50 ــ أحمد الفحام: (1188 ــ 1274هـ / 1774 ــ 1857م)

أحمد الفحام: (1188 ــ 1274هـ / 1774 ــ 1857م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (36) بيتاً:

هذا الحسينُ بـ (كربلا) متوسِّداً     وعرَ الصخورِ لقىً على عرصـاتِها

تحتَ السنــابكِ جسمُه وكريمُه     بيدِ الهوانِ يُـــــــــــــدارُ فوقَ قنـاتِها

اللهُ أكبرُ إنَّــــــها لمصيـــــــبةٌ     تتقطعُ الأكبـــــــــــــادُ في خطـراتِها (1)

ومنها:

يمسونَ قتلى (كربلا) وأمـيةٌ     تمسي نشــــــاوى سكبِها راحاتِها

يا سادتي يا من بحبِّـهمُ النفو     سُ تقالُ يـومَ الحشرِ من عثـراتِها

ماذا أقولُ بمدحِكمْ وبمدحِكمْ     وافى جميـلُ الذكــــــــرِ من آياتِها

الشاعر:

السيد أحمد بن صادق بن علي بن الحسين بن هاشم الحسيني الأعرجي المعروف بـ (الفحّام)، كان والده السيد صادق من كبار العلماء والأدباء، ولد في الحلة ودرس في النجف، وكان أستاذ المرجع الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء. (2)

أما ولده السيد أحمد الفحام فيقول فيه السيد محسن الأمين: (كان أديباً فاضلاً وليس لدينا علم بشيء من أحواله...) (3) ويقول الأستاذ علي الخاقاني (لم نعرف عنه شيئاً رغم مقام أبيه في وسطه وانتباه ذكره ولا ندري ما هي الأسباب التي أذابت شخصيته) (4) كما اكتفى السيد جواد شير بنقل قول السيد الأمين فيه (5) ويعلل الكرباسي سبب ضمور ذكر الشاعر إلى (شهرة أبيه ومكانته التي حجبت عنا ذيوعه وذكره) (6) ويقول أيضاً: (ولربما كان صغيراً ولم ينعم في ظل أبيه لأنه ولد بعد عام 1168 هـ حيث كان له إخوة توفوا بالطاعون). (7)

وقد ذكر اليعقوبي هذه الحادثة بقوله: (إن السيد صادق فُجع بستة أولاد اخترمهم الطاعون الذي أصاب العراق سنة 1168 هـ وذكرهم في مقطوعة رثاهم فيها وأمهم معهم وهم: محمد وجعفر وأحمد وعلي وحسن وحسين فقال في رثائهم:

محمدٌ وعـــليٌّ فلذتا كــــــــبدي     وجعفرٌ وحسيـــــــنٌ قُرَّتا عيني

وأحمـــدٌ وأخوه المجتبـى حسنُ     سرورُ قلبي أجابوا داعيَ الحينِ

وأمُّــهم فاطمٌ ستُّ النسـاءِ قفتْ     آثارَهم وانتحــتْ أرضَ الغريينِ

هم سبعةٌ لبثوا في كهفهمْ فمتى     يا فتيةُ الكهفِ فيكمْ ينقضي بيني

هيهات لا أمدٌ يُرجى ولا كـمدٌ     يُسلى ولا عيـــشٌ يُهنّا بين هذينِ

وظاهر من هذه الأبيات مدى الفجيعة العظيمة التي ألمت به بفقدانه أسرته كلها لكنه تزوج مرة أخرى وأنجب ولدين كما يقول اليعقوبي: (ورزق بعدهم ولدين سمّى أحدهما أحمد ــ وهو المترجم له ــ والآخر علياً وكنّاه أبا المحاسن وعقبه من ولده أحمد) (8) وهو أحمد الثاني له بعد أن فقد الأول في الطاعون.

أما لقبه الفحام فقد تضاربت الأقوال في أول من لقب به من هذه الأسرة بين أجداده علي والحسين وهاشم وبين أبيه صادق كما اختُلف في سبب التسمية. (9)

شعره

يقول الشيخ الكرباسي عن شعر السيد الفحام: (شعره وجداني، شديد البكاء، غزير الدمع، وعاطفته فيهما نابعة من ثقافته الدينية، وعقيدته الثابتة المؤمنة برب العزة عز وجل وشغفه ولاء لنبيه وآله الطاهرين عليهم السلام) (10)

وذكر بعض أشعاره، أما شعره في أهل البيت (عليهم السلام) فلم تذكر المصادر له منه سوى قصيدته في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) والتي قدمنا منها ما يتصل بالموضوع وتبلغ (36) بيتاً وهي:

ما بالُ عيني أسبــــــلتْ عبراتِـــــها؟     قاني الـدمـــوعِ وحاربتْ غفواتِها

ألِذكرِ دارٍ شطـــرَ جرعاءِ الحِـــــمى      أمســـــتْ خلاءً من مها خفــراتِها

أم فتيةٌ شطّــــتْ فـغادرتِ الحـــــشى     تطوي على الصعداءِ من زفراتِها

لا بلْ تذكّرتُ الطفوفَ ومــا جـــرى     يومَ الـطـفـــــوفِ فأسبلتْ عبراتِها

يوماً به أضحـتْ سيـــــــــوفُ أمــيةٍ     بالضربِ تقطـــرُ مـن دماءِ هداتِها

يوماً به أضـــحتْ أسنَّتُـــها تــــــسيـ     ـلُ نـفوسُها زهقــــاً عـلى صعداتِها

وعوارِ أجســــادٍ على الرمضــا تقلّـ     ـبها أكفُّ الـوطــــــــــي من قبّاتِها

صرعى مـــصفّقةً على أشــــــلائِها     أيـدي سوافيـــــــــها برحـبِ فلاتِها

والشـــمسُ لم تبرحْ عليهمْ تــصطلي     بنواظرِ القضبــــــــانِ مـن قاماتِها

ســقُيتْ أنابيبَ الوشيجِ على الصدى      فقضتْ عــــلى ظمأ دويــنَ فراتِها

وعقائلُ الهادي تُقـــــــادُ أســـــــيرةً     أسرى بنـــي الزرقاءِ فـــي فلواتِها

حسرى تجاوبُ بالبكـــــاءِ عــيـونُها     قرعَ الزجــاجِ على نـفـيـرِ طلاتِها

تعباتُ أبدانِ يبهــــــرجُ ســيـــــرَها     ريسَ المقيِّدِ أوســـعـتْ خـــطواتِها

في أيِّ جدٍّ تستغيــــــثُ فــلا تــرى     إلّا التقنّــــــــعَ في سـيـــاطِ طغاتِها

أترى دَرى خيــــــــرُ الــبريَّةِ شملُه     عصفـــتْ به بــالطفِّ ريحُ شتاتِها

أترى دَرى المختـــــــــــارُ أن أميةً     قد أدركـــــــــتْ في آلــهِ ثاراتِها؟

تلكَ البدورُ تجلّلــــــــتْ خــسفاً وقد     سقطتْ بكــــــفِّ يزيدَ من هالاتِها

أبدت غـروباً في الطفــوفِ يديرُها     فــــــــلكُ المعــالي في أكفِّ بغاتِها

أسعى بها ابنُ أبيـهِ بـــــغياً فاغتدى     يــــــدُه مقصَّــــــرةٌ مـدى غاياتِها

تلكَ الستورُ تهتّكــــــــتْ قسراً وما     رُعيتْ حمـــــــــايتها بقتلِ حماتِها

تلكَ الخيامُ تقشّـــــــــــعتْ نهباً وقد      وطنتْ أميةُ ضـــربَ مقصوراتِها

نسلُ العبيــــدِ بآلِ أحـــــمدَ أدركتْ     ثاراتِها أشفــــــــــــــتْ به أحناتِها

ويلٌ لها أرضَتْ يزيـــدَ وأغضـبتْ     خيرَ الورى في قتـــــــلِها ساداتِها

لهفي لها جَرَعَتْ كـــؤوسَ حمامِها     حرَّى الجــــوانحِ في أكفِّ عداتِها

لهفي لزينبَ وهـــيَ ما بينَ العِدى     مـــرعوبةٌ تبكي لفـــــــــــقدِ كفاتِها

بعداً ليومِكَ يــــــــــا ابـنَ أمِّي إنّه     أنضى النفوسَ وزادَ في حـسـراتِها

يا جدُّ إن أميـــــــــــــةً قد غادرتْ     بالطـــــفِّ شملَ بنيكَ رهنَ شتـاتِها

هذا الحسيـــنُ بـ (كربلا) متوسِّـداً     وعرَ الصخورِ لقىً على عرصاتِها

تحتَ الســـنــابكِ جسمُـه وكريمُه     بيــــــدِ الهوانِ يُــــــدارُ فوقَ قنـاتِها

اللهُ أكـــبرُ إنَّــــــــــــــها لمصيبةٌ     تتقطعُ الأكبــــــــــــادُ في خطـراتِها

أبناءُ حربٍ في القصورِ على أرا     ئـكِها وآلُ اللهِ فـي فلواتِـــــــــــــــها

يمسونَ قتلى (كربلا) وأميـــــــةٌ     تمسي نـشـــــــــاوى سكبِها راحاتِها

يا سادتي يــا من بحـبِّهمُ النفــــو     سُ تقـــــالُ يومَ الحشرِ من عثـراتِها

ماذا أقولُ بمدحِــــــكمْ وبمدحِكمْ     وافى جـميــــلُ الذكــــــــرِ من آياتِها

صلى الإلهُ عليــــكمُ ما إن بدتْ     وضــــحَ الصباحُ وقد جـلتْ ظلماتِها

.................................................................

1 ــ شعراء الغري ج 1 ص 257 ــ 259 / ديوان القرن الثالث عشر ج 2 ص 165 ــ 168 / أدب الطف ج 7 ص 68 ــ 69

2 ــ البابليات ج 1 ص 179

3 ــ أعيان الشيعة ج 2 ص 604

4 ــ شعراء الغري ج 1 ص 256

5 ــ أدب الطف ج 7 ص 69

6 ــ معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 3 ص 117

7 ــ نفس المصدر ص 115

8 ــ البابليات ج 1 ص 183

9 ــ شعراء الحلة ج 3 ص 32

10 ــ معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 3 ص 116

المرفقات

: محمد طاهر الصفار