مما لا شك فيه ، أن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) نور واحد مستمد من نور جدهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) ونوره مستمد من نور الله تبارك وتعالى ، كما جاء في الرواية حينما سأل جابر بن عبد الله الانصاري النبي( صلى الله عليه واله): "ما أول شيء خلقه الله تبارك وتعالى قال صلى الله عليه وآله: أول ما خلق الله نور نبيكم يا جابر ومنه خلق كل شيء".
وكذلك نؤمن أن الأئمة (عليهم السلام) هدفهم واحد وهو هدف الأنبياء والرسل والأوصياء وهو ايصال الناس الى الكمال المنشود, وإيقاظ الفطرة السليمة في نفوسهم (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) وهي الإسلام الخالص ليكونوا بذلك أدلاء عن الله تعالى، وإن تعددت أدوارهم واختلفت ممارساتهم العملية "آلياتهم" للوصول الى ذلك الهدف بحسب ما تحيطهم من ظروف وملابسات تختلف من زمان الى آخر وبالنتيجة أنهم (عليهم السلام) وإن تعددت أدوارهم وآلياتهم الا أن هدفهم واحد .
ومن أراد أن يتمسك بعروة الله الوثقى فليوال الإمام علي وأهل البيت (عليهم السلام ) وهذا ما رواه جابر عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن النبي الاكرم قال:" من أراد أن يتمسك بعروة الله الوثقى فليوال الإمام علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام) فان الله تبارك وتعالى يحبهما من فوق عرشه"
ومن هنا نجد أن كلا منهم (عليهم السلام) قد اختص بما يناسبه في ظرفه، فترى أمير المؤمنين (عليه السلام) قد إختص في القتال على التأويل كما قاتل رسول الله (صلى الله عليه واله )على التنزيل ويقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين حتى قال له ( صلى الله عليه واله): يا علي لولا أنت لما عُرف المؤمنين من بعدي فهو (عليه السلام) المائز والفرقان بين الإيمان والكفر، وكذلك يختص ولده الإمام الحسن (عليه السلام) بامتحان عظيم للأمة حيث يبرم شروطا للهدنة مع معاوية ابن ابي سفيان .
وهكذا بقية الأئمة (عليهم السلام) الى أن يصل الأمر الى الإمام علي الهادي (عليه السلام) صاحب الذكرى فيختص بأمر عظيم لم يسبقه به أحد من آبائه وأجداده البررة أعني به: التخطيط المباشر لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) وإن كان جميع الأئمة، بل ومن سبقهم من الأنبياء والرسل والأوصياء يشتركون جميعا في هذه المهمة وهي التخطيط والتمهيد لقضية الإمام المهدي .
إلا أن دوره ومن بعده ولده الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) كان دوراً مركّزاً أكثر من غيره لقرب زمنه من الغيبة، وبعد أزمنة من قبله من الانبياء والمعصومين لذا مهّد تمهيدا ناجحا وهيأ النفوس والعقول لتقبّل فكرة غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) من خلال آليات يمكن أن نجملها بما يلي:
توعية الأمة من خلال النصوص والاشارات على شخصية الامام المهدي وما يميّزه عن غيره من الأئمة بما يحدث له من غيبة لا يرى الناس فيها شخصه، حيث كان يخص بهذه النصوص والاشارات خلص أصحابه، ولم يكن يعمّمها للآخرين، وقد ورد بذلك عدة أحاديث نقتصر على بعضها فمن ذلك ما جاء في كلام له: " ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده، قال الراوي، فقلت: وكيف ذلك يا مولاي قال: لأنه لا يرى شخصه، ولا يحل ذكر أسمه حتى يخرج فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما".فبالرغم من الظروف الصعبة والكتمان الذي كان يحيط قضية الإمام المهدي (عليه السلام) وانتشار العيون والجواسيس المتتبعة له الّا ان الفكرة والعقيدة كانت واضحة لدى مجموعة من الموالين وبدأت تكبر وتنمو الى ان وصلتنا غضة طرية لا عواج واضمحلال فيها وما ذلك الّا لما أداه صاحب الذكرى عليه السلام من اثر بارز في ذلك.
التخطيط لتقبل فكرة إرتباط القواعد الشيعية بالإمام المهدي في زمن غيبته الصغرى وذلك من خلال العمل بمشروع الوكلاء فقد وضع الامام وحدّد وكلاء معينين يمثلونه وترجع الناس اليهم بأخذ الفتوى ونقل الحقوق الشرعية والاتصال بالأمام (عليه السلام) والذين أصبح البعض منهم فيما بعد وكلاء لولده الامام العسكري (عليه السلام)، فقد حدّث محمد ابن اسماعيل وعلي ابن عبدالله الحسنيان أنهما دخلا على ابي محمد الحسن (عليه السلام) بسرّ من رأى وبين يديه جماعة من اوليائه وشيعته حتى دخل عليه بدر خادمه فقال:" يا مولاي بالباب قوم شعث غبر، فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا في اليمن..." ثم ساق حديثا طويلاً حتى انتهي الحديث الى أن الحسن (عليه السلام) قال لبدر فامض فأتنا بعثمان بن سعيد العمري فما لبثنا الا يسيرا الا دخل علينا عثمان فقال له سيدنا ابو محمد الحسن عليه السلام:" امضي يا عثمان فإنك الوكيل والثقة والمأمون على مال الله واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال" ثم ساق الحديث الى أن قالها:" ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا والله إن عثمان لمن خيار شيعتك ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وإنه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى.قال: نعم واشهدوا عليّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمد وكيل إبني مهديكم".
وبذلك استطاع الامام علي الهادي (عليه السلام) ان يهيأ الذهنية العامية لشيعة وأتباع أهل البيت (عليهم السلام) لاستقبال الوضع الجديد الذي سيحل بهم عند غيبة المهدي (عجل الله فرجه) لئلا يفاجأوا بأمور لا يعرفون كيفية التعامل معها مثل ما يحصل بعد الغيبة من الحيرة والاختلاف بين الشيعة, وما ينبغي لهم من الصبر والانتظار للفرج والثبات على الإيمان ، فعن الإمام الباقر(عليه السلام) قال : "يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم ، فطوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان ، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب إن يناديهم الباري تعالى فيقول : عبادي وإمائي آمنتم بسري وصدقتم بغيبي فابشروا بحسن الثواب مني ، أنتم عبادي وإمائي حقاً منكم أتقبل وعنكم أعفو ولكم اغفر وبكم اسقي عبادي الغيث وادفع عنهم البلاء ، لولاكم لأنزلت عليهم عذابي".
هذا ما وددنا بيانه بوجه من الاختصار ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعجّل لنا الفرج بظهور مهدي هذه الأمة ليملأ الارض قسطا وعدلا وحبا وسلاما قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي الارض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ﴾.
الباحث الشيخ ميثم الفريجي
اترك تعليق