وأنذر عشيرتك الأقربين...

تـمرُّ علينا اليوم ذكرى المبعث النبوي الشريف.. وهو يوم الهداية الكبرى وولادة الاسلام، ومن اعظم الايام واشرفها وهو عيد من الأعياد الكبرى عند المسلمين بل والبشرية جمعاء.. ففيه كان بعثة النّبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله بهبوط الامين جبرائيل برسالة الحق وامر النبوة.

هيّأ الله رسولنا الكريم للاستعداد لحمل الأمانة الكبرى في الرسالة الاسلامية، وكيفية نشرها وادائها لإنقاذ البشرية من حيرة الضلالة وكابوس الجهالة.. فعند بلوغه الأربعين من العمر اصطفاه المولى القدير نبيّاً ورسولاً وسراجاً منيراً هادياً للعباد إلى الله بإذنه.. ففي اليوم السابع والعشرين من رجب وقبل الهجرة النبوية الميمونة بثلاثة عشر عاما نزلت النبوة على رسول الله في غار حراء.. فبعدما ترك التجارة وتصدق بكل ما رزقه الله تعالى منها، كان يلجأ الى الغار وينظر منه إلى آثار رحمة الله وإلى أنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته في خلقه، فينظر إلى أكناف السماء وأقطار الارض والبحار من تحتها يتفكر فيعتبر بما خلق الله جل وعلا ويعبد الله حق عبادته.

 فلما استكمل أربعين سنة أذن الله سبحانه لأبواب السماء ففتحت وأذن للملائكة فنزلوا، وأمر بالرحمة فأنزلت على الرسول صلوات الله عليه وآله من لدن ساق العرش إلى رأسه الشريف فنظر إلى الروح الامين جبرئيل يهبط إليه وأخذ بعضده وهزه وقال : يا محمد اقرأ، قال: وما أقرأ؟ قال يا محمد " اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم ".

 ثم أوحى إليه ما أوحى إليه ربه عز وجل وصعد إلى العلو ونزل رسولنا الكريم من الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله وورد عليه من كبير شأنه ما ركبه الحمى والنافض، وقد اشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره ونسبتهم إياه إلى الجنون وإنه يعتريه شياطين، وكان من أول أمره أعقل خلق الله، وأكرم براياه ، وأبغض الاشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم ، فأراد الله عز وجل أن يشرح صدره ، ويشجع قلبه ، فأنطق البارئ جلت قدرته الجبال والصخور والمدر من حوله.. وكلما وصل إلى شيء منها ناداه : السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك يا رسول الله أبشر ، فإن الله عز وجل قد فضلك وجملك و زينك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الاولين والآخرين ، لا يحزنك أن تقول قريش إنك مجنون ، وعن الدين مفتون ، فإن الفاضل من فضله رب العالمين ، والكريم من كرمه خالق الخلق أجمعين، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك، فسوف يبلغك ربك أقصى منتهى الكرامات، ويرفعك إلى أرفع الدرجات  وسوف ينعم ويفرح أولياءك بوصيك علي بن أبي طالب، وسوف يبث علومك في العباد والبلاد بمفتاحك وباب مدينة حكمتك علي بن أبي طالب، وسوف يقر عينك ببنتك فاطمة، وسوف يخرج منها ومن علي الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وسوف ينشر في البلاد دينك وسوف يعظم اجور المحبين لك ولأخيك ، وسوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك علي بن ابي طالب، فيكون تحته كل نبي وصديق وشهيد، يكون قائدهم أجمعين إلى جنات النعيم.

وبعد أن تلقّى صلى الله عليه وآله ذلك التوجيه الإلهي رجع الى أهله وهو يحمل المسؤولية الكبرى لأمانة السماء إلى الأرض التي كان ينتظر شرف تقلّدها، عاد فاضطجع في فراشه وتدثّر لأجل الراحة والتأمل فيما كلّفه الله به، فجاءه الامين جبرائيل ثانية وطلب إليه القيام والنهوض وترك الاضطجاع والبدء بالدعوة المحمدية وإنذار الناس، حيث الآيات المباركات من سورة المدثر : ((يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنْذِرْ...).. فشرع نبينا الكريم ملبيّاً نداء الله سبحانه مبشراً بدعوته الرسالية، وكان أول من دعاه إلى سبيل الله زوجته خديجة وابن عمّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام وهو في العاشرة من عمره، فآمنا به وصدّقاه ليكونا النواة الاُولى للدعوة الإسلامية الكبرى.. وكانت الدعوة مقتصرة على البعض القليل حتى جاء الأمر الإلهي: ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) فجمعهم وصدع بالرسالة بينهم، وبقي يسير الخطى مع ال بيته الاطهار في ذلك إلى آخر حياته وحياتهم الكريمة.

تلك هي مشيئة الله ولطفه وعنايته الربّانية بعباده بأن اختار لهم رسول صادق امين وأفراداً مخصوصين مؤهّلين للاتّصال بالألطاف الإلهية لحمل رسالة الاسلام وتبليغ الأمانة إلى البشر.. فجزاك الله يا رسول الله من مبعوث افضل ما جازى نبيا عن امته ورسولا عمن ارسل إليه.. و صلى الله عليك وعلى اهل بيتك الطيبين الطاهرين كما انتم اهله.

اللوحة من ابداع الفنان حسن روح الامين بعنوان ( ادركني يا رسول الله ) منفذة بتقنية الزيت على القماش.

اعداد : سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

المرفقات