ابن حوقل في كربلاء

رغم أن هذا الرحالة اختزل وصفه لكربلاء عندما زارها عام (367 هـ / 977 م) بوصفه لضريح الإمام الحسين (عليه السلام)، إلا أن وصفه يعطي انطباعاً كاملاً عن هذه المدينة المقدسة وأهميتها الدينية والتاريخية، فصوَّر حالة الاستمرار التي اعتاد عليها المسلمون لزيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، وعكس الصلة الحية والمستمرة عبر الأجيال بين الشيعة وإمامهم الشهيد، والارتباط المبدئي بنهجه، والاهتمام بهذه الشعيرة المقدسة لاستذكار وقفته الخالدة.

ويستشف القارئ الاهتمام البالغ بهذه الزيارة في ذلك الوقت من خلال وصف ابن حوقل حيث يقول ما نصه:

(وكربلاء من غربي الفرات فيما يحاذي قصر ابن هبيرة، وبها قبر الحسين بن علي (عليهما السلام) وله مشهد عظيم وخطب في أوقات من السنة بزيارته، وقصده جسيم). (1)

كما ويتجسد في هذا الوصف العناية الفائقة للشيعة بتعاليم دينهم والاقتداء بأحاديث الأئمة المعصومين (عليهم السلام) التي تحث على زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وفضلها وما ينال الزائر من الثواب الجزيل وهي كثيرة جداً، منها ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام قوله:

(مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين فإن إتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ للحسين بالإمامة من الله عز وجل).

ومنها ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عندما سُئل ما لزائر الحسين من الثواب فقال عليه السلام: (يؤمنه الله يوم الفزع الاكبر وتلقاه الملائكة بالبشارة ويقال له لا تخف ولا تحزن هذا يومك الذي فيه فوزك).

ابن حوقل

ولد أبو القاسم محمد بن علي بن حوقل البغدادي النصيبي الموصلي المعروف بـ (ابن حوقل) في بغداد عام (331 هـ / 943 م) وتوفي عام (378 هـ / 988 م)، وهو كاتب وجغرافي ومؤرخ ورحالة وتاجر قضى أكثر من ثلثي عمره في السفر والقراءة والتدوين.

بدأ رحلته من بغداد وجاب أغلب بلاد الكرة الأرضية وخاصة قرطبة والأندلس التي عاش فيها زمناً طويلاً، ووصل إلى البلاد النائية في آسيا وأفريقيا كما زار بلاد السند والبربر ومصر وسورية والعراق وفارس، ودوّن مشاهداته كلها في كتابه (صورة الأرض) الذي يعد من أهم مصادر الجغرافيا التي اعتمد عليها كثير من الجغرافيين، ويسمى هذا الكتاب أيضاً بـ (المسالك والممالك والمفاوز والمهالك) كما عبر عنه مؤلفه في مقدمة الكتاب حيث يقول:

(هذا كتاب المسالك والممالك والمفاوز والمهالك، وذكر الأقاليم والبلدان، على مر الدهور والأزمان، وطبائع أهلها، وخواص البلاد في نفسها، وذكر جبايتها وخراجاتها ومستغلاتها، وذكر الأنهار الكبار، واتصالها بشطوط البحار، وما على سواحل البحار من المدن والأمصار، ومسافة ما بين البلدان للسفارة والتجار، مع ما ينضاف إلى ذلك من الحكايات والأخبار والنوادر والآثار....)

وقد لقي هذا الكتاب اهتماماً كبيراً من قبل المستشرقين، فطبع طبعات عدة أهمها بتحقيق المستشرق الهولندي دي غويه عام 1873 في لندن، باعتماده على نسختي خزانتي لايدن وأكسفورد.

وينقل الدكتور صفاء خلوصي عن هذه الطبعة وصف ابن حوقل لكربلاء بتغيير طفيف فيقول: (يذكر ابن حوقل مشهداً عظيماً وغرفة ذات قبة لها بابان باب من كل جانب و في داخلها ضريح الحسين (عليه السلام) الذي كان كثيراً ما يتوافد عليه الزائرون في زمانه). (2)

ترك ابن حوقل عدة آثار جغرافية مهمة اعتمد عليها الباحثون والدارسون وعُدّت مصدراً مهماً في هذا المجال منها:

كتاب صورة الأرض

كتاب صقلية وهو من أهم الكتب التي ألفت عن صقلية

خريطة بلاد الأكراد.

خريطة لبحر الخزر (قزوين).

خريطة للأرض وهي من أدق الخرائط التي وضعت للأرض في التاريخ  

محمد طاهر الصفار

..........................................................................

1 ــ صورة الأرض أو المسالك والممالك ص 116

2 ــ موسوعة العتبات المقدسة ج 8 ص 198 / قسم كربلاء عن رحلة ابن حوقل طبعة لندن ص 166

 

المرفقات

: محمد طاهر الصفار