الطريق إلى كربلاء... وادي الصِفاح انموذجا

    لم يكن الطريق إلى كربلاء ممهداً ميسوراً، بل طريق كثير العثار، صعب المسالك، في صحارى لا تعرف منافذها ولا النهايات منها، وإذا كان الفارس لا يقطعه إلا بعد عنت وشدة، فما بالك بسبعين شخصاً أو يزيدون برحالهم وأثقالهم من نساء وأطفال، وهم في جو لا يحسدون عليه من حرارة القيض وشدتها لاظل يحمي، ولا شجر يأوي، ومنازله مبعثرة متناثرة متباعدة، وحاجة أهلها إلى الماء ابلغ من حاجة القادمين إليها، وهو ابسط وصف لحالة الطريق الذي سلكه الامام الحسين السبط الشهيد (عليه السلام) وركبه.

يوافق اليوم الحادي عشر من شهر ذو الحجة الحرام ذكرى وصول الركب الحسيني إلى وادي الصِفاح .

وهو موضع بين حنين وأنصاب الحرم على يسار الداخل إلى مكة المكرمة من مشاش، وحنين، هو وادٍ قريب من الطائف  كما تشير الروايات التاريخية وهو الموضع الذي هزم فيه النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) هوازن، وقيل انه سمي بحنين بن قانية بن مهلائيل([1]).

وكذلك تبين المصادر التاريخية ان  وادي الصِفاح يكون بين حنين ومكة مسير ثلاث ليالٍ ([2])، أما سكان هذا الوادي فهم بنو سعد بن بكر، وبنو معاوية بن بكر، وبنو منية بن بكر الذين يرجعون إلى بكر بن هوازن بن منصور بطن من قيس بن عيلان من العدنانية([3]).                        

يعتقد بعض المؤرخين إن الصفاح تقع في حدود الجبال المشرعة على وادي المغمس وهي أخرها يتركها شاهد مكة على شماله، والمغمس موضع قرب مكة في طريق الطائف ([4])، وفي هذا الموضع لقي الفرزدق الامام الحسين (عليه السلام) فقال:

لقيت الحسين بأرض الصفاح          عليه اليلامق والدرق.

 

وروي عن الفرزدق ، انه قال: حججت بأمي سنة60 هـ فبينما أنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الامام الحسين، وتشير المصادر التاريخية جرى حديث بين الامام الحسين (عليه السلام) والفرزدق حين سأله عن أمر الناس وراءه؛ فقال له الفرزدق:" إن قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية" ([5]).

فقال الامام الحسين(عليه السلام) للفرزدق :" إن هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، واظهروا الفساد في الأرض وأبطلوا الحدود وشربوا الخمور واستأثروا في الأموال...وأنا أولى من قام بنصرة دين الله وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا. "([6]).

جعفر رمضان

 

[1]محمد بن يوسف الشامي،  سبل الهدى والإرشاد، تحقيق، عادل احمد عبد الموجود، (بيروت، دار الكتب العلمية، 1414هـ)، جـ5، ص352.

[2]شهاب الدين بن يعقوب بن عبد الله الرومي الحموي ، معجم البلدان، (بيروت: دار أحياء التراث العربي، 1979م) ، جـ2، ص212.

[3] للمزيد من التفاصيل حول ذلك ينظر: عمر رضا كحالة، ، معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، (بيروت: دار العلم للملايين، 1388هـ)، ص1221.

[4]محمد بن عبد الله بلهيد ، صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار، ج1، ص227.

[5]لوط بن يحيى بن سعد بن مسلم الازدي الغامدي ، مقتل الحسين، تحقيق، ميرزا حسن الغفاري، (قم: المطبعة العلمية، 1398هـ)، ص68؛ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق، محمد أبو الفضل إبراهيم، (مصر، دار المعارف، 1961م)، ج5، ص386.

([6])  يوسف بن قرغلي بن عبد الله الحنبلي سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص في خصائص الائمة،(بيروت: مؤسسة أهل البيت، 1401هـ)، ص217.

المرفقات