خشوع على ضفاف الفرات ..

للفنان المسلم خصوصية في طرح اعماله الابداعية .. حيث اعتمد على مبدأ تحريك مخيلة المتلقي وفق نزوع خيالي، يدفعه نحو اكمال الاشكال من نتاج مخيلته، بغية توسيع خيال المشاهد ومنحه فرصة اكبر في تأمل وقراءة العمل الفني .. ويتضح ذلك جلياً في اغلب الابداعات المعمارية والزخرفية التي تزخر بها المراقد والمشاهد المقدسة الاسلامية بتعبيرها عن الاجواء الروحية والخشوع للخالق جل وعلا .

يعد مرقد نبي الله ذي الكفل الذي يتوسط مسجد النخيلة التاريخي وسط العراق.. احد الصروح المعمارية التاريخية التي تمتاز بعمارتها الفريدة ونقوشها الخلابة التي تظهر مدى براعة الفنان المسلم الاول في انجاز اعماله الفنية ومدى قدرته على دفع  مخيلة المتلقي نحو التأمل في الاجواء القدسية والروحانية ومن ثم الخشوع لقدرة الله المبدع الابدي.

اختلفت الآراء والروايات حول نبي الله ذي الكفل وسبب تسميته ومكان دفنه.. فمنهم من قال ان ذي الكفل هو بشير بن نبي الله ايوب عليه السلام بعثه الله نبيا بعد (حومل) بن ايوب وسماه ذا الكفل وامره بالدعوة الى التوحيد وقد قضى عمره في الشام .. وقيل انه احد الانبياء بعد نبي الله سليمان و انه تكفل لبني قومه ان يقضي بينهم بالحق فسمي ذو الكفل ..ويذهب اخرون الى انه نبي بعث قبل عيسى (ع)سمي ذا الكفل لأنه كفل سبعين نبيا ونجاهم من العذاب .

وعن الاصبغ بن نباته عن امير المؤمنين علي عليه السلام  انه قال ان هذا قبر يهوذا بن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم عليهم السلام ، وهو الذي اشار الى اخوته بأن يلقوا اخاهم يوسف الصديق في الجب لما اراد بعضهم قتله وسل عليه السكين..  وهو مدفون في قرية القسونات ( ناحية الكفل الحالية )،  حيث ذكرت بعض المصادر التاريخية أن اليهود قاموا في وقت لاحق بإزالة منبر كبير من الصخر كان موجودا في المسجد وحفروا الى جنبه حفرة كبيرة واردوا فيها ذي الكفل ثم سووا عليه التراب.. كما ان هناك بعض الدراسات التأريخية تشير الى ان الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني قام بترحيل سبايا اليهود من مملكة يهوذا بفلسطين إلى بابل، وعرف هذا الترحيل بالسبي البابلي بمرحلتيه الاولى والثانية .. وقد جلب اكثر من ثلاثة الاف يهودي الى بابل ومن ضمنهم الحاكم (يهويا كين ) وعائلته ، والنبي حزقيال (ذو الكفل) مع مجموعة من الكهنة والقادة والحرفيين من عامة الناس واسكنهم جنوب مدينة بابل، وتشير تلك المصادر الى ان النبي حزقيال قد كلف بدعوته في هذه المنطقة التي تعرف اليوم بمدينة الكفل والتي تبعد قرابة (25) كم جنوب محافظة بابل .

يقع مرقد ذي الكفل على الضفة الشرقية لنهر الفرات في منتصف الطريق بين الكوفة والحلة.. و له حرم واروقة سميكة البناء مرتفعة الدعائم قديمة الانشاء ، ويظهر ان البناء لم يعمر طويلاً بعد القرن الثاني عشر الميلادي حيث يبدو من المعطيات الكتابية داخل وخارج البناء ان عمارته قد جددت لأكثر من مرة.. وتقبع فوق القبر قبة مخروطية من الطراز السلجوقي والى جانبها قبة زرقاء مطرزة بالنقوش ليشغل المشهد حيزاً جانبياً من مسجد النخيلة التاريخي المرتبط باسم امر المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام.. بمنارته التي لا زالت قائمة مع شرفات المسجد الاسلامي القديم الذي جدد اليوم، فضلاً عن موضع محراب امير المؤمنين الذي صلى فيه عند خروجه الى صفين مرة ، وعندما بلغه قتل عامله على الانبار مرة ثانية ، وثالثة عند خروجه لحرب الخوارج في النهروان مارا ببابل . 

والى جانب مرقد النبي ذي الكفل وتحت نفس البناء يرقد خمسة من الحواريين من اصحابه متجاورين في قبورهم وهم يوسف الربان ,ويوشع وخون ناقل التوراة ويوحنا الديملجي  وباروخ وقيل بأن هؤلاء هم الذين كتبوا التلمود البابلي القديم.. وايضاً هناك مقام للخضر عليه السلام  بالقرب من مرقد ذي الكفل . 

سامر قحطان القيسي الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات