اللوحة من ابداع استاذ الخط الكوفي في العراق الخطاط حسن قاسم حبش البياتي البجدلي.. والذي يعد من قامات الخط العربي في العراق والمنطقة العربية، وهي منفذة بالخط الكوفي المضفور داخل مساحة هندسية مستطيلة الشكل وتتضمن الآية القرآنية الكريمة (قل كل يعمل على شاكلته)،
التي اعتمد في تنفيذها على التماثل الظاهر في اجزاء معينة من النص.. والمتمثلة بالعناصر الزخرفية ذات الاجناس النباتية والكأسية، والناتجة كما هو واضح للمشاهد عن التضافر بين الخطوط والكائن في وسط التكوين بشكل افقي، وبالتحديد بين الحروف العمودية للبنية النصية، وبشكل غير متماثل من حيث الاختلاف الشكلي لبنية الحروف واشكالها، محققاً من خلاله اتزاناً واضحاً ما بين الاجزاء في الهيئة الشكلية والمساحية للتكوين الافقي المستطيل الشكل .
عمد الفنان حبش على اضفاء ميزة التغيير الشكلي لبنية الحروف.. كما هز ظاهر للمشاهد في كل من حرف (ق) من كلمة (قل) و حروف (ك) و (ل) وفي كلمة (كل) ايضاً، فضلاً عن حرف (ل) من كلمة (على)، إضافة الى تغيير ميل واتجاه بعض الحروف كما في حرف (ق) واضافة بعض العناصر النباتية الى نهايات الحروف كما في حرف (ل) من كلمة (يعمل) وحرف (م).
نظم الخطاط الكلمات داخل مساحة التكوين الخطي على وفق نظام توزيع سطري متتابع غير متراكب يتوافق مع المساحة والخط المستخدم في التكوين - الخط الكوفي المضفور-، حيث تتسلسل وتتابع الكلمات من الجهة اليمنى للتكوين ووصولاً الى الجهة اليسرى منه، مرتكزاً في ذلك على تقسيم المساحة الكلية الى مساحات مستطيلة الشكل وصغيرة الحجم في نفس الوقت مع اعتماد التساوي فيما بينها مساحياً، وقد تمثل التكرار بالعناصر الزخرفية الناتجة عن تضافر الحروف العمودية فيما بينها، اضافة المفردات الكأسية التي تتفرع من اجزاء الاشكال والحروف العلوية، لتشغل بالمحصلة المساحات الناتجة بين الحروف.. بهدف تحقيق التوازن في الهيئة و الشكل لكل كلمة من كلمات النص و في اي جزء من اجزاء التكوين.. وبإيقاعية متناوبة ومتناغمة ما بين الجزء العلوي للتكوين والجزء السفلي، ونلاحظ من جانب آخر ان التباين قد يكاد يكون مفقودا في الهيئات الشكلية لكل من البنية النصية والبنية الزخرفية، وهناك اختلاف شكلي مبسط بين الحروف، وهو واضح للمشاهد في حروف (ك) و(ل) من كلمة (شاكلة) ، وحرف (ل) من كلمة (على) مع باقي الحروف العمودية ، والتي تحقق من خلالها توازناً في الجزء السفلي والعلوي من التكوين - الحروف النازلة عن السطر-، كما في حرف (ش) من كلمة (شاكلة) وحرف (ل) في كلمة (يعمل)، وهنا يبدو ان الخطاط قد اعتمد التباين في القيم الضوئية- الابيض والاسود – لكل من مساحة التكوين والبنية النصية بما يحقق التمايز فيما بينها بعيدا عن التباين الشكلي المعروف، فضلاً عن التضاد الاتجاهي للاشكال الرأسية المثلثلة الشكل في نهايات الحروف العمودية المتقابلة والمتناظرة فيما بينها والتي ادت دورها في اظهار التباين الشكلي الذي يكاد يكون معدوما.
اما من جانب الوحدة والتنوع التي تعم اغلب اللوحات الابداعية.. فقد تمثلت باستثمار خصائص الحروف من قدرة وامكانية على التشكيل في اظهار المفردات النباتية المضافة الى اشكال الحروف، حيث حقق الفنان الخطاط من خلال ذلك تنوعاً شكلياً ما بين الاجزاء التي ترتبط بعلاقة الجزء بالجزء وعلاقة الجزء بالكل، اضافة الى التنوع الاتجاهي لنهايات الحروف المتضادة والمتعارضة والمتقابلة.. مما اضفى جمالية اعلى الى اجزاء التكوين، ومن جانب آخر فقد برزت السيادة في الهيئة الشكلية للنص والبنية الزخرفية ككل ليظهر التكوين ذي طابع تزييني وزخرفي، معززاً ذلك في البنية الزخرفية النباتية والمساحة التي تشغلها في الجزء الذي يتوسط التكوين وبشكل افقي بحيث تكون سائدة عن باقي الاجزاء من البنية الشكلية وشدة التضافر والتعقيد بحيث تكون هي مركز ادراكي بصري للتكوين ،فضلاً عن سيادة الاتجاه الافقي للنص الذي يرجع الى نظام التوزيع المرتبة على اساسه الكلمات في البنية النصية.
اما النسبة والتناسب الحاضرة في التكوين الخطي.. فقد مثلها الفنان بمجموعة من العلاقات الرياضية والهندسية ما بين الحرف الواحد وباقي الحروف وفق مقاييس ومعايير تناسبية، ويبدو ان ذلك قد تم من خلال ( ان ارتفاع كل كلمة مبني على اساس النسبة الذهبية كطول للحروف العمودية وامتداد للحروف الممتدة على سطر الكتابة) فكلمة (قل) على سبيل المثال ينتج عن ارتفاع حروفها وامتدادها شكلاً هندسياً مربعاً تكون محصلته مستطيل النسبة الذهبية الناتج عن هذا، وهو ما ينطبق على كلمة (يعمل) والشيء نفسه في الجزء العلوي من التكوين ، فالقياسات تختلف ارتفاعاتها وامتدادها كحروف مفردة وكحروف متصلة مع بعضها البعض، محققاً من خلال هذه العلاقة التناسبية ما بين الحروف الجانب الوظيفي الذي تمثل في نظام التوزيع السطري للكلمات والوضوح القرائي المتسلسل والمتتابع، اضافة الى ضبط المسافات الفاصلة بين الحروف وتقسيم المساحة الكلية للتكوين.. بحيث يحقق التوزيع المتوازن للوحدات الخطية المتمثلة بالحروف والزخرفية ايضاً.. وذلك وفق اسس ونسب هندسية ترتبط بالمساحة الكلية للتكوين، فضلاً عن تحقيق الجوانب الجمالية المتمثلة بتضافر الحروف العمودية وبشكل افقي اضفى من خلاله تنوعاً شكلياً بين البنية النصية والزخرفية والتنوع الحركي في بعض اجزاء الحروف كما يظهر في نهايات الحروف العمودية واحاطة البنية النصية والزخرفية باطار ذي هيئة زخرفية زاد من جمالية التكوين ككل بأسلوب مبتكر.. تلك هي فنوننا العربية.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق