ملجأ الحيارى..

ابدع الفنان المسلم في تنفيذ التكوينات الفنية المعمارية ومزيناتها الجمالية في المساجد والمراقد المقدسة وبالخصوص عند مراقد الائمة الاطهار عليهم السلام ، وقد كانت ولا زالت بلا شك تعد من اجمل التعبيرات الجمالية في المحتوى الشكلي والروحي، إذ أن اصطباغ المراقد الطاهرة بمظاهر التكوينات الفنية المعمارية والزخرفية، يعزز بشكل او بآخر من التنوع الحامل لها.. كونه يعد وسيلة تنظيم مهمة لتأسيس ناتج جمالي استثنائي، فعلى الأبواب الخاصة بالمراقد المقدسة وواجهاتها ودواخلها نجد الزخارف الإسلامية بشتى أنواعها وتشكيلاتها.. والتي نجد فيها تجريدات فنية ارتبطت بفكرة الانعزال عن الواقع التشخيصي أو المادي للأشكال.  

فالصورة التزيينية المجردة للفن الاسلامي والمتمثلة بالزخرفة والتجريد الهندسي الخالص والخط العربي، إنما هي نوع من الصور الفنية اليدوية التي من شأنها تحويل قوة النفس إلى فعل يستطيع بدوره تحريك المادة الخام وتحويلها لأشكال جمالية مجردة على السطح الفني.. والعقل هنا من شأنه تنسيق الأجزاء والهيئات والاحجام بالمقادير والألوان وسائر الأحوال الاخرى وجعلها مؤثرة في نفس المشاهد المتلقي.. وهذا ما يتحقق فعلياً حينما نتلمس جمال وهيبة العمائر الاسلامية ونقوشها الرائعة عند زيارتنا للعتبات المقدسة في العراق وسوريا وايران .

الحرم الرضوي المطهر..

يقع الحرم الرضوي المطهر في قرية سناباد احدى قرى منطقة طوس القديمة في ايران-  مدينة مشهد حالياً-.. ويتميز هذا  المشهد المقدس بمعالمه الفنية  والعمرانية الرائعة، حيث بني وزين على ايدي امهر الفنانين وبطراز شرقي ذي هيئة مميزة عن غيره من مراقد الائمة الاطهار سلام الله عليهم .

فلو تتبعنا تلك المعالم من داخل الحرم الى خارجه وعبر بعض مراحله التاريخية لوجدنا ، ان اول حجر وضع للمضجع الشريف ، كان من حجر الرخام وقد نقشت عليه عبارات بالخط الكوفي تضمنت آيات قرآنية واسماء المعصومين عليهم السلام ، وقد حظي هذا الحجر بأهمية خاصة نظراً لقدمه ونوع الخط المنقوش عليه ، فضلا عن انه تم نصب هذا الحجر منذ بدايات القرن السادس الهجري، والتاريخ المؤرخ على الحجر هو عام 516 للهجرة ويحتفظ به حالياً في المتحف الرئيس التابع للعتبة الرضوية المقدسة ، وتطور شكل الحجر وحجمه حتى اصبح الى ماهو عليه اليوم ، حيث يتوسط الضريح المقدس  الذي شمله  التغيير هو الآخر في الحقب الزمنية المتعاقبة ، وتم نصبه بشكله الحالي ليضم حجر المرقد والصندوق معاً.

في العام 957 للهجرة أمر الشاه طهماسب الصفوي ببناء صندوق بغطاء ذهبي سميك على المرقد الشريف ، وفي مرحلة لاحقة تم وبأمر من الشاه عباس الصفوي إنشاء صندوق مطلي بالذهب يتضمن آية الكرسي الشريفة وذكر الصلوات على محمد وآله  صلوات الله عليهم وأشعاراً باللغة الفارسية نقشت بخطي الثلث والنستعليق، ونصب على المرقد انذاك  وبقي على هذا الحال حتى نصب ضريح جديد على المرقد المقدس خلال الاعوام القليلة الماضية .

اما فيما يخص المعالم المعمارية البارزة للحرم المطهر من الخارج ، فيرى الزائر ان المعلم العمراني الأبرز هو القبة  الذهبية

التي تبدو كأنها الشمس الساطعة، التي تحتضن البقعة الرضويّة المطهّرة ، ولا ريب أنّ أبرز مظهر يدلّنا من بعيد على المرقد الشريف هو تلك القبّة الصفراء المتلألئة من جميع جهاتها ، لتجذب عيون الزائرين القاصدين من جميع أطرافها، لتنحنيَ القلوب قبل الرؤوس تحيي ابن موسى الرضا عليهما السلام .

اما المعلم الاخر البارز ضمن مجموعة معالم العتبة الرضويّة المقدّسة المبهرة للناظرين ، فهي المنائر المستدقة الاطراف التي ترتفع عن القبة بطرازها الفريد والمبنية بطراز يتسم بالروعة والجلال، وتقع واحدة منها قرب القبّة المطهّرة وتعلو الإيوان الذهبيّ إلى جهة الصحن القديم ، والأخرى تقع إلى جهة الشمال من القبّة لتعلو الإيوان العبّاسي هناك، اضافة  الى وجود منارتين صغيرتين على أعلى البابين الشمالي والجنوبي للصحن ويبدوان كأنهما باقة من الزهور ، وهناك منارتان أعلى الباب الشماليّ والجنوبي من صحن اخر وهما مطليّتان بالذهب ومزينتان بالقاشاني الرائع .

ولا يخفى على الناظر ما للاواوين المنتشرة في ارجاء الحرم المقدس من جمال استثنائي ، فهناك الايوان الذهبي الواقع في الجهة الشمالية لدار الشكر او دار الشرف هو من أحد الطرق التي يتشرف من خلاله الزوار الى داخل الحرم الرضوي. سطح جدران هذا الايوان وسقفه تم بناؤه بالكامل من اللبنة الذهبية، ويتمتع بجمال وعظمة خاصة ، وايضا هنالك الايوان العباسي الذي يعد من  المعالم الأثرية المتبقية من عهد حكم الشاه عباس الصفوي ومن هنا جاءت تسميته كذلك بالايوان العباسي. وتقوم على هذا الايوان إحدى المنارتين الذهبيتين للمرقد المقدس ، اما الايوان الغربي او ايوان الساعة فيتميز بجوانبه المزخرفة  بالكتيبات والقاشاني المعرق ، هذا فضلا عن الايوان الشرقي او ايوان النقارة الذي لا يقل جمالا عن نظرائه  في جنة ثامن أئمّة الحقّ عليّ بن موسى الرضا صلوات الله عليه .

هناك ثلاث بوابات لدخول المرقد وضريح الامام الرضا سلام الله عليه اولها بوابة الشيرازي والتي تقع على امتداد شارع  الشيرازي المودي إلى الحرم..  والبوابة الاخرى هي بوابة النواب صفوي وهي تقع على امتداد شارع نواب صفوي المؤدي الى الحرم ايضاً .. وهناك ايضاً بوابة الطبرسي والتي تقع في  نهاية امتداد شارع  الطبرسي المؤدي الى الحرم.

 

ويتميز المشهد الرضوي الشريف بأروقته الرائعة التصميم والارتفاعات المختلفة، وقد تم بناءها تدريجياً في أطراف الروضة المباركة التي شهدت العديد من التطورات بتعاقب الحكومات والفترات الزمنية، فالحرم الرضوي الشريف يشتمل على اروقة عديدة  يقترب عددها من الثلاثين رواقاً ويمتلك كل منها موقعاً مکانیا وأبعاداً جمالية استثنائية، واقدم هذه الاروقة هو رواق رواق دار الحفاظ وأكبرها رواق الخمینی، وأصغرها رواق دار العزة وقد ميزت كل هذه الاروقة باستباق اسمها بكلمة دار والتي تكون هنا بمعنى ردهة البیت.

اعداد: سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات