113 ــ جعفر النقدي: (1303 ــ 1370 هــ / 1886 ــ 1950 م)

جعفر النقدي: (1303 ــ 1370 هــ / 1886 ــ 1950 م)

قال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام):

نهضاً فركنُ الهدى من بعدِ رفعتهِ    قد هــــــــدَّمته رعاعُ الناسِ والهمجُ

هــــــــــذي أميـة ظـلماً دكَّ بينهمُ    مـــــن طودِ مجدكمُ في (كربلا) ثبجُ

غداةَ طبَّقـــــــــــــتِ الدنيا بمارقةٍ    فـي ظلمةِ الغيِّ بعد الرشدِ قد ولجوا (1)

وقال من قصيدة في مدح أمير المؤمنين ورثاء الإمام الحسين (عليهما السلام) تبلغ (46) بيتاً:

يا ليتَ شخصك لم يغبْ عن (كربلا)    لترى الحسينَ لقىً بوجهِ صعيدِها

فــــــي فـتـيـةٍ تـحـكـي الأهلةَ نورُها    لـكـن بـأوجُـهِـهـم سماتُ سجودِها

ثاويــــــنَ فـي حـرِّ الـهـجـيـرِ كـأنّما    حـرُّ الـهـجـيـرِ غدا محلَّ هجودِها (2)

وقال من قصيدة في رثاء زيد الشهيد ابن الإمام علي بن الحسين (عليهم السلام) تبلغ (31) بيتاً:

فـــــجدُّكَ السبـط حـلّـوا عـقدَ بيعتِه    من قبلُ والسبــطُ لا ينحلُّ مبرمُه

حتى جرى ما جرى في (كربلاء)    فسلْ ينبيكَ عمَّا جرى فيه محرّمُه

صلى عليكَ إلهُ العـرش ما برحتْ    إليـــــــــكَ تترى بدارِ الخلدِ أنعمُه (3)

الشاعر

الشيخ جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد تقي بن الحسن بن الحسين بن علي التقي الربعي المعروف بـ (النقدي) عالم وأديب وشاعر ومحقق كبير، ولد في العمارة (ميسان) وكان العراق آنذاك خاضعاً للدولة العثمانية، وبعد أن تعلم أوليات العلوم الدينية والقراءة والكتابة في العمارة أرسله والده للدراسة الحوزوية في مدينة النجف الأشرف عام (1317هـ / 1899 م) فانضم إلى حلقات دروس العلم فدرس الأصول على يد السيد محمد كاظم الخراساني، والفقه على يد السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي. وإضافة إلى هذين العلمين فقد درس عند الشيخ محمّد كاظم الخراساني المعروف بالآخوند (4) كما درس على يد السيد هبة الدين الشهرستاني (5)

قدِم النقدي إلى مدينة النجف الأشرف وهو في الرابعة عشر من عمره قادماً من مدينته يحدوه الأمل أن يجد له مكاناً في هذه المدينة التي تعجّ بالعلماء الأعلام والمراجع الكبار والشعراء الأفذاذ, وكان قد تعلم في مدينته القراءة والكتابة وبعض العلوم الأولية ثم غادرها لطلب العلم الذي كان ولا زال لواؤه يرفرف على قبة سيد العلماء والمتعلمين وأمير البلغاء والمتكلمين الإمام أمير المؤمنين (ع) باب مدينة علم رسول الله (ص).

وقد ساعدته حالة والده المادية الجيدة وحثه له على الالتحاق بالحوزة العلمية على القدوم إلى هذه المدينة المقدسة في سن مبكرة ولكن العامل الأساس الذي دفعه على مغادرة مدينته هو الرغبة التي تعتمل في داخله لطلب العلم والاندماج بحلقات الدروس العلمية.

لقد امتلك النقدي من المؤهلات والمميزات العلمية والفكرية والأدبية ما جعله ينال مكانة متميّزة ويتبوّأ مركزاً علمياً وأدبياً كبيراً في مركز العلم والأدب وعاصمة الفكر والشعر, كما دفعه ولاؤه الخالص وعقيدته الصافية وحبه للعلم إلى التميّز شعراً ونثراً وفكراً وعلماً, وقد عكس هذا الحسّ الديني المخلص على تآليفه وكتاباته وأشعاره فتنفّس بها وتنفّست به فخرجت ممهورة بطابع العقيدة الخالصة والولاء المحض للنبي (ص) والأئمة الأطهار (ع).

إلى العمارة مجدداً

بقي النقدي في النجف خمسة عشر عاماً أنهى خلالها دراسة المقدّمات والسطوح والبحث الخارج، وفي عام (1332هـ) توفي والده فعاد إلى مسقط رأسه بعد أن زاره في النجف وجهاء مدينته يطلبون منه الرجوع إليها لحاجتهم إلى رجل دين وفقيه, فاستجاب لطلبهم بإيعاز من أُستاذه السيّد الطباطبائي اليزدي, فمارس في بلدته الوعظ والإرشاد والتوجيه وتعليم المسائل الشرعية والعمل بها بين الناس في مشاكلهم ومعاملاتهم، فبقي في مدينته مدة عشر سنوات، كان له فيها دوراً مؤثراً في الأوساط الاجتماعية وأسس جامعاً لا يزال شاخصاً يحمل اسمه.

مواجهته للتبشير

كانت مدينته في تلك الفترة في أمس الحاجة إليه للظروف العصيبة التي كانت تمر بها جراء الإحتلال الانكليزي وتفشي الجهل والتخلف والأمية وهي من العوامل التي تمهد الطريق للمحتلين لاستغلالها من خلال النشاط التبشيري والعمل على ترك الناس لدينهم, لكنهم فوجئوا بالجبل الأشم الذي أبطل كل مخططاتهم وأفشل ما راموا إليه فما إن وطأت قدما النقدي أرض العمارة حتى بدأ نشاطه الديني والتوجيهي في ترسيخ مفاهيم الإسلام ونشر الوعي في الأوساط الاجتماعية يقول الأستاذ علي الخاقاني وهو يصف فترة إقامة النقدي في العمارة والدور الذي أداه في الإرشاد والصلاح في المجتمع بالقول:

(ما أن حل في بلده حتى أخذ يوجه الناس إلى كثير من الأمور التي غفلوا عنها بالخطابة والوعظ والإرشاد فرأى الناس فيه الرجل الصالح والمصلح والقائد المربي، انتفعوا به نفعاً حببه إلى معظم الطبقات وانقاد لرأيه سائر وجوه البلد) (6)

القضاء الشرعي

تولى النقدي القضاء الشرعي وكان قد رفضه في بداية الأمر لكنه وافق بعد أن ألزمه أساتذته من العلماء ووجهاء مدينته بالقبول, وبقي في هذا المنصب إلى عام (1343هـ)، حيث انتقل إلى بغداد ليتولى عضوية التمييز الشرعي الجعفري. (7)

مؤلفاته

لم يدم طويلاً بقاء النقدي في بغداد فقد آثر العودة إلى النجف ووجد في نفسه شغفاً إلى التدريس والتأليف فترك عضويته وتوجّه إلى النجف الأشرف وانشغل بالتدريس والتأليف فزخرت تآليفه بعلمية واسعة وتنوّع أدبي ثر ويلاحظ ذلك من عناوين كتبه. وقد فاقت مؤلفاته الأربعين كتاباً (8) منها:

1 ــ منن الرحمن في شرح قصيدة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان للبهائي.

2 ــ قطف الزهر في تراجم شعراء القرن الثالث عشر والرابع عشر.

3 ــ مواهب الواهب في إيمان أبي طالب.

4 ــ الأنوار العلوية والأسرار المرتضوية: في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

5 ــ وسيلة النجاة في شرح الباقيات الصالحات: شرح ديوان عبد الباقي العمري.

6 ــ الحجاب والسفور.

7 ــ الإسلام والمرأة.

8 ــ خزائن الدرر: في ثلاثة مجلدات.

9 ــ إرشاد الطلاب إلى علم الإعراب.

10 ــ تنزيه الإسلام.

11 ــ نور الأنوار: في الأدعية والمناجاة

12 ــ ذخائر العقبى.

13 ــ تاريخ الإمامين الكاظمين (عليهما السلام).

14 ــ أباة الضيم في الإسلام.

15 ــ الروض النضير في شعراء وعلماء القرن المتأخر والأخير.

16 ــ ذخائر القيامة في النبوة والإمامة.

17 ــ الحسام المصقول في نصرة ابن عم الرسول.

18 ــ غرة الغرر في الأئمة الإثني عشر.

19 ــ حياة زينب الكبرى: تُرجم إلى الفارسية بعنوان زندگانى زينب كبرى.

20 ــ الدروس الأخلاقية.

21 ــ عقد الدرر: أرجوزة في الحساب في مائة بيت.

22 ــ الأنوار القدسية في التوجه إلى رب البرية: في الأدعية والأعمال العبادية.

23 ــ ضبط التاريخ بالأحرف: كتابٌ في قواعد إنشاء التاريخ بحروف الجمل.

24 ــ نزهة المحبين في فضائل أمير المؤمنين.

26 ــ زهرة الأُدباء في شرح لامية شيخ البطحاء.

27 ــ فاطمة بنت الحسين (عليها السلام)

28 ــ غزوات الأمير (عليه السلام)

كما كتب قصائد كثيرة أغلبها في مدح ورثاء النبي (ص) وأهل بيته الأطهار (ع)

قالوا فيه

ترك النقدي بصمة واضحة ومؤثرة على الساحتين العلمية والأدبية وبقي صوته في طليعة الأصوات الولائية لأهل البيت ونشر فضائلهم.

قال عنه الشيخ عبد الحسين الأميني: (البحّاثة الفاضل صاحب التآليف القيّمة) (9)

ويقول عنه الشيخ آقا بزرك الطهراني: (عالم خبير متبحّر، وأديب شاعر معروف) (10)

وقال السيد شهاب الدين المرعشي: (العلّامة المفضال، فخر العلماء والأُدباء في عصره… شاعر آل الرسول ومادحهم، ومن مشايخنا في الرواية). (11)

وقال علي الخاقاني: (أحد أعلام عصره، وممّن حاز على شهرة واطّلاع واسعين) (12)

وقال الشيخ محمد هادي الأميني: (عالم خبير بفنون الأدب، شاعر معروف) (13)

وقال السيد جواد شبر: (عالم خبير متبحر وأديب واسع الاطلاع ومؤلفاته تشهد بذلك لقد طالعت كتابه (منن الرحمن في شرح قصيدة الفوز والامان) بجزئيه فوجدته مشحوناً بالأدب والعلم وفيه ما لذ وطاب ولو لم يكن له إلا هذا المؤلف لكان أقوى شاهد على سعة اطلاعه). (14)

وقال الشيخ محمد السماوي: (فاضل مشارك في جملة من العلوم وأديب حسن المنثور والمنظوم) (15)

قال الشيخ حرز الدين في المعارف: (وصار من أهل الفضل والكمال والأدب، وكان شاعراً سريع البديهة كثير النظم) (16)

وقال عنه رضا كحالة: (عالم، أديب، شاعر) (17)

توفي النقدي في حسينية آل ياسين في الكاظمية فجأة وهو يستمع في مأتم الحسين عليه السلام إلى الخطيب كاظم آل نوح ودفن في الصحن العلوي الشريف في النجف الأشرف

وقد ترجم له الأستاذ عبد الكريم الدباغ في موسوعة الشعراء الكاظميين (18) وقال في الهامش: (وقد عد الدكتور حسين علي محفوظ في موسوعة العتبات المقدسة / قسم الكاظميين ج 3 ص 116 بيت النقدي من بيوتات الكاظمية).

شعره

أضاف النقدي إلى مؤلفاته العلمية والفكرية والتاريخية والعقائدية في سجله شعراً يضاهي دواوين كبار الشعراء, فقد حفلت قصائده بأسلوب لغوي عالٍ وخصائص فنية شاعرية فتصدرت قصائده المجلات والصحف العراقية والمصرية والسورية واللبنانية مثل الاعتدال والمرشد والعرفان والهدى والاستقلال والنجف.

فما يراه القارئ في شعر النقدي وما يلمسه من مؤلفاته يتجلى له هذا العلم الشاخص في عالمي العلم والأدب, فهو العالم والباحث والمحقق والفقيه والأديب والشاعر الملتزم بمبادئ الدين وقضايا الإنسان الجوهرية والذي سخر شعره لقول الحق متّخذاً منه رسالة سامية في الدعوة إلى القيم العليا، وفي مقدمة القضايا العظيمة التي سخر لها شعره هي قضية أهل البيت (ع), يقول السيد جواد شبر عن شعر النقدي: (أما شعره فهو من الطبقة الممتازة وأكثره في مدح أهل البيت عليهم السلام) (19)

يقول النقدي في إحدى قصائده فيهم (عليهم السلام) وتبلغ (47) بيتاً:

هُمْ دعـاةُ الــــــحـقّ فـــــي آثارِهم    قد ســــعى من قالَ بالـحقِّ صـوابا

عن مزاياهمْ سلِ المــــحرابَ والـ    ـحربَ بل والعربَ والـخيلَ العرابا

والأحاديثَ التي فــــــــــي فضلِهم    بثّها المــــختــــارُ ســلـهـا والـكتابا

واسألِ الإيمــــــــانَ عنهم والهدى    وعلوماً كشفوا عــــــــــــنها النقابا

من جميعِ الــــخلــــقِ في يومِ بلى    بولاهم طـــــــــــــــوّق الله الرقـابا

هُمْ أمانُ الأرضِ فيهم عن بني الـ    أرضِ طرّاً يـــــــدرأ اللهُ العـــــذابا

وهمُ الأسمــــــــــــاءُ فيهم قد دعا    من دعا اللَهَ دعـــــــــــــاءً مستجابا

من بهم لاذَ فقد فـــــــــــــازَ ومَن    راحَ عنهم حائداً ضــــــــــلَّ وخابا (20)

ويقول من أخرى في أمير المؤمنين (عليه السلام) تبلغ (64) بيتاً:

يذبُّ عن أحــــــــــــــــــمدٍ أعداءَ ملّتِهِ      حتــى أتى لا فتى من واهبِ الرتبِ

ويــــــــــومَ عمرو بن ودٍ قامَ مُنتصراً      لـــــدينِ أحمدَ دونَ القومِ والصحبِ

أصابَ عمروا بسيفٍ لو أصابَ بهِ الـ     ـسبعَ السماواتِ لاندكّتْ على التربِ (21)

ويقول من قصيدة أخرى في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

ما لـلـعـقـولِ إلى ثنــــــــاكَ بلوغُ    يـا ليتَ شـعري ما يقــــولُ بليغُ

في كلِّ يومٍ من عــــــلاكَ سبيكةٌ    تبدو فيــأخذها الحجى ويصـوغُ

ويـقـلّدُ الـدنـيــــــــا بـخـيـرِ قلادةٍ    زهراء ما لسوى المـحبِّ تسوغُ

أنّـى وخـيـرُ الـمرســلـيـن تـقرُّباً    مـن ربّـهِ بــــــــــكَ زادَه الـتبليغُ

تعسَ المُداجي كيف يخفي مدحَه    أضحى لها طولَ الــزمانِ نبوغُ

يرجو ليخيفــها فإن هي أشـرقتْ    شبه الثعـــــــالبِ ينثني ويـروغُ (22)

في هذه الأبيات يشير النقدي إلى بعض فضائل أمير المؤمنين ومنها رد الشمس حيث يقول من قصيدة تبلغ (64) بيتاً:

وولائِي لآلِ طــــــه وإنـشـــا    ئي بـمـدحِ الوصيِّ نظماً بديعا

أقدمَ المؤمنيــــــنَ عهداً بدينِ    الله والـعـابد الإلـهِ رضـيــــــعا

الإمامُ الـــذي له رُدّت الشمـ    ـس وبانت بعدَ الغروبِ طلوعا

قاتلَ المشركينَ مَن بمواضيـ    ـه غدا معطسُ الطغـــامِ جديعا

ملجأ اللاجئيـــــنَ مَن بأياديـ    ـهِ أقامَ المحمولَ والمـــوضوعا (23)

وقال في أمير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (91) بيتاً:

هو ســــيفُ اللهِ لا ينبو ولا      تعتريهِ في الملماتِ فلولُ

قـــائدُ الـغرِّ إلى الخلدِ وفي      حكمِه كوثرها والسلسبيلُ

ليسَ للأعمالِ إن لم تنتسبْ      لمواليهِ لدى الباري قبولُ (24)

وقال في أمير المؤمنين من قصيدة تبلغ (36) بيتاً:

المظهـــــر التوحيد مَن لولاهُ ما      كانت محاريبٌ ولم يكُ منبرُ

والــــكاسرُ الأصنامِ مِن بيتٍ بهِ      كــــانت ولادته وثمّ المفخرُ

والضاربُ الهامِ الذي شهدتْ له      بدرٌ وأحـــــزابٌ كذلك خيبرُ (25)

وفي أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً قال من قصيدة تبلغ (48) بيتاً:

خيرُ الورى بعدَ خيرِ المرسلينَ ومَن    لمْ يـــــــــــــستقمْ دينُه لولا مساعيهِ

كشّـــــــافُ كربِ رسولِ اللهِ ناصرُه    حامي حمى الدينِ فاني الكفرِ ماحيهِ

كمْ موقــــــــفٍ قد كفى اللهُ القتالَ به    أهلَ الهدى إذ أبـــــادَ الغيَّ مـاضـيه

معنى الهـــدى، منبع الإيمان، معدنُه    سيـفُ الإلهِ حِمى الإســـــلامِ حاميهِ

مَن خَـص مــــــولـدَه فـي بيتهِ شرفاً     لـلـبـيـتِ يـومَ أقـامَ الـبيــــــــتَ بانيهِ

ربّاهُ خيرُ الـــــورى طـفـلاً فهلْ أحدٌ    في الدهرِ يُشبهُ من طهَ مـــــــــربِّيه (26)

ومنها في يوم الغدير:

هوَ الإمامُ الذي عقدُ الولاءِ جرى    يومَ الغديرِ له مــــــــن عندِ باريهِ

يـــومٌ به جاءَ جبريلُ الأمينُ إلى    خـيرِ الورى عـن إلهِ العرشِ يُنبيهِ

يقـولُ بلّـغ عـن اللهِ الـمهيمنِ في    عليٍّ المـــــــرتضى ما كنتَ تخفيه

أولا فما أنتَ بلّـغتَ الرسالةَ والـ    ـجبــارُ شـخصَكَ من أعداكَ يحميه

فقامَ في الناسِ والأحــداجُ منبرُه    والمرتضى في ذرى الأحداجِ ثانيهِ

في كفّهِ كفُه والقومُ شــاخصةُ الـ    أبـصارِ تـنـظـرُ شزراً مـن نواحيهِ

نادى ألستُ بكمْ أولى منَ أنفسِكم    قـالوا: بلــــى يا دليلَ الخيرِ داعيهِ

فقالَ: مـن كـــنـتُ مولاهُ وواليَه    هـذا عـلـيٌّ لـــــــه مــولـىً ووالـيـه

اللهم والـيَ مـن والى وعادِ لمن    عاداهُ واخذل إلهــــــــي من يناويهِ

فبـايـعـوهُ بـأمرِ المصطفى وغدا    مـن بـعـدِ بـيـعـتِـهِ كـــــــــلٌّ يـهنّيهِ

فأنزلَ اللهُ ذكـــراً لـيـسَ يـنـكـرُه    فـي شـأنِ حيدرَ إلّا من يـــــــعاديهِ

اليـومَ بالمرتضى أكـمـلتُ دينكمُ    ونـعـمـــــــــــتـي لـكـمُ اتـممتُها فيه

أما في رثاء سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) فيقول:

حـسـدتْ أمـــيـةُ هـاشـمـاً بـنـبيها    خيرِ البريـــــــةِ سيدِ الأمجادِ

ويـزيـدُهـا قــد رامَ يـمـحـو ذكرَه    ويـــــــــبدِّلُ التوحيدَ بالإلحادِ

وبنهضــــــةِ السبطِ الشهيدِ وقتله    قامَ الهدى واسم النبيِّ الهادي

فعلى جميعِ بني الهدى أن يلبسوا    فـي يومِ مصرعِهِ ثيابَ حدادِ (27)

وفي قصيدة أخرى يصور الفاجعة العظمى لمصرع الإمام الحسين (ع) وسقوطه من على ظهر جواده

هـــــــــوى للثرى من سرجِهِ فتزلزلتْ    له السبعة الأفلاك وارتجتِ الحُجبُ

قضى نحبه ظـامي الحشا بعدما ارتوى    بفيـضِ دماءِ القومِ صارمُه العضبُ

وما انكشفـتْ من قبلِهِ الحربُ عن فتى    بمصرعِـهِ مـنه العـدى نابَها الرعبُ (28)

وللنقدي قصيدة في السيد العقيلة زينب عليها السلام قال عنها السيد جواد شبر: (وفي مخطوطاتي قصيدة من نظم المترجم له يرثي بها السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين علي وشريكة الحسين في النهضة وأولها:

ما جفَّ دمعُ المستهامِ المغرمِ     بعدَ الوقوفِ ضحى بتلكَ الأرسمِ

 وفي أواخرها:

أشقيقة السبطين دونكَ مدحـة     قسُّ الفـصاحــــــةِ مثلها لـم ينظـمِ

تمتازُ بالحقِّ الصريحِ لو أنهـا     قِيـستْ بشــعرِ البحـتريِّ ومسلـمِ

بيمينِ إخلاصي إلـيكِ رفعتهـا     أرجو خلاصي من عذابِ جهنّـمِ

وعليكِ صلّى اللهُ ما رفعتْ له     أيـدي مّـــــحلٍّ بالـدعاءِ ومـحرمِ

 وهي 53 بيتا ما زلت احتفظ بها وبخطه والتوقيع: نظم عبد ذوي الولاء جعفر نقدي) (29)

وقد ذكر هذه القصيدة كاملة السيد محمد كاظم القزويني (30) وهي تبلغ (53) بيتاً يقول النقدي منها:

وإلى العقيلة زينب الـكبـرى ابنة الـ    ـكرّار حيـــــــدر بالولاية أنتَمي

هي رَبّـة الـقـدر الـرفــيـعِ رَبيبة الـ    خِدر المنيع وعِصمةُ المستَعصِم

مَن فـي أبيـــــــــــها الله شَرّفَ بيته    وبجَدّها شَرَفُ الحــطيمِ وزَمزَمِ

مَن بيـتُ نـشـأتـهـا به نــــشأ الهدى    وبه الهداية للصــــــراطِ الأقومِ

ضُربَت مَضاربُ عِزّها فوق السُها    وسَمَت فضائلـــها سُموّ المرزمِ

فَضـلٌ كـشمسِ الأفقِ ضاءَ فلو يشأ    أعداؤها كتمانَه لـــــــــــــم يُكتَمِ

كانت مَهابتُـــــــــــــها مَهابة جدّها    خـيرِ الـبريّة والرســولِ الأعظمِ

كانت بلاغتُها بـــــــلاغةُ حيدرِ الـ    ـكرّار إن تَخطـــــــب وإن تتكلّمِ

قد شابَهَت خير النساء بهَــــــــديها    ووقارِها وتُقىً وحُــســــنِ تكرّمِ

وفي هذه القصيدة ينتقل النقدي فيها إلى كربلاء فيصور الوقفة الخالدة التي وقفتها هذه السيدة العظيمة في نشر الهدف السامي لثورة أخيها سيد الشهداء فيقول:

ولها بيومِ الغاضــــــــــريّةِ موقفٌ    أنسى الزمانُ ثَبــاتَ كلِّ غَشَمشَمِ

حَمَلَت خطوباً لو تَحَمّلَ بعــــضَها    لانهـارَ كـــــــــــاهل يذبلٍ ويَلَملَمِ

ورأت مُصاباً لو يُلاقي شَجوَها الـ    ـعَذبُ الفــراتُ كساهُ طعـمَ العَلقمِ

في الرُزءِ شاركتِ الحـسينَ وبعده    بَقِيـــــــتْ تـكافحُ كلَّ خطبٍ مؤلمِ

كانت لنسوتِهِ الثواكلَ ســــــــــلوةً    عُظمى وللأيتــــــــــامِ أرفــقَ قيّمِ

ومُصــــــابُها في الأسرِ جُدّدَ كلّما    كانت تُقـــــاسيهِ بعشرِ مُـــــــحرّمِ

ودخول كـــــــــــوفانٍ أبادَ فؤادَها    لكن دخولَ الشامِ جـــــــــاءَ بأشأمِ

لم أنسَ خُطبتها الـــــتي قَلَمُ القَضا    في اللوحِ مثل بيانِــــــــها لم يُرقمِ

نَزلتْ بها كالنـــــارِ شبَّ ضرامُها    في السامعين، من الفؤادِ المُضرَمِ

جاءت بها عَلَويّـــــــةً وقعتْ على    قـلــــبِ ابنِ ميسونٍ كوقعِ المِخذَم

أوداجُه انتَفَخت بها فكــــــــــــأنّما    فيها السيوفُ أصبــنّه في الغلصمِ

لقد كانت قضية أهل البيت وسيرتهم هي شغله الشاغل فكرس حياته لها وسخر أدبه لنشرها يقول من قصيدة في حق الإمام محمد الجواد (عليه السلام) تبلغ (46) بيتاً:

لكم غَزَلي ومدحي في إمامِي    أبــــــــي الهادي محمّدٍ الجوادِ

هو البَرُّ التقيُّ حــــمى البرايا    وغَيثُ المجتدي غوثُ المنادي

إمامٌ أوجَبَ البـــــــاري وِلاهُ    وطاعَتَــه على كلِّ العـــــــــبادِ

إذا ما سُدَّت الأبــوابُ فاقصدْ    جوادَ بني الهُدى بـــابَ المرادِ  

دليلُ بني الهـــداية خـيرُ داعٍ    إلـى ربِّ السمــاءِ وخيرُ هادي

إمامُ هُدىً مقامُ علاه أضحتْ    بهِ الأملاكُ رائحــــــةً غَـوادي (31)

وفي توجهه لزيارة قبر الإمام الهادي (ع) يخفق قلبه بالشوق واللهفة فيقول من قصيدة تبلغ (47) بيتاً:

قاصداً مرقدَ قــــــدسٍ في العلى    طـاولـت قـبّـتـه السبعَ القبابا

مرقدُ الطهرِ ســــمِيِّ المرتضى    خيرِ خلقِ اللهِ أصلاً وانتسابا

ذا هو الهـــادي أخُ الزاكي ومن    بـمـساعيه زكى نفساً وطابا

أمــــــــنـعُ الناسِ جواراً وحمى    وأجلُّ الخلقِ قــدراً وجـنـابـا

ذو الخصالِ الغرِّ عنها قد غدت    تقصرُ الأيــــامُ عداً وحسابا

والكرامــــــاتُ التــــي آحـادها    نُشـرت بين الورى باباً فبابا

هيَ تهدي حين تروى عـــسـلاً    للمـــــحبّينَ ولـلأعداءِ صابا

يصرخُ الناصبُ إذ يــسمـــعها    قائلاً: يــــا ليتنـي كنتُ ترابا (32)

ويستنهض بقية الله في أرضه بقلب ملؤه الشوق لرؤية الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة:

ما العـيــــــــدُ إلّا بـيـومٍ فـيـه أنـتَ تُـرى    تُـلـقـى إلــيـكَ مـن الدنيا مقاليـدُ

وتــمـلأ الأرضَ قـسـطـاً بـعـدمـا مُـلـئت    جوراً وقد حلَّ في أعداكَ تنكيدُ

يا صاحبَ العصرِ إنَّ العصرَ قد نقصتْ    أخيارُه وبنو الأشـرارِ قد زِيدوا

وصارمُ الغـدرِ في أعنــــــــــاقِ شيعتكم    قد جرّدته الأعادي وهو مغمودُ

الله أكبر يا ابـنَ العسكــــــــــــــريِّ متى    تبدو فيفرحُ ايمــــــانٌ وتوحيدُ؟ (33)

وقال من قصيدته الجيمية التي قدمناها:

طالتْ بغيبتكَ الأعــــــــوامُ والحُجَجُ    فداكَ نفسي متى يأتي لنا الـفرجُ؟

الدهرُ جـرَّدَ فـيــــــــنـا من مصائبِهِ    عضباً غدتْ فيه منّا تسفكُ المُهَجُ

وقامَ يشمـــــــــتُ منّا كلُّ ذي عِوَجٍ    مُرُّ العـــــــداوةِ في أحشاهُ معتلجُ

حتى متى الصبرُ والدنيا قد امتلأتْ    جـوراً وقـد زادَ في آفاقِها الهرجُ

نهضـاً فركنُ الـهدى من بعد رفعته    قد هدّمـــته رعاعُ الناسِ والهمجُ

وقد ولج النقدي أغراض الشعر الأخرى فطرق باب الحكمة والموعظة فهو شاعر يرى في الشعر رسالة سامية يجب أن يؤديها فامتلك قوة التعبير والقدرة على الاقناع وترك نقاطاً معينة تتوغل في معنى قصده يقول من قصيدة تبلغ (20) بيتاً في عظيم فائدة العلم وفضل التعلم والقراءة:

مؤنسي العــلمُ والكتابُ الجليسُ    لم يرقني من الأنامِ أنـيــــــــــسُ

يا نفوسَ الورى دعيني ونفسي    إنما آفة النفــــــــــــوسِ النـفوسُ

حبَّذا وحدة بــــــــــها لي تجلّى    مـن زماني المعقولُ والمحسوسُ

علمتني أن الحيــــــــــاةَ كتابٌ    خـطه الكونُ والليــــــالي دروسُ

نلتُ فيها ما لم ينله رئـــيـــسٌ    حلَّ فــــــــــي دستهِ ولا مرؤوسُ (34)

ثم يردفها بهذه الحكمة المتنبية:

كلُّ نفسٍ ما قدسّتها المزايا    لم يفـدها من غيرِها التقديسُ

وفاته

تُوفّي النقدي في حسينية آل ياسين بمدينة الكاظمية، وُحملت جنازته إلى النجف حيث دُفن هناك بالصحن العلوي الشريف وكان العلامة المحقق محمد طاهر السماوي قد توفي قبل النقدي بخمسة أيام فكانت الفاجعة كبيرة والخسارة فادحة على العلم والأدب فقال السيد محمد صادق آل بحر العلوم في رثائهما:

قد دهى الكـونَ رنّةٌ وعـويلُ    ورزايا مثلها ليــــــــــسَ يوجـدْ

الآنَ الأنامُ تنـــــدبُ شـجــواً    شهرَ عـاشورِ سبــــطَ طهَ أحمدْ

الآنَ الأيامُ جــــاءتْ بخطبٍ    إثرَ خطبٍ فالعيشُ أضحى منكّدْ

أيها قد قضى الحسينُ فأرخ    (أقضى جعفرٌ بـــــــهـا ومحمدْ) (35)

.......................................................

1 ــ شعراء الغري ج 2 ص 83 ــ 84 / أدب الطف ج 10 ص 7

2 ــ شعراء الغري ج 2 ص 85 ــ 87

3 ــ نفس المصدر ص 100 ــ 102

4 ــ أدب الطف ج 10 ص 8

5 ــ شعراء الغري ج 2 ص 73

6 ــ نفس المصدر والصفحة

7 ــ نفس المصدر ص 74

8 ــ نفس المصدر ص 75

9 ــ الغدير ج 7 ص 407

10 ــ طبقات أعلام الشيعة ج 13 ص 296 رقم 619

11 ــ تعليقة على شرح إحقاق الحق للسيد نور الله الحسيني المرعشي ج ٢ ص ٤٨٨

12 ــ شعراء الغري ج 2 ص 72

13 ــ معجم رجال الفكر والأدب في النجف ص 450 رقم 1935

14 ــ أدب الطف ج 10 ص 8     

15 ــ الطليعة من شعراء الشيعة ج 1 ص 181 رقم 40

16 ــ معارف الرجال ج 1 ص 183 رقم 82

17 ــ معجم المؤلّفين ج 3 ص 148

18 ــ ج 1 ص 329 ــ 341

19 ــ أدب الطف ج 10 ص 9

20 ــ شعراء الغري ج 2 ص 80 ــ 82

21 ــ نفس المصدر ص 77 ــ 80

22 ــ نفس المصدر ص 95

23 ــ نفس المصدر ص 91 ــ 94

24 ــ نفس المصدر ص 95 ــ 99

25 ــ نفس المصدر ص 88 ــ 90

26 ــ نفس المصدر ص 104 ــ 106

27 ــ نفس المصدر ص 88 أدب الطف ج 10 ص 7

28 ــ : الطليعة ج 1 ص 30

29 ــ أدب الطف ج 10 ص 13

30 ــ زينب الكبرى (عليها السلام) من المهد الى اللحد ص 633 ــ 638

31 ــ موسوعة المصطفى والعترة (ع) للحاج حسين الشاكري ج ١٣ ص 466 ــ ٤٦٨ / ذكر منها في: الامام محمّد الجواد عليه السلام .. سيرة وتاريخ للسيد عدنان الحسيني ج 1 ص 146

32 ــ شعراء الغري ج 2 ص 80 ــ 82

33 ــ نفس المصدر ص 88

34 ــ شعراء الغري ج 2 ص 90 ــ 91 من قصيدة تبلغ (20) بيتا

35 ــ الذريعة ج ٩ق٢ ص ٤٧٠

كما ترجم له:

جعفر محبوبة / ماضي النجف وحاضرها ج 1 ص 35

كاظم عبود الفتلاوي / مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف ص 80 ــ 81

كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين ج 3 ص 148

حميد المطبعي / موسوعة أعلام العراق ج 2 ص 45

إميل يعقوب / معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة ج 1 ص 268

السيد حسن الأمين / مستدركات أعيان الشيعة ج 4 ص 41

السيد محمد حسين الحسيني الجلالي / فهرس التراث ج 2 ص 393

المرفقات

: محمد طاهر الصفار