ابن أبي الخصّال الشقوري: (465 ــ 540 هـ / 1073 ــ 1146 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (13) بيتاً:
عرِّجْ على الطفِّ إن فاتتكَ مكرمةً واذرِ الدمـــــــــوعَ بها سحَّاً وهتّانا
وابكِ الحسيــــــنَ ومن وافى منيَّته في (كربلاءَ) مضوا مثنىً ووحدانا
يا ليتَ أنّي جريحُ الـــــطفِّ دونهمُ أهينُ نفساً تفيــــــــــدُ العزَّ من هانا (1)
وقال من قصيدة أخرى تبلغ (29) بيتاً مصوّراً حالة الحزن العميق التي تصيب (المؤمنين والمؤمنات) لمجرد استذكار حادثة كربلاء الأليمة:
إنّ في (كربلاءَ) كــــرباً سقيماً فتنَ المؤمنينَ والمؤمناتِ
فاتني نصركمْ بنصلي فنصري بفــــــؤادٍ مجدَّدِ الزفراتِ
وقوافٍ موســــــــــومةٍ بدموعٍ قدحتْ في توقّدِ الجمراتِ (2)
ويقول في قصيدة حسينية أخرى تبلغ (12) بيتاً:
ولو حدثتْ عن (كربلاءَ) لأبصرتْ حسيــــــــــناً فتاها وهو شلوٌ مقدَّدُ
وثانيَ سبطيْ أحمدٍ جــــــعجعتْ بهِ رعاةٌ جفاةٌ وهو في الأرضِ أجردُ
ولم يرقبوا إلّاً لآلِ محــــــــــــــــمدٍ ولم يذكــــــــروا أنَّ القيامةَ موعدُ (3)
الشاعر
أبو عبد الله محمد بن مسعود بن طيّب بن فرج بن أبي الخصال بن خلصة الغافقي الشقوري المعروف بـ (ابن أبي الخصال) وقد عرف والده بهذا اللقب أيضاً، ولد بقرية (فرغليط) من قرى قرطبة وهو فقيه، ومحدّث، ومؤرِّخ، وأديب، وشاعر، ووزير لقب بـ(ذي الوزارتين) سكن قرطبة وفاس، وقد برع في الكتابة حتى قيل: (لم ينطلق اسم كاتب بالأندلس على مثل ابن أبي الخصال) (4) ووصفه المقري التلمساني بـ(رئيس كتاب الأندلس) (5)
أساتذته
درس ابن أبي الخصال على يد كبار علماء الأندلس في اللغة والأدب والفقه منهم:
1 ــ محمد بن سابق الصقلي.
2 ــ أبو علي الصدفي
3 ــ ابن مالك اليعمري.
4 ــ أبو الحسين ابن السراج.
5 ــ أبو محمد عبد الرحمن بن عتاب.
6 ــ أبو علي الغساني.
مؤلفاته
يعد كتاب (رسائل ابن أبي الخصال) من أهم مؤلفاته حيث ضم رسائل وخطباً ومقامات وأشعاراً (6)، وذكر له ابن دحية كتباً أخرى منها: (ظل الغمامة وطوق الحمامة)، والقصيدة الموسومة بمعراج المناقب ومنهاج الحسب الثاقب) في نسب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى غير ذلك من ترسله الفائق وشعره الرائق وذلك في خمس مجلدات). (7)
ويعد ابن أبي الخصال أول من افتتح رثاء الإمام الحسين عليه السلام في الأندلس (8) وجعله في قصائد مستقلة لا يشوبه غرض آخر (9) يقول الكاتب المغربي عبد السلام الهراس: (وأول من دشن هذا الموضوع ــ أي رثاء الحسين ــ حسب ما لدينا من المصادر هو أبو عبد الله محمد بن أبي الخصال الشقوري الكاتب المرابطي البليغ..) (10)
وقد نقل السيد جواد شبر عن الهراس ما يلي: (كتب الدكتور عبد السلام الهرّاس مقالا عنوانه (مأساة الحسين في الأدب الأندلسي) ونشر هذا المقال في مجلة (المناهل) المغربية والتي تصدرها وزارة الشؤون الثقافية في الرباط. وفي العدد ١٤ من السنة السادسة.
وذكر شعر أبي عبد الله محمد بن أبي الخصال الشقوري، وقال: هو الكاتب المرابطي البليغ وقد استحيى مأساة الحسين وجدد ذكرى كربلاء، ولا شك إنه أنشأ عدة قصائد وقطع نثرية في الموضوع، لان الرجل كان غزير الانتاج جيّاش العاطفة، يمتح من نفس مليئة بالأحزان تنفجر من أغوار عميقة، لكن لم نسمع من ذلك الانتاج إلّا بعض الأبيات خلال قصائد نبوية، وقصيدتين رواهما ابن خير عن الشاعر نفسه كما نص على ذلك في كتابه المفيد (الفهرست) والقصيدتان حسب ما وصل عن ابن خير إحداهما على قافية النون المردفة بالألف، والثانية على قافية التاء بعد الألف. وإلى حدود السنتين الأخيرتين كان البحث يعتبرهما مفقودتين إلى أن وُفقنا أخيراً إلى اكتشافهما، فوقعنا بذلك لأول مرة على بداية واضحة صادقة لعشر بكاء الحسين في قصائد مستقلة
يقول في الأولى:
عرِّجْ على الطفِّ إن فاتتكَ مكرمةً واذرِ الدمـــــــــوعَ بها سحَّاً وهتّانا
وابكِ الحسيــــــنَ ومن وافى منيَّته في (كربلاء) مضوا مثنىً ووحدانا
يا ليتَ أنّي جريحُ الـــــطفِّ دونهمُ أهينُ نفساً تفيــــــــــدُ العزَّ من هانا
إني لأجعلُ حــــــــزني فيهما ترفاً يكونُ للذنبِ تكفيـــــــــــراً وغفرانا
للهِ عينٌ بكتْ أبنـــــــــــــاءَ فاطمةٍ ترى البكـــــــــــا لهمُ تقـوىً وإيمانا
ما سرَّني ببكـــــــــائي ملكُ قاتلهمْ ومثله معه لــــــــــــو صــحَّ أو كانا
آليتُ باللهِ لا أنسى مـصــــــــائبَهمْ حتى أضمَّنَ أطبــــــــــــــاقاً وأكفانا
فـيا محمد قمْ للهِ معتـــــــــــــــــــرفاً فإنَّ ربَّكَ قد أولاكَ إحســــــــــــــانا
لم يفرغِ اللهُ في جنبيــــــــكَ حبَّهمُ إلّا لتلقى به فـــــــوزاً ورضـــــوانا
قال الهراس: وهي تبلغ عندنا ثلاثة عشر بيتاً. أما الثانية فتبلغ تسعة وعشرين بيتاً، يقول فيها:
لهفُ نفسي على الحسينِ ومن لي إن تقضّـــي حقوقَه عبراتي
يا جنونـــــــــي برئتُ منكَ إذا لمْ تغرقي في بحورِها نظراتي
لهفُ نفسي عـلى قتيــــــلٍ يُعزى عنه خيرُ الآبـــاءِ والأمَّهَاتِ
أيّ عيشٍ يطيـــــــــــبُ بعدَ قتيلٍ ماتَ بالمرهـفــاتِ أيَّ مماتِ
حرموهُ ماءَ الفــــــــــراتِ ولولا جدّه ما سُقـوا بمــــاءِ الفراتِ
وثووا في قصــــــوره واطمأنوا وبـناتُ الرسولِ في الفــلواتِ
إنَّ في (كربلاءَ) كـــــرباً سقيماً فتنَ المؤمنيـــــــنَ والمؤمناتِ
فاتني نصركمْ بنصـلي فنصري بفؤادٍ مجدِّدُ الزفـــــــــــــراتِ
وقوافٍ موسومةٍ بدمـــــــــــوعٍ قدحتْ في توقّدِ الـجمــــــراتِ
ما بقاءُ الدمـــــــوعِ بعدَ حـسينٍ فخُذي من صميمِ قلبي وهـاتِ
أتكونُ الدمـــــوعُ فيه وفي النـا سِ سواءٌ كلا وهادي الهــــداةِ
هـوَّنَ اللهُ بعــــــدهمٍ كلَّ خطبٍ وحلت ليْ عــــــلاقمُ الحادثاتِ
ويواصل الهرّاس حديثه عن ابن أبي الخصال فيقول: ولابن أبي الخصال عدة قصائد نبوية منها قصيدته الشهيرة المسماة بـ (معراج المناقب ومنهاج الحب الثاقب) عارض بها قصائد حسان بن ثابت، وقد مخمساً أبيات أبو عبد الله محمد بن الحسن بن جيش المرسي، وبفضل هذا التخميس استطعنا التقاط أبيات من شعر أبي الخصال في هذا المجال، يقول في الموضوع الذي يهمنا ــ يقصد رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):
ويلحقهم فضلُ الشفاعةِ بالرضـى كلوا واشربوا من خيرِ أكلٍ ومشربِ
سوى أن قوماً جعجعوا بابنِ بنتِه وحفّوا به من قـــــــــــــــاتلٍ ومؤلّبِ
وانحوا على أوداجِـهِ كلَّ مرهفٍ طريـــــــــــــــرٍ وحزّوا رأسَه لتتوِّبِ
كأنهم لما أبـــــــــــــاحوا حريمه أباحوا حـــريمَ الديــــــــلميِّ المحرَّبِ
ويقول في إحدى الحسينيات:
ولو حـــــدثتْ عن (كربلاء) لأبصرتْ حسيناً فتـــــــــــاها وهو شلوٌّ مقدَّدُ
وثاني سبـطي أحمــــــــــدٍ جعجعتْ بهِ رعاةٌ جفاةٌ وهوَ فـي الأرضِ أجردُ
ولم يــــــــــــــــــــرقبوا إلّا لآلِ محمدٍ ولم يذكروا أنَّ القيــــــــــامةَ موعدُ
وإنَّ عليهمْ في الكــــــــــــــــتابِ مودَّةٌ بقرباهُ لا ينحاشُ عنها مــــــــــوحِّدُ
فيا سرعَ ما ارتدوا وصدّوا عن الهدى ومالوا عن البيتِ الذين به هُــــدوا
ويا كبـــــــــــدي إن أنتِ لم تتصـدعي فأنتِ من الصفـــــوانِ أقسى وأجلدُ
فيا عبرتي إن لـــــــــــم تفيضَ عليهـمُ فنفسيَ أسخى بالحيــــــــــاةِ وأجودُ
أتنتهبُ الأيامُ فلذةَ أحمــــــــــــــــــــــدٍ وأفلاذُ من عــــــــــــــــاداهمُ تتودَّدُ
أيضــــــــــــحى ويظمى أحمـدٌ وبـناتُه وبنتُ زيادٍ وِردها لا يصــــــــــرَّدُ
وما الدينُ إلا ديـــــــــــنُ جدِّهــمُ الذي به أصدروا في الصالحينَ وأوردوا
ينامُ النصارى واليهودُ بـــــــــــــأمنهمْ ونومُهــــــــــــمُ بالخوفِ نومٌ مشرَّدُ
وما هيَ إلّا ردَّةٌ جـــــــــــــــــــــاهلية وحقدٌ قديمٌ بالحــــــــــــــــديثِ يُؤكّدُ
يقول الهراس معقّباً على قصائد ابن أبي الخصال: إن ابن أبي الخصال يلحّ على مأساة كربلاء ويقدمها في صور شتى ويكرّر أفكاره خلال قصائده، وهو أول شاعر أندلسي ــ فيما نعلم ــ يعتبر قتل الحسين ردّة جاهلية ذلك القتل الذي كان بدافع حقد قديم يضمره بنو عبد شمس لبني هاشم قبل الإسلام وأكده الحديث، كما أبرزته الأحداث بعد الدعوة الإسلامية ويؤكد كفر القتلة نثراً في بعض رسائله بقوله: وما يلقاها إلا كل خارج عن الإسلام ومارق، كلا إن ملائكة العذاب لتدخل عليهم بالمقامع من كل باب، فأي وسيلة بينهم وبين شفاعة جده يوم الحساب
أدرك ابن أبي الخصال مكانة عالية على عهد المرابطين كما يتبيّن ذلك من إنتاجه الأدبي الغزير لكنه نشب في ثورة فاشلة عليهم مع عامل قرطبة ابن الحاج الذي كان ملازماً له بالأندلس والمغرب، وقد نجا من هذه الورطة ليعتزل الحياة السياسية ويزهد في المناصب، سيما وقد شاهد من الفتن والقلاقل والتمردات ما زهده في تلك الحياة، فلزم داره خائفاً من تلك الأحقاد القديمة ولم يسلم المترجم له حتى ذبحه بعض الجنود الأجلاف واقتحموا داره ونهبوها وكان ذلك يوم السبت (١٢ ذي الحجة سنة ٥٤٠ ه) ولما توفي الرجل كان العلماء والأدباء يقصدون قبره ويزورونه ويجيبونه بقولهم: السلام عليك يا زين الإسلام) (11)
.........................................................................
1 ــ أدب الطف ج 10 ص 305 عن الفهرست لابن خير ص 421 / ديوان القرن السادس ص 219
2 ــ أدب الطف ج 10 ص 306 / ديوان القرن السادس ص 51
3 ــ أدب الطف ج 10 ص 307 / ديوان القرن السادس ص 82
4 ــ خريدة القصر وجريدة العصر للعماد الأصفهاني ــ قسم شعراء المغرب والأندلس ج 2 ص 155 / الأعلام للزركلي ج 7 ص 95
5 ــ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ج 1 ص 161
6 ــ طبع بتحقيق الدكتور محمد رضوان الداية في دار الفكر - دمشق 1986
7 ــ المطرب من أشعار أهل المغرب ص 188 / الأعلام للزركلي ج 7 ص 95
8 ــ فهرس ابن خير الإشبيلي ص 421 / الرثاء الحسيني في الأندلس لمحمود عبد الجبار عاشور ص 207
9 ــ الحسين في الشعر الأندلس لعبد الأمير عبد الزهرة عناد الغزالي ص 168 / التشيع في الأندلس من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة للدكتور كاظم عبد نتيش الخفاجي ص 213
10 ــ التشيع في الأندلس من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة للدكتور كاظم عبد نتيش الخفاجي ص 213 عن مأساة الحسين في الشعر الأندلسي للهراس
11 ــ أدب الطف ج 10 ص 305 ــ 309 / قسم المستدركات
كما ترجم لابن أبي الخصال:
ابن الأبار ــ التكملة ص 429 / تحفة القادم ص 82
ابن سعيد المغرب في حلى المغرب ج 2 ص 260 ــ 261
ابن شاكر / فوات الوفيات ج 1 ص 392 ــ 395
الوافي بالوفيات ج 6 ص 215
أبو جعفر الضبي / بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس ص 113
اترك تعليق