هذا المشهد الزخرفي مقتطع من احدى بقع جنة الله في ارضه عند مرقد ابي عبد الله الحسين عليه السلام في كربلاء، وهو يمثل احدى القباب المتناظرة المتحركة المنتشرة على سقف الصحن الحسيني الشريف.. والتي وضعت تيمنا بالمعصومين من آل بيت محمد سلام الله عليهم وهي تحمل في طياتها الجانبية المربعة الأضلاع مقتطعات كتابية من دعاء التوسل، فضلا عن اسماء المعصومين عليهم السلام وهي تتوسط تكوين زخرفي متكامل يشغل مجمل مساحة القبة من الداخل.
التكوين اعلاه ذي بناء زخرفي دائري، شُغلت مساحته الداخلية بتكوينات زخرفية مختلطة متكاملة حققت جذباً بصرياً للمتلقي ، فاذا ما نظرنا الى التشكيل الزخرفي للقبة من الداخل نجده يتألف من مجموعة متنوعة من الزخارف النباتية والهندسية والخطية ايضاً.. وقد تداخلت فيما بينها ضمن نظام بؤري دائري اقرب للشعاعي توضحت من خلاله ملامح البنى التنظيمية المنبثقة من قلب الشكل المتكون من مخطوطة باسم سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام.. وذلك من خلال التناسق ودقة التصميم والتي أعطت انطباعاً عن البعد الروحي لهذا التشكيل، سيما وان خاصية ملء المساحات بالزخارف كانت تشّكل قاعدة أساسية في منهج المزخرف الاسلامي بشكل عام .
عمد المعمار والفنان المزخرف في هذا المكون الزخرفي الرائع على التمسك بالمنحى الجمالي لعناصر التكوين واظهاره بشكل واضح للمشاهد، وذلك من خلال طبيعة التجريد الحقيقية للأشكال الزخرفية النباتية والهندسية التي لامست بطبيعتها جوهر الرؤية الجمالية للفن الاسلامي في هذا المشهد المقدس، فقد اتبنى الفنان عملية صياغة جدية للعناصر الخطية واللونية والشكلية والحجمية على أسس الوحدة والتناغم والتوازن والسيادة والتكرار المتعارف عليها.. ضمن سياق ابداع المزخرف الاسلامي، وهذا ما استطاع تحقيقه في الطبيعة البنائية لهذا التكوين الزخرفي المتناظر مع اقرانه من الاشكال القببية الاخرى المنتشرة في سقف الصحن الحسيني المطهر .
وقد اعتمد الفنان في هذا البناء الزخرفي على وجود بؤرة مركزية أحاطت بها التشكيلات الزخرفية الاكبر حجما، ضمن إطارات دائرية لتنسجم مع الطبيعة المعمارية الدائرية للقبة، فمن خلال وجود البؤرة في مركز البناء القببي تشكلت الانطلاقة الشكلية لكل التكوينات الزخرفية الأُخرى، حيث اخذت البؤرة اشكالا خطية متنوعة تحمل اسماء المعصومين سلام الله عليهم بدأ بالرسول الاكرم محمد صلى الله عليه واله وصولا الى الامام الحجة ابن الحسن عجل الله فرجه الشريف ، لتنبثق منها اشعاعات شَكّلت مساحة زخرفية رائعة.. أحاطت بها مساحات دائرية أُخرى شُغلت بمجموعات من الأشكال النباتية الدقيقة بالوان مختلفة اتصلت فيما بينها لتعطي نسيجاً لونياً يتراوح بين وحدات زخرفية حمراء وبرتقالية فاتحة اللون فضلا عن اشعاعات اللون الذهبي المحيط بها ،لتمتد الى أرضية زرقاء .تشغل ما تبقى من المساحة الزخرفية الدائرية والتي احتلت الجزء الأكبر، المتألف من تكرار وحدات زخرفية نباتية متشابكة متداخلة على شكل دوائر تحيط بمركز الشكل البؤري لتمتد متصلة فيما بينها لتختلف وحداتها من حيث الحجم واللون ، فهي تكبر كلما ابتعدت عن المركز الزخرفي الخطي مقتربة من الاطار الخارجي للشكل وهي تحمل الوانا مختلفة الدرجات بين اخضر واصفر وابيض وبني ، فضلا عن احتوائها من الداخل على مجموعة من الزخارف التزويقية النباتية الدقيقة ذات اللون الزهري .
ومن الجدير بالذكر ان هذا التكوين بتنظيمه التصميمي الزخرفي الخليط.. قد أعطى تعبيراً واضحاً للمشاهد المتأمل لدلالات ترتبط بالبعد الروحي والجمالي تارةً، وبالبعد البنائي تارةً أُخرى، من خلال انسجام الالوان وتوظيف الوحدات الزخرفية الصغيرة في ملء المساحات التكوينية الاكبر التي تعطي ايحاءً بالاستمرارية والتعبير عن قدسية المضمون الروحي لصحن الامام الحسين عليه السلام.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق