أمل المستضعفين في الأرض ... إمام العصر الحجة المهدي

في الخامس عشر من شهر شعبان المبارك ولادة الإمام الحجّة المهدي "عجل الله فرجه" ونحن أمام مسألة إسلاميّة يلتقي المسلمون بها، الا وهي قيادة الأمّة لأنّ الإمام المهدي يأتي على أساس أنه إمام الأمّة، لإنقاذها كلّها، وهو لا يفرِّق بين موقع وآخر، يأتي"ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بالإسلام، كما مُلئت ظلماً وجوراً بالكفر. لذلك، ماذا نستوحي من الذكرى؟ هل يوحي بعضنا إلى بعض أننا لسنا مسؤولين عن تغيير العالم، فالإمام الحجة "عليه السلام" هو المسؤول فقط ، هل نكّون أمّة تعيش الاسترخاء ولا تعيش مسؤوليتها أمام التحديات؟ هناك بعض الناس الذين يفكرون بهذه الطريقة، فيتحدثون بأن علينا أن ننتظر مكتوفي الأيدي، وأن لا يكون همنا هو رفع راية الإسلام! أو إن ليس لدينا وظيفة تجاه الدين والمجتمع في زمن غيبته، فهل صحيح أن القضية كذلك؟!هل أن الله جمّد دعوتنا إلى الإسلام طيلة هذه الأزمان؟ هل أن الله جمّد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل إصلاح الواقع؟.

ومن هنا لا بد أن نؤكد عقيدتنا بأئمتنا لأنّ النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله"، أخبرنا بذلك بطريقتين، كانت الأولى تتمثل بقوله "صلى الله عليه واله":" إنِّي تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا بعدي ... كتاب الله، حبْلٌ ممدودٌ من السَّماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ، فانظروا كيف تَخلُفوني فيهما " [1]، يتضح من الحديث النبوي هم أئمة أهل البيت "عليهم السلام" وليس كلّ من ينتسب إليه بقرابة، ولذلك ان النبي الاكرم محمد يؤكد بقوله: "فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"،  أي ما دام كتاب الله المقدس يمتد على طوال الزمن، اذن هناك رجل من الائمة المعصومين من أهل البيت "عليهم السلام" يمتد مع ذلك الزمن.

أما الطريقة الثانية والذي يمثل الخط الخاص قد اشار النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله": "لا تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يطابق اسمه اسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً"[2]،  وعليه فإن عقيدة المهدي هي عقيدة الامة الإسلامية وليست عقيدة خاصة بالشيعة المسلمين، والمسلمون أجمعهم يعتقدون بالأمام المهدي "عجل الله تعالى فرجه"  الذي يظهر في آخر الزمان، وعلى الرغم قد يختلفون في تفاصيل مولده وما إلى ذلك. ولكن ان أساس هذه العقيدة هو قول النبي الاكرم محمد، وما جاء بعد ذلك عن الأئمة المعصومين "عليهم السلام".   

أما سرّ غيبة الامام المهدي، يتضح من النصوص الواردة عن النبي الاعظم واهل البيت "عليهم السلام"  حول قضيَّة الإمام المهدي" عجل الله فرجه الشريف" وهي غيب من غيب الله، على أساس عقيدة الإماميَّة، ولقد كتب الكثيرون عن بعض فلسفة هذا الغيب، بالرغم اننا لا نقول بأن الحياة بنيت على الغيب، وإنما بنيت على أساس القوانين الطبيعية من السنن الكونية والسنن الاجتماعية والتاريخية التي أودعها الله في الكون وفي الحياة، ولكن هذا لا يمنع أن تكون هناك منطقة للغيب يختص الله بسرها كما اشار الله تعالى في كتابه ﴿لا يُسأَل عما يفعل وهم يُسألون﴾[3] .

اما ماذا نستوحي من الذكرى هل يوحي بعضنا إلى بعض أننا لسنا مسؤولين عن تغيير العالم، فالإمام الحجة "عليه السلام" هو المسؤول، وعلينا أن نبقى في انتظارنا له ليقدم لنا النصر؟ وغيرها من تلك الاسئلة  يمكن القول إن القرآن  الكريم بين لنا هذا بشكل شاملاً مطلقاً، فلم يكن ذلك متعلقاً بزمن معين، وإنما أطلق الدعوة في مدى الزمن، فالدعوة بدأت كمسؤولية  النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله"، واصبح على  كل مسلم مسؤولية الا وهي   أن يدعو إلى الله تعالى ،  وذلك كلٌّ حسب طاقته ظروفه ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا  لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾[4]. كذلك امرنا الله تعالى أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في مدى الزمن وفي كل مكان، وجعل ذلك من أعظم الأسباب لصلاح المجتمعات ونجاتها من عقاب الله  في العاجل والآجل ولهذا يقول الله تعالى﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[5] ، وعليه عندما نتصور أن الامام المهدي "عجل الله تعالى فرجه الشريف"  يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فهذا يعطينا الأمل بأن العدل ليس مستحيلاً.

كذلك ليس صعبا علينا ان نصنع عدلاً جزئياً بانتظار العدل الكلي، وأن نكون مع الناس المظلومين في أي مكان حتى لو كانوا كفاراً، وأن نكون ضد الظالمين في أي مكان حتى لو كانوا مسلمين، لأن العدل هو هبة الله للناس.

واذا كتبنا عن الإمام الحجة "عليه السلام" على أنه العدل ، يجب علينا أن نستلهم منه هذا العدل، وأن نسير بهذا الطريق، فلا نرضى بظلم ظالم، سواء كان فرداً أو مجتمعاً أو حكماً، بل نعمل لنقف ضد هذا الظالم ،حتى ننشر العدل في الكون كلّه، كذلك علينا أن نكوّن جبهة المستضعفين في الأرض الذين يعملون من أجل إسقاط المستكبرين، لنؤكد وعد الله ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾[6]

نستلهم من ذكرى ولادة صاحب العصر والزّمان الانتظار ونحن في الطّريق إلى الحريّة والعدالة، وان نكون أمّة تواجه كلّ الأمم المستكبرة الّتي تريد أن تستعبدنا. كذلك نستلهم من ولادة الامام المنتظر "عجل الله تعالى فرجه الشريف" الانفتاح على العالم وان نخرج أفكارنا وعواطفنا ومشاعرنا من هذه الزنزانة الضيّقة، ويمكن القول ، يتضح من النص "يملأ الإمام الأرض قسطاً وعدلاً" ؟ لأنَّ عقل الامام سوف يكون عقل العالم، ولأنَّ قلبه سوف يكون مفتوحاً للعالم، ولأنَّ حركته لن تتجمَّد في زاوية عرقيّة أو إقليميّة أو قوميّة أو ما إلى ذلك.

اللّهمّ أرنا الطّلعة الرّشيدة والغرّة الحميدة، واجعلنا من أتباعه وأشياعه والمستشهدين بين يديه، واجعلنا من السّائرين في خطّ الولاية، اللهم المم به شعثنا، واشعب به صدعنا، وارتق به فتقنا، وكثّر به قلّتنا، واعزز به ذلتنا، وأغنِ به عائلنا، واقضِ به عن مغرمنا، واجبر به فقرنا، وسدّ به خلتنا، ويسّر به عسرنا، وبيّض به وجوهنا، وفكّ به أسرنا، وأنجح به طلبتنا، وأنجز به مواعيدنا، واستجب به دعوتنا، وأعطنا به سؤلنا، وبلّغنا من الدنيا والآخرة آمالنا، وأعطنا به فوق رغبتنا .

جعفر رمضان

 

[1]أخرجه الترمذي ، ص3788)؛ الفَسَوي ، المعرفة والتاريخ،ج1، ص536؛  الشَّجري ، ترتيب الأمالي، ص738 ؛ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ، ج 27، ص 34.

[2] محمد باقر المجلسي ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (طهران: احياء الكتب الإسلامية)،ج51،ص72.

[3] سورة الانبياء ،الآية 23.

[4] سورة البقرة ، الآية 286.

[5] سورة التوبة ، 71

[6] سورة القصص، الآية 5

المرفقات