تشير المصادر التاريخية ان ركب الامام الحسين (عليه السلام) استمر في مثل هذه الايام وتحديداً في يوم السادس والعشرين من شهر ذي الحجة بطريقه الى منطقة البيضة التي يسكنها بني يربوع بن حنظلة من تميم الواقعة على طريق الحج بين الكوفة ومكة المكرمة، وبالتحديد على طريق القوافل بين مكة المكرمة والكوفة.
تبين المصادر الجغرافية بأنها موضع بين العذيب وواقصة في ديار، ومع إنها أراضي ذات طبيعة منبسطة، الا ان جبالاً تخللت بعض مناطقها، ومنها جبل أديمة والشفذان([1]).
تذكر الروايات ان في هذه المنطقة أبدى الامام (عليه السلام) نهجاً جديداً في التعامل مع الأحداث، وأسلوباً مختلفاً، فاخذ يتكلم بصوت واضح عن الحكم الأموي، وطبيعة نهجه وأسلوب تعامله، وكان كلامه ملأه التحدي والمواجهة مُبيناً ان قدومه لم يكن لهوى في نفسه ولا رغبة خاصة دفعته للقدوم الى الكوفة، وحديثه يُبَين شدة الألم والمرارة التي وضعه فيها أهل الكوفة، وذلك قوله : "أيها الناس، إن رسول الله(صلى الله عليه واله) قال: من رأى سلطاناً جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله(صلى الله عليه واله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله، ألا وأن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفئ واحلوا حرام الله وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيره، قد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم، إنكم لا تلوموني ولا تخذلوني، فان تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، فانا الحسين بن علي وابن فاطمة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بابي وأخي وابن عمي مسلم، والمغرور من أغتر بكم فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغنيني الله عنكم."[2].
نستنتج من ذلك ان خطبته هذه من اشد ما صدر عنه في جميع منازل الطريق، وأقوى حديث له يواجه به أولئك الذين التزموا جانب الأمويين من ناحية، وأهل الكوفة الذين كتبوا له ثم نقضوا عهودهم التي قطعوها من ناحية ثانية، فهو يرى أن المسلمين جميعا أمام تكليف عام بوجوب النهوض لمواجهة السلطان الجائر المستحل لحرم الله، الناكث لعهد الله المخالف لسنة النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) .
جعفر رمضان
[1]شهاب الدين بن يعقوب بن عبد الله الرومي الحموي ، معجم البلدان،(بيروت: دار أحياء التراث العربي، 1979م) ، ج1، ص532.
[2]لوط بن يحيى بن سعد بن مسلم الازدي الغامدي "أبو مخنف"، مقتل الحسين ، تحقيق: ميرزا حسن الغفاري،(قم: المطبعة العلمية، 1398هـ)، ص85؛ القاضي نور الله التستري ، إحقاق الحق وإزهاق الباطل، (قم: مكتبة المرعشي، 1405هـ)،ج11، ص609.
اترك تعليق