الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 20/شعبان/1440هـ الموافق 26/ 4 /2019م :

ايها الاخوة والاخوات..

عنوان الخطبة الثانية (جيل الشباب والتحديات المعاصرة)

من المعلوم ايها الاخوة والاخوات ان جيل الشباب يمثل مكمن القوة والقدرة والحيوية والابداع والتألق  والعطاء بالنسبة الى الامّة، ولذلك يعتبر جيل الشباب مرتكز الاداء للوظائف والمهام الاساسية في الحياة.

ومن هنا اعتنت الشريعة الاسلامية والمجتمعات الواعية المتحضرة ببناء جيل الشباب والاعتناء بتربيتهم وبناءهم في جميع مجالات الحياة البناء الصحيح وفي نفس الوقت اعطت الاهتمام الكافي لتحصينهم وحمايتهم من الانحراف والفساد والضلال، ويكفي لنا ايها الاخوة والاخوات ما يدلنا على الاهتمام الشديد من الشريعة الاسلامية بجيل الشباب وصلاحهم ان بعض الاحاديث اعتبرت الشاب الصالح في عداد اولئك السبعة الذين يظلهم الله تعالى بظله وجعلته ربما يعادل الامام العدل..

لنتعرف على بعض المخاطر والتحديات المعاصرة التي يمر بها جيل الشباب، مكمن القوة والحيوية والنشاط والتألق والابداع في معظم هذه المفردات لدى الشباب، طبعاً هذا لا يعني ان هذه العناصر غير موجودة في البقية ابداً بل هو هذه المرحلة هي طبيعتها من مراحل حياة الانسان كما أشارت بعض الايات القرانية ان مركز القوة والعطاء انما يتمثّل في هذه المرحلة من الحياة وقبلها مرحلة الطفولة وبعدها مرحلة الشيخوخة لذلك تعتبر مرتكزاً اساسياً في بناء المجتمع ومن هنا ينبغي ان يتوجه الاهتمام اليهم..

أهم المخاطر والتحديات التي يواجهها الشباب هو الغزو الثقافي والمعرفي والاخلاقي..

ماذا نعني بالغزو الثقافي والمعرفي ؟

هل نعني الغزو في مجال المعارف الاساسية كالعقيدة والسلوك..؟ لا أبداً..، جميع مجالات الحياة بالنسبة للشباب مهمة سواء ما كان يتعلق بالعقيدة او المعرفة العامة او الاخلاق او المبادئ القيم او التطلعات او التوجهات او الاماني او العادات او التقاليد كل هذه الامور هي مصاديق للثقافات التي يحتاج اليها الشباب حتى في التطلعات وحتى في الاماني والرغبات والعادات والتقاليد الشاب يحتاج ان يعرف الثقافة الصحيحة في هذه الامور ما هي توجهاته الصحيحة؟ ما هي اهتماماته الصحيحة؟ وما هي المبادئ الصحيحة في حياته؟ ليس فقط عقيدة، مع انه هذه هو الاساس طبعاً، لاشك ان المعرفة العقائدية هي الاساس التي يرتكز عليها الانسان في حياته ولكن هناك مجموعة من الثقافات..

الآن مكمن الخطورة أين اخواني ؟

نجد الآن كل هذه الثقافات والمعارف انفتحت على الشباب في خضم التطور التكنولوجي في عالم الاتصالات، هناك سيل عارم بل سيول عارمة من الثقافات والمعارف والعادات والمبادئ والاخلاق والقيم والاماني والتطلعات تُضَخ الى الشباب ليس في صورة يومية بل في كل دقيقة من دقائق اليوم الواحد في حياة الشاب.. وهذا شاب في مقتبل الحياة لم ينضج في مجال المعرفة وان كان البعض لاشك قد يكون اكثر نضجاً من بعض الكبار لكن هو قليل الخبرة في الحياة لم تكتمل معارفه ولم تكتمل المبادئ التي يحتاجها في الحياة لم يخض الحياة بصورة دقيقة وكاملة هذا السيل العارم هو يظل في حيرة أي واحد من هذه الثقافات والمعارف صحيحة.. قد تغويه وتخدعه بعض المعارف والثقافات التي قد تطرح في هذه الوسائل الكثيرة المغرية والجذابة والفاتنة التي تفتن الانسان لذلك قد يتنبى الكثير من هذه الثقافات لديه وهي ثقافات ضارة وخادعة لذلك نحتاج هنا كما سنبين من خلال المعالجات ما هو الطريق الصحيح في هذه المسألة..

ايضاً من الامور التي تواجه الشباب هو الشعور بالاحباط والضياع واليأس والقلق.. هذا الشاب هو اجهد نفسه واسرته ايضاً اجهدت نفسها حتى وصل الى مرحلة من العلم والمعرفة وتخرّج أو وصل الى مرحلة من القدرات الفنية والمهنية أو لديه طاقة من الابداع والتألق ثم يحاول ان يفرغ هذه الطاقة والابداع وما توصل اليه وما حصّل عليه من ثمار العلم والمعرفة والقدرات المهنية يحاول ان يُفرغ ويوظّف هذه الطاقات في ما هو نافع. لا يجد شيئاً من ذلك فقد يضطر ان يُفرغ هذه الطاقة في أمور لا نفع فيها او في امور ضارة، الانسان حينما تكون لديه قدرة وطاقة يريد ان يُفرغ هذه الطاقة والقدرة والتعلّم الذي ناله خلال سنين حياته ان لم يجد فرصة نافعة لكي يُفرغ هذا العلم الذي لديه حينئذ قد يضطر او يُصاب بالاحباط والقلق واليأس..

هذه مشكلة تواجه شبابنا في الوقت الحاضر..

ايضاً من الامور والتحديات المهمة التي يواجهها الشباب هو العوز والحرمان المادي والعاطفي..

الشاب في هذه الفترة يشهد القمّة في مسألة الغريزة والعاطفة ويحتاج الى الإشباع لإحتياجاته المادية والعاطفية والنفسية والمعنوية حينما لا يجد إشباعاً بطرق محللة وصحيحة قد يلجأ خصوصاً اذا كان رفاقه من اصدقاء السوء يضطر ان يُشبع هذه الحاجات من طرق محرمة ومُفسدة ومنحرفة فيؤدي ذلك الى حصول هذه المخاطر لهؤلاء الشباب والمجتمع..

ايضاً من الامور والتحديات المهمة هي النظرة الدونية الى الشباب..

التفتوا اخواني احياناً البعض مِنّا يُقلل من شأن بعض الشباب الذين لديهم قدرات ولديهم طاقات ولديهم ابداع ومواهب..

انا انسان كبير وهذا الشاب بعد ما يزال في مقتبل العمر ما مقدار مرتبة علمه اتجاه علمي ما مقدار كفائته اتجاه كفائتي ما مدى قدراته تجاه قدراتي..طبعاً الشباب والشابات الجميع مشمولين بذلك.. فالبعض يستصغر ويقلل من شأن طاقات الشباب هذه مسألة خطيرة اخواني خصوصاً في مجالات العمل.. ما هي النتيجة ان هذا الشاب سنقتل فيه الطموح ونُميت فيه القدرات ونحرم المجتمع من امكاناته وطاقاته وقدراته وابداعه وتألقه وايضاً نحطم نفسيته ومعنويته ونقتل فيه الطموح الذي يُمكن ان ينفع فيه المجتمع..

لذلك اخواني دائماً حاولوا ان تنظروا الى الشباب نظرة الاحترام وحاولوا ان تستكشفوا فيهم القدرات والطاقات والقابليات وحاولوا ان توظفّوا هذه الطاقات..

ايضاً من الامور التي تهدد الشباب هي المسألة التي تصيب الكثير هي مسألة الاعتداد والغرور والرضا بالنفس..

بعض الشباب يرى انه لديه علم ولديه عقل ولديه قدرة او موهبة يغتر بنفسه.. فتراه يصيبه الغرور والاعتداد بالنفس يضاف الى هذا قلّة الخبرة في الحياة فيجد الشاب نفسه ان ما يعتقد به هو الصحيح وما لديه هو الصحيح، فإذا جاءه انسان آخر قال له انت الذي تسير فيهِ على خطأ هذا ليس بصحيح..لا يقبل بذلك بسبب ما يصيبه من حالة الغرور والاعتداد بالنفس يُضاف اليها قلّة الخبرة لذلك قد ينزلق الى مزالق خطيرة وهذه من التحديات التي يمرّ بها الشباب..

ايضاً من المسائل المهمة عدم تبلور المفاهيم الصحيحة للحياة الحقيقية..

ما هو مفهوم النجاح الحقيقي الذي يحقق السعادة والكمال للانسان؟

انظروا الى الآيات القرآنية يُذكر فيها كلمة الفلاح (قد أفلح المؤمنون) (اولئك هم المفلحون) الفلاح هو النجاح، الايات القرانية الكريمة والاحاديث واهل الخبرة والعقل والرأي في المجتمع يبينون لنا ما هو مفهوم النجاح الكامل والحقيقي للحياة التي ينشدها الانسان..

البعض يتصور المال والبعض يتصور السلطة والبعض يتصور الجاه والبعض الدراسة الاكاديمية وان كانت هذه من الامور المطلوبة فالدراسة الاكاديمية لابد منها عنصر اساسي في تحقق التقدّم والتطور هو الدراسة الاكاديمية.. أين الخطأ؟ ان اوجّه كل اهتمامي وعنايتي لهذه الدراسة وهذه العلوم فقط واُهمل المبادئ والقيم والاخلاق والجانب التربوي في الحياة واُهمل النظرة الحقيقية الى الخالق والصانع وحياة الدنيا والحياة الاخرة.. وهذا الخطأ.. لاحظوا اخواني مطلوب ان ابنائنا ينجحون في المدارس فتطور المجتمع ورُقيّه يعتمد على هذا التطور العلمي والدراسة الاكاديمية ولكن علينا ان نُفهم اولادنا يا أولادنا وبناتنا النجاح في الحياة الدراسية والنجاح في العمل مطلوب ولكن النجاح والسعادة الحقيقية لحياة الانسان يتوقف على ان اعرف خالقي ما هي علاقتي بالخالق وهذه الحياة الدنيا ما بعدها أي شيء؟ ما هو مبدأي وما هو مصيري؟ علاقاتي الاجتماعية مع الاخرين وعلاقتي داخل الاسرة ومع الابوين ومع الارحام ومع ابناء المجتمع والمبادئ والقيم والاخلاق والعادات والتقاليد والهوية كل هذه الامور مطلوب ان افهمها وافهم دورها في الحياة واعطيها حقّها في الحياة..

لابد ان يفهم الطالب في الدراسة الاعدادية وفي الدراسة الجامعية ان يفهم الجميع ان الحياة الحقيقية والسعيدة للانسان تتقوم بمجموعة من العناصر..، عقيدة معرفة ثقافة اخلاق تربية مبادئ قيم هذه امور لابد ان يفهم الانسان الشاب ان حياته الناجحة والسعيدة تتوقف عليها، كذلك الاهتمام بمسألة العمر والوقت والصحة والعافية امور كثيرة يحتاج اليها الشاب..

هذه من التحديات التي يمر بها الشاب ويحتاج ان نُفهم الشاب ما هي المعرفة الصحيحة وما هي الثقافة الصحيحة وما هي المبادئ والقيم ولعل الوقت لا يسع ان نذكر المعالجات المطلوبة نذكرها ان شاء الله في خطبة قادمة..

نسأل الله تعالى ان يحمينا ويعصمنا ويحمي شبابنا.. اخواني ابنائي انتم الرجال الكبار المؤسسات والمدارس والجامعات وسائل الاعلام ومؤسسات المعرفية والثقافية عليكم ان تعتنوا بالشباب هم عمادنا في المستقل وهم املنا في المستقبل وهم مركز القوة في المجتمع وعلينا ان نعطيهم الاهتمام الذي يستحقونه خصوصاً في المجالات المهمة... والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

حيدر عدنان

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات