دم الرضيع هي احدى الروائع الفنية التي صاغها المبدع الشاب حسن روح ضمن سلسلة اعماله الخاصة بمأثر ومظلومية اهل بيت النبوة الاطهار صلوات الله عليهم اجمعين، وقد نفذت بأسلوب واقعي وبمشهد تقريبي كأنه مشهد او لقطة فوتوغرافية .. وكالمعتاد استخدم الفنان تقنية الرسم على القماش و بالألوان الزيتية المميزة للمشاهد ولكنها اختصت عن غيرها من لوحاته هذه بقلة استخدامه للالوان وقلة الاشكال والعناصر المكونة لبنية العمل الفني .
استمد الفنان فكرة هذا الأثر الفني ذي الصبغة الروحانية من استشهاد علي الاصغر بن الامام الحسين عليهما السلام، و الذي جسد مظلومية سيد الشهداء عليه السلام بذبح رضيعه بين يديه حينما خرج حاملا طفله الرضيع بعيداً عن الخيام يستسقي له بعدما اخذ العطش منه مأخذه وهو يتلوى بعد جفاف حليب امه ولم تستطع ارضاعه من شدة العطش، فكثر اللغط بين جيش ابن سعد بين مؤيد ومعارض لإعطائه الماء كونه رضيع لكن اللعين اطلق امره بـقوله (اقطعوا نزاع القوم . .) فانبرى حرملة بن كاهل الاسدي لعنة الله عليه وقطع نزاع القوم بسهم اصاب نحر الرضيع وهو بين يدي ابيه فذبحه من الوريد الى الوريد، وقد اوضح الرسام هذا المشهد المؤلم من خلال خلق نوع من التمازج بين الواقع ومخيلة الفنان في فعل أدائي مزدوج باستجابة معرفية ووجدانية تتمثل باستلهام التعبير الديني لمشهد ذبح الرضيع سلام الله عليه للكشف عن بناءات شكلية ولونية في مستوى معرفي.. تظهر بدورها سلطة العقل التي فرضتها طبيعة الرؤية التخيلية للفنان ،وفي الوقت نفسه نلمس وجود تدخل عقلي في صميم اللوحة متمثل بالوعي في إدارة تشكيل وتصميم أجزاء اللوحة وجعلها معبرة مؤثرة رغم بساطتها وقلة عناصرها التكوينية واللونية، كاشفاً بذلك عن عالم مستقل فيه تأمل لذات الرسام والاستغراق في التمعن في الخيال الكامن في نفسه وثقافته والواقع الذي يمثله هذا الحدث الدامي للقلب.
اعتمد حسن روح الامين مبدأ البساطة في تنفيذ هذا التكوين الابداعي مجسدا ذلك من خلال حركة الخطوط والألوان الشبه دائرية، فقد عمد على تركيز نظر المشاهد الى وسط اللوحة المتمثل بالطفل الرضيع بين يدي ابيه الحسين عليه السلام وهو يحتضنه في لفافته الطاهرة المضرجة بدماء نحره الشريف المقطع الاوداج والمميزة باللون الاحمر.. اما باقي تفاصيل العمل فلم تتجاوز بعض التكوينات اللونية المعبرة وبدرجات متفاوتة من الوان الابيض والاسود والرمادي وبعض من درجات اللون الاخضر بشكل اساسي فضلا عن اللون البني المتداخل مع اللون الاحمر والرمادي، ويبدو ان سبب ذلك يعود الى محاولة الفنان الجادة لشد انتباه وتركيز الناظر إلى الموضوع الأساسي بعيدا عن خلفية الشكل .. وقد وُفق الرسام في اختزال عناصر الإيهام بالمكان بأبسط صورة وعمد إلى كسرها بذات الوقت، فباستخدامه للون الاحمر اكسب اللوحة طاقة ميل إلى الإيجابية أكثر من السلبية والتي من خلالها - الطاقة الايجابية المرافقة للون الاحمر- قام بجذب المشاهد بشدة لدخول اللوحة والاستعانة بالفراغ لتمييز واستيعاب القيمة التعبيرية للمشهد لا شعوريا مما يخلق تفاعلا وجدانيا استثنائياً مع المشهد .
استطاع حسن روح الامين في سلسلة لوحاته العقائدية المتعلقة بواقعة الطف ومشاهدها الاليمة.. أن يوظف مخيلته الخصبة وجعلها تلعب دوراً فاعلاً في توسيع دلالات واقع معركة الطف، في محاولة منه لنقل بعض تلك الوقائع للمشاهد وفهمها بدقة، حيث تعجز الأفكار والمقولات العقلية عن هذا الفهم، فاللوحة الفنية هنا تشتغل من خلال استعارات فنية من حدث واقعي يحاول الذهن ان يتفحصها لإعطاء حلول مناسبة لعملية البناء الفني والإمكانيات الروحية والعقائدية التي تحملها.. اذ جعل الفنان هذا الأداء الفني يرتبط بشكل او بآخر بحدود عميقة في ذاكرة المتلقي، من خلال تعزيز البنية المتكاملة للصور الذهنية والجمالية وبما ينسجم مع عفوية الرسام وذاته الصريحة التي تستعيد وتستعير ذات الوقت من الماضي لتكييف عناصر اللوحة مع الصورة التخيلية المنتزعة من قلب الحدث وما جرى في يوم عاشوراء.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق