97- باقر الخفاجي: (1312 / 1381 هـ / 1894 ــ 1961 م)

باقر الخفاجي: (1312 / 1381 هـ / 1894 ــ 1961 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):

أيقتـلُ عطشاناً حسينٌ بـ (كربلا)    ولم يُســـــــــــقَ لكنَّ النجـيعَ له روى

ألمْ يـكُ سبـــطـاً للـنـبـيِّ مـحـمـدٍ    فـلهــــــفي له فـي تربة الطفِّ قد ثوى

ألا أنَّ يومَ الطفِّ أضرمَ مُهجتي    ولمْ أدرِ قبلَ الطفِّ ما الحزنُ والجوى (1)

الشاعر

الشيخ باقر بن حبيب بن صالح بن هادي الطهمازي الخفاجي الحلي ، شاعر وخطيب ولد في الحلة، من أسرة لها زعامة في الحلة، انتقل مع أسرته إلى الشنافية، درس العلوم الدينية وشارك في ثورة العشرين حيث عُرف بخطبه الحماسية وأشعاره بالفصحى والعامية التي تحث على الجهاد ضد الاحتلال الإنكليزي توفي في الشنافية ودفن في النجف الأشرف. (2)

يقول السيد جواد شبر في ترجمته: (الشيخ باقر الشيخ حبيب ابن الشيخ صالح الطهمازي الخفاجي، وخفاجة من أشهر الأسر العربية، عريقة في المجد والكرم والإباء والشمم تقطن أرض بابل ونواحيها. ولد الشاعر في الحلة الفيحاء ونشأ بها وتغذى بأدبها الجم وعلى تربتها الخصبة بالعلم والعلماء والشعراء والفطاحل من فحول الشعر والأدب، ثم انتقل به أبوه إلى ناحية الشنافية قمة الفرات الأوسط وغيل الأسود وصعدة الشجاعة والبسالة وهناك نمت مداركه وزاول الخطابة وخدمة المنبر الحسيني وتولع بقرض الشعر باللغتين الفصحى والدارجة). (3)

ثم يتحدث شبر عن مواقفه البطولية في ثورة العشرين ومد الثورة باليد واللسان فيقول: (وأنصع صفحة من حياة المترجم له والتي أكسبته الشهرة الواسعة في بلاد العرب عامة والعراق خاصة مواقفه المشرفة في الثورة العراقية فقد واكب الثورة واستنهض القبائل بقصائده الحماسية وأهازيجه الشعبية التي عرفت عنه وما زالت حديث الأندية العربية هناك إذ كان يلهب النفوس حماسة إذا وقف يرتجل الشعر ويرفقه بـ (الهوسة) بباعث من عقيدته الدينية ونخوته العربية إذ كان يوالي الضربات على المستعمرين والكافرين حتى ليدفع بهم وهو أمامهم إلى قذائف النيران وأزيز البنادق وأصوات القنابل والمدافع) (4)

لقد كان الخفاجي البطل الصنديد الذي لا يلين في الدفاع عن دينه ووطنه ما دام فيه عرق ينبض وعن هذا الدور البطولي يقول شبر: (إنه لازم خط النار ستة أشهر وبعدها طاردته إنكلترا مدة للتشفّي به وهو مصرٌّ على المحاربة والمخاصمة وحتى اضطرت الانكليز إلى إعطاء العراق استقلاله وشروطه التي دام مصراً على تحقيقها وحسبك أن تقرأ الكتب التي ألفت في هذه الثورة ودور شاعرنا فيها هو الدور المجلي). (5)

أما عن شعره الحماسي في إذكاء الثورة فيقول شبر: (وهناك دواوين من تراثه الأدبي تحتوي على قصائد رائعة للأمجاد العربية والمواقف الإسلامية والأيام الحافلة بالذكريات الخالدة ورجالات العلم والعلماء وسائر فنون الشعر والأدب واليكم إحدى روائعه في الفخر والحماسة والاعتزاز بالنفس والتحلي بالهمم وهي القصيدة التي أثبتناها في آخر الترجمة، ومن الجدير أن أذكر كلمة للمؤرخ السيد عبد الرزاق الحسني سلمه الله أثبتها في كتابه (تاريخ الثورة العراقية) وقد سمعها من السيد هادي مكوطر أحد زعماء الثورة وقطب رحاها، قال: إن موقف الشيخ باقر الخفاجي يعادل آلاف المدافع والبنادق لأنه هو الذي يلهب النفوس حماسة واندفاعا). (6)

أما عن أخلاقه ومزاياه وصفاته النبيلة فيقول شبر: (لقد زاملته وجالسته كثيراً فكان موضع ثقة الجميع يتحلى بأخلاق إسلامية وسجايا عربية لا يكاد يمل من عمل الخير ولا يسأم من خدمة المجتمع ويلوح ذلك في مضامين أشعاره وحسبك أن تقرأ ديوانه المطبوع بمطبعة دار النشر والتأليف بالنجف والمسمى بـ خير الزاد ليوم المعاد والعقود الدرية في مراثي العترة النبوية باللغة الدارجة وقد طبع بمطبعة الغري الحديثة بالنجف الأشرف وقد قدمت له مقدمة وقرظته بأبيات نشرت في أول الكتاب كما نشر له في حياته (الحسام المعدود لحرب اليهود) يستنهض الامة العربية لإنقاذ فلسطين ويستثير همم العراقيين ومن قصائده الاستنهاضية قوله في المطلع:

هذي الرميـــــــــثة سلها عـن معـالينا    تنبيكَ عمَّا فعلنا في أعادينا

و(العارضياتُ) يومٌ و(السماوةُ) و(الـ    ـسويــر) آخرها نلنا أمانينا) (7)

للخفاجي ثمانية دواوين مطبوعة في أهل البيت (عليهم السلام) بالفصحى والعامية هي:

1 ــ خير الزاد في مدائح النبي وآله الأمجاد

2 ــ تحفة النشأتين في مراثي الحسين

3 ــ اللؤلؤ المنثور في رثاء النبي وآله البدور

4 ــ تسلية الواله في النبي وآله

5 ــ العقود الدرية في مراثي العترة النبوية

وله من المؤلفات

ذكرى الجمهورية العراقية في عامها الأول

الحسام المعدود لحرب اليهود

مسامرات الأحباب (شعر شعبي) (8)

شعره

يتميز شعر الخفاجي بقوته وجماليته وبراعة صوره، وقد توزع شعره بين مدح أهل البيت (عليهم السلام) ورثاء الإمام الحسين (عليه السلام) وبين الشعر الوطني النابع عن حسه الخالص وعقيدته بدينه ووطنيته، فالشاعر اتخذ من الشعر رسالة سامية نحو الأهداف العليا والمبادئ الحقة.

يقول في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (27) بيتاً:

مـــن هدَّ للأرضِ من أوتـــــــادِها وتدا    ومـن أطــــــاحَ لأركـانِ الـعُلى عَمَدا

مَـــن فجَّرَ الدمعَ مــــــــن آمـاقِ أعينِنا    دمـاً فــــــمـا جفَّ يومـاً لا ولا جـمدا

مَـــن أضرمَ الوجــدَ في أحشاءِ فاطمةٍ    ومــــــن أذابَ لـظاها المصطفى كبدا

تبَّاً وتعـــــــــــــساً لقومٍ ضـــلَّ سعيهمُ    حادوا عن الحقِّ واعتاضوا بمن عندا

سحقاً لهم أعرضوا عن نجلِ فــــاطمةٍ    وأسرعوا لابـــــنِ ميسونِ الذي جحدا

راموا بأن يغتدي طوعاً لـــــــهـم فأبى    وردَ الهوانِ ومــن عذبِ الرَّدى ورِدا

سطا وحيداً ولـم يـعـبـأ بكثــــــــــرتهمْ    يومَ النزالِ وكانــــــوا كالحصى عددا

جمّ المفاخرِ مصـباحُ الديـــاجـرِ مـــن    أزكى العناصرِ شهـــــــــماً سيداً سندا

مـــن ذا يُـمــاثـــــــلـه جــــدَّاً ووالــدةً    ووالـــــــــداً وأخــاً أو عـــزَّةً وهــدى  

خيـرُ البريَّةِ محمـودُ الـــسجيَّةِ ذو النـ    ـفـــسِ الـزكــــيَّـةِ مــــن ذريَّةِ السُّـعدا

سرُّ الوجودِ ومــوفٍ بالعــــهودِ ومن    بالفــــــــضلِ والنبلِ والاكرومةِ انفردا

كنزُ العفاةِ كثيرُ المعجـــــزاتِ أبـو الـ    ــتـسـعِ الهـــــداةِ وأسخى العالمينَ يدا

قد كان أقوى الورى بأســاً وأشجـعَهم    قلباً فكـــــــــــمْ لصناديدِ العدى صمدا

وكانَ أغــزرهــمْ عــلمـاً وأرجــحـهمْ    حلماً وأسمحــــــــــــــهمْ للسائلينَ ندى

وكانَ أفخرهمْ مــجــداً وأبـصـــــرهمْ    رشداً وأوفــــــــــــرهمْ رفداً لمن وفدا

فيه جميعُ خصالِ الخيرِ قد جُـمعـــتْ    سـرَّاً وجهــــــــراً مع التقوى قد اتحدا

أكرم به من إمــامٍ عــزَّ جــــــانـــــبُه    لـولاهُ ما عُــــــــرفَ الباري ولا عُبِدا

داوى وعالجَ داءَ الديــــــــنِ في دمِه    وفـي الحســامِ لزرعِ الشركِ قد حَصَدا

لم يبغِ إلا رضا الباري بـــنهـضــــتِه    قد جــــــدَّ في نصرةِ التوحيدِ واجتهدا

وحينَ حلَّ القضــا ضـيـفاً بــــساحتِهِ    ناداهُ أهــــــــــــلاً وسـهلاً بالذي ورِدا

حييتَ من قادمٍ خُذ ما أتيــــــــــتَ له    إنّي أرى العــــيشَ ما بينَ العِدى نكدا

فجاءَه الشمرُ غضبـانـاً ليذبـــــــــحه    والسبـط شـكراً لوجــــــهِ اللهِ قد سجدا

فـــــحزَّ بالسيفِ أوداجـاً وددتُ لـهـا    نفسي تـكـونُ وكـلُّ الـعـــــــــالمين فدا

من مــبلغِ المصطفى أن ابنَه عطشاً    أردوه حرباً بيومِ الطـفِّ وافتــــــــــقدا

اللهُ أكبر فــــــــوقَ الرمحِ قد حـملوا    رأسَ الحسيـــــنِ ومـا واروا له جسدا

ومن بهِ كان شـــمـلُ الديـنِ مـجتمعاً    تـركنَ أسـيـافُـــــــــــهم أوصـاله بَدَدَا

أفدي سليباً بحرِّ الـشمـــــسِ منجدلاً    قد ألبـسته السوافي مطـــــــــرفاً ورِدا (9)

ويقول في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) من قصيدته التي قدمناها:

خليليَّ عُوجا بي على طــــــفِّ نينوى    ولا تذكرا لي عهدَ حــزوى وذي طوى

قفا بي عـلى وادي الطفــــوفِ سويعةً    لعلّي أنــــاجـيـه أيــــدري لــمـن حوى؟

حـوى بطلاً هــــــزَّ الـزمانَ بمـوقـفٍ    غـداةَ عـــــلى مـتـنِ الـجــوادِ قد استوى

أبيٌّ أبـــــــى إلا الــرُّقيَّ إلـى الـعـلـى    ومـا صـدّه مــن ضـلَّ عـنها ومن غوى

يجـــولُ بهمْ جولَ الرحى مُفـرداً وهمْ    ثـلاثـونَ ألــــــــفـاً والـلـوا يـتــبـعُ الـلوا

إلى أن هوى للأرضِ روحي له الفدا    خميصَ الحشا صادي الفؤادِ من الطوى

وقال من حسينية أخرى تبلغ (15) بيتاً مستذكراً يوم الأربعين وموقف الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله عليه)، ولقاءه بالإمام زين العابدين (عليه السلام)

زُرْ قبرَ سبطِ الهاشـميّ الهادي    ولَدَيْهِ حـــزنا وا حـسيناً نادِ

زر قبرَه في الأربعينَ وِثقْ بها    يومَ القيامةِ فهي خـيرُ الزادِ

واذرِ مـدامـعَ مُـقـلـتَــيـكَ بعندّمٍ    مُـسـتعـبراً مُــتجـلبباً بسوادِ

حتى كـأنّـكَ جـابـرٌ لـمَّـــا أتـى    مُـسـتـقـبـلاً لـلعــابدِ السجادِ

وافى بأظعانِ الفواطمِ زائــــراً    لضرائحِ الشهداءِ والأمجادِ (10)

وفي رثائه (عليه السلام) أيضاً:

سبطُ النبيِّ بقلبــــــــــــــــي حبُّه رسخا    حسينُ من شأنِهِ بالمجدِ قد شمخا

عددتُه لصــــــروفِ الدهرِ كهفَ حمىً    وإنَّـمـا الدهرُ فيهِ شــــــدَّةٌ ورخا

أعـــــــــــــظمْ به من سخيٍّ لا مثيلَ لهُ    بـالـنفسِ للهِ والدينِ الحنيفِ سخا

في موقفٍ مثلَ يومِ الحشرِ تحسبُ إسـ    ـرافيلَ للنشـرِ في صورٍ له نفخا (11)

ومن أشعاره الحماسية في ثورة العشرين:

كم مـــــــن أمــورٍ مهـمَّاتٍ ومــن أربِ    أدركتــهـا بالعوالي السمــــــرِ والقضبِ

ولي يراعٌ كـمثـــــــلِ الــســـيـلِ تحسبه    إذا تـحـدَّرَ فـــوقَ الــــــــطـرسِ للكـتبِ

والعـزُّ والمجـــــــدُ يستــوجبــهما رجلٌ    قـد كافحَ المــــــــوتَ لا باللهـوِ واللعبِ

أصحـرتُ هـــــا أنا ذا لا كــالذي سفهاً    قـد راحَ يفـــــــــخرُ بين الناسِ كانَ أبي

وما أبـــــــــي خــامـلٌ بـلْ كـلُّ مكرمةٍ    قد حـــــــازها فـاغتنمتُ الفضلَ بالنسبِ

النــــــاسُ تعشقُ ما شاءتْ وما عشقتْ    نفسي سوى الطرفِ والصمصامِ واليلبِ

والبـــخلُ والجهـلُ بـالإنـسـانِ منقـصةٌ    فـما ولـعتُ بـغـيرِ الجـــــــــــودِ والأدبِ

تـــــزدادُ بشراً بنــو الآمـالِ أن تــرني    كـما تـباشـــرتِ الأزهــــــــارُ بالسـحبِ

بعضٌ يقولُ لبعـــضٍ جـــاءَ مــــــنقذُنا    من فاقـةِ الـدهـرِ والــــــبأســاءِ والسغبِ

وأطعمُ الضيفَ إن قلوا وإن كــــــثروا    بادي البشاشةِ مـا في الوجهِ مـن غضبِ

هل كيفَ اجهلُ والعليـاءُ تــشـــــهدُ لي    أنّــــــــي أبـيُّ كـريـمُ الأصلِ والـحـسبِ

لـعامـرٍ منتـمــانا نجــلُ صـــــعــصعةٍ    أكـــــــرمْ به مــن أبــيٍّ جـاء وابــنِ أبي

فاضربْ بطرفِكَ أنَّى شئتَ لستَ ترى    سـوى مُـــــــــــقـرٍّ لـنا بالمــجدِ والـرُّتبِ (12)

ومنها يذكر مآثر قبيلة خفاجة وبطولاتها في الثورة:

هـذي التواريـخُ فـاسألها تقولُ نعمْ    قدماً خـفاجة قد ســــادوا على العربِ

سَلِ عـن مواقِفنـا الإفرنجَ كمْ ثبتتْ    أقـدامُنا لهـمُ في الـــحـربِ كـالهضبِ

فـي الرستميةِ دمـرنـا جـحـافـلـهـم    وفـي الســمـاوةِ كانــــتْ غـايةُ الغلبِ

حتـى إذا أيقــــنوا بالمـوتِ قـاطبةً    بعضٌ أطاعوا ومـــالَ البعضُ للهربِ

فـأصبحـتْ رايـةٌ للعـربِ خـافـقـةً    منصـورةً مـــن إلــهِ العـرشِ بالعربِ

وقـدغـرسنا بـأيـــدينا لـبــذرتِــهـا    وكـلُّ مــن قـــامَ يـدعو ذاكَ من سببي

منْ يقضِ بالعدلِ مــا بيني وبينهم    هلْ للحصى الفخرُ حقاً أم إلى الشهبِ

فالشمسُ يا سعـدُ للرائينَ واضحةٌ    إن النـحـــــاسَ بعـيدٌ عـن علا الذهبِ

........................................

1 ــ أدب الطف ج 10 ص 161

2 ــ خطباء الحلة الفيحاء ص 233 ــ 234

3 ــ أدب الطف ج 10 ص 160 ــ 161

4 ــ نفس المصدر ص 161

5 ــ نفس المصدر والصفحة

6 ــ نفس المصدر ص 162

7 ــ نفس المصدر ص 161

8 ــ الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 382

9 ــ الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 383 ــ 384

10 ــ موقع القصائد الولائية بتاريخ 13 / 8 / 2019

11 ــ الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 384

12 ــ أدب الطف ج 10 ص 161 ــ 162

كما ترجم له:

أغا بزرك الطهراني / الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 26 ص 293

كامل سلمان الجبوري / معجم الأدباء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002 / ج 1 ص 443

رسول كاظم عبد السادة / موسوعة أدباء إعمار العتبات المقدسة ج 1 ص 224 ــ 225

كاظم عبود الفتلاوي / المنتخب من أعلام الفكر والأدب ص 61

المرفقات

: محمد طاهر الصفار