبُ الحقِّ يا لغــــــــةً تسامتْ     ستـــــزهرُ في حقولِ الفضلِ حرفا

وقد نظرَ الفراتُ إليــــــكَ شوقاً     كأنَّ يديــــــــــــــه قد جاءتكَ زحفا

تجسَّدَ في تقرُّبها وفــــــــــــــاءً     فكنتَ من الفـــــــراتِ الطهرِ أوفى

فـــــــــهل ألقى إليكَ الماءُ سرَّاً     لتُـــــــــــــــصبحَ سيِّداً للماءِ صِرفا

أقمتَ عــــــــــلى شريعته حياةً     أذقتَ بها حــــــــــشودَ الموتِ حتفا

هنالكَ خاطبتـــكَ الأرضُ مهلاً     وقد أضنيتها عصفــــــــــــاً وخسفا

حملتَ قضيةَ الإنســــــــانِ قلباً     فديتَ رحــــــــــــــــــابه هاماً وكفَّا

ورحتَ تطرِّزُ العُليا وِســــــاماً     سمــــــــــــــاويَّاً إلى العلياءِ أصفى

مفاهيمُ الخلـــــــــودِ رأتكَ بدراً     وأسفــــــــــــــارُ الفدا اتخذتكَ سيفا

فيا رئة الإباءِ ويـــــــــــا نهاراً     أتيتــــــــــــــكَ من ظلامٍ سنَّ خوفا

فأمطرْ خــــــوفَ أيّــامي بأمنٍ     ففيكَ لهيبُ أضـــــــــلاعي سيشفى

وقال من قصيدة (نورٌ على آفاقِ النجوى) وهي إلى باقر علوم الأولين والآخرين محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) في ذكرى اسشهاده

حاولتُ أبحثُ عنّي فــي مَـــــراياهُ     فبعثرَ الـــــدمعُ أشلائي بمأواهُ

ورحتُ أفصحُ عن تـــاريخِ قافيتي     ومنْ ســواهُ تسامى بينَ فحواهُ

أيَّ اللغاتِ التي لم تقتــطفْ حِكَمَاً     من ضــفَّتيهِ فتحكي عن بقاياهُ؟

هوَ المؤيّدُ بالأمـــــــــــلاكِ تحملهُ     كـفُّ السماءِ ضياءً من رعاياهُ

تزدانُ فـــــي كفِّهِ الأسمـى إمامتُه     فـــيفصحُ النورُ عن أيَّامِ نجواهُ

يحــــــادثُ الليلَ فرداً بـاقراً عَلمَاً     فيفصحُ الذاتُ معنىً في زواياهُ

من نكهةِ الطفِّ قد خُـطتْ قداستُه     فـــــــاللاهناكَ ببوحِ الفقدِ روّاهُ

كأنَّ من علمِه فاضـــــــتْ نبوءَتُه     فلا نبـــــــــــيَّ بعلمِ الذاتِ إلّاهُ

لا ينتمي، ينتمي للكيـــفِ ليسَ له     كيفٌ سواهُ تـــرامَى في خلاياهُ

قد خِفتُ أنّي على أقطـابِ وحدتِه     أخشى أرى الله في آفـاقِ معناهُ

نهرٌ من الضوءِ يهفو في ملامحهِ     فالبرقُ يكتبُ عـــــــنواناً ليلقاهُ

والطهرُ لونُ اسمرارٍ فوقَ وجنتهِ     كأنّما باتَ عمراً من خــــطاياهُ

كانتْ وصاياهُ كالتـــاريخِ مدرسةً     تواكبُ العلمَ دهراً في وصـاياهُ

لكنّه أحكمـــــــــــتْ ألوانُ لوحتِه     فما تشــــــــابَه حتّى في مَزاياهُ

وقال من قصيدة (سجدة على أثر القيود) وهي إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

الليلُ صمتٌ في رحابِــــــكَ ينصِتُ     والفجــــــــــــرُ طفلٌ ضائعٌ يتلفَّتُ

والقيدُ أدعيةُ الحـــــــضورِ تداخلتْ     في قلبِ بوصلةِ الغيابِ، أتصمُتُ؟

أنّى ودنيــــــــــا الصمتِ فانيةٌ وما     إلّاكَ يهزمُها فــــــــــــليستْ تَـفلتُ

قلقُ الدروبِ كتبتَ فوقَ مســــلّةِ الـ     أيَّامِ والتـاريخُ حـولكَ يبــــــــــهَتُ

تتأمَّلُ الأزلَ البعيــــــــــــــدَ بنظرةٍ     ثوريـــــــــــــةِ المعنى بكفَّكَ تنبُتُ

ومشيــــــــــتَ تتّخِذُ الحقيقةَ منهجاً     والنجمُ يـــــــرعى ضفَّتيكَ ويكبُتُ

حُــــــــرَّاً تأبَّطتَ الـمكارمَ فاستحى     منكَ المكـــــانُ ففي مكانِكَ يَسكُتُ

كنتَ الذي اختصـرَ الوجودَ بسُجدةٍ     نبويةٍ فيها التــــــــــــــــأمُّلُ يَنحِتُ

للقــــــــــــــــــــادمينَ رسالةٌ أبديةٌ     رغمَ العواصفِ في الأضالعِ تَثبِتُ

ونطقتَ عن نبأٍ عظيـــــــمٍ لمْ تزلْ     أيديهِ في أمِّ الكتابِ تُربِّـــــــــــــتُ

كانتْ حياةُ البائسينَ حيـــــــــــاتَهم     فالكلُّ رغــــــــمَ العيشِ فيهم ميِّتُ

كــــــــانوا عبيداً يحتسونَ لذائذَ الـ     أيَّامِ مــــــــن خـمرِ الضَّياعِ تقوَّتوا

أيقضتَهـــــــــم فمَشوا حفاةَ قلوبِهم     والخطوُ وقـــــــــتُكَ للزمانِ يُؤقِّتُ

ويقول العابدي في قصيدة (وأشرقت الأرض) وهي إلى بقية الله في أرضه الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)

تعبُ الحيــاةِ على خـــــدودِكَ ينضحُ     ها أنتَ بيـــــــــنَ حروفِه تتأرّجحُ

ها أنتَ تـــــستبِقُ الزمانَ فلمْ تَـــــجِدْ     زمـــــــناً بريئاً في عـيونِك يَمرحُ

لمْ تَـــــــدرِ أن العمرَ رســــــمُ متاهةٍ     أنّى الْتفتَّ ففي ضـياعِكَ يـــــسبحُ

يشــــــتقُّ منكَ المستــــــحيلُ ملامحاً     مُذْ صرْتَ درباً لـلخيالِ تُـــــجرَّحُ

كـتبـتْ بك الصحــــــراءُ راءَ رمالِها     فتيبَّسَ المعنى فمَنْ بــــــــكَ يقدحُ

يا غيهبَ الطــــــرقاتِ حين تضمَّنتْ     لوناً بذاكرةِ الفـــــــــــــراغِ يُقرِّحُ

بوقاحــــــــةِ اليأسِ المضمَّخِ بالأسى     أصبحــــــــــتَ للأملِ البعيدِ تلوِّحُ

أغلقْتَ نـــــــافذةَ الرُّؤى فــــــتمنَّعَتْ     عنكَ الرُّؤى ومضتْ ببؤسٍ تنزحُ

لا تحسبَنَّ التيــــــــــــــــهَ سِفرَ نهايةٍ     فلعلَّ بعدَ التيهِ عـــــــــمراً يُصبحُ

واصفحْ عن الأيــــــامِ حــين تبسَّمَتْ     وتشعبنتْ لحظاتُها هي تـــــصفحُ

شعبانُ قــــــافيةُ الربيعِ تضـــــوَّعَتْ     ومســـــــاحةُ الملكوتِ فيها تُفسَحُ

حـــــاء الحسـينِ على البدايةِ يزدهي     وبياءِ مهـــــــــــديِّ الخليقةِ يفرحُ

في النصفِ من شعبانَ تلك ارادةُ الـ     ـجبارِ مِن قِدمِ الزمـــــانِ ستُفصِحُ

قد جــــاءَ صوتُ الماءِ يعزفُ نـغمةً     فــــــيها قلوبُ الظامئينَ ستصدَحُ

سيقدُّ ذاكـــــــــرةَ الظِّلالِ، يمـزِّقُ الـ     أسطـــــــورةَ الشوهاءَ فكراً يفتحُ

ويُبلسِمُ الوطنَ الجــــــــريحَ بنـصرِهِ     فهو الذي بــــــاسمِ الإلهِ سيُصلَحُ

في راحتيهِ سنابلٌ ومعـــــــــــــــاولٌ     وبمقلتيهِ عن الــــــــحقيقةِ يشرَحُ

الفارسُ الآتــــــــــــي بدفءِ وجودِهِ     للمانحينَ النفسَ نــــــــــفساً يمنحُ

الجالسين على انتظــــــــــــــارٍ قاتلٍ     بحروفِه فـي النائباتِ تــــــسلَّحُوا

سيرى ضمائرَهم عليه تكـــــــوَّرَتْ     مثلَ الجداولِ نـحوَ نهرٍ تــــــشبَحُ

منْ بعدِ أزمنةِ الغرائزِ ما ارتــــوتْ     منّا ففــــــــــــي كلِّ الدهورِ نُذبَّحُ

بابنِ البتولِ نشيدُ صـــــــــرحَ بنائِنا     والمجدُ من أسمــــــــــــائنا يتفتّحُ

كما كتب العابدي في الحشد الشعبي المقدس كثيرا من القصائد يقول من قصيدة (الراحلون إلى المعنى):

كانوا وكانَ عليهمْ يُـــــضـربُ المَثلُ     وكان فيــــــــــهمْ ومنهمْ يهطلُ الأملُ

وحينَ كانَ زمـــــــــانُ الـقفرِ يلحفهمْ     كـــــــــــان الـربيعُ حديثاً نبعُه المُقَلُ

هُمْ ها هناكَ سنــــامُ الكـونِ يصبغُهم     بــــوحُ الخزامـى وما ماتوا وما قتلوا

هُمْ الذينَ تــســــامى تحـتَ أخمصِهم     خَـدُّ الترابِ فمنه الماءُ ينــــــــــــبزلُ

هُمْ يرحلـــــــــونَ إلى مـعنى تلبَّسهمْ     والآخـرونَ إلى اللاشــــيء قد رحلوا

ينسابُ منـهــــمْ وريدُ البـوحِ يحملُهم     راحُ القوافي ويحــــــكي عنهمُ الأزلُ

هُمْ أوليــــــــاءٌ فإن لم يـأتِ منسكُهمْ     على نزيـــــــــــفِ وريدٍ عندهم ثملوا

بُعدُ المســـــافاتِ لم تطوي دفاترُهم     إذْ فــــــــــيهمُ نقصُ حرفِ الآهِ يَكتملُ

لا يستـــــــمدُّونَ من شمسٍ غوايتَها     هُمْ قبلَ ما افتكَّ سترُ الفجرِ قد وصلوا

كلُّ الــــــمـجرَّاتِ خطٌ فوقَ راحتِهم     وفي اليــــــراعاتِ سَيْلُ الروحِ ينهملُ

بـــــــوحُ الجراحاتِ عنوانٌ لمبدئهم     يلتذّ فيـــــــــــــهمْ وعنهمْ ليسَ ينفصلُ

بُــــعدُ المسافاتِ لم تجرحْ ملامحَهم     منهمْ تفاصيـلُ نـــــــزفِ الوردِ تكتملُ

هُمْ يـفقهونَ لــــغاتِ الماءِ إن نطقتْ     ويصمتونَ ومـا في صمــــــــتِهم مَلَلُ

وأنتَ فيــــــهمْ ومنهمْ حيثما اتّجهوا     فـــــــــكُنْ كما أنـتَ زهواً أيُّها الرجلُ

أولاءِ أهلوكَ لا عن صبرِهم نزحوا     لكنَّه الـــــــــــــــقدرُ الموبوءُ والأجلُ

وتستمرُ الـرؤى في وجهِ من وِلدوا     كي لا تعيبَ الرؤى في جفنِ من نقلوا

هـــــــــــذا هو الفكرُ أكوابٌ مخبَّأةٌ     منها ارتَشفنا ومنـــــــــــــهُ تنشأ المُثلُ

يا صاحبـيْ إن بعضَ الجرحِ تسليةٌ     قد يُرتقُ الجرحَ في اللقـــــــيا ويَندَمِلُ

وقال من قصيدة (مساحة من خرائط الأشجان):

هُمْ يمزجونَ كـؤوسَ الفقدِ بالذّكرى     وأمزجُ الجرحَ إلّا أنّـــــنـي أدرى

منَ الذينَ استعـــــــاروا ماءَ مقلتهِمْ     لوناً يرتّشُ رسمَ الفقدِ بالمــــسرى

لأنّ ذاكـــــــــــــرةَ الموّالِ تحجبُنِي     من أنْ أعيرَ سمائي ضِفَّــةً أخرى

آنستُ في الذّاتِ تـــــــابوتاً تصنّعهُ     كفُّ الرّحيلِ فرتّبتُ الحشــا سطرا

حتّى أمـــــــــارسَ بالأشجانِ أمنيةً     يجدّفُ الموتُ في قمصانِــها شعرا

لـــــــــــكنّني من أناسٍ سفرُ أوردةٍ     يلقّنونَ فضائي درسَـــــــــــه المُرّا

نافورةُ الصّبرِ تروي حقلَ سمرَتهمْ     وكان منهم أســــاهُمْ نحـوهمْ يترى

أعذاقُهُمْ نشوةُ الشّــــطآن، مشمشُهُمْ     سحرُ القصيــدِ سقى أنـفاسَهمْ بحرا

لا جنحَ إلّا تسامى فـــــي مساحتِهِمْ     فهمْ سمـــــاءٌ وما ضـمّوا بها طيرا

يستدفئونَ بما تحويهِ ذاتـــــــــــــهُمُ     من الضميرِ الذي يكسو ولا يعرى

لا تـــــــــرتقي لهمُ شمسٌ ولا قمرٌ     لأنَّ فيــــــــهِمْ إلهُ الكونِ قد أسرى

كلُّ المواســـــمِ لا تُحصي صفاتهمُ     فهمْ علاجٌ بـــــــهِ حقلُ الهوى يبرا

عندي خرائطُ مـنْ يَحكون قصّتَهُمْ     على مساحةِ أشجــــــانٍ رَوَتْ قهرا

وقال من قصيدة (قناديلٌ على الضفاف):

جاؤوا عـــــــلى غيرةٍ من ضفّةِ النَخْلِ     يستمطرونَ ترابَ الضيمِ بالنُبلِ

جـــــــــاؤوا وفـي كفِّهم ميثاقُ نخوتِهم     حتى التجاعيدُ فيهِم حُلوةُ الشكلِ

يــــــــــــستفتحُ الفجرُ فيهمْ ثغرَ بسمتهِ     ويأخذُ الـليلُ منهمْ روعةَ الكُحلِ

هُمْ يصنعونَ من الأضلاعِ جِسرَ هوىً     ولا يسيـرونَ نحوَ الظلمِ بالمثلِ

فهُم مواويلُ أوطـــــــــــــــانٍ تغازِلُها     على مقامـاتِ حبٍّ نشوةُ الأصلِ

يستنطقونَ النَّدى من بعدِ لـــــــــمستِهِ     فيستجــــيـبُ لهم في لمسةِ القَبلِ

تعثّرَ الدهرُ فيهم حين شـــــــــــاكسَهم     فلقَّــــنوا دهـرهَم ترنيمةَ الرُسلِ

وبلسَمَتْ موطنَ التاريخِ نهضَتُـــــــهم     حـتى وَشتْ عـنهمُ إيماءَةُ النحلِ

قمصــــــــانُهم لمْ تزلْ بالصبرِ مُوقِنَةً     فَاشْجَرُوها علـى تسريحةِ الخيلِ

وقال من قصيدة (دموعٌ على مواقدِ العيد):

على مُـــــــــــــحيايَ قرآنٌ من التعبِ     يتلو رسالةَ بوحِ الحشدِ فـــي النسبِ

صمتُ التجاعيدِ يحدو حرفَ أوردتي     فلي من القهرِ ما يجثو علـى الركبِ

أنا شهيقُ الذينَ استمطروا دمَــــــــهم     على مسافاتِ عوزٍ دونــــــما سُحُبِ

لا يكذبون وإن حُزَّتْ مــــــــناحِرُهم     فالموتُ أنقى لهم مـــن سورةِ الكذبِ

هم يرحلونَ إلى الأشــــجانِ، يحملهم     لحنُ الجراحِ وفـــــيهم فورةُ الطربِ

ويحتسونَ خـــــــــــمورَ الفقدِ تسبِقهم     لحانةِ المــــــوتِ أسرارٌ من القصبِ

يهدهـــــــدونَ الليالي كلما اضطربت     ويبسمـــــــونَ وهمْ في غمرةِ التعبِ

يــــــــا سفرةَ العيدِ ما أحلى موائدِهم     وقـــــــد تهادتْ عليهم لحظةُ الرطبِ

على الخريفِ اصفرارٌ من ملامحهم     وفي الربيعِ اخضرارُ القلبِ عن أدبِ

وفي الشتاءِ تسابيـــــــــــــــحٌ تقدِّسها     نارُ المــــــــــواقدِ والفنجانِ بالشهبِ

لا يضحكُ الصيفُ إلّا في صدورِهمُ     فيهزمُ الشطَّ فيـــــــــهم عالمُ النُصبِ

بي مثلما كان فـــــــيهم حين محنتهم     يبــــــــــعثرونَ أكفَّ الريحِ بالزغبِ

ها قد تمثلتُ فيهم عـــــندما اعتكفتْ     ذاتي التي احتجبتْ من غير محتجِبِ

بهِمْ تخطيتُ أوهاماً وقـــــــد غدرتْ     ورحتُ أخـــــرِقُ فيهم عالمَ الحُجُبِ

وقال من قصيدة (جِباهٌ ترسمُ المجد):

للرابضينَ..

على شفاهِ الصبرِ ينتشلونَ

لونَ الثأرِ من جفنِ الغروبِ

ويرفعونَ قلوبَهم للأرضِ

ساريةً ترفرفُ فوقَ

أكتافِ السنين..

للحافظينَ شفاهَ أمنيةِ الحياةِ

والباذلينَ العمرَ أوراقاً

يغازلها الحنين.

للرافعينَ الهامَ

في جرفِ المنيةِ يهتفونَ

يمزِّقونَ

العتمةَ الشوهاءَ

عن وجهِ العراقِ. ويجعلونَ

جباههم شمساً وأعينَهم مطر.

للراسمينَ المجدَ في حبرِ الدماءِ

والمانحينَ التربَ قافيةَ الوفاء

لبني الجنوبِ الطهُرِ

للسمرِ الذين تطلّعتْ لوجوهِهم

مُقلُ السماءِ.

لهم فقط..

سجدتْ جباهُ الوقتِ

مُذ عزفَ الرصاصُ تحيةً

واستلهمتْ منهم تفاصيلَ العطاء

لأنّهم كانوا خرائطَ للإباء .....

وقال من قصيدة (الحشد بسملة الخلود):

سَرقتْ هــمومُ الدهرِ ضحكــةَ ثغرِهِ     فــــتكسّرتْ سفنُ القصيدِ بصدرِهِ

وأشـــــــاحــتِ الأيامُ عنه فــأطبقتْ     كلُّ المصاِئبِ فوقَ روضةِ عمرِه

هو والجــــــــراحُ اللاهــباتُ مدائنٌ     نضــحتْ نزيـفاً في محافلِ شعرِهِ

تتسلّقُ الــشبهــــــــــــاتُ ربوةَ ذاتِهِ     وتحطُّ أخيـــــــلةُ الضياعِ بسطرِهِ

ينأى ولــن ينأى كـــــــــــأنَّ رحيلَهُ     لّلا رحيل فلا رحيــــــــلَ لعطرِهِ

ألقى بــه المستــذئبونَ لبعــــــضهِمْ     فتنـــــــــــــاسَتِ الأيامُ طلّةَ فجرِهِ

لكنه قــد قــــــــــــــــامَ عيسى ثانياً     ليقدّ ذاكرةَ الصلـــــــــيبِ بسفـرِهِ

ويكفِّــنُ الأمــسَ الجـــــريحَ بعزفِهِ     لحناً تموسقَ وفقَ نوتةِ نصـــــرِهِ

سيبـــــلسمُ الشطينِ، يبــــعثُ فيهما     لغةَ النــــــوارسِ والنسيمُ بسحرِهِ

ســـيطوفُ في مدنِ الجراحِ، يلمُّها     فتذوبُ شــــــــوقاً في منابعِ نهرهِ

لن يحتسي الذكرى فثمَّ نبــــــــوءةٌ     تروي صفــــــاتَ العارفينَ بسرِهِ

يتشجَّرُ اليومُ الجديــــــــــــدُ أسامياً     نخلاً عراقيّ السمـــــــوِّ بخصرِهِ

لا ذكرَ بعــــــــــد رؤاهُ كلّ مسافةٍ     ملغــــــــــــاةَ إلّا في مسافةِ ذكرِهِ

في وجــــــههِ غـضبُ الإلهَ مقدَّسٌ     يتكـــسَّرُ الموجُ الرهيبُ بصخرِهِ

هو حشدُ شعبِ السُمرِ وهو كفيلُهم     وهو الذي حــرسَ العراقَ بنحرِهِ

لما أتى بالمعتمينَ زمــــــــــــانُهم     شــطبَ الزمانَ مع المكانِ بحبرِهِ

وتحدَّثتْ لغةُ الفراتِ بــــــــطيبِها     عــــــن تضحياتِ الناطقينَ بأمرِهِ

قد لا يكونُ، وقد يـكونُ هـو الذي     تترقّبُ الدنيا حــــــــــــلاوةَ تمرِهِ

لكنه سيزفُّ قــــــــــــــافلةَ النَّدى     فتحجّ أوردةُ الريـــــــاضِ لشطرِهِ

فالحشدُ بسملةُ الخلودِ وهـــل أتى     بلدُ النخيلِ سوى بســــــورةِ قدرِهِ

صهلَ النشيدُ مع الشهــــيدِ مؤذِّناً     وإلى العراقِ أعادَ بسمــــــةَ ثغرِهِ

وعلى مسافةِ بندقيتهِ انـحـــــــنى     وكأنَ بالبارودِ رشَّة عطــــــــــرِهِ

...........................................................

1 ــ زودني الشاعر بالسيرة والقصائد عبر الانترنيت

المرفقات

: محمد طاهر الصفار