تناول ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة السيد أحمد الصافي خطيب وإمام الجمعة في كربلاء المقدسة في خطبته الثانية من صلاة الجمعة التي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف في(24/ربيع الأول/1436هـ)الموافق(16/1/2015م) عدة أمور :
أعرض على مسامعكم الكريمة الأمر التالي :
إن الظرف الذي يمر به البلد من الناحية الاقتصادية يستدعي أن يقف كل الإخوة المعنيين بسياسة البلد وقفة مسؤولة تتناسب مع حجم المشكلة وإن المعطيات الحالية التي لها علاقة بوضع البلد الاقتصادي تنبئ عن مشكلة قد تحدث لا سمح الله إذا لم توضع معالجات سريعة وواقعية.
إن الميزانية التي وضعها المعنيون بها كانت قد اعتمدت سعراً معيناً للنفط الذي هو العصب الرئيس لاقتصاد العراق في الوقت الحالي ولكن سرعان ما هبط هذا السعر إلى أدنى من الحد الذي وضعت له فضلاً عن عدم وجود احتياطي معتد به ولا نعلم مدى دقة الأرقام التي تذكر في بعض الأحيان عن كمية الصادرات وكمية العائدات إذ إن ذلك له مدخلية مهمة في حسابات الميزانية ومع ذلك لابد أن نلاحظ مجموعة أمور:
الأول :
لابد من إعادة النظر في الموازنة وإعدادها بطريقة تتناسب مع وجود مشكلة حقيقية قد لا تنتهي في وقت قريب ونقصد بها الانخفاض الكبير في أسعار النفط فإن أخذ الحيطة في هذا الظرف أمر مستحسن وجيد ولابد من وضع الدراسة والأعداد على أدنى مستوى يمكن أن يصل إليه الانخفاض... نعم نحن لا ندعو إلى تأخر الميزانية لكن في نفس الوقت لا نحبب إقرارها بلا أن تدرس الظروف المحيطة بنا دراسة علمية رصينة خوفاً من مشاكل مستقبلية قد يصعب حلها.
الثاني :
إن مسألة ضغط النفقات إلى أدنى حد ممكن هي مسألة صحيحة لكن لابد أن يُصار إلى مناقشة هذه الفكرة بشكل دقيق وهو إبقاء الأمور الضرورية فقط وإيقاف الصرف غير الضروري أو الكمالي على أن لا يمس ذلك الطبقات المحرومة والفقيرة وأن يكافح الفساد المالي مكافحة حقيقية وجديّة مثلاً : هناك بعض الأمور التي تصرف من أجلها الأموال لكن لا نجد لها تأثيراً واضحاً من قبيل كثرة الإيفادات إلى خارج العراق ولعل هذا يشمل أغلب مفاصل الدولة فإن الإيفادات أصبحت سمة غالبة في وقتنا وكم من مال يُصرف على ذلك وما هي الفائدة التي انعكست على البلد نعتقد أن هذا الأمر وأمثاله يحتاج إلى معالجة وهو ليس من الأمور المستعصية.
الثالث :
إن مسألة ضغط النفقات لابد أن يرافقها بعض الإجراءات الحقيقية من الدولة ولعلّ من جملتها الاعتماد على السوق الداخلية في التبضع وقد ذكرنا ذلك مراراً لكن نريد أن نزيده توضيحاً مثلاً : بعض المحاصيل الزراعية التي تكون موسمية سواء تكون في فصل الشتاء أو الصيف لا تحتاج إلا إلى دعم بسيط من الدولة والدولة قادرة عليه فبأدنى دعم ستتوفر هذه المحاصيل وتقل الحاجة في الاعتماد على المادة المستوردة بشرط أن يرافق ذلك حماية حقيقية لهذا المنتوج وتكون الفائدة عائدة على المواطن والدولة معاً ومثاله في بعض المعامل التي هي جزء من بعض الوزارات كوزارة الصناعة وهي معامل لها قوة إنتاجية عالية وبعضها حاصل على شهادة الجودة العالمية فلماذا يُترك ولا يُلتفت إليه، مع أن بعض حاجات الدولة في المؤسسات المدنية أو العسكرية تحتاج إلى ما تنتجه هذه المعامل لكنها لا تفعل إلا أن تستورد هذه المادة من الخارج ونحن لابد أن نشجع الاقتصاد الداخلي وصناعاته سواء وُجدت أزمة ام لا ... فكيف إذا مررنا بأزمة فعلية كما هو المشاهد الآن... وهناك أمثلة كثيرة على ذلك فالمحصلة أنه لابد أن تتخذ إجراءات صارمة في ذلك.
الرابع :
سبق وأن ذكرنا أن بعض العقول الاقتصادية والمالية والكفاءات بصورة عامة لابد أن يسلّط الضوء عليها والاستفادة منها ولعل في جامعاتنا من يستطيع أن يجد حلولاً كثيرة ومتنوعة وفي مجالات مختلفة شريطة أن يهيئ لها الظرف الجيد وتستقطب من جهات الدولة المختلفة وعليه لابد أن تنفتح الدولة على هؤلاء الأساتذة والعلماء باستشارتهم والأخذ بآرائهم في طريقة معالجة الأمور سواء الأمنية أم الاقتصادية سواء في داخل العراق هذه العقول أو في خارجه إذ أليس من المستغرب أن يوجد العشرات بل المئات من الطاقات العراقية المبدعة متفرقين في دول العالم ومنتجين فيها ونحن بأمس الحاجة اليهم ...
إذا كانت السياسات الظالمة هي التي أبعدتهم فيجب على السياسات الحالية أن تُعيدهم وهذه مسؤولية الدولة بشكل مباشر...
أحب هنا إخوتي أن أنوّه في ختام ذلك أننا لا ندعي ما ذكرناه من العقول ادعاءاً فارغاً ولكن كثرت وتواترت الشواهد والمعلومات بشكل كبير مما يستدعي أن تكون الدولة جاذبة لهذه العقول في داخل البلد وفي خارجه ...
عَلِم الله إخواني كم من أطروحة علمية ومقال ورأي من أهل الاختصاص يُعرض لحلّ المشاكل لكنه لا يجد من يحتضنه ... وكم من شخص عالم تفاعل وذهب إلى أهل القرار لكنه بعد يوم أو أسبوع أو شهر يصطدم بالطريقة التي يُتعامل فيها إلى أن أصبح يائساً غير مكترث بسبب الطريقة التي قوبل بها...وكم من شخص عالم جاء وفي نفسه وفي قلبه آمال أن يُنعش هذا البلد بعد سنوات الغربة التي قضاها وجاء فرحاً مبتهجاً لأنه سيُقابل بالأحضان لكنه اصطدم بالطريقة التي يُتعامل فيها ... هذه مسؤولية من؟ وهذه قناعة من ؟؟! على الدولة ... الآن نشعر بالخطر... على الدولة أن تتبنى العلماء العراقيين والمفكرين سواء في جامعاتنا أو مؤسسات الدولة أو الذين هم خارج البلد ...هناك مشاكل مع تعظيمنا واحترامنا قد يعجز عنها بعض الإخوة المتصدين فعلاً إلى حل المشكلة...الاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص قد يوفّر لنا مالاً ووقتاً ويعطينا حلاً صحيحاً وحقيقياً ...
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الإخوة العاملين في هذا البلد وأن يجنبنا كل سوء والحمد لله رب العالمين ...
اترك تعليق