أ. م. علاء إبراهيم المليسي الموسوي
كلية التربية الاساسية /جامعة بابل
نهض الامام السجاد(عليه السلام) بواقع الاسلام والمسلمين بعد استشهاد ابيه(عليه السلام) من خلال التأسيس لمدرسة الصادقين الباقر والصادق(عليهما السلام) فقد كان نشاطه عظيم وهائل إلا إن التاريخ حصر دوره(عليه السلام) في امرين وهما واقعة الطف وادعية الصحيفة السجادية ،وفي هذا البحث سوف نسلط الاضواء على الدور الحقيقي الذي مارسه الامام السجاد (عليه السلام) للنهوض بواقع الامة.
فقد مني المسلمون بإخفاق ويأس مما في الإسلام من خطط تحررية ، ومخلصة من العبودية والفساد ، وذلك لما رأوا الأمويين - أعداء هذا الدين قديما ، ومناوئيه حديثا - قد استولوا على الخلافة ، وبدأوا يقتلون أصحاب هذا الدين من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والأنصار القدماء له ، ويعيثون فسادا في أرض الإسلام بالقتل والفجور ، وكل منكر ، حرمه الإسلام .
وإذا كان صاحب الحق ، منحصرا في الإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) ، الذي قام النص على إمامته ، وهو وارث العترة ، وزعيم أهل البيت في عصره ، فهو الإمام الحامل لثقل الرسالة على عاتقه ، فلا بد أن يدبر الخطة الإصلاحية ، ليجمع القوى ، ويلملم الكوادر المتفرقة ، ويعيد الأمل إلى النفوس اليائسة ، والرجاء إلى العيون الخائبة ، والحياة إلى القلوب الميتة . لهذا كان للإمام السجاد (عليه السلام)ثلاث أهداف ودواعي من وراء تأسيسه لمدرسة الامامية وهي:
1- أبقاء ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)حيويةً فاعلةً في ضمير أجيال الأمة على الرغم من منع الامويين لذلك لما لها من دور في تربية وتهذيب الامة .
2 - أن يربي جيلا من المؤمنين على التعاليم الحقة التي جاء بها ، والأخلاق القيمة التي تخلق بها ، لكي يكونوا
له أعوانا على الخير .
3 - أن يدخل المجتمع بكل ثقله ، ويحضر بين الناس ، ويواجه الظالمين والطغاة بتعاليمه ، ويبلغهم رسالات الله .
4 - أن يقاوم الفساد ، الذي يبثه الظالمون في المجتمع ، بهدف تفكيكه وشل قواه ، وتفريغه من المعنويات ، وإبعاده عن فطرته السليمة المعتمدة على الحق والخير والجمال ، لئلا يصنعوا منه آلة طيعة تستخدم حسب رغباتهم وطوع إرادتهم .
ومن أبرز الجهود التي بذلها الإمام زين العابدين (عليه السلام) في تحركه القيادي هو ما قام به من جمع صفوف المؤمنين ، والتركيز على تربيتهم روحيا ، وتعليمهم الإسلام ،وإطلاعهم على أنقى المصادر الموثوقة للفكر والاخلاق الإسلامية ، ومن خلال روافده الثرة الغنية ، بهدف وصل الحلقات ، كي لا تنقطع سلسلة عقد الإيمان ، ولا تنفرط أسس العقيدة .
المبحث الاول : الاحداث ما بعد واقعة الطف
رجع الإمام السجاد (عليه السلام) إلى المدينة وهو مثقل بالأحزان والالام ليواجه الخطر المحدق بالإسلام ، والذي انتشر في نفوس الأمة وهو اليأس والقنوط من الدين وأهدافه ، بعد ما تعرض الحسين ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمثل هذا القتل ، وما تعرض له أهله من التشريد والسبي ، في بلاد المسلمين . فهذا الوزير عبيد الله بن سليمان كان يرى : أن قتل الحسين أشد ما كان في الإسلام على المسلمين ، لأن المسلمين يئسوا بعد قتله من كل فرج يرتجونه ، وعدل ينتظرونه ([1]) . هذا بالنسبة إلى أصل الإسلام .
وأما بالنسبة إلى الإمامة ، وإلى أهل البيت ، وإلى الإمام (عليه السلام) ، فقد تفرق الناس عنهم ، وأعرضوا ، بحيث عبر الإمام الصادق (عليه السلام) عن ذلك : بالارتداد . قال (عليه السلام) : ارتد الناس بعد قتل الحسين (عليه السلام) إلا . . . ([2]) .
وكان منشأ اليأس والردة : أنهم وجدوا الآمال قد تبددت بقتل القائد ، وسبي أهله ، وظهور ضعف الحق وقلة أنصاره ، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى ملأ الرعب قلوبهم لما وجدوا الدولة على هذه القوة والجرأة والقسوة ، فكيف يمكن التصدي لها ، والإمام في مثل هذا الموقع من الضعف ، فليس التقرب منه إلا مؤديا إلى الاتهام والمحاسبة ، فلذلك ابتعد الناس عن الإمام (عليه السلام) .
فانفراط أمر الشيعة بعد مقتل الحسين (عليه السلام) وتشتت قواهم ، كان من أعظم الأخطار التي واجهها الإمام السجاد (عليه السلام) بعد رجوعه إلى المدينة ، وكان عليه – لأنه الإمام ، وقائد المسيرة - أن يخطط لاستجماع القوى ، وتكميل الإعداد من جديد ، وهذا كان بحاجة إلى إعداد نفسي وعقيدي وإحياء الأمل في القلوب ، وبث العزم في النفوس .
وقد تمكن الإمام السجاد (عليه السلام) بعمله الهادئ الوادع من الإشراف على تكميل هذه الاستعادة ، وعلى هذا الإعداد ، والتمهيد ، بكل قوة ، وبحكمة وبسلامة وجد .
وكما قد يكون تأسيس بناء جديد ، أسهل وأمتن من ترميم بناء متهرئ ، فكذلك ، إن بناء فكرة في الأذهان الخالية من الشبهات ، والمليئة بالأمل بهذه الفكرة ، والجادة في الالتفاف حولها ، والعزم على إحيائها ، هو أسهل وأوفر جهدا من محاولة ترميم فكرة أصاب الناس يأس منها ،وتصوروا إخفاق تجربتها ،وهم يشاهدون إبادة كبار حامليها ،وضعف أنصارها ،واستيلاء المعارضين عليها ،فحرفوا معالمها ،وشوهوا سمعتها ،وزيفوا أهدافها.
فإن عامة الناس يقفون موضع الحيرة والشك من كل ما قيل وطرح وعرض ، ويحاولون الانسحاب والارتداد ، والوقوف على الحواشي ، ليروا ما يؤول إليه أمر القيادات المتنازعة !
فقد مني المسلمون بإخفاق ويأس مما في الإسلام من خطط تحررية ، ومخلصة من العبودية والفساد ، وذلك لما رأوا الأمويين - أعداء هذا الدين قديما ، ومناوئيه حديثا - قد استولوا على الخلافة ، وبدأوا يقتلون أصحاب هذا الدين من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والأنصار القدماء له ، ويعيثون فسادا في أرض الإسلام بالقتل والفجور ، وكل منكر ، حرمه الإسلام .
وإذا كان صاحب الحق ، منحصرا في الإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) ، الذي قام النص على إمامته ، وهو وارث العترة ، وزعيم أهل البيت في عصره ، فهو الإمام الحامل لثقل الرسالة على عاتقه ، فلا بد أن يدبر الخطة الإصلاحية ، ليجمع القوى ، ويلملم الكوادر المتفرقة ، ويعيد الأمل إلى النفوس اليائسة ، والرجاء إلى العيون الخائبة ، والحياة إلى القلوب الميتة .
إلى جانب مقاومته للأعداء ، وتفنيد مزاعمهم واتهاماتهم ، والكشف عن مؤامراتهم ودسائسهم ، وتبديد خططهم وأحابيلهم !
- الانحرافات التي عصفت بالمجتمع بعد واقعة الطف
كان الوضع العام للدولة الاسلامية يعاني من انحرافات حادة في مختلف الجوانب السياسة والفكرية والخلقية والاجتماعية والاقتصادية وكانت هذه الانحرافات تهدد العقيدة الاسلامية ليس فقط بتغيير مسيرتها وانما ايضاً بزوالها ومن هنا اخذ الامام السجاد (عليه السلام) على عاتقه معالجة هذه الانحرافات وسوف نسلط الاضواء على الانحراف الخلقي والاجتماعي والاقتصادي وبما يتفق مع
عنوان البحث :-
أولاً: الانحراف الاخلاقي :-
الناس على دين ملوكهم، واذا كان يزيد مولعاً بالقرود والفهود والكلاب والخمر والفحشاء فانه بالطبع سوف تنعكس اخلاقه وشذوذه على غالبية طبقات المجتمع خصوصاً وان الامة كانت لا تعيش الاستقرار في كافة الاصعدة، يقول المسعودي في مروج الذهب: وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشرب ... وغلب على اصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من فسوق وفي ايامه ظهر الغناء بمكة والمدينة واستعملت الملاهي واظهر الناس شرب الخمر وكان له قرد يكنى بأبي قبيس يحضره مجلس منادمته ويطرح له متكاً([3]) ، وانغمس الامويين في الترف وقد ذكر المؤرخون اخبار كثيرة عن ترفهم وتلاعبهم باقتصاد الامة وثرواتها([4])، حتى بالغوا في هباتهم للشعراء واجزلوا العطاء للمغنين([5]) ،وسادت حياة اللهو والعبث والمجون في كثير من انحاء العالم الاسلامي وخصوصاً في مكة والمدينة وعمدت السلطات الاموية الى اشاعة ذلك فيهما لاسقاط هيبتهما في نفوس المسلمين فلقد شاع الغناء في مدينة الرسول (صلى الله عليه واله) بشكل يندى له جبين الانسان المؤمن بالله ورسوله حتى صارت مركزاً له وقال ابو فرج في الاغاني : ان الغناء في المدينة لا ينكره عالمهم ولا يدفعه عابدهم([6])، وقال ابو يوسف لبعض اهل المدينة : ما اعجب امركم يا اهل المدينة في هذه الاغاني! اما منكم شريف ولا دنيء يتحاشى عنها ، فغدت المدينة في ذلك العصر مركزاً من مراكز الغناء في الحاضرة الاسلامية واصبحت معهداً متميزاً لتعليم الجواري الغناء([7]).
وكل هذا ان دلل على شيء فانه يدلل على مدى الانحلال الخلقي في ذلك العصر في حين ان الشريعة الاسلامية قد حاربت اللهو والمجون ودعت الانسان المسلم الى حياة الايمان والتقوى والابتعاد عن مواطن الشيطان والاجتهاد والكدح من اجل اعمار حياته الدنيا وحياته الاخرى بالصالحات واستباق الخيرات وتسلق قمم الكمال.
ثانياً: الانحراف الاجتماعي :-
الانحرافات الاجتماعية هي حصيلة جميع الانحرافات وقد نتجت بسبب توسع البلاد الاسلامية عن طريق الفتوحات وانفتاح المسلمين على ثقافات متنوعة بحكم تفاعلهم مع الشعوب التي دخلت في دين الله افواجاً([8]). اذ تداخل مع العرب المسلمين شعوب اخرى من اسيا وافريقيا واوربا والتي كان لها ثقافات واعراف وتقاليد وقيم واوضاع اجتماعية مختلفة عن ما تربى عليه العرب قبل الاسلام وفي عهد الاسلام وكان نتاج هذا التداخل ان واجه المجتمع الاسلامي اخطار الانفتاح على ثقافات متنوعة لا تنسجم مع الدين والتقاليد والقيم والبيئة مما ادى الى تفكك المجتمع لاقتباسه ثقافه هذه الشعوب وتقليده لها وبالتالي ادى ذلك الى الفساد والانحلال وانسياق المجتمع الاسلامي وراء ملذات الحياة والاسراف في الزينة وانطفاء الشعور بالقيم الخلقية والصلة الروحية بالله تعالى.
وقد كان احط ما وصل اليه المجتمع في عهد الامويون من الانحراف والزيغ هو عرض الضمائر والاديان للبيع وبيعها على السلطة جهاراً([9]).
ومن جانب اخر انعدم الامن في جميع انحاء البلاد وساد الخوف والارهاب على الجميع مسلمين وغير المسلمين فقد اسرف الامويون بالظلم فجعلوا يأخذون البريء بالسقيم ،والمقبل بالمدبر ويعاقبون على الظنة والتهمة ويسوقون الابرياء بغير حساب الى السجون والقبور ، واتبعوا اسلوب اذلال الامة والاستهانة بها وكان من مظاهر ذلك الاحتقار اذ كانوا يختمون في اعناق المسلمين كما توسم الخيل علامة لاستعبادهم ،كما نقشوا على اكف المسلمين علامة لاسترقاقهم كما يصنع بالعلوج من الروم والحبشة([10]).
- محاربة اهل البيت (عليهم السلام)
جهد الحكم الاموي في محاربة اهل البيت(عليهم السلام) ومحو ذكرهم وخير دليل على ذلك هو معركة الطف التي قتل فيها حتى الطفل الرضيع([11]).واستخدموا أخطر الوسائل في محاربتهم واستئصال مآثرهم ومناقبهم واقصائهم عن واقع الحياة الاسلامية ،وكان من بين ما استخدموه في ذلك ما يلي :
1- تسخير الوعاظ :-
وسخر الامويون الوعاظ في جميع أنحاء البلاد ليحولوا القلوب عن أهل البيت ويذيعوا الأضاليل في انتقاصهم تدعيما للحكم الأموي([12]).
2-استخدام المؤسسات التربوية والتعليمية لتربية النشىء على بغض أهل البيت(عليهم السلام) وخلق جيل معاد لهم، وقد قامت تلك الأجهزة بدور خطير في بث روح الكراهية لعترة النبي( صلى الله عليه واله ) في نفوس النشئ ([13]).
3 - افتعال الاخبار في الحط من شانهم.
وأقام الامويين شبكة لوضع الاخبار تعد من أخطر الشبكات التخريبية في الاسلام واول من وضع هذه الشبكة معاوية وسار عليها من جاء بعده وكان عملها وضع آلاف الأحاديث على لسان النبي( صلى الله عليه واله )للحط من قيمة أهل البيت(عليهم السلام) وكانت لهذه الشبكة طوائف مختلفة حسب التخطيط السياسي للدولة منها ما يضع الاخبار في فضل الصحابة لجعلهم قبال أهل البيت ، وقد عد الإمام الباقر(عليه السلام)أكثر من مائة حديث منها ، يقول المحدث ابن عرفة المعروف بنفطويه :"ان أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم" ([14]) ، كما وضعوا في فضل الصحابة الأحاديث المماثلة للأحاديث النبوية في فضل العترة الطاهرة كوضعهم :" ان سيدي كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر "وقد عارضوا بذلك الأحاديث المتواتر" الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " ([15]) .
4- معاقبة من يذكر مناقبهم بأقصى العقوبات.
5- سبهم على المنابر والآذان وخطب الجمعة، وهذا كله كان امام مرأى ومسمع من الامام السجاد (عليه السلام) .
- العنف ضد شيعة اهل البيت(عليهم السلام)
عانت شيعة اهل البيت(عليهم السلام) من ضروب المحن والبلاء قبل قتل الامام الحسين(عليه السلام) وبعد قتله حيث تفنن الامويين في ظلمهم وارهاقهم وفتكوا بهم فتكا ذريعا ، من صلبهم على جذوع النخل ودفنهم أحياءاً وهدم دورهم وعدم قبول شهادتهم وحرمانهم من العطاء وترويع نسائهم وإذاعة الذعر والخوف في جميع أوساطهم إلى غير ذلك من صنوف الارهاق الذي عاونه ومن امثال هؤلاء الشيعة سعيد بن جبير الذي قتله الحجاج([16]) وقتل من أصحاب أمير المؤمنين كميل بن زياد النخعي([17]).
ثالثاً: الانحراف الاقتصادي :-
انهار اقتصاد الامة الذي هو شريان حياتها الاجتماعية والفردية فقد عمد الامويون بشكل سافر الى نهب الخزينة المركزية والاستئثار بالفيء وسائر ثمرات الفتوح والغنائم فحازوا الثراء العريض وتكدست في بيوتهم الاموال الطائلة التي حاروا في صرفها واخذوا ينفقون الاموال على ملذاتهم واغراضهم السياسة التي لا تمت بصلة لصالح الامة اما موارد انفاقها فهي شراء الضمائر والدين والانفاق على لجان الوضع لافتعال الاخبار التي تدعم الكيان الاموي وتحط من قيمة اهل البيت والهبات الهائلة والعطايا الوافرة للوجوه والاشراف لتكميم الافواه عما تقترفه السلطة من الظلم للرعية والصرف على المجون والدعارة فقد امتلئت بيوتهم بالمغنين والمغنيات وادوات العزف وسائر المنكرات كما اشرنا سابقاً([18]).
وهذه بعض الموارد التي كان ينفق عليها الاموال في حين ان الجوع قد نهش الامة وعمت فيها المجاعة وانتشر شبح الفقر في جميع الاقطار الاسلامية سوى الشام فقد رفه عليها لانها الحصن المنيع الذي كان يحمي ظلم وجور السلطة الاموية.
- الخطة الحكيمة للإمام السجاد(عليه السلام)
بدأ الامام (عليه السلام) بالاستعداد لما يتوجبه حمل تلك الأعباء ، ويتأهب للقيام بدوره ، كوارث لكربلاء ، وكمعيل كفيل لعوائل الشهداء ، وكإمام يقود الأمة ويحافظ على تعاليم السماء . فأتخذ إجراء خطة حكيمة أذ اتخذ بيتا من ( شعر ) في البادية ، خارج المدينة !
فعن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) ، قال :( كان أبي علي بن الحسين (عليه السلام) ، قد اتخذ منزله - من بعد مقتل أبيه الحسين بن علي (عليه السلام) - بيتا من شعر ، وأقام بالبادية ، فلبث بها عدة سنين ، كراهية لمخالطة الناس وملاقاتهم([19]) . وكان يصير من البادية بمقامه إلى العراق زائرا لأبيه وجده عليهما السلام ، ولا يشعر بذلك من فعله) ([20]) .
فأبعد بذلك الإجراء الأخطار الموجهة إليه من الملاحقات ، إذ كانت عين الرقابة تلاحقه، فاستفاد الإمام(عليه السلام) من هذا الابتعاد ، وقلبه إلى عنصر مطلوب ، ومفيد لنفسه ، وللجماعة الباقية من حوله على ولائه . حتى أصبح في نظر رجال الحكم ( خيرا لا شر فيه ) .
وبذلك التخطيط الموفق حافظ الإمام (عليه السلام) ، لا على نفسه وأهل بيته من الإبادة الشاملة ، فقط ، بل تمكن من استعادة قواه ، واسترجاع موقعه الاجتماعي بين الناس ، لكونه مواطنا صالحا لا يخاف من الاتصال به والارتباط به . لأنه أصبح ( علي الخير )([21]) .
وطبيعي أن يعود الناس ، وتعتدل سيرتهم مع الإمام حينئذ ،ولذلك قال الإمام الصادق (عليه السلام) : ارتد الناس بعد الحسين (عليه السلام)إلا ثلاثة : أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل وجبير بن مطعم ثم إن الناس لحقوا وكثروا)([22]).
- أهداف الإمام (عليه السلام) بعد واقعة الطف
مر الامام (عليه السلام)بمراحل من العمل الجاد والمضني في طريق الاصلاح الشائك ، أذ كانت له أهداف محورية بعد واقعة الطف وهي :
1- أبقاء ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)حيويةً فاعلةً في ضمير أجيال الأمة على الرغم من منع الامويين لذلك لما لها من دور في تربية وتهذيب الامة .
2 - أن يربي جيلا من المؤمنين على التعاليم الحقة التي جاء بها ، والأخلاق القيمة التي تخلق بها ، لكي يكونوا
له أعوانا على الخير .
3 - أن يدخل المجتمع بكل ثقله ، ويحضر بين الناس ، ويواجه الظالمين والطغاة بتعاليمه ، ويبلغهم رسالات الله .
4 - أن يقاوم الفساد ، الذي يبثه الظالمون في المجتمع ، بهدف تفكيكه وشل قواه ، وتفريغه من المعنويات ، وإبعاده عن فطرته السليمة المعتمدة على الحق والخير والجمال ، لئلا يصنعوا منه آلة طيعة تستخدم حسب رغباتهم وطوع إرادتهم .
إن مقاومة الإمام زين العابدين (عليه السلام) في مثل هذا الظرف ، بل وتمرير خططه ، وإنجاح مهماته وأهدافه ، مع قلة الأعوان والأنصار ، وتسلط الطغاة باسم الخلافة الإسلامية ، والتي تقتل من يعارضها وتهدر دمه بعنوان الخروج على الإسلام . يعد معجزة سياسية تحققت على يد هذا الإمام العظيم ، الذي سار على خطى جده الرسول الأعظم ، في خلقه العظيم .
- جهود الإمام(عليه السلام) في مواجهة الانحرافات بعد واقعة الطف
كان للإمام زين العابدين(عليه السلام) نشاط واسع في عدة مجالات ، حتى عد – بحق وجدارة - في صدر المصلحين الإلهيين ، بالرغم من تميز عصره بتحكم طغاة بني أمية على الأمة ، ومن تلك المجالات :
أولا : ابقاء ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)حيويةً فاعلةً في ضمير أجيال الأمة
ثانيا : الأخلاق والتربية
ثالثا: مقاومة الفساد
أولا : الإمام السجاد (عليه السلام)يُخَلِّد ثورة ابيه في ضمير الأمة
حرص الإمام على أبقاء ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)حيويةً فاعلةً في ضمير أجيال الأمة لما لها من دور في تفعيل الوجدان الاخلاقي واحياء للضمائر ، وقد أدى الإمام (عليه السلام)دوره في تخليد كربلاء على أحسن وجه ، كصلاته وصيامه ، لأنه كان يعيش إمامة أبيه ونهضته )صلى الله عليه وآله( عبادةً لربه كبقية عباداته !
- فمن الأساليب التي استعملها الإمام (عليه السلام):
1 - كان كل عمره يعيش حزن كربلاء : ( عن الصادق (عليه السلام)أنه قال : إن زين العابدين (عليه السلام)بكى على أبيه أربعين سنة صائماً نهاره وقائماً ليلة ، فإذا حضر الإفطار وجاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول كل يا مولاي ، فيقول قتل ابن رسول الله جائعاً ! قتل ابن رسول الله عطشاناً ! فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبتلَّ طعامه من دموعه ، ثم يمزج شرابه بدموعه ! فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل !
وحدَّث مولىً له : أنه برز يوماً إلى الصحراء ، قال فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة ، فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه ، وأحصيت عليه ألف مرة يقول : لا إله إلا الله حقاً حقاً ، لا إله إلا تعبداً ورقاً ، لا إله إلا الله إيماناً وتصديقاً وصدقاً . ثم رفع رأسه من سجوده وإنَّ لحيته ووجهه قد غُمرا بالماء من دموع عينيه ، فقلت : يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقل ؟ فقال لي : ويحك إن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كان نبياً ابن نبي ، له اثنا عشر ابناً فغيَّبَ الله واحداً منهم ، فشابَ رأسه من الحزن واحدَوْدَبَ ظهره من الغمِّ ، وذهب بصره من البكاء ، وابنه حيٌّ في دار الدنيا . وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين ، فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي )([23]) !
وينقل بن عساكر في تاريخ دمشق:- ( سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه ؟ فقال : لا تلوموني فإن يعقوب (عليه السلام) فَقَدَ سبطاً من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه من الحزن ولم يعلم أنه مات ، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة ، فترون حزنهم يذهب من قلبي ؟ أبداً )([24]) !
2 - تبنى الإمام مجالس العزاء على أبيه الحسين )صلى الله عليه وآله(: ففي المحاسن:عن عمر بن علي بن الحسين قال : (لما قتل الحسين بن علي (عليه السلام)لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح وكن لا يشتكين من حر ولا برد ، وكان علي بن الحسين (عليه السلام)يعمل لهن الطعام للمأتم )([25]) .
3 - وكان يشرح ظلامة أهل البيت (عليهم السلام ) كلما رأى مناسبة : فقد رأيت خطبه في الكوفة والشام ، وحديثه مع الصحابي سهل بن ساعدة وغيره .
وعن المنهال بن عمرو قال : ( دخلت على علي بن حسين فقلت : كيف أصبحت أصلحك الله ؟ فقال : ما كنت أرى شيخاً من أهل المصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا ! فأما إذ لم تدر أو تعلم فأنا أخبرك : أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ، إذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ! وأصبح شيخنا وسيدنا يتقرب إلى عدونا بشتمه وبسبه على المنابر ! وأصبحت قريش تعدُّ أن لها الفضل على العرب لأن محمداً منها ، لا يُعَدُّ لها فضل إلا به وأصبحت العرب مقرةٌ لهم بذلك ، وأصحبت العرب تَعُدُّ لها الفضل على العجم لأن محمداً منها ، لا يعدُّ لها فضل إلا به ، وأصبحت العجم مقرةٌ لهم بذلك ! فلئن كانت العرب صدقت أن لها الفضل على العجم ، وصدقت أن لها الفضل على العرب لأن محمداً منها ، إنَّ لنا أهل البيت الفضل على قريش لأن محمداً منا ، فأصبحوا يأخذون بحقنا ولا يعرفون لنا حقاً ! فهكذا أصبحنا إذا لم تعلم كيف أصبحنا )([26]) .
4 - وكان يشيد بأصحاب الحسين (عليه السلام)لتخليد ذكراهم : ففي أمالي الصدوق : ( عن ثابت بن أبي صفية قال : نظر سيد العابدين علي بن الحسين إلى عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)فاستعبر ثم قال : ما من يوم أشد على رسول الله )صلى الله عليه وآله( من يوم أحد ، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله )صلى الله عليه وآله( ، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب .
ثم قال (عليه السلام): ولا يوم كيوم الحسين ! ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب إلى الله عز وجل بدمه ، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً ! ثم قال (عليه السلام): رحم الله العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه ، فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب . وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع
الشهداء يوم القيامة )([27]) .
وفي كامل الزيارات:( كان علي بن الحسين (عليه السلام)ميل إلى ولد عقيل ، فقيل له : ما بالك تميل إلى بني عمك هؤلاء دون آل جعفر ؟ فقال : إني أذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن علي فأرق لهم )([28]) .
5 - وكان يزور قبر الحسين (عليه السلام)في كربلاء ويدعو إلى زيارته : وقد تقدم أنه (عليه السلام)جعل طريق قافلة الأسرى على كربلاء في عودته من الشام ، وزاروا قبر الحسين (عليه السلام)وأقاموا عنده المأتم في زيارة الأربعين .
وعندما ترجع إلى كتاب كامل الزيارات ، وهو من أقدم الكتب في موضوعه وأوثقها ، تجد عدداً من الروايات عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)يؤكد فيها (عليه السلام)على زيارة قبر النبي )صلى الله عليه وآله( وأمير المؤمنين (عليه السلام)، ويوجه المسلمين إلى إقامة العزاء على الإمام الحسين (عليه السلام)والبكاء عليه ، وزيارة قبره ، ويشرح لهم فضل أرض كربلاء والفرات . ففي كامل الزيارات ، عن الإمام الصادق (عليه السلام)قال : ( بكى علي بن الحسين على أبيه حسين بن علي )صلى الله عليه وآله( عشرين سنة أو أربعين سنة ، وما وضع بين يديه طعاماً إلا بكى على الحسين حتى قال له مولى له : جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين ! قال : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله واعلم من الله مالا تعلمون ، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة لذلك . . .
أشرف مولى لعلي بن الحسين وهو في سقيفة له ساجد يبكي فقال له : يا مولاي يا علي بن الحسين أما آن لحزنك أن ينقضي ؟ فرفع رأسه إليه وقال : ويلك ، شكى يعقوب إلى ربه في أقل مما رأيت حتى قال : يا أسفا على يوسف ! إنه فقد ابناً واحداً وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي )([29]) !
- قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): ( قال رسول الله )صلى الله عليه وآله(: من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إليَّ في حياتي ، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إلي السلام ، فإنه يبلغني )([30]).
- وقال (عليه السلام):( أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي )صلى الله عليه وآله( دمعة حتى تسيل على خده ، بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً )([31]) .
- وقال (عليه السلام): ( من أحب أن يصافحه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي فليزر قبر أبي عبد الله الحسين بن علي في النصف من شعبان ، فإن أرواح النبيين (عليهم السلام ) يستأذنون الله في زيارته فيؤذن لهم ، منهم خمسة أولوا العزم من الرسل ، قلنا : من هم ، قال : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد )صلى الله عليه وآله( . قلنا له : ما معنى أولي العزم ، قال : بعثوا إلى شرق الأرض وغربها ، جنها وإنسها )([32]) .
- وقال (عليه السلام): ( أن الله اتخذ أرض كربلاء حرماً آمنا مباركاً قبل أن يخلق أرض الكعبة ويتخذها حرماً ، وأنها عندما تزلزل الأرض زلزالها ، ترفع وتجعل في أفضل روضة من رياض الجنة)([33]) .
ثانيا : الأخلاق والتربية
- نشر الاخلاق في الجانب العملي :-
ضرب الإمام زين العابدين(عليه السلام) أروع الأمثلة في تجسيد الخلق المحمدي العظيم في التزاماته الخاصة ، وفي سيرته مع الناس ، بل مع كل ما حوله من الموجودات ، فكانت تتبلور فيه شخصية القائد الإسلامي المحنك الذي جمع بين القابلية العلمية الراقية ، والفضل والشرف السامق ، والقدرة على جذب القلوب وامتلاكها ، ومواجهة المشاكل والوقوف لصدها بكل صبر وتؤدة وهدوء .
فالصبر الذي تحلى به ، بتحمله ما جرى عليه في كربلاء ، وفي الأسر ، مما لا يحتاج إلى برهان وذكر.
ومثابرته ومداومته على العمل الإسلامي ، بارزة للعيان ، وحديث مواساته للإخوان ، والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام ، بالبذل والعطاء والإنفاق ، مما اشتهر عند الخاص والعام ، وسيأتي الكلام حول ذلك كله .
وحنوه وحنانه على الرقيق ، وعلى الأقارب والأباعد ، بل على أعدائه وخصومه ، مما سارت به الركبان .
وأخبار عبادته وخوفه من الله وإعلانه ذلك في كل مناسبة ، ملأت الصحف ، حتى خص بلقب(زين العابدين ، وسيد الساجدين ) .
ومن أمثلة خلقه الرائع : العفو : "قال رجل من أنصار الأمويين بالشام : دخلت المدينة فرأيت رجلا راكباً على بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا ثوباً ولا سمتاً ولا دابة منه . فسألت ، فقيل : هذا علي بن الحسين ابن علي . فأتيته - وقد امتلأ قلبي له بغضا - فقلت له : أنت ابن علي بن أبي طالب ؟
قال : أنا ابن ابنه . فقلت : بك وبأبيك أسب عليا ز فلما انقضى كلامي قال : أحسبك غريبا ،مل بنا إلى الدار فإن احتجت منزلا أنزلناك . أو إلى مال واسيناك . أو إلى حاجة عاوناك على قضائها . فانصرفت من عنده ، وما على الأرض أحد أحب إلي منه "([34]) .
وبهذا ، تمكن الإمام من جذب قلوب الناس ، حتى ألد الأعداء ، فكان سببا لانفتاح الجميع على أهل البيت (عليهم السلام) ومذهبهم ، بعد أن انغلقوا عنهم ، واعتزلوهم بعد وقعة كربلاء .
ولقد ظهرت ثمرة تلك الأخلاق والجهود ، في يوم وفاة الإمام (عليه السلام) ، فقد خرج الناس كلهم ، فلم يبق رجل ولا امرأة إلا خرج لجنازته بالبكاء والعويل ، وكان كيوم مات فيه رسول الله ([35]) .
وكان من أطيب ثمرات هذه الجهود أن مهدت الأرضية للإمام محمد بن علي ، الباقر (عليه السلام) كي يتسنم مقام الإمامة بعد أبيه زين العابدين ، ويقوم بتعليم الناس معالم دينهم ، وتتكون المدرسة الفقهية الشيعية على أوسع مدى وأكمل شكل وأتقنه .
- نشر الاخلاق في الجانب النظري :-
ومن أبرز الجهود التي بذلها الإمام زين العابدين (عليه السلام) في تحركه القيادي هو ما قام به من جمع صفوف المؤمنين ، والتركيز على تربيتهم روحيا ، وتعليمهم الإسلام ،وإطلاعهم على أنقى المصادر الموثوقة للفكر الإسلامي ، ومن خلال روافده الثرة الغنية ، بهدف وصل الحلقات ، كي لا تنقطع سلسلة عقد الإيمان ، ولا تنفرط أسس العقيدة .
وبهدف تحصين العقول والنفوس من الانحرافات التي يثيرها علماء السوء الذين كانوا يبعدون الناس عن الإسلام الحق ، ويكدرون ينابيعه وروافده بالشبه والأباطيل .
وتعد هذه البادرة من أهم معالم الحركة عند الإمام زين العابدين ، وأعمقها أثرا وخلودا في مقاومة الدولة الحاكمة ، التي استهدفت كل معالم الإسلام ، بغرض القضاء عليه ، وإبادته ، والعودة بالأمة إلى الجاهلية الأولى بوثنيتها ، وفسادها ، وجهلها . فراح الإمام يدعو الأمة إلى التفكير والتدبر : فمن أقواله (عليه السلام) :" الفكرة مرآة ترى المؤمن سيئاته فيقلع عنها وحسناته فيكثر منها فلا تقع مقرعة التقريع عليه ولا تنظر عين العواقب شزيرا إليه" ([36])
ويدعو إلى العلم والفضل والحكمة : فقال (عليه السلام) : "سادة الناس في الدنيا : الأسخياء ، وفي الآخرة : أهل الدين ، وأهل الفضل ، والعلم ، لأن العلماء ورثة الأنبياء" ([37]) .
وقال (عليه السلام) : " : لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج ([38]) وخوض اللجج ([39]) إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال أن أمقت عبيدي إلى الجاهل المستخف بحق أهل العلم ، التارك للاقتداء بهم ، وأن أحب عبيدي إلي التقي الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحلماء ، القابل عن الحكماء " ([40]) .
وكان (عليه السلام) يحث الأمة - والشباب منهم خاصة - على طلب العلم ، فكان إذا نظر إلى الشباب الذين يطلبون العلم أدناهم إليه ، فقال : "مرحبا بكم ، أنتم ودائع العلم ، أنتم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين "([41]) .
وكان إذا جاءه طالب علم قال : "مرحبا بوصية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) "([42]) .
ويدعو الأمة إلى المراقبة الذاتية لنفسها ، لتتحصن من اجتياح وسائل التزوير والخداع ، ونفوذ نفثات الشياطين،فيقول (عليه السلام) :" ليس لك أن تقعد مع من شئت ، لأن الله تعالى يقول في الأنعام [ الآية: 68 ] : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ). وليس لك أن تتكلم بما شئت ، لأن الله يقول في الإسراء [ الآية 36 ] : ( ولا تقف ما ليس لك به علم )، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :( رحم الله عبدا قال خيرا فغنم ، أو صمت فسلم ) وليس لك أن تسمع ما شئت ، لأن الله يقول :( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) (الإسراء :36) ([43]) .
وبهذا يحذر الإمام (عليه السلام) الأمة من الجلوس مع المزورين والظالمين ، ومن التحدث والكلام معهم ، أو صرف العمر معهم في حديث الجهالات والخرافات ، وما لا يزيد الإنسان معرفة بحياته أو قوة وتركيزا في عقيدته وإيمانه ، أو تعديلا في سلوكه وأخلاقه ، بل لا تعدو لغو السمر ، والشعر الساقط ، وأحاديث الفكاهة والمجون ، التي كان يروجها السلاطين وأمراء السوء .
وهو (عليه السلام) في الوقت نفسه يحيي بهذا الأسلوب سنن الاستدلال بآيات القرآن الكريم ، والاعتماد عليه وعلى سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اللذين دأب الظالمون على إبعاد الأمة عنهما ، وإماتتهما ، وإبادتهما بالإحراق بالنار ، والإماثة في الماء ، والدفن تحت الأرض ، ومنع التدوين .
كما حذر الأمة من الارتباط بمن لا يدعو إلى الله والحق ، ومن الاستماع إليهم ، وهم دعاة السوء ، وأدعياء العلم ، من علماء البلاط ، الذين ركنوا إلى الظالمين وآزروهم .
وقد كان (عليه السلام) يدأب على تربية الأمة وتهذيبها ، وتقديم الإرشادات إليها ، وتجلى ذلك في وصاياه المأثورة التي جمعت بين معالم الهداية والحكمة ، ووسائل الحذر والوقاية ، وبث الأمل والقوة ، وبعث النشاط والهمة في نفوس أصحابه ،ففي رسالته إليهم يقول (عليه السلام) :
بسم الله الرحمن الرحيم
كفانا الله وإياكم كيد الظالمين ، وبغي الحاسدين ، وبطش الجبارين .
أيها المؤمنون ، لا يفتنكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا ، المائلون إليها ، المفتنون بها ، المقبلون عليها ، وعلى حطامها الهامد ، وهشيمها البائد غدا فاحذروا ما حذركم الله منها ، وازهدوا في ما زهدكم الله فيه منها .
ولا تركنوا إلى ما في هذه الأمور ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان . والله ! إن لكم مما فيها لدليلا ، وتنبيها ، من تصرف أيامها ، وتغير انقلابها ومثلاتها ، وتلاعبها بأهلها ، إنها لترفع الخميل ، وتضع الشريف ، وتورد أقواما إلى النار غدا ، ففي هذامعتبر ومختبر وزاجر لمنتبه .
إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مضلات الفتن ، وحوادث البدع ، وسنن الجور ، وبوائق الزمان ، وهيبة السلطان ، ووسوسة الشيطان ، لتثبط القلوب عن تنبهها ،وتذهلها عن موجود الهدى ، ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله ، فليس يعرف تصرف أيامها وتقلب حالاتها ، وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ، ونهج سبيل الرشد ، وسلك طريق القصد ، ثم استعان على ذلك بالزهد ، فكرر الفكر ، واتعظ بالعبر فازدجر ،وزهد في عاجل بهجة الدنيا ، وتجافى عن لذاتها ، ورغب في دائم نعيم الآخرة ، وسعى لها سعيها ، وراقب الموت ، وشنأ الحياة مع القوم الظالمين ، ونظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة النظر ، وأبصر حوادث الفتن ، وضلال البدع ، وجور الملوك الظلمة .فقد - لعمري - استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة ،والانهماك فيها ، ما تستدلون به على تخيب الغواة وأهل البدع ، والبغي ، والفساد
في الأرض ، بغير الحق([44]) .
بهذا يحصن الإمام (عليه السلام) أصحابه خاصة والمسلمين عامة بالطاعة ، والزهد ، والورع عن المعاصي ، والبعد عن بهجة الدنيا وعن مفاتن الحياة المادية ، التي يستخدمها الطواغيت ، كمغريات لتحريف الأمة عن سنن الهدى .
ويحاول الإمام (عليه السلام) أن يهون عليهم المصائب والأتعاب التي تواجههم على هذا الطريق الوعر .
ويؤكد (عليه السلام) على التزامهم بالحق ، واعتقادهم بولاية الأئمة الأطهار (عليهم السلام) : الذين فرض الله ولايتهم وأوجب طاعتهم .
وبكل هذه الجهود والتحصينات والتعاليم المركزة ، تربى جيل صامد من المؤمنين ، المتسلحين بالإسلام ، بعلومه وعقيدته وتقواه وإخلاصه ، فأصبحوا أمثلة للشيعة ، وقدوة صالحة للتعريف لمن يستحق هذا الاسم من المنتمين إلى التشيع .
المبحث الثاني
ثالثا: في مجال مقاومة الفساد
وإذا كان من أهم واجبات المصلح ، وخاصة الإلهي ، مقاومة الفساد ، ومحاربة المفسدين في الأرض ، فإن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قام بدور بارز في أداء هذا المهم .
وقد تميز عصر الإمام (عليه السلام) ، بمشاكل اجتماعية من نوع خاص ، وقد تكون موجودة في كثير من الأوقات ، إلا أن بروزها في عصره كان واضحا ، ومكثفا ، كما أن الإمام زين العابدين قام بمعالجتها بأسلوبه الخاص ، مما أعطاها صبغة فريدة ، تميزت في نضال الإمام (عليه السلام) ، أهمها :
1 - مشكلة العصبية ، والعنصرية .
2 - مشكلة الفقر العام .
3 - مشكلة الرق والعبيد .
ولنبحث عن كل واحدة ، وموقف الإمام (عليه السلام) في معالجتها :
1 - مقاومة العصبية والعنصرية :
إن الأمويين - بعد إحكام قبضتهم على الحكم - اعتمدوا سياسة التفرقة العنصرية بين طوائف الأمة ، والعصبية القبلية بين مختلف طبقاتها ، محاولين بذلك تفتيت المجتمع الإسلامي ، وتقطيع أواصر الوحدة بين أفراد الأمة الإسلامية ، تلك الوحدة التي شرعها الله بقوله تعالى : (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92 ]، ودفعا لها على التفرق الذي نهى عنه الله بقوله تعالى :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آل عمران : 103 ] .
حتى وصل الأمر إلى- كما يذكر المسعودي في المروج - : أنه تتابع فخر النزارية على اليمنية ، وفخر اليمنية على النزارية ، حتى تخربت البلاد ، وثارت العصبية في البدو والحضر ([45]) .
فقاموا بأعمال تسير على هذه السياسة الخارجة عن حدود الدين والشرع ، مثل تأمير العرب ، وتقديم العربي ولو كان خاملا على الكفوئين من غير العرب ، والسعي في تعريب كل شرائح وأجهزة الدولة، بتنصيب العرب في مناصب الديوان ، والقضاء ،وحتى الفقه.
وتجاوزوا كل الأحكام الشرعية في التزامهم بأساليب الحياة العربية الجاهلية ، فتوغلوا في اللهو والاستهتار بالمحرمات ، والظلم ، والقتل ، حتى تجاوزوا أعرافا عربية سائدة بين العرب قبل الإسلام ، فخانوا العهد ، وأخفروا الذمة ، وهتكوا العرض .
ولقد بلغت تعدياتهم أن كان معاوية : يعتبر الناس العرب ، ويعتبر الموالي شبه الناس ([46]) !
وقد استغل الجاهلون هذا الوضع ، فكان العرب لا يزوجون الموالي ([47]) .
وجاء في بعض المصادر أن حاكم البصرة - بلال بن أبي بردة - ضرب شخصا من الموالي ، لأنه تزوج امرأة عربية ([48]) .
ووصلت عدوى هذا المرض إلى علماء البلاط أيضا فاتبعوا سياسة الأسياد ، فقد وجهت إلى الزهري تهمة أنه لا يروي الحديث عن الموالي ، فسئل عن ذلك ؟ فاعترف به ([49]) .
قال أحمد أمين المصري : لم يكن الحكم الأموي حكما إسلاميا يسوى فيه بين الناس ، ويكافأ فيه المحسن عربيا كان أو مولى، ويعاقب من أجرم عربيا كان أم مولى، ولم تكن الخدمة للرعية على السواء ، وإنما كان الحكم
عربيا، والحكام فيه خدمة للعرب على حساب غيرهم ، وكانت تسود العرب فيه النزعة الجاهلية ، لا النزعة الإسلامية ([50]) .
ولقد قاوم الإمام زين العابدين (عليه السلام) هذه الردة الاجتماعية عن الإسلام بكل قوة ، وتمكن - بحكم موقعه الاجتماعي ، وأصالته النسبية - أن يقتحم على بني أمية ، بلا رادع أو حرج .
قال الدكتور صبحي : في ما كان الأمويون يقيمون ملكهم على العصبية العربية عامة ، كان زين العابدين (عليه السلام) يشيع نوعا من الديمقراطية الاجتماعية ([51]) بالرغم مما يجري في عروقه من دم أصيل ، أبا وأما ، وقد أقدم على ما زعزع التركيب الاجتماعي للمجتمع الإسلامي الذي أراد له الأمويون أن يقوم على العصبية ([52]) .
وقد قاوم الإمام زين العابدين (عليه السلام) ذلك ، نظريا بما قدمه من تصريحات ، وعمليا بما أقدم عليه من مواقف : فكان يقول : لا يفخر أحد على أحد ، فإنكم عبيد ، والمولى واحد ([53]) .
وكان يجالس مولى لآل عمر بن الخطاب ، فقال له رجل من قريش - هو نافع بن جبير - : أنت سيد الناس ، وأفضلهم ، تذهب إلى هذا العبد وتجلس معه ؟!
فقال (عليه السلام) : آتي من أنتفع بمجالسته في ديني ([54]) أو قال : إنما يجلس الرجل حيث ينتفع ([55]) .
ومن المعلوم أن ما ينتفع به الإمام (عليه السلام) من هذا المولى ليس إلا بنفس المجالسة ، فإن هذه المجالسة تحقق للإمام غرضه السياسي من إعلان معارضته لسياسة بني أمية المبتنية على طرد الموالي وعدم احترامهم ، فإذا جالسه
وقال له طاوس اليماني - وقد رآه يجزع ويناجي ربه بلهفة - : يا بن رسول الله ، ما هذا الجزع والفزع ، . . . ، وأبوك الحسين بن علي ، وأمك فاطمة الزهراء ، وجدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!
فالتفت الإمام (عليه السلام) إليه وقال : هيهات ، هيهات ، يا طاوس ، دع عني حديث أبي ، وأمي ، وجدي ، خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن ، ولو كان عبدا حبشيا ، وخلق النار لمن عصاه ، ولو كان ولدا قرشيا ، أما سمعت قوله تعالى :( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون )( المؤمنون : 101) والله ، لا ينفعك - غدا - إلا تقدمة تقدمها من عمل صالح ([56]).
وأعتق الإمام زين العابدين (عليه السلام) مولاة له ، ثم تزوجها ، فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي ، فعدها تحديا لعرف السلطة الحاكمة ، فكتب إلى الإمام يحاسبه ويعاتبه على ذلك ، ومما جاء في كتابه : ( إنك علمت أن في أكفائك من قريش من تتمجد به في الصهر ، وتستنجبه في الولد ، فلا لنفسك نظرت ،ولا على ولدك أبقيت ) .
وهذا كلام - مع أنه ينم عن التعزي بعزاء الجاهلية في عنصريتها وغرورها – فهو تعريض بالإمام (عليه السلام) أنه ليس بحكيم ، وأنه بحاجة إلى أن يتمجد بمصاهرة واحد من قريش ، وأن ولده لا ينجب إلا بمثل ذلك ، متغافلا عن أن الإمام (عليه السلام) بنفسه هو مصدر الحكمة والمجد والنجابة .
فأجابه الإمام زين العابدين (عليه السلام) بكتاب ، جاء فيه :
( أما بعد : فقد بلغني كتابك ، تعنفني فيه بتزويجي مولاتي، وتزعم : ( أنه كان في قريش من أتمجد به في الصهر ، وأستنجبه في الولد. وإنه ليس فوق رسول الله مرتقى في مجد ، ولا مستزاد في كرم . وكانت هذه الجارية ملك يميني ، خرجت مني إرادة لله عز وجل بأمر ألتمس فيه ثوابه ، ثم ارتجعتها على سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ومن كان زكيا في دين الله تعالى فليس يخل به شي من أمره . وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة ،وتمم به النقيصة ،وأذهب به اللؤم ،فلا لؤم على امرئ مسلم ،وإنما اللؤم لؤم الجاهلية .والسلام) ([57]) .
وقد عرض الإمام (عليه السلام) في هذا الكتاب بأن ما يقوم به حكام بني أمية من تبني العصبية هو مخالف للإسلام ولسنة الرسول ، بل قلب عليه كل الموازين التي اعتمدها في كتابه إلى الإمام ، وجعل العتاب مردودا عليه ، والنقص والعار واردا على الجاهلية التي يتبجح بها من خلال العصبية .
وقال (عليه السلام) :" لا حسب لقرشي ، ولا عربي إلا بالتواضع ، ولا كرم إلا بالتقوى ، ولا عمل إلا بالنية ، ولا عبادة إلا بالتفقه ، ألا وإن أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنة إمام ، ولا يقتدي بأعماله" ([58]) .
وقال (عليه السلام) : "العصبية التي يأثم صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين ، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم" ([59]) .
وهذا حسم قيم في هذا المجال ، حيث أن الميل إلى العصبة والقبيلة أمر طبيعي ، جرت عليه العادة ، فإذا كان على أساس الحب والولاء فهو أمر جيد ، لكن إذا كان على أساس المحاباة ، وظلم الآخرين وعلى حساب حقوق الأباعد ، أو كان من باب إعانة الظالم ،والذي يدعيه أصحاب النعرات العنصرية ،وأهل الغرور والجهل الفارغين من القيم ،كبني أمية ، فهذا هو المردود في الإسلام .
إن هذه التصريحات ، وتلك المواقف، بقدر ما كانت مثيرة للسلطة المتبنية لسياسة العصبية والعنصرية ، حتى أثارت أحاسيس الملك نفسه، فهي في الوقت ذاته كانت منيرة للدرب أمام الأمة الإسلامية بكل طوائفها وأجناسها وألوانها وشعوبها وقبائلها ، تلك المغلوبة على أمرها ، تفتح أمامها أبواب الأمل بالإسلام ورجاله المخلصين ، الذين يقود مسيرتهم في ذلك العصر الإمام زين العابدين (عليه السلام) .
2 - محاربة الفقر:
من المشاكل الاجتماعية الخطيرة ، التي يستغلها الحكام لإحكام سيطرتهم على الأمة هي مشكلة الفقر والعوز والحاجة إلى المال ،فإن السلطات تحاول اتباع سياسة التجويع من جهة ، لإخضاع الناس وترغيبهم في العمل مع السلطات ،وثم سياسة التطميع والتمويل من جهة أخرى ،لتعويد الناس على الترف وزجهم في الجرائم والآثام.
وهم بهذه السياسة يسيطرون على عصب الحياة في البلاد ، وهو المال ، يستفيدون منه في القضاء على من لا يرضى بهم ، وفي جذب من يرضون به من ضعفاء النفوس أمام هذه المادة المغرية.
وقد ركن معاوية إلى هذه السياسة في بداية سيطرته على البلاد ، فكتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : ( انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته ، فامحوه من الديوان ولا تجيزوا له شهادة ) ([60]) .
ولا ريب في أن رفع المستوى المعيشي لدى أفراد الأمة هو واحد من أهم الأهداف المرسومة لأية محاولة ثورية ، أو عمل إصلاحي ، حتى لو لم تكن دينية ، فكيف بها إذا كانت إلاهية ، يقودها شخص الإمام العادل ؟!.
إن التحرك للإصلاح، والناس في بؤس وتخلف اقتصادي ، سوف يكلفهم الكثير الذي قد يعجزون عنه ، ولو تمكن قائد ما أن يرفع من المستوى الاقتصادي للأمة ، فهم يكونون في حالة أفضل لتقبل أطروحة الإصلاح، ويكون أوكد على صمودهم أمام الضغوط التي تفرض عليهم من قبل الظالمين والمعتدين .
ثم إن السعي في هذا المجال ، والمال حاجة يومية لكل أحد ، أوكد في تعميق الصلة بين القيادة والقاعدة ، من حيث تحسس القيادة لأمس الحاجات ، وأكثرها ضرورة وأسرعها نفعا ، فتكون دليلا على حقانية سائر الأهداف التي تعلن للخطة الإصلاحية ولقد كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) يزاول عملية تموين الناس بدقة فائقة ، خاصة عوائل الشهداء والمنكوبين في معارك ضد الدولة ، يقوم بذلك في سرية تامة ، حتى خفيت - في بعض الحالات - على أقرب الناس إليه (عليه السلام) .
والأهم من ذلك : أن الفقراء أنفسهم لم يطلعوا على أن الشخص الممون لهم هو الإمام زين العابدين (عليه السلام) إلا بعد وفاته ، وانقطاع أعطياته ! فعن أبي حمزة الثمالي : إن علي بن الحسين (عليه السلام) كان يحمل الخبز بالليل ، على ظهره ، يتبع به المساكين في ظلمة الليل ، ويقول : ( إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب ) ([61]) .
وعن محمد بن إسحاق، قال : كان ناس من أهل المدينة يعيشون ، لا يدرون من أين كان معاشهم ، فلما مات علي بن الحسين (عليه السلام) فقدوا ما كان يؤتون به بالليل ([62]).
وعن عمرو بن ثابت ، قال : لما مات علي بن الحسين (عليه السلام) وجدوا بظهره أثرا ، فسألوا عنه ؟ فقالوا : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين ([63]) .
وهذه الدقة في السرية كانت من أجل إلهاء عيون الدولة عن مواقفه . مع أن الهدف الأساسي من هذا العمل - وهو تمويل الناس وتموينهم - كان يتحقق بتلك الطريقة الهادئة .
ومع أن معرفة الناس للأمر- ولو بعد حين - كان أوقع في النفوس وأكثر تأثيرا في حب الناس لأهل البيت(عليهم السلام) ومع ما في ذلك من البعد عن الرياء ، والسمعة ، والمباهاة .
وقد وصلت سرية عمله (عليه السلام) إلى حد أنه كان يتهم بالبخل : قال شيبة بن نعامة : كان علي بن الحسين يبخل ، فلما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت بالمدينة ([64]) .
وقال ابن عائشة ، عن أبيه ، عن عمه : قال أهل المدينة : ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين ([65]) .
وهذا واحد من أساليب عمله في رفع هذه المشكلة ، وقد اتبع أساليب أخرى ، نقرأ عنها الأحاديث التالية :
إنه (عليه السلام) كان يعتبر المشكلة الاقتصادية محنة كبيرة أن يجد الفقر متفشيا في الدولة الإسلامية ، وهي السعة بحيث لا يمكن معالجتها بسهولة : ومن ذلك ما قال الزُّهرِي : إنّ بعض أصحابه(عليه السلام) شكا إليه ديناً ، فبكى الإمام (عليه السلام) فلما سئل عن سبب بكائه ؟ قال (عليه السلام) : وهل البكاء إلا للمحن الكبار ! ؟ وأي محنة أكبر من أن يرى الإنسان أخاه المؤمن في حاجة لا يتمكن من قضائها ، وفي فاقة لا يطيق دفعها ([66]) .
وأسلوب آخر في التركيز على مقاومة المشكلة : عن الرضا عن أبيه ، عن جده (عليهم السلام) ، قال : قال علي بن الحسين : (إني لأستحيي من الله عز وجل أن أرى الأخ من إخواني ، فأسأل الله له الجنة ، وأبخل عليه بالدنيا ، فإذا كان يوم القيامة قيل لي : لو كانت الجنة بيدك لكنت بها أبخل وأبخل وأبخل ) ([67]) .
إنه رفع لمستوى مقاومة المشكلة إلى مستوى مثالي رائع ، وخطاب موجه إلى كل من يعمل في الدنيا على حساب نعيم الآخرة ، لا على معطياتها الدنيوية فقط ، إنه معنى عرفاني دقيق ، ورفيع ، وبديع.
وأسلوب آخر ، يدل على إصرار الإمام (عليه السلام) لتجاوز المشكلة : قال عمرو بن دينار : دخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد ، في مرضه ، فجعل محمد يبكي ، فقال : ما شأنك؟
قال محمد :علي دين .قال : كم هو ؟ قال : خمسة عشر ألف دينار - أو بضعة عشر ألف دينار - قال الإمام : فهي علي ([68]).وقد جاء في الحديث أن الإمام (عليه السلام) قاسم الله تعالى ماله مرتين حتى تصدق بفرد نعله ([69]) .هذا من جهة .
ومن جهة أخرى :نجد الإمام (عليه السلام) يؤكد على تداول الثروة ويحث على تنميتها ،واستثمار الأموال ،وعدم تجميدها ، لأن تجميدها هو التكنيز المذموم ، للخسارة الواضحة فيها ، ولاحتمال سقوط القيمة الشرائية لها ، وتسبيبها لعدم ازدهار السوق الإسلامية ، بينما تداولها يؤدي إلى نقيض كل ذلك .
فقد قال الإمام (عليه السلام) : استنماء المال تمام المروءة ([70]).
وإذا قارنا هذه المواقف من الإمام (عليه السلام) بما كان يجري على أيدي بني أمية من البذخ والترف والإسراف والإهدار لأموال بيت المال ، ومن منع الموالين لعلي (عليه السلام) من الرزق والعطاء ، ومن حاجة الشخصيات مثل محمد بن أسامة بن زيد ، فضلا عن عوائل الشهداء المغضوب عليهم من قبل الدولة .
لو قارنا بين الأمرين : لعلمنا - بكل وضوح - أن لأعمال الإمام (عليه السلام) بعدا سياسيا ، وهو الوقوف أمام استغلال السلطة للأزمة الاقتصادية عند الناس ، ومنع استدراج الظالمين لذوي الحاجة والمحنة وخاصة المنكوبين إلى مهاوي الانتماء إليها أو حتى الفساد والجريمة ، بالمال الذي استحوذت الدولة عليه ، وأن لا تطبق به سياسة التطميع بعد التجويع .
3 - تحرير الرقيق:
إن تحرير الرقيق يشكل ظاهرة بارزة في حياة الإمام السجاد (عليه السلام) بشكل ليس له مثيل في تاريخ الإمامة ، فهو أمر يسترعي الانتباه والملاحظة .
وإذا دققنا في الظروف والملابسات التي عايشها الإمام ، وقمنا ببعض المقارنات بين أعمال الإمام ، والأحداث التي كانت تجري من حوله ، والظروف التي تكتنف عملية الإعتاق الواسعة التي تبناها الإمام (عليه السلام) ، تتضح الصورة الحقيقية لأهداف الإمام (عليه السلام) من ذلك . فيلاحظ أولا :
1 - أن أعداد الرقيق ، والعبيد ، كانت تتواتر على البلاد الإسلامية ، فكان الموالي في ازدياد بالغ مذهل ، على أثر توالي الفتوحات ([71]) .
2 - أن الأمويين كانوا ينتهجون سياسة التفرقة العنصرية ، فيعتبرون الموالي شبه الناس ([72]) .
3 - أن الجهاز الحاكم على الدولة الإسلامية ، أخذا من نفس الخليفة ، إلى جميع الأمراء وموظفي الدولة ، لا يمثل الإسلام ، بل كان كل واحد يعارض معنوياته وأخلاقه ، وإن تنادى بشهاداته واسمه .
4- إن انتشار العبيد والموالي ،وبالكثرة الكثيرة ،ومن دون أي تحصين أخلاقي ، أو تربية إسلامية ، لأمر يؤدي- لا محالة - إلى شيوع البطالة ،والفساد ،وهو ما تركز عليه الدولة الظالمة التي تعمل في هذا الاتجاه بالذات .
ويلاحظ ثانيا :
1 - أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يشتري العبيد والإماء ، ولكن لا يبقي أحدهم عنده أكثر من مدة سنة واحدة فقط ، وأنه كان مستغنيا عن خدمتهم ([73]) . فكان يعتقهم بحجج متعددة ، وبالمناسبات المختلفة .
إذن ، فلماذا كان يشتريهم ؟ ولماذا كان يعتقهم ؟
2 - إنه (عليه السلام) كان يعامل الموالي ، لا كعبيد أو إماء ، بل يعاملهم معاملة إنسانية مثالية ، مما يغرز في نفوسهم الأخلاق الكريمة ، ويحبب إليهم الإسلام ، وأهل البيت الذين ينتمي إليهم الإمام (عليه السلام) .
3 - إنه (عليه السلام) كان يعلم الرقيق أحكام الدين ويملؤهم بالمعارف الإسلامية ، بحيث يخرج الواحد من عنده محصنا بالعلوم التي يفيد منها في حياته ، ويدفع بها الشبهات ، ولا ينحرف عن الإسلام الصحيح .
4 - إنه (عليه السلام)كان يزود كل من يعتقه بما يغنيه ، فيدخل المجتمع الجديد ليزاول الأعمال الحرة ، كأي فرد من الأمة ، ولا يكون عالة على أحد .
إن المقارنة بين هذه الملاحظات ، وتلك ، تعطينا بوضوح القناعة بأن الإمام كان بصدد إسقاط السياسة التي كان يزاولها الأمويون في معاملتهم مع الرقيق .
- إن عمل الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنتج نتائج عظيمة ، هي :
1 - حرر مجموعة كبيرة من عباد الله ، وإمائه الذين وقعوا في الأسر ، وتلك حالة استثنائية غير طبيعية ، ومع أن الإسلام كان قد أقرها لأمور يعرف بعضها من خلال قراءة التاريخ ، إلا أن الشريعة قد وضعت طرقا عديدة لتخليص الرقيق وإعطائهم الحرية ، وقد استغل الإمام (عليه السلام) كل الظروف والمناسبات لتطبيق تلك الطرق ، وتحرير العبيد والإماء .
وفي عمله تطبيق للشريعة وسننها ، كما يدل عليه الحديث التالي :
فعن سعيد بن مرجانة ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ( من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار ، حتى أنه يعتق باليد اليد ، وبالرجل الرجل ، وبالفرج الفرج ) . فقال له علي بن حسين يا سعيد سمعت هذا من أبي هريرة ، قال نعم قال لغلام له أقرب غلمانه ادع لي قبطيا ،فلما قام بين يديه قال:- اذهب فأنت حر لوجه الله عز وجل ([74]) .
إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) لا يخفى عليه ثواب عتق الرقبة ، وإنما أراد أن يؤكد على سنة العتق من خلال تقرير الراوي على سماع الحديث ! وليكون عمله قدوة للآخرين كي يقوموا بعتق ما يملكون من الرقاب .
2 - إن الرقيق المعتقين يشكلون جيلا من التلامذة الذين تربوا في بيت الإمام (عليه السلام) وعلى يده ، بأفضل شكل ، وعاشوا معه حياة مفعمة بالحق والمعرفة ، والصدق والإخلاص ، وبتعاليم الإسلام من عقائد وشرائع وأخلاق كريمة .
فقد كانت جماعة الرقيق تحتفظ بكل ذلك في قرارات النفوس ، في شعورهم أو لا شعورهم ، وينقلونه إلى الأجيال المتعاقبة ، وفي ذلك حفظ الإسلام . ولا ريب أن الإمام (عليه السلام) لو أراد أن يفتح مدرسة لتعليم مجموعة من الناس ، فلا بد أنه كان يواجه منعا من الجهاز الحاكم ،أو عرقلة لعمله ، أو رقابة شديدة على أقل تقدير .
3 - إن الإمام (عليه السلام) استقطب ولاء الأعداد الكبيرة من هؤلاء الموالي المحررين ، إذ لا يزال ولاء العتق يربطهم بالإمام (عليه السلام) ، ولا ريب أنهم أصبحوا جيشا ، فإن عددهم بلغ - في ما قيل - خمسين ألفا ، وقيل : مائة ألف ! ([75]) .
فعن عبد الغفار بن القاسم أبي مريم الأنصاري ، قال : كان علي بن الحسين خارجا من المسجد فلقيه رجل فسبه ! فثارت إليه العبيد والموالي ، فقال علي بن الحسين : مهلا عن الرجل ، ثم أقبل على الرجل ، فقال له : ما ستر عنك من أمرنا أكثر ، ألك حاجة نعينك عليها ؟ - فاستحيى الرجل - فألقى عليه خميصة كانت عليه ، وأمر له بألف درهم . فكان الرجل بعد ذلك يقول : أشهد أنك من أولاد الرسول ([76]) .
وقد كان لهؤلاء العبيد موقف دفاعي آخر ، عن أهل البيت ، لما سمعوا أنباء ضغط ابن الزبير على آل أبي طالب في مكة ، وشيخهم محمد بن الحنفية عم الإمام زين العابدين (عليه السلام) ، في ما رواه البلاذري بسنده عن المشايخ يتحدثون : أنه لما كان من أمر ابن الحنفية ما كان ، تجمع بالمدينة ( ! ) قوم من السودان ، غضبا له ، ومراغمة لابن الزبير . فرأى ابن عمر غلاما له فيهم ، وهو شاهر سيفه ! فقال له : رباح !
قال رباح : والله ، إنا خرجنا لنردكم عن باطلكم إلى حقنا . فبكى ابن عمر ، وقال : اللهم إن هذا لذنوبنا ([77]) .
حقا لقد تحين الإمام (عليه السلام) الفرص ، واهتبل حتى الزلة الصغيرة تصدر من أحد الموالي ليهب له الحرية ، فكان يكافئ الإساءة بالإحسان ليكون أعذب عند الذي يعتق ، وأركز في خلده ، فلا ينساه . فقد (عليه السلام) استنفد كل وسيلة للتحرير . وإليك بعض الأحاديث عن ذلك :
1 - وروى أنه (عليه السلام)دعا مملوكه مرتين فلم يجبه وأجابه في الثالثة فقال له:- يا بنى أما سمعت صوتي ، قال :- بلى، قال:- فما لك لم تجبني ، قال :- أمنتك ، قال :- الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني ([78]) .
2 - عن عبد الرزاق ، قال : جعلت جارية لعلي بن الحسين تسكب عليه الماء يتهيأ للصلاة ، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه ، فشقه ، فرفع علي بن الحسين رأسه إليها ، فقالت الجارية : إن الله عز وجل يقول :( والكاظمين الغيظ ). فقال لها : قد كظمت غيظي . قالت : ( والعافين عن الناس ).
فقال لها : قد عفا الله عنك . قالت : ( والله يحب المحسنين ). قال : اذهبي ، فأنت حرة ([79])
فكأن هذا الحوار كان امتحانا واختبارا ، نجحت فيه هذه الجارية ، بحفظها هذه الآية ، واستشهادها بها ، فكانت جائزتها من الإمام (عليه السلام) أن تعتق !
3 - قال عبد الله بن عطاء : أذنب غلام لعلي بن الحسين ذنبا استحق منه العقوبة ، فأخذ له السوط ، فقال :( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) [ الجاثية : 14 ] .
فقال الغلام : وأما أنا كذلك ، إني لأرجو رحمة الله وأخاف عقابه . فألقى السوط ، وقال : أنت عتيق ([80]) .
فلقد لقنه الإمام (عليه السلام) بقراءة الآية ، وهو يختبر معرفته بمعناها وذكاءه ، فأعتقه مكافأة لذلك .
4 - وكان عند الإمام (عليه السلام) قوم ، فاستعجل خادم له شواءا كان في التنور ، فأقبل به الخادم مسرعا ، وسقط السفود من يده على بني للإمام (عليه السلام) أسفل الدرجة ، فأصاب رأسه ، فقتله ، فوثب الإمام (عليه السلام) ، فلما رآه ، قال للغلام :
إنك حر ، إنك لم تتعمده ، وأخذ في جهاز ابنه ([81]) .
ولعملية الإعتاق على يد الإمام (عليه السلام) صور مثيرة أحيانا ، تتجاوز الحسابات المتداولة : ففي الحديث المتقدم عن سعيد بن مرجانة ، وجدنا أن الإمام (عليه السلام) قد أعتق غلاما اسمه ( مطرف ) وجاء في ذيل الحديث ، أن عبد الله بن جعفر الطيار كان قد أعطى الإمام زين العابدين (عليه السلام) بهذا الغلام ( ألف دينار ) أو ( عشرة آلاف درهم ) ([82]) .
ففي إمكان الإمام (عليه السلام) أن يبيع الغلام بهذا الثمن الغالي ، ويعتق بالثمن مجموعة من الرقيق أكثر من واحد ، ولكن الإصرار على إعتاق هذا الغلام بالخصوص - مع غلاء ثمنه - يحتوي على معنى أكبر من العتق : فهو تطبيق لقوله تعالى : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) [آل عمران: 92 ] .
وهو إيماء إلى أن الإنسان لا يعادل بالأثمان ، مهما غلت وعلت أرقامها !
ولعل السبب الأساسي هو : أن غلاء ثمن الغلام لا يكون إلا من أجل أدبه ، وذكائه ، وحنكته ، وقوته ، وغير ذلك مما يجعله فردا نافعا ، فإذا صار حرا ، وهو متصف بهذه الصفات ، يفيد المجتمع ككل ، فهو أفضل - عند الإمام (عليه السلام) - من أن يكون عبدا يستخدمه شخص واحد لأغراضه الخاصة ، مهما كانت شريفة !
وبهذا واجه الإمام زين العابدين (عليه السلام) مشكلة الرق ، واستفاد منها ، في صالح المجتمع والدين .
وبعد هذه الصور الرائعة : فهل يصح أن يقال : إن زين العابدين (عليه السلام) كان منعزلا عن السياسة ، أو مبتعدا عنها وهو يقوم بهذا النشاط الاجتماعي الواسع .
المصادر :-
1- القران الكريم
2- الاختصاص أبو عبد الله ، محمد بن محمد العكبري المفيد
3- الأصول من الكافي أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني
4-الاغاني ابو فرج الاصفهاني
5- الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة رضى الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس
6- الامالي أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق
7- إحقاق الحق وإزهاق الباطل نور الله الحسيني المرعشي التستري
8- اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي أبى جعفر الطوسي
9- اهل البيت القدوة والدور التاريخي محمد باقر الصدر
10- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار محمد تقي المجلسي
11- بلاغة علي بن الحسين عليه السلام جعفر عباس الحائري
12- تاريخ مدينة دمشق أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي ابن عساكر
13- تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة محمد بن الحسن الحر العاملي
14- تهذيب الكمال في أسماء الرجال جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي
15- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب الثعالبي
16- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي
17- حياة الإمام علي بن الحسين عليهما السلام باقر شريف القرشي
18- حياة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام باقر شريف القرشي
19- حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام باقر شريف القرشي
20- الخصال أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق
21- الدر النظيم جمال الدين يوسف بن حاتم بن فوز بن مهند الشامي العاملي المشغري
22- الروضة من الكافي أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني
23- سير أعلام النبلاء شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
24- شجرة طوبى محمد مهدي الحائري
25- شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد
26- ضحى الإسلام أحمد أمين
27- الطبقات الكبرى أبن سعد
28- علل الشرائع أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق
29- الفروع من الكافي أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني
30- فجر الإسلام أحمد أمين
31- كامل الزيارات جعفر بن محمد بن قولويه
32- كتاب المحاسن أبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقعي
33- كشف الغمة في معرفة الأئمة أبى الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي
34- مروج الذهب ومعادن الجوهر أبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي
35- مقتل الحسين(عليه السلام) عبد الرزاق المقرم
36- ملحقات الاحقاق شهاب الدين النجفي المرعشي
37- مناقب آل أبي طالب شير الدين أبي عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب
38- من أنساب الأشراف أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري
39- نظرية الإمامة لدي الشيعة الاثني عشرية أحمد صبحي
الهوامش:-
[1] - الثعالبي، ثمار القلوب في المضاف والمنسوب ، :ص 688 - 690
[2] - الطوسي ،أبى جعفر ،اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي، تحقيق:مهدي الرجائي(مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، 1404ه)ص 123 .
[3] - المسعودي، أبي الحسن علي بن الحسين بن علي، مروج الذهب ومعادن الجوهر(ط2، دارالهجرة ،ايران– قم،1404ه - 1984م)،ص67
-[4] القرشي، باقر شريف،حياة الإمام علي بن الحسين عليهما السلام ،(ط1، موسسة الامام المجتبى،ايران، قم،1394 ه - 1974 م)، ص665
[5] - الاصفهاني ،ابو فرج ،الاغاني، ج1،ص55/ ج4،ص5/ج5،ص111
[6]-الاصفهاني ، المصدر السابق ،ج8،ص224
[7] - الاصفهاني ، المصدر السابق ،ج2،ص238/ج2،ص226/ ج3،ص307/ ج4،ص222
[8]-الصدر،محمد باقر،اهل البيت القدوة والدور التاريخي،تحقيق:عبد الرزاق هادي الصالحي(اهل الذكر للطباعة ،ايران ،قم،1429)ج2،ص636
[9]- القرشي، حياة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام ،ج2،ص286
[10]- القرشي، المصدر السابق ،ج2،ص280
[11] -المقرم ،عبد الرزاق، مقتل الحسينu،(ط1،المكتبة الحيدرية،العراق،النجف الاشرف،1423)ص272
[12] - القرشي، باقر شريف،حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام ،(ط2، موسسة الامام المجتبى،ايران، قم،1394 ه - 1974 م)ج2،ص 161
[13] - القرشي، حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام ،ج 2 / ص161
[14] - المجلسي ،المولى محمد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار،(ط2، مؤسسة الوفاء،لبنان ،بيروت، 1403ه - 1983م )ج33،ص193
[15] - القرشي،حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام ،ج2،ص 162
[16] - ابن عساكر ، أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي، تاريخ مدينة دمشق ،دراسة وتحقيق: علي شيري(دار الفكر، لبنان- بيروت ،1415 ه / 1996 م)، ،ج16، ص388
[17] - الحائري، محمد مهدي، شجرة طوبى(ط5،منشورات المكتبة الحيدرية ،العراق- النجف ،محرم الحرام 1385 هجرية)ج1،ص93
[18] - القرشي، حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام ،ج2،ص279
[19] - في الاصل (وملابستهم)
[20]- المجلسي ،بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار،ج97،ص266
[21] - ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ( 15 : 273 ) .
[22] - المفيد ،بو عبد الله ، محمد بن محمد العكبري ، الاختصاص،(انتشارات جماعة المدرسين ، قم – إيران،د.ت ) ص64 /المجلسي ،بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار،ج11،ص42
[23] - المجلسي ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار،ج45،ص 147 .واللهوف / 115 ، وينابيع المودة : 3 / 93 ، والعوالم / 446 ، ولواعج الأشجان / 242 .
[24] - ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج 41 ،ص 386 .
[25] - البرقعي ، أبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد ، كتاب المحاسن ،عنى بتصحيحه والتعليق عليه: جلال الدين الحسيني(دار الكتب الاسلامية ،طهران ،1370 = 1330)ج2،ص420
[26] - ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق : 41 / 396
[27] - الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي،الامالي ، تحقيق : قسم الدراسات الاسلامية (مؤسسة البعثة – قم، 1417 ه)ص547
[28] - بن قولويه، جعفر بن محمد،كامل الزيارات،التحقيق : الشيخ جواد القيومي (ط1،قم، مؤسسة نشر الفقاهة، 1417هـ) ص213
[29] - بن قولويه ،كامل الزيارات، ص213
[30] - بن قولويه، المصدر السابق ،ص 47
[31] - بن قولويه، المصدر السابق ،ص 201
[32] - بن قولويه، المصدر السابق ،ص 234
[33] - بن قولويه، المصدر السابق ،ص451
[34] - المرعشي،شهاب الدين النجفي،ملحقات الاحقاق،(ط1،مكتبة آية الله المرعشي،ايران ،قم، 1415 ه)ج28، ص193
[35] - المقرم ، الإمام زين العابدين ، ص 412 .
[36] - التستري ،نور الله الحسيني المرعشي ، إحقاق الحق وإزهاق الباطل،،(منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي،قم – إيران) ج12، ص104
[37] - ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج41 ،ص385
[38] - مع مهجة وهي الدم أو دم القلب خاصة أي بما يتضمن إراقة دمائهم .
[39] - جمع لجة وهي معظم الماء .
[40] - الكليني، أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق،الأصول من الكافي،صححه وعلق عليه :علي أكبر الغفاري(ط3، دار الكتب الاسلامية،طهران، 1388 هـ)ج1، ص35
[41] - المشغري ، جمال الدين يوسف بن حاتم بن فوز بن مهند الشامي العاملي ، الدر النظيم ،(مؤسسة النشر الاسلامي ،ايران ،د.ت )ص586
[42] - الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الخصال ،صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري(جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة،1403 هـ) ( ص 517 ) .
[43] - الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي،علل الشرائع،( منشورات المكتبة الحيدرية، النجف ، ،1385 ه - 1966م) ص605
[44] -الكليني،الاصول من الكافي، ج8،ص15
[45] - المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر ،ج2 ، ص197
[46] - ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج 17 : 284 ) .
[47] - الحر العاملي ،محمد بن الحسن ،تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة(ط2،مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم المشرفة ، 1414 ه)كتاب النكاح ، الباب ( 26 ) الحديث ( 4 ) تسلسل ( 25060 ) ولاحظ العقد الفريد ، للأندلسي ( 3 : 360 - 364 ) .
[48] - أبن سعد،الطبقات الكبرى،( دار صادر، بيروت،لبنان، د،ت )ج 7 :ص 26 ق 2 ) . وانظر تهذيب الكمال ، للمزي ( 4 / 272 ) .
[49] - الخطيب البغدادي ،لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت ، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ، تحقيق: محمد عجاج الخطيب .( مؤسسة الرسالة ،بيروت ، 1412 )ج 1 /ص 192 .
[50] - أمين، أحمد ، ضحى الإسلام ( مكتبة النهضة ، القاهرة،د،ت )ج 1 :ص 187 .
[51] - صبحي،أحمد ،نظرية الإمامة لدي الشيعة الاثني عشرية(دار المعارف– القاهرة، 1969 م) ج 6 ، ص 257 .
[52] - يلاحظ أن هذا الكاتب نفسه يقول عن الإمام : ( لكن الإقبال على الله ، واعتزال شؤون العالم . . كان منهجه في حياته الخاصة ) وقد سبق كلامه في المقدمة ،ص 10 - 11 .
[53] - بلاغة الإمام الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) ،خطب ورسائل وكلمات / جمع وتحقيق : جعفر عباس الحائري (دار الحديث، قم ،1425 ق = 1383ش) ص 217 .
[54] - الذهبي ، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان ،سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرنؤوط(ط9، مؤسسة الرسالة، لبنان، بيروت،1413 ه -1993 م)، ج 4 :ص 388 ) وانظر حلية الأولياء ( 3 : 137 ) وصفوة الصفوة ( 2 : 98 ) .
[55] - ابن سعد ، المصدر السابق، ج 5 :ص 216.
[56] - بن شهرآشوب، شير الدين أبي عبد الله محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب (المطبعة الحيدرية ،العراق- النجف1375، ه 1956 م) ج3 ، ص291
[57] - الكليني،أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق، الفروع من الكافي،علق عليه: علي أكبر الغفاري (دار الكتب الاسلامية، ايران،1367) ج5 :ص 344.
[58] - الكليني، أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق،الروضة من الكافي،صححه وعلق عليه :علي أكبر الغفاري(ط2، دار الكتب الاسلامية،طهران، 1389 هـ) ج8 ،ص234
[59] - الكليني، الأصول من الكافي، ج2، ص308
[60] - المجلسي ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار،ج33، ص180
[61] - الذهبي ، سير أعلام النبلاء، ج4، ص393
[62] - الذهبي ، المصدر السابق، ج4، ص393
[63] - بن شهرآشوب ، مناقب آل أبي طالب ، ج3 ،ص222
[64] - المزي ،جمال الدين أبي الحجاج يوسف ،تهذيب الكمال في أسماء الرجال(مؤسسة الرسالة بيروت ،1413 ه - 1992 م) المجلد العشرون ، ص392
[65] - بن شهرآشوب ، المصدر السابق ، ج3 ،ص293
[66] - الحائري ، بلاغة الإمام الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) ،ص182
[67] - ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج41، ص386
[68] - ابن عساكر ، المصدر السابق ، ج41، ص386
[69] - ابن عساكر ، المصدر السابق ، ج13، ص244
[70] - الحراني، أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليهم، (ط3،ذوي القربى ،قم ،1429هـ)ص283
[71] - ) لاحظ أمين ، أحمد ، فجر الإسلام ( دار المعارف ، بيروت . - لبنان ،1969 م ) ص 90 .
[72] - ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج17، ص284
[73] - بن طاووس ، رضى الدين علي بن موسى بن جعفر ، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة ،تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني (الطبعة الأولى، 1616)ص477
[74] - ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج17، ص136
[75] - لاحظ المجلسي ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 46 :ص 104 - 105 .
[76] - الأربلي ، أبى الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح ، كشف الغمة في معرفة الأئمة(دار الأضواء،بيروت - لبنان،د.ت)ج2،ص81
[77] - البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر، من أنساب الأشراف، حققه وقدم له :سهيل ذكّار(ط1، بيروت لبنان، دار الفكر،د،ت)ج3،ص295
[78] - الأربلي ، المصدر السابق ،ج2،ص282
[79] - ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج17، ص240
[80] - ابن عساكر ، المصدر السابق ، ج17، ص240
[81] - ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج17، ص244
[82] - ابن عساكر ، المصدر السابق ، ج17، ص239
اترك تعليق