مكتبات كربلاء المقدسة إرث العلماء والمثقفين ورسالاتهم العلمية والعملية إلى العالَم أجمع

المكتبات في مدينة كربلاء المقدسة إرث حضاري عريق ومَعْلَم مهم من المعالم الدينية على مدى العصور ؛ لما تحتويه من ضخامة  في الكتب والمجلدات التي تنوّعت في مواضيعها وأبوابها وهي تحاكي مختلف الشرائح العمرية والمستويات الثقافية وتروي ظمأ زائريها من الكُتَّاب والباحثين والعلماء والطلبة على المستويين الحوزوي والأكاديميي وجاء ذلك نتيجة الحركة العلمية التي مهدت الطريق لها وشجعت أصحاب المكتبات على استيراد وطبع الأعداد الكبيرة من الكتب لغرض الإفادة منها إضافة إلى  تأثيرها على القارئ والمتلقي.

ولتسليط الضوء أكثر عن هذه المكتبات كان لنا لقاء مع  الشيخ بهاء الدين صاحب (مكتبة بحار الأنوار) الذي تحدث قائلاً : للكتاب فائدة كبيرة وهو غذاء الروح مما لا غنى عنه ويعتمد القارىء أساساً في شرائه على المؤلِّف فمثلاً هناك عدة كتب أُلِّفَتْ حول قصص الأنبياء من قبل بعض العلماء لكن القارئ يفضل الكتاب الذي ألفه السيد الطباطبائي (قدس سره) في هذا الاتجاه إضافة إلى كتب معتمدة في مكتباتنا مثل كتاب (السلطة) للسيد كمال الحيدري ، و(ليالي بيشاور) للسيد الشيرازي الذي هو عبارة عن مناظرات مع المذاهب الأخرى،مضيفاً إن استيراد الكتب يتم من عدة دول لكن تتصدر هذه الدول (لبنان) وخاصة (مطبعة بيروت)؛ لتميزها العالي بجودة الطباعة ، وكذلك مصداقيتها في الطبع وعدم التحريف وأيضاً لتلوينها الأحرف بألوان مختلفة ، وهذا ما يحببه القارئ , ولدينا استيراد من الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تأتي بالمرتبة الثانية لأسباب اقتصادية ويتم الاستيراد من هذه الدول عن طريق بعض الوكلاء الذين لديهم اتصال مباشر بهم, ولدينا استيراد من النجف الأشرف (سوق الحويشي) ومن بغداد (شارع المتنبي).

موضحاً أن السبب الأول لازدهار الكتب وانتشارها في مدينة كربلاء هو وجود مرقدي الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) اللذين جعلا من المدينة مقدسة مدينة علم  يتردد عليها الباحثون والمثقفون من جميع أنحاء العالم خاصة في الزيارات المليونية وليالي الخميس والجمعة حيث يزداد بيع الكتب فيها، ويؤكد بهاء الدين أن المكتبة تحتوي على كتب في مختلف المجالات،  إلا أننا نمتنع عن استيراد الكتب التي تفسد القارئ وتؤدي إلى انحرافه مثل التي تعلم السحر والشعوذة والكتب التي تعلم المرأة كيفية السيطرة على زوجها وما شابه ذلك في ظل عدم وجود أية رقابة،ولكن الرقيب الأول بعد الله (سبحانه وتعالى) هو الضمير.

فيما قال الأستاذ (ستار هادي)  صاحب (مكتبة الإمام الرضا -عليه السلام-): إن مكتبتنا لا تقتصر على مجال واختصاص محدد ففيها أبواب متنوعة كاللغة والأدب والشعر الشعبي الحسيني إضافة إلى الكتب الدينية التي تعد روح المكتبة الكربلائية، مشيراً إلى أن أغلب استيرادات الكتب من (مطبعة بيروت)؛ لما تمتلكه من مواصفات طباعية خاصة وهناك مقولة مشهورة عند القراء (الكتاب يكتب في مصر، ويطبع في بيروت، ويقرأ في العراق)إضافة إلى سعر الكتاب الذي يختلف حسب نوع  الاستيراد وهناك مكتبات تقوم باستيراد الكتب من مصادرها الرئيسة في بيروت وإيران،مبيناً أن القارئ في زمن النظام الصدامي البائد كان يواجه صعوبة بشراء الكتب الدينية أما الآن فقد اختلف الوضع له على الرغم من قلة شرائه للكتب في الوقت الحالي بعض الشي بسبب ظهور الإنترنيت ووسائل الاتصال الحديثة الأخرى , ونحن نفتخر كثيراً برواد المكتبة السابقين الذين دائماً ما كانوا يترددون علينا ومنهم سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام ظله) والسيد أفضل الشامي وكذلك سماحة السيد أحمد الصافي وغيرهم الكثير.

بينما تحدث السيد طالب صالح صاحب (مكتبة دار الزائر) قائلاً : لدينا كتب مختلفة فمنها ما يختص بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وعلامات ظهوره وكتب الحديث الشريف وتفسير الأحلام وأيضاً الكتب المتعلقة بالموت , والمجالات الأخرى الخاصة بالمرأة والأطفال والكتب الأكاديمية الجامعية وأيضاً لدينا كتب عن السياسة والاقتصاد والتاريخ الإسلامي وتاريخ ما قبل الإسلام وغيرها حيث نقوم باستيرادها من مطبعات مختلفة والتي تختلف بجودتها الطباعية فطبع النجف الأشرف يكون على شكل غلاف أما طبع إيران ولبنان فيكون على شكل مجلد (كارتون ورقي)، وأضاف : للكتب تأثير كبير على القارئ وتزيد من ثقافة المجتمع والبعض من رواد المكتبات لا يستطيع العيش من دونها فيعدونها الغذاء الروحي لهم, والإقبال على المكتبة يكون من كلا الجنسين وفي أحيان أخرى إقبال النساء أكثر من إقبال الرجال.

وأكد أحمد عباس صاحب (مكتبة أهل البيت -عليهم السلام-) قائلاً : تركيزنا في هذه المكتبات على بيع الكتب الدينية؛لأنها تنسجم مع طبيعة المكان المقدس على الرغم من وجود الكتب لدينا في مختلف المجالات ومنها العلمية (فيزياء , الكيمياء , الطب) ،وكذلك كتب الشعر الشعبي الحسيني والعامي، وتابع قائلاً: شاركنا سابقاً في عدة معارض ومهرجانات ومنها (مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي) والمعارض التي أقيمت في منطقة مابين الحرمين الشريفين وجامعة كربلاء ومن خلالها تم عرض الكتب الموجودة لدينا وبيعها للإفادة منها , ونطالب الأمانتين العامتين للعتبتين المقدستين الحسينية والعباسية بإقامة معارض للكتاب خاصة بمكتبات كربلاء سواء في منطقة ما بين الحرمين الشريفين أو المناطق الأخرى كما كان في السابق, وكأن تكون هذه المعارض خاصة بالمناسبات الدينية من ولادات الأئمة أو وفياتهم (عليهم السلام) .

وكان آخر المتحدثين (الشيخ سعد العبودي) أحد رواد المكتبات والذي تحدث قائلاً : الكتاب له فائدة كبيرة لا بديل لها ؛ لما يمتلكه من انعكاسات على القارئ أو المتلقي بغض النظر عن التطور الحاصل بالمجتمع مثل ظهورالإنترنت وانتشاره بشكل ملفت للنظر ، وكذلك وسائل الاتصال الأخرى مثل الحاسبة وأجهزة الموبايل الحديثة والقنوات الفضائية , وهناك فارق كبير بين الكتاب والإنترنت ، فالمعلومة المأخوذة من الكتاب تبقى راسخة في ذهن القارئ على العكس من المعلومة الأخرى المأخوذة من الإنترنت أو وسائل الاتصال الأخرى بغض النظر عن تأثيرها الكبير على المتصفح من خلال تسببها بأمراض العين، مبيناً أن من أشهر الكتب المتوفرة والمعتمدة لدينا نحن كمذهب الإمام الصادق (عليه السلام) والتي تحظى باستحسان القارئ والإقبال عليها بكثرة هي كتب الشيعة الأربعة: (من لايحضره الفقيه) للشيخ الصدوق ، (الاستبصار) ، و(التهذيب) للشيخ الطوسي ,(الكافي) للشيخ الكليني، وهذه الكتب روائية وفيها مجموعة كبيرة من الروايات لكل المسائل العلمية, وكتاب الكافي للمذهب الجعفري وحده يعادل ثلثي ما كتبه أبناء العامة من الروايات.

وفي سؤالنا له لماذا المصحف الشريف يهدى ولا يباع ؟  

أجاب : بالنسبة للمصحف الشريف فإنه يختلف عن باقي الكتب لا يباع ولا يشترى، بل يقدم هدية، وبمبلغ مالي معين ؛لأنه كتاب الله العظيم ،وفيه رسالة النبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والهداية التي جاء بها للبشر لمن أراد السبيل ، وكذلك هو هبة من الله تعالى , ويجب الحفاظ عليه حتى لا تتكرر مسالة تحريفه كما حدث في السابق .

إبراهيم العويني

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات