21 ــ ابن حَيُّون المغربي: (292هـ 904 م / 363 هـ / 974 م)

ابن حَيُّون المغربي: (292 ــ 363 هـ / 904 ــ 974 م)

قال من أرجوزة في الاحتجاج بالإمامة:

فسارَ فيمنْ معـــــــه إليــهمْ     فقطعوا بـ (كربلا) عليــــــــهمْ

في عسكرٍ ليس له تنـــاهي     أرسله الغــــــــــاوي عبيد اللهِ

يقدمه في البيضِ والدلاصِ     عمرو بن سعدِ بن أبي وقاصِ (1)

الشاعر

القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد منصور بن أحمد بن حيون التميمي المغربي، من أكبر علماء الشيعة في مصر، تميمي الأصل، ينحدر من أُسرة مغربية، ولد بمدينة القيروان في تونس، وعاصر أربعة من الخلفاء الفاطميين هم: عبيد الله المهدي، والقائم بأمر اللّه، والمنصور، والمعزّ، وقد عهد إليه المهدي مهمة القضاء الأعلى في الدولة الفاطمية، وكان يقيم صلاة الجمعة في جامع القيروان. (2)

كان ابن حيون مالكي المذهب (3)، وقيل كان حنفياً (4) ثم انتقل إلى المذهب الجعفري الإمامي الاثني عشري، وأصبح من أشد المدافعين عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وقد قضى عمره في سبيل الدفاع عن مذهب التشيع ونشر علوم أهل البيت عليهم السلام بعد اعتناقه لمذهبهم. وكان يتحرّز من إظهار عقيدته الإمامية أمام الخلفاء الفاطميين الإسماعيليين ويتستّر بالتقية في خدمته للفاطميين (5). فكان يرمز إليهم (عليهم السلام) في مؤلفاته بكناهم دون أسمائهم، (6) توفي ابن حيون في القاهرة ودفن فيها وصلى عليه المعزّ لدين الله الفاطمي. (7)

والده وأسرته

نشأ ابن حيون في بيت له عراقة في العلم والفقه، وقد عرفت أسرته بحملة العلم ونشره، فأبوه كان حافظاً للأخبار والروايات، وعمّر طويلا ويحكي أخباراً كثيرة نفيسة حفظها وعمره أربع سنين، وتوفّى في رجب سنة ٣٥١ وصلّى عليه ولده أبو حنيفة المذكور ودفن في باب سلم وهو أحد أبواب القيروان، وكان عمره مائة وأربع سنين (8) وكان من الدعاة كما دل على ذلك لقب ابنه (ابن الداعي) وإضافة إلى والده فقد برز من أسرته كثيراً من الأعلام منهم:

أبو الحسين علي بن النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون القيرواني الإسماعيلي المغربي، قاضي مصر وخطيبها، وعبد العزيز بن محمد بن النعمان صاحب كتاب البلاغ الأكبر والناموس الأعظم في أصول الدين، وهو أول من ولي النظر في دار العلم وهي الدار التي انشأها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، وكان يلقي محاضراته في الجامع الفاطمي ومن ضمن الكتب التي كان يقرأها على تلاميذه كتاب جده النعمان (اختلاف أصول المذاهب). والقاسم بن عبد العزيز بن محمد بن النعمان المغربي القيرواني وهو آخر من تسلم القضاء من عائلة القاضي النعمان لقب بـ قاضي قضاة، وثقة الدولة، وأمين الائمة، وشرف الأحكام، وجلال الإسلام

ألقابه

لقب ابن حيون بعدة ألقاب دلت على مكانته الكبيرة ومنزلته السامية في العلم وتسنم مناصب عليا في الدولة الفاطمية ومن الألقاب التي أطلقت عليه بـ (أبو حنيفة الشيعي)، والقاضي النعمان، وسيدنا القاضي، وسيدنا الأجل، وابن محمد الداعي، وابن الفياض، والمشرع الإسماعيلي، وقاضي قضاة الدولة الفاطمية.

قالوا فيه

وثقته المصادر الشيعية والسنية وأشادت بسعة علمه وتضلعه في الفقه والعلوم الأخرى:

قال عز الملك المسبحي: (كان من أهل العلم والفقه والدين والنبل على ما لا مزيد عليه. وله عدة تصانيف منها كتاب اختلاف أصول المذاهب وغيره، وكان مالكي المذهب وانتقل إلى مذهب الإمامية. وصنف كتاب (ابتداء الدعوة للعبيديين) وكتاب (الأخبار) في الفقه. وكتاب (الاقصار) في الفقه أيضاً). (9)

وقال عنه ابن زولاق: (لم نشاهد بمصر لقاض من القضاة من الرياسة ما شاهدناه لمحمد بن النعمان، ولا بلغنا ذلك عن قاض بالعراق، ووافق ذلك استحقاقاً، لما فيه من العلم والصيانة والتحفظ وإقامة الحق والهيبة) (10)

وقال ابن خلكان: (أحد الأئمة الفضلاء المشار إليهم... وكان مالكيّ المذهب ثم انتقل إلى مذهب الإمامية) (11)

وقال اليافعي: (كان من أوعية العلم والفقه والدين) (12)

وقال ابن حجر العسقلاني: (كان مالكياً، ثم تحوّل إمامياً وولي القضاء للمعز العبيدي صاحب مصر..) (13)

وقال الداعي إدريس عماد الدين القرشي: (إن النعمان كان في مكانة رفيعة جداً قريبة من الأئمة، وأنه كان دعامة من دعائم الدعوة) (14)

وقال السيد محمد الحسيني الجلالي: (ذهب جمع من أعلام الشيعة إلى أن المؤلف النعمان كان إمامياً على مذهب الشيعة الاثني عشرية، وأنه تستر بالتقية في خدمته للفاطميين، وأظهر كونه إسماعيلياً خوفاً من بطشهم...) (15)

وقال العلاّمة المجلسي: (كان مالكيًا أوّلاً ثمّ اهتدى وصار إمامياً، وأخبار هذا كتابه دعائم الإسلام موافقة لما في كتبنا المشهورة، لكن لم يرو عن الأئمّة بعد الصادق (عليهم السلام) خوفاً من الخلفاء الإسماعيلية، وتحت ستر التقية أظهر الحقّ لمن نظر فيه متعمّقاً، وأخبار تصلح للتأييد والتأكيد) (16)

ويوكد العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني أنه ــ أي القاضي النعمان ــ روى عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بعد الإمام الصادق ولكن دون ذكر اسم الإمام صريحاً واكتفى بذكر الكنية حيث يقول: (ولمّا كان قاضياً من قبل الخلفاء الفاطميين المعتقدين بإمامة إسماعيل بن جعفر (عليه السلام)، ثمّ أولاد إسماعيل، كان يتّقي في تصانيفه من أن يروي عن الأئمّة بعد الإمام الصادق (عليهم السلام) صريحاً، لكنّه يروي عنهم بالكنى المشتركة، فيروي عن الرضا (عليه السلام) بعنوان أبي الحسن، وعن الجواد عليه السلام بعنوان أبي جعفر) (17)

وقال السيد بحر العلوم: (النعمان بن محمد بن منصور قاضي مصر، وقد كان في بدو أمره مالكيا ثم انتقل إلى مذهب الامامية، وصنف على طريق الشيعة كتباً، منها كتاب دعائم الإسلام وهو كتاب حسن جيّد، يصدق ما قيل فيه، إلّا أنّه لم يرو فيه عمّن بعد الصادق من الأئمّة (عليهم السلام) خوفاً من الخلفاء الإسماعيلية، حيث كان منصوباً من قبلهم بمصر، لكنّه قد أبدى من وراء ستر التقية مذهبه، بما لا يخفى على اللبيب) (18)

وقال الشيخ النوري: (الثالث في تصريح جماعة بأنه أظهر الحقّ تحت أستار التقية لمن نظر فيه متعمّقاً، وهو حقّ لا مرية فيه، بل لا يحتاج إلى التعمّق والنظر). (19) وقال بهذا الرأي: الحر العاملي (20)

مؤلفاته

كان ابن حيون موسوعياً في مؤلفاته فألف في الفقه والعقائد والتاريخ والأدب قال ابن زولاق: (ألف لأهل البيت من الكتب آلاف الأوراق بأحسن تأليف وأملح سجع) (21) ومصطفى غالب الإسماعيلي: (وتمتاز مؤلّفات القاضي النعمان بعدم الإغراق والتأويل التي تتسم به كتب الدعاة الاسماعيلية التي وضعوها في أدوار الستر) (22) وقد استقصى المستشرق ايفانوف له ٤٥ كتاباً ورسالة (23) وذكر الكاتب الاسماعيلي پونا والا ٦٢ كتاباً من تأليفاته (24)

وقد احصى السيد محمد الحسيني الجلالي (41) مؤلفاً من مؤلفات ابن حيون المخطوطة والمطبوعة والمفقودة واستعرض بالتفصيل أماكن وجود المخطوطة منها وتواريخ المطبوعة وذكر عناوين المفقودة ومضمامينها وما قيل عنها (25)

شعره

لم يسعفنا التاريخ من شعره بسوى أرجوزة ذكرها السيد جواد شبر في أدب الطف قال عنها: (وهي أرجوزة مطولة وتحتوي على احتجاج قوي في الامامة، وللقاضي بجانب هذه الارجوزة أراجيز ثلاث طوال، وهي الأرجوزة المنتخبة في الفقه، والأرجوزة الموسومة بذات المنن في سيرة الإمام المعز لدين الله الفاطمي، والأرجوزة الموسومة بذات المحن، وقد أشار في أبيات الارجوزة التي نقتطف منها الشاهد إلى أنه سوف يدوّن كتاباً جامعاً في الإمامة بعد فراغه من هذه الأرجوزة وقد أنجز ما وعد وألّف هذا الكتاب الجامع في أربع مجلدات، ووجدنا الإشارة إلى هذا الكتاب في كتاب (المناقب والمثالب) وكتاب (شرح الاخبار). نشرت هذه الأرجوزة بتحقيق وتعليق إسماعيل قربان حسين عن معهد الدراسات الإسلامية ـ جامعة مجيل ـ مونتريال ـ كندا ـ بـ ٣٥٧ صفحة). (14)

ثم يذكر شبر منها ما يفي بالغرض من كتابه (أدب الطف) وهو:

وقامَ بعد الحســــــــــنِ الحســـينُ     فلم تزلْ لهمْ عــــــــــــليهِ عينُ

ترعى لهم أحـــــــــوالَه وتــنظرُ     في كلِّ ما يســـــــــرّه ويجــهرُ

وشرّدوا شيـــــــــــعتَه عــن بابهِ     وأظهروا الطلبَ في أصــحابِهِ

ليمنــــــــــعوهُ كلَّ مــا يـــــــريدُ     وكان قدْ ولِيَّـــــــــــــــــهمْ يزيدُ

فأظهرَ الفسوقَ والمـــــــــعاصي     وكانَ بالحجازِ عـــنه قــــاصي

ومكرُه يبلغه ويلــــــــــــــــــحقُه     وعينُه بما يخـــــــــــافُ ترمقُه

ولم يكنْ هنــــــــاكَ مَن قد يدفعه     عنه إذا همَّ بـــه أو يـــــــــمنعه

وكان بالعراقِ من أتبـــــــــــاعِه     أكثر ما يـــــــرجوهُ مِن أشياعِه

فسارَ فيمنْ مـــــــــــــــــعه إليهمْ     فقطّعـــــــــوا بـ (كربلا) عليهمْ

في عسكرٍ ليس لــــــــــــه تناهي     أرسله الغـــــــــــاوي عبيدُ اللهِ

يقدمُه في البيـــــــــضِ والدلاصِ     عمرو بن سعدِ بن أبي وقاص

فجاءَ مثلَ السيـــــــــلِ حين ياتي     فحالَ بين القـــــــــومِ والفراتِ

وإذ رأى الحسينُ ما قـــــــد رابَه     ناشدهمْ باللهِ والقـــــــــــــــرابَه

وجدِّه وأمِّه الصـــــــــــــــــــديقة     وبعـــــــــلِها أن يذروا طريقه

وجاءَ بالــــــــوعظِ وبالتحذيــــرِ     لهمْ بقـــــــــــــــولٍ جامعٍ كثيرِ

فلم يــــــــــــــزدهم ذاكَ إلّا حنقا     ومنعوا الماءَ وســــدّوا الطرقا

حتى إذا أجـهده حرّ العـــــــطشْ     وقد تغطّى بالهجيــــرِ وافترشْ

حرارةُ الرمضـاءِ نــــادى ويلكمْ     أرى الكلابَ في الفراتِ حولكمْ

تلغُ في الماءِ وتـــــــــــــــمنعونا     وقد تعبنا ويحكم فأســــــــــقونا

قالوا له: لســـــتَ تنالَ المــــــاءَ     حتى تنـــــــــــــال كفّكَ السماءَ

قال: فما تـــــرونَ في الأطفـــالِ     وسائرِ النســـــــــــــاءِ والعيالِ

بَني عليٍّ وبنــــــــــــــاتِ فاطمة     عيونـــــهم تهمي لذاكَ ساجمه

فهل لكمْ أن تــــتركـوا الماءَ لهم     فإنكمْ قد تــــــــــعلمونَ فضلَهمْ

فإن تروني عــــندكـــــمْ عدوَّكمْ     فشفّعوا في ولــــــــــــدي نبيّكمْ

فلم يروا جـــــوابَه وشـــــــــدُّوا     عليهِ فاستــــــــــــعدّ واستعدُّوا

فثبتوا أصـــــحـــــــــــابُه تكرّماً     من بعدِ أن قد عــــلموا وعلما

بأنـــــهم في عددِ الأمــــــــواتِ     لمـــــــــا رأوا من كثرةِ العُداةِ

فلم ينـــــــــــــــــالوا منهمُ قتيلا     حتى شفــــى من العدى الغليلا

واستشـــهدوا كلّهم من بــــعدما     قد قَتــــــــــلوا أضعافهمْ تقحّما

واستُشهدَ الحسينُ صــــلّى ربُه      عليه لمّــــــــا أن تـولّى صحبه

مع ستةٍ كــــانوا أصيبــــوا فيه     بالقتلِ أيضــــــــاً مِـن بني أبيهِ

وتسعةٍ لعمِّـــــــــــــــــــه عقيلِ     لهفي لذلكَ الــــــــــدمِ المطلولِ

وأقبلوا بــــرأسهِ مع نســـــوتِه     ومع بنيهِ ونســـــــــــــاءِ أخوتهِ

حواســـــراً يبكيــــــــــنه سبايا     على جمـــــــــــالٍ فوقها الولايا

ووجّــــهوا بهمْ على البـــــريدِ     حتى أتوا بهمْ إلـــــــــــــى يزيدِ

فكيفَ لم يمـتْ على المـــــكانِ     مَن كانَ في شيءٍ من الإيمانِ ؟

أم كيفَ لا تـهمي العيونُ بالدمِ     ولم يذُب فؤادُ كلُّ مـــــــــــــسلمِ

وقد بكته أُفقُ السمــــــــــــــاءِ     فأمطـــــــــرتْ قطراً من الدماءِ

وحزنَ البــــــــــدرُ له فانكسفا     وناحتِ الجــــــــــــنُّ عليهِ أسفا

فيا لتسكابِ دمـــــــــوعِ عيني     إذا ذكرتُ مصــــــــرعَ الحسين

..........................................................

1 ــ أدب الطف ج 5 ص 372 ــ المستدركات عن نسخة منشورة عام 1970 بتحقيق وتعليق اسماعيل قربان حسين عن معهد الدراسات الاسلامية ـ جامعة مجيل ـ مونتريال ـ كندا ـ بـ 357 صفحة.

2 ــ مقدمة شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار لابن حيون ص 20 ــ 21 بتحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي

3 ــ وفيات الأعيان ص ج ٥ ص ٤١٥

4 ــ النجوم الزاهرة ج ٤ ص ٢٢٢

5 ــ بحار الأنوار ج ١ ص ٣٨ / رجال بحر العلوم ج ٤ ص ٥ / مستدرك الوسائل للنوري ج ٣ ص ٣١٤

6 ــ الذريعة ج ١ ص ٦١ / قاموس الرجال للتستري ج ٩ ص ٢٢٢

7 ــ مقدمة كتاب دعائم الإسلام لابن حيون ج ١ ص ١١ تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي دار المعارف 1383 - 1963

8 ــ وفيات الأعيان ج ٥ ص ٤١٦

9 ــ وفيات الاعيان ج 5 ص 415 عن تاريخ مصر للمسبحي

10 ــ نفس المصدر ص 416 عن أخبار قضاة مصر لابن زولاق

11 ــ نفس المصدر والصفحة

12 ــ مرآة الجنان ج 2 ص 278

13ــ لسان الميزان ج ٦ ص ١٦٧

14ــ مقدمة كتاب عيون الأخبار لابن حيون / تحقيق مصطفى غالب ص ١٣

15 ــ مقدمة كتاب شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ج ١ ص ٢٧ تحقيق محمد الحسيني الجلالي

16 ــ بحار الأنوار ج 1 ص 38

17 ــ الذريعة ج ١ ص 61

18 ــ الفوائد الرجالية ج 4 ص 5

19 ــ مستدرك الوسائل ج 3 ص 314

20 ــ أمل الآمل ج ٢ ص ٣٣٢

21 ــ وفيات الأعيان ج 5 ص 416

22 ــ أعلام الاسماعيلية ص ٥٩٤

23 ــ دليل الأدب الإسماعيلي ص ٣٧ ــ ٤٠

24 ــ مصادر الأدب الاسماعيلي ص ٥١ ــ ٦٨

25 ــ مقدمة كتاب شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ج ١ ص 42 ــ 68 تحقيق محمد الحسيني الجلالي

26 ــ أدب الطف ج 5 ص 374 / قسم المستدركات

المرفقات

: محمد طاهر الصفار