حلية عند مــولى الـــــورى..

لاشك ان المراقد المقدسة في العراق تعد من أخصب المراقد واشملها لكل أنواع الفنون الزخرفية المستخدمة في  العمارة الاسلامية.. فهي تحتوي على كم هائل من الجداريات المنفذة بتقنيات مختلفة، فلم يترك الفنان المسلم حيزاً من جدرانها او سقوفها الا ووضع لمسته الفنية عليها.

لقد اهتم الفنان بداخل هذه الابنية الاسلامية اكثر من خارجها باعتبارها من المبادئ الاساسية الهامة في العمارة الاسلامية.. فالفراغ الداخلي في فن العمارة هو الهدف الرئيسي من المخطط المعماري.. ومن ثم الواجهات التي تعد الغلاف الخارجي لمحتوى اسمه الفراغ الداخلي.. فهي كالنفائس التي تكون اثمن بالطبع من الغلاف الذى يحفظها، لذلك نلاحظ افتقار بعض الواجهات المعمارية الاسلامية الى النقوش والالوان اذا ما قورنت بالموجودة داخل المبنى ولا يستثنى من ذلك الا القباب والمآذن والنوافذ الخارجية فلها خصوصية عن غيرها من العناصر الجمالية.

المصورة اعلاه تمثل احد العقود المعمارية المدببة الرائعة المُزينة لأحد الأواوين المطلة على الصحن العلوي المطهر في النجف الاشرف والمطلة على الصحن الشريف، وقد نفذت بتقنيات مختلفة بمزيج جمالي من الزخارف النباتية والكتابية على الكاشي الكربلائي الازرق، فضلاً عن استخدام تقنية الحفر على الخشب والزخارف المنفذة عليه والتي تعد بلا شك من الفنون القديمة الهادفة الى إضفاء الجمال على العمارة والصناعات الحرفية.

نظم تقسيم المساحة الاساسية للعقد الى اجزاء يتوسطها تكوين من الخشب النادر بهيأة باب من الابواب الداخلية لأروقة الروضة  المقدسة وهو من جنس الاخشاب النادرة الاخرى المستخدمة في تزيين سقف الشباك المطهر الذي يعلو القبر الشريف وفي بعض الشبابيك القديمة والمشربيات المستخدمة لغرض الزينة، اما الاجزاء الاخرى من التكوين فهي عبارة عن مقتطعات من المساحة الكلية للعقد.. وهي تحتوي ضمنا تكوينات زخرفية عُولج كل جزء منها وفق نظام خاص ينسجم مع مواصفات شكل وقياس الاجزاء التي تشكل بمجموعها الشكل العام للتصميم العماري، ويعلو الباب الخشبي شريط من الخط العربي كتب فيه آية مباركة من سورة ال عمران ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .. وقد مثلت الجزء الداخلي من العقد المدبب، اضافة الى الزخارف النباتية الغصنية المنتشرة على جانبي الباب والموصولة بمجموعة من المقرنصات المتقاطعة والحنيات وعدد من الافاريز الهندسية التي تمثل بمجملها المساحة الاساسية للتكوين.

ان تنوع الاشغال الزخرفي كل جزء من اجزاء التصميم اعلاه جاء وفقاً لمقتضيات مساحة ذلك الجزء دون غيره.. فتنظيم الباب الخشبي المتوسط مثلاً نجده قد شُغل من الاعلى بزخارف نباتية خصنية متقاطعة ومتشابكة ذات شكل مميز باللون الاصفر الذهبي.. حيث قسم الباب الى ثلاث اجزاء طولية وظيفية وثلاثة اجزاء مقطعية افقية وفق تباين مساحة الاشغال الزخرفي الهندسي منها جزأين متماثلين افقياً هما الوسطي و السفلي اما الجزء العلوي المذكور آنفا فهو مغاير من خلال اشغاله الحيز الاصغر من الفضاء الاساسي للباب، اما التماثل بين الجزء الوسطي والسفلي فكان من خلال نقوش الاول النجمية وخطوطه الهندسية المتقاطعة والمكملة للمساحات الهندسية ومستطيلات الجزء السفلي منها، والتي شكلت معا تكوينات هندسية مغايرة للجزء العلوي المميز بزخارفه النباتية القوام.   

لقد احتوى هذا التصميم الرائع على عدد من التكوينات التي عولجت وفق المغايرة والمقاربة اللونية بغية اظهار معالم الشكل التصميمي العماري المطلوب في هذا العقد، اذ استخدم اللون الاصفر للزخارف الهندسية المتضادة مع فضاءاتها المتخللة والتي اعطت العمق الفضائي لهما، فضلا عن التضاد اللوني لتلك الاجزاء مع فضاء الاجزاء الاخرى وتوافقها مع بعض الوان زخارف التكوينات الهندسية في الباب الخشبي بشكل حقق للتكوينين السيادة المظهرية الواضحة في الجدار، في حين وظف الفنان التضاد اللوني بين التكوين الخطي الجانبي للباب والشريط المحدد للنص من الاعلى والاسفل مع لون الخط مما ادى الى بروز اطار العقد عن الزخارف والباب.. ليتوافق بالأخير مع ارضية العمل بشكل كامل والموسومة باللون الازرق .

وبذلك يكون الفنان قد ابدع في عملية التعدد اللوني والشكلي ضمن الفضاءات وزخارفها وكل ذلك قد جاء وفق تكرار لوني متناوب صعودا نحو الاعلى حتى بلوغ ذروة العقد وبتنظيم لوني متناسق ومنسجم عزز من فاعلية التقسيم المساحي للتصميم وساعد على بروز الشكل العماري للعقد ضمن التصميم الكلي للجدران.. بما يتوافق وقدسية.. وكيف لا.. وهو جزء من حضرة ومرقد وصي رسول الله الامام علي بن ابي طالب عليه السلام .

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة  

المرفقات