تختلف الروايات في ذكر السبب المباشر لاعتقال الامام موسى الكاظم (عليه السلام)، وقد ذكرت أسماء عدة منها يحيى بن خالد البرمكي، علي بن إسماعيل ومحمد بن إسماعيل ويعقوب بن داود [1]. ويمكن القول ان هذا التعدد يعكس التخبط في تفسير المؤرخين لحادثة الاعتقال، ويبدو ان الاعتقال الثاني للإمام (عليه السلام) لم يحدث ضجة كبيرة في المجتمع.
وتؤكد المصادر التاريخية الرئيسة أن الرشيد عمد على اعتقال الامام (عليه السلام) أولاً في عمرة شهر رمضان من سنة (179 هـ/795م)، عندما عرج على المدينة في طريق عودتهِ من مكة ومعه الامام، واما حادثة الاعتقال الثانية فكانت عندما شخص الرشيد للحج في العام نفسه، وفي طريق عودته حمل الامام (عليه السلام) من المدينة وأرسله إلى البصرة، ليحبس هناك عند واليها عيسى بن جعفر لمدة من الزمان[2] .
ولكن هناك اختلاف في تحديد مكان الاعتقال الأول: أكان في بغداد أم في البصرة؟، ففي رواية أن الرشيد أطلق الامام موسى الكاظم من السجن، ولكنه لم يسمح له بالعودة إلى المدينة، وهذا يعني انه كان مع الرشيد في حجه، اي أذا أخذنا برواية اعتقاله في المدينة ثم نقله سراً إلى البصرة ليسجن هناك ، ولكن بدلاً من تركه في المدينة أو العودة معه إلى بغداد، أرسله ليسجن في البصرة.. ليبقى من الصعب على المؤرخين الجزم بحقيقة التفاصيل التي تقدمها الروايات المذكورة.
وبعد مدة قضاها الامام (عليه السلام) في سجن والي البصرة، يذكر أبو الفرج الأصفهاني أنها كانت سنة فقط ، قرر الرشيد نقله إلى بغداد ليسجن عند الفضل بن ربيع، ثم نقل ليسجن عند الفضل بن يحيى البرمكي، والذي توسع عليه في السجن ولم يضيّق، والرواية تذكر ان الفضل بن يحيى عوقب على اثر ذلك، وان الامام موسى الكاظم (عليه السلام) نقل إلى سجن السندي بن شاهك في بغداد ولم تطل مدة سجنه (عليه السلام) عند ابن شاهك.. حيث امر الرشيد السندي بن شاهك بالتخلص من الامام على وجه السرعة[3].
وكان اعتقال الامام موسى الكاظم وإرساله إلى سجن البصرة في سنة (179 هـ/795م)، ثم نقل إلى بغداد بعد سنة أي حوالي (180 هـ/796م)، ليسجن عند الفضل بن الربيع، ثم ليسجن عن الفضل بن الربيع كان في سنة ( 183 هـ/799م)[4] ، وعليه أن الامام (عليه السلام) قضى مدة في حبس السندي بن شاهك، وكان هذا الحبس اشد مما سبق فقد عزل الامام الكاظم عن العالم الخارجي، وفي هذه المدة لم يعد الشيعة يعلمون إن كان الامام (عليه السلام) حياً أو ميتاً، ثم أُخرج (عليه السلام) من حبس السندي ميتاً[5]، وأخرجت جنازته إلى الجسر في بغداد ليحضره اكبر جمع من الناس بالمدينة، ويطلعوا على موته، وعلى الرغم من إن هناك اختلافاً في التفاصيل بين الروايات التاريخية ، الا ان جريمة اغتيال الإمام (عليه السلام) بالسم قد احتلت أهمية كبيرة في المصادر الإمامية وهي تهمة تقوم على قرائن قوية [6].
ودفن الامام في مقابر قريش في الكرخ بحضور جمع من الهاشميين ووجوه أهل بغداد، ولم يكن الرشيد حاضراً لان مقره آنذاك كان الرقة ، وقيل انه قد خرج إلى المدائن آنذاك[7]، وهو ما يدل على تعمده التغيب عن حضور جنازة الإمام ولعله أراد الابتعاد عن شبهة التورط في موته، وقد ورد في رواية الأصفهاني أن الامام موسى الكاظم نودي عليه بان : "هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة انه لا يموت فانظروا إليه.."[8] ، ويمكن القول ان بهذا الاسلوب حاولت الاجهزة الحاكمة ان تنسب هذا الرأي للشيعة وتبرر الاهانة والاذلال والاعتداء على كرامة الامام (عليه السلام).
جعفر رمضان
[1]أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، تصحيح علي اكبر الغفاري،3 (طهران : دار الكتب الإسلامية ، 1367هـ. ش.) ، ج1 ص485 ؛ رشيد الدين أبو جعفر محمد بن علي المازندراني ابن شهر اشوب، مناقب ال ابي طالب،، تحقيق لجنة من أساتذة النجف الأشرف (النجف الأشرف : المكتبة الحيدرية ، 1956م)، ج3 ص 439 ؛ جمال الدين احمد بن علي الحسني ابن عنبة، عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب، تحقيق مهدي الرجائي ، (قم : مكتبة اية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى ، 2004م)، ص 117؛ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، عيون اخبار الرضا، تصحيح حسين الاعلمي ، (بيروت : مؤسسة الإعلامي للمطبوعات ، 1984م)، ج2ص70 .
[2] أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني ، المصدر السابق، ج1 ص 476؛ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، المصدر السابق، ج2ص73-74 .
[3]أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني، مقاتل الطالبيين تحقيق احمد صقر (بيروت : منشورات الاعلمي ، د.ت) ، ص314 - 316 .
[4]ابو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري، الوزراء والكتاب، تحقيق : مصطفى السقا وابراهيم الابياري وعبد الحفيظ شلبي، (القاهرة : شركة الامل للطباعة والنشر ، 2004م) ، ص 227.
[5]أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، المصدر السابق ، ج2 ص 91 .
[6] جمع محمد باقر بن محمد تقي المجلسي معظم الروايات الواردة في موضوع حبس الامام موسى الكاظم وسمّه، للمزيد من التفاصيل ينظر : محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، (بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1982م)، ج 48 ص 26-249.
[7]أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الغيبة, تحقيق عباد الله الطهراني وعلي أحمد ناصح, ( قم: مؤسسة المعارف الاسلامية, 1411 هـ) ، ص 26.
[8]أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، المصدر السابق، ج2 ص 93.
اترك تعليق