القاضي المهذب (توفي 561 هـ / 1166 م)
قال من قصيدة تبلغ أكثر من مائتي بيت:
نزلوا على حكمِ السيوفِ وقد أبوا في اللهِ حكــــمَ بني أبي سفيانِ
وتخيَّروا عـزَّ الـممـاتِ وفــارقـوا فيـه حـــــــيـاةَ مــذلّةٍ وهــوانِ
يا لهفتي لمــــــصرَّعينَ قبـورهـمْ في (كربلاء) حواصلُ العقبانِ (1)
الشاعر
أبو محمد الحسن بن علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن بن الزبير الغساني الأسواني المصري الملقب بالقاضي المُهذَّب (2) شاعر وكاتب ولد في أسوان بمصر وينتمي إلى غسان (3) وهو أخو القاضي الرشيد أبو الحسين أحمد (4)
ظهرت ميول ابن الزبير إلى الشعر منذ صغره فما كاد يبلغ مبلغ الشباب حتى اشتهر اسمه في أسوان شاعراً كبيراً قبل انتقاله إلى القاهرة وهناك وجد من يحتضن موهبته ويرعاها حيث التقى بالملك الصالح طلايع بن رزيك الذي كان يخوض حروباً مع الروم فمجد انتصاراته عليهم وأشاد بشجاعته وببطولاته وله قصائد كثيرة في مدحه.
غادر ابن الزبير القاهرة متوجّهاً إلى اليمن فالتحق بأخيه القاضي الرشيد الذي كان مبعوثاً من قبل الدولة الفاطمية قاضياً عليها، وهناك درس علم الأنساب وصار من علماء هذا العلم الكبار فألّف كتاباً كبيراً في الأنساب (لم يصنّف مثله)، كما درس علوم القرآن وألف فيها، فكانت فترة إقامته في اليمن من أخصب فترات حياته العلمية وعندما رجع إلى القاهرة لم يطل به المقام أكثر من عدة أشهر حتى توفي فيها.
في أقلام الأعلام
قال ياقوت الحموي في معجم الأدباء: (كان كاتباً مليح الخط فصيحاً جيد العبارة، وكان أشعر من أخيه الرشيد، وكان قد اختص بالصالح بن رزيك وزير المصريين ...) (5)
وقال العماد الأصبهاني: (محكم الشعر كالبناء المشيد، وهو أشعر من أخيه الرشيد وأعرف بصناعته وإحكام معانيه. توفي قبل أخيه بسنة، لم يكن في زمانه أشعر منه أحد وله شعر كثير ، ومحل في الفضل أثير). (6)
وقد وصفه الذهبي بالكاتب البليغ، وقال عنه وعن أخيه الرشيد: (ولهما يد في النظم والنثر ورئاسة وحشمة، فالمهذب أشعرهما والرشيد أعلمهما) (7)
وقال السيد محسن الأمين: (وكان قاضياً فاضلاً عالماً نسابة شاعراً أديباً استقضاه الملك الصالح طلائع بن رزيك وزير الفاطميين ...) ويقول عن تشيّعه: (يعلم تشيّعه مما يأتي في شعره ومن كونه من قضاة الخلفاء المصريين) ويؤكد الأمين بأنه: (كان إمامياً) فقال: (وكونه من قضاة الخلفاء المصريين لا يقتضي كونه إسماعيلياً). (8)
مؤلفاته
طرق المهذب أبواب العلوم الأخرى إضافة إلى شاعريته الكبيرة التي تزعم بها عصره وله من المؤلفات إضافة إلى ديوان شعره الضخم:
1 ــ كتاب الأنساب: وهو أكثر من عشرين مجلداً، كل مجلد عشرون كراسة, (9) قال عنه ياقوت الحموي في معجم الأدباء: (رأيت بعضه فوجدته مع تحققي بهذا العلم وبحثي عن كتبه لا مزيد عليه. وكان المهذب قد مضى رسولاً إلى اليمن عن بعض ملوك مصر واجتهد هناك في تحصيل كتب النسب وجمع منها ما لم يجتمع عند أحد يدل على جودة قريحة مؤلفه وكثرة اطلاعه) (10)
2 ــ تفسيرٌ للقرآن: في خمسين مجلداً (11)
3 ــ الجنان: ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء ولم يتحدث عن موضوعه
شعره وديوانه
عرف ابن الزبير بقصائده المطولة التي تفوق المائة والمائتي بيت ومن أطول قصائده التي فاقت المائتي بيت النونية التي قدمناها، يقول فيها في رثاء سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)
وهجرت قُومــــــاً ما استجـــــارَ سواهمُ قدماً قـــرى الضـيفانِ بالذيـــــفانِ
إلا الأولــى نزلَ الحسينُ بــــــــــدارهمْ واخـــتـارَ أرضهمُ على البلـــــدانِ
فجنوا علـى الإســـلامِ والإيــــــــمانِ إذ أجنـوه مرَّ جناً من الــــــــــــمرَّانِ
جعلوا الجـــفـــانَ المترعــــــــاتِ لغيرِهِ وقـروه ما سـلِّوا مــــــــن الأجفانِ
وسقوه إذ منعوا الشـــــــــــريعةَ بـــعدما رفضوا الشــريعةَ مـــاء كل يمانِ
حتى لقد وردَ الحِمـــــــــامَ علـــى الظما أكــرم به مــــــــــــن واردٍ ظمآنِ
لا الـدينَ راعــــــــــوه ولا فعـــــــلوا به ما يفعلُ الــــــجــــيـرانُ بالجيرانِ
تاللهِ مـــــــا نقضوا هناكَ بــــــقتــــلهِ الـ إيمانَ بل نقضــــوا عـرى الإيمانِ
فثـــــــوى وآل المصـطـــــفى من حوله يكبون للجبهــــــــــــــاتِ والأذقانِ
نزلوا على حكمِ السيــــــــــوفِ وقد أبوا في اللهِ حكـــمَ بنـــــــي أبي سفيانِ
وتخيَّروا عزَّ المــــــــــمـــــاتِ وفارقوا فيه حيـــــــــــــــاةَ مـــــذلّةٍ وهوانِ
يا لهفتي لمــــــــــصرعّــينَ قبــــورهمْ في كربـــــلاءَ حــــواصــلُ العقبانِ
بُزّت ســـــــــــوابغ عنـــــهم وتمزَّقـت أشـــــــــــــلاؤهم بسواغـب الذؤبان
وأنــــــــــيخَ في تلكَ الـقفــــارِ حمـامهمْ فأتيحَ لحـــــــمَ الـلـيثِ للســـــرحانِ
إن لم تجنّ جســـومـــــــــــهمْ في تربِها فلأنّها اعـتاضـــــــتْ بخيـــرِ جنانِ
كم روح ثاوٍ مــــــــــــــنهمُ قد أصبحتْ تختــــالُ فــي روحٍ وفـــي ريحانِ
ما ضرّهـــــــمْ والخلدُ مــــــن أوطانِهم أذ أزعـــجوا كرهاً عـــن الأوطانِ
ولـــــــقد دنا بهمُ التـــــــــقى مـن ربِّهم ونأت رؤوســـــــــــهمُ عن الأبدانِ
وأتى إليهم قومُـــــــــــهم مـــــا لم يكن يأتيـــــــــــه أهـــلُ الكفرِ والطغيانِ
لم يتركوا لــــــــــهمُ قتـــــــــيلاً واحداً إلّا لــــــــــــــــه رأسٌ برأسِ سِنانِ
حتى غـــــــدت لــــمسـامعِ الأطفالِ فو قَ السمرِ أخراصٌ من الــخرصانِ
عجباً لهم نقلوا رؤوســـــــــــــــهمُ وقد نقلوا فضــــــــــــــائلهمْ عن القرآنِ
وتفرَّقوا في بغـضهـــــمْ فـــــــرقاً وهم يروون معجــــــــزهمْ عن الفرقانِ
الــــــــــــجاهلية قبلهـم لـــــــم يغـدروا بهمُ وكانـــوا عابــــــــــــدي أوثانِ
أيخافُ آلُ مـحمــــــــــدٍ في أمـــــــــةٍ شهــــــــــدتْ له بالصدقِ والبرهانِ
ومحمدٌ في قومِــــــــهِ مع كــــــفـرهم لمّا يـــــــــــــــــزل في منعةٍ وأمانِ
فالمشركونَ أخفُّ جــــــــــــرماً منهمُ وأشـــــــفُّ يـومَ الحشرِ في الميزانِ
ومـــــن العجائبِ أنّــــــهم عدّوا الذي فعـلـــــــوهُ قربـــاناً من الــــــقربانِ
ورجـــــوا به الزُّلفى كما زعموا ونَيـ ـلُ المـــــــــنِّ عنـــد الــواحدِ المنّان
وأحقّ من خـــــــــابتْ مطــامعُ جهلِهِ مَـــــن يــــرتـجي الغفرانَ بالكفرانِ
أبني أميةَ خابَ مـــــــــــــــــؤتمٍّ بــكم فيـمـــــا مضى من سالفِ الأزمــانِ
سقـطت غــداة ولـــــيتــمـــوها جهرةً بالـغصــــــــبِ هاء خلافة الرحمانِ
وغـدتْ أمـــــارتكم دماراً يُـسـتـعــــا ذُ اللهَ إن ذُكــــــــــرتْ مــن الشيطانِ
ومن شعره في أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله:
أميرُ المؤمنـين وخيــــــرُ مــــلجأ يُسارُ إلــــــى حماهُ وخيرُ حامي
كأني إن جعلتُ إلـــيكَ قصــــدي قصـــــدتُ الركنَ بالبيتِ الحرامِ
وخُيِّلَ لي بأنـــــــي في مقــــامي لـــديـــــــــــه بين زمزمَ والمقامِ
أيا مولاي ذكـــركَ في قــــعودي ويا مـولاي ذكـــــركَ في قيامي
وأنتَ إذا انتبهتُ سميرُ فـــــكري كذلك أنـــــــتَ أنـسي في منامي
وحبّكَ إن يـكن قــــد حـــلّ قـلبي وفـي لحمي استكنّ وفي عظامي
فلولا أنتَ لم تُقـــــــــبَل صـلاتي ولولا أنـــــــــتَ لم يُقبَل صيامي
عسى أسقى بكأسِكَ يوم حــشري ويروي حيـــــــن أشربها أوامي
وأُنعَمُ بالجنانِ بخيــــــــــرِ عيشٍ بــفضــــلِ ولاكَ والنِّعــمِ الجِسامِ
صلاةُ الله لا تعدوك يومــــــــــاً وتــتبعــــــــــــــها التحيةُ بالسلامِ (12)
وقوله من قصيدة أخرى في أهل البيت عليهم السلام:
خيرةُ اللهِ في العبادِ ومــــن يعـ ـضد يــــاسين فيهم طاسينُ
والأولى لا تقر منهــــم جـنوبٌ في الدياجي ولا تنامُ عيونُ
ولهم في القرآنِ في غسـقِ الليـ ـل إذا طـرب السفيهُ حنيـن
وبكاءٌ ملءُ العيونِ غزيــــــــرٌ فتكادُ الصــــخورُ منه تلينُ (13)
أما ديوانه فقد طبع ونشر عام 1984 بتحقيق محمد مصطفى رضوان، ونشر مرة أخرى عام 1988 بتحقيق محمد عبد الحميد سالم.
................................................
1 ــ أدب الطّف ج 3 ص 71 ــ 76 / الطليعة ج 1 ص 126 / أعيان الشيعة ج 5 ص 155 ذكر منها (5) أبيات
2 ــ فوات الوفيات ج 1 ص 337
3 ــ أدب الطّف ج 3 ص 77
4 ــ أعيان الشيعة ج 5 ص 155
5 ــ معجم الأدباء ج 1 ص 370
6 ــ خريدة القصر وجريدة العصر ج 2 ص 272
7 ــ سير أعلام النبلاء ج 20 ص 490
8 ــ أعيان الشيعة ج 5 ص 155
9 ــ فوات الوفيات ج 1 ص 337
10 ــ معجم الأدباء ج 1 ص 370
11 ــ الأعلام للزركلي ج 2 ص 202
12 ــ أعيان الشيعة ج 5 ص 155 / أدب الطّف ج 3 ص 82 / الطليعة ج 1 ص 127
13 ــ أدب الطّف ج 3 ص 82 / الطليعة ج 1 ص 127
كما ترجم له:
عفيف عبد الرحمن / معجم الشعراء العباسيين ص 541
عمر فروخ / تاريخ الأدب العربي: من مطلع القرن الخامس الهجري إلى الفتح العثماني ج 3 ص 319 ــ 322
اترك تعليق