الحِجَاج تقنية دعائية في مناجيات الإمام السجاد (عليه السلام) الاستفهام الحِجاجي مصداقاً

 

أ.م .د. لمى عبد القادر خنياب  

المقدمة :

" الحمد لله الذي تجلى للقلوب بالعظمة واحتجب عن الأبصار بالعزة "[1] ، والصلاة والسلام على نبي هذه الأمة وآله الأبرار الأطهار وصحبه الأخيار .

وبعد ...

 

وقف البحث عند قضية أحسبها مهمة ، وهي توظيف الحجاج كوسيلة دعائية فقد يحسب أحد أنَّ الحجاج والدعاء على طرفي نقيض ، لكن التدقيق في النصوص أثبت أنَّ الحجاج بات أداة من أدوات المتضرع المتوسل ، وهو ضرب من الحجاج المسمى بالحجاج التواصلي الذي يكون طرفا الحجاج فيه – أو أحدهما – يسعيان إلى التوافق كالخطاب بين الذات الالهية والأنبياء أو الصالحين ، أو يكون الصالحون أنفسهم هم طرفا الحجاج ، بخلاف الحجاج التنازعي (المشاجري) الذي يقع بين الأنبياء أو الصالحين وبين المنكرين والمعاندين والكفرة .

إنَّ مناخ الحجاج وفضاءه هما اللذان يحددان نوع الحجاج بلحاظ زمان الخطاب ومكانه ، وتختص المناجاة بأنَّها حوار بين اثنين لا ثالث لهما ترتكز على التذلل لله جلَّ وعلا والتخلي عن الذنوب وسؤاله المغفرة ، وهذا النمط من الخطاب يكون العبد هو منتج النص والله جلَّ وعلا هو متلقيه ، وعليه فالحجاج في خطاب كهذا يكون من طرف واحد ، بمعنى أنّ الأفعال الانجازية التي تتطلب فعلاً من المتلقي كالاستفهام الذي يتطلب الجواب لا يحمل على حقيقته مطلقاً ؛ لأنَّ العبد في سياق كهذا لا يطلب الجواب ، بل يكون الاستفهام خارجاً إلى معنى حجاجي آخر، وقد حاول البحث رصد مواطن الاستفهام في المناجيات والكشف عن معانيها المستلزمة (المجازية) إذ خرج الاستفهام فيها تارة إلى النفي ، وفي أخرى إلى التعجب وفي ثالثة إلى النهي ، وفي الأحوال جميعاً حاولنا الوقوف عند مبدأ الأنفعية الحجاجية والعدول عن المعاني الحقيقية إلى المعاني المستلزمة كالعدول عن النفي بأدوات النفي إلى النفي بأدوات الاستفهام مثلاً .

قصر البحث جهده على آليات الحجاج اللغوية وسلط الضوء على الاستفهام الحجاجي فقط ؛ لأنَّ موضوعة الحجاج موضوعة كبيرة تستلزم حيزاً بحثياً أكبر ، فضلاً عن خصوصية المتن الذي وظفت فيه آليات الحجاج بدقة عالية ، قد يكتب لنا الله انجازه في القابل من الأيام .

 

توطئة :

يتمحور البحث حول ثنائية ضدية هي (الدعاء / الحجاج) إذ ينتمي كلٌّ منهما إلى حقل دلالي مغاير للآخر  فالدعاء هو الرغبة لله عزَّ وجلَّ ، وقيل : هو الاستغاثة والسؤال[2] ، أما الحجاج فهو جمع التَّحاجّ وهو التخاصم ، والحجة الدليل والبرهان الذي يظفر به عند الخصومة[3] ، فكيف يكون التحاجج والبرهنة سبيلاً للدعاء القائم على التوسل والتذلل للذات الالهية ؟

إنَّ الحجاج والدعاء يلتقيان في الهدف فكلاهما يطلب الاقناع فالاستجابة ، ولما كان الحجاج وسيلة ناجعة لرصد المبررات والعلل فقد يكون أداة مهمة في الدعاء ليعرب من خلاله العبد عن قصوره مبرراً ذلك بأدوات حجاجية .

قبل الخوض في تفاصيل البحث لابدَّ من التمييز بين الدعاء والمناجاة ، أما المناجاة فهي السر بين اثنين[4] ، لكن يبدو أنَّ دلالتها تطورت لتكون ضرباً من الدعاء مع احتفاظها بدلالتها الأصلية – السر بين اثنين – جاء في الرسالة القشيرية : المناجاة " مخاطبة الأسرار عند صفاء الأذكار للملك الجبار ... وقيل مسامرة بين حبيبين لا يسمعها ثالث"[5] ، أما الدعاء فهو " مفتاح الحاجة وهو مستروح أصحاب الفاقات ، وملجأ المضطرين "[6] ، وهو الرغبة إلى الله عزَّ وجلَّ  ، وقيل : الاستغاثة ، وقيل : العبادة[7] .

وبهذا تكون المناجاة خطاب بين العبد وربه منفرداً لا يشهده أحد من الناس ، بخلاف الدعاء الذي قد يكون على مسمع من كثيرين[8] . وما يهمنا من الفارق بينهما هو تحديد طرفي الخطاب ، ففي المناجاة يكون المرسل هو العبد والمرسل إليه هو الله ، على حين يبقى طرفا الخطاب أنفسهما في الدعاء مع وجود متلقين آخرين قد يتأثر الخطاب بهم فيتحول شطر من الإقناع والتأثير إليهم بغية الإصلاح ؛ لذا تحدد طرفي خطاب متن البحث (المناجيات): بالعبد مرسلاً و بالله عزَّ وجلَّ مرسلاً إليه .

الاستفهام  :

هو طلب الفهم[9] ، وقيل : هو الاستخبار ، وقيل : الاستعلام ، وقد ذهب بعض النحاة إلى التسوية بين هذه المصطلحات ، على حين سعى بعضهم إلى الكشف عن أدنى فرق بينها ، قال عبد القاهر الجرجاني : " إنَّ الاستفهام : استخبار ، والاستخبار هو طلب من المخاطب أن يُخبرك"[10] .

إذن الاستفهام شكل من أشكال الطلب ، له دليل لفظي يدل عليه يتمثل بأدوات الاستفهام ، وفي الدرس التداولي يُعد الاستفهام من أفعال الكلام الانجازية ، ويضعه أوستن ضمن (التوجيهيات) و يوافقه سيرل في ذلك[11] ، وقد أطلق عليها التداوليون العرب اسم (الطلبيات)[12] ، التي تتمحور جميعها على غرض انجازي واحد وهو حمل المخاطب على فعل شيء ما ، ويتمثل شرط الاخلاص فيها في الرغبة والإرادة ، ويتعلق محتواها القضوي باستجابة السامع للتوجيه في المستقبل ، ويندرج ضمن التوجيهيات أو الطلبيات طائفة من الأفعال منها : الأمر ،والنهي ،والاستفهام ،والرجاء ، ،والوعظ ... الخ[13] .

يُعد التوجيه الاستفهامي ذا قيمة خطابية كبيرة تتمثل في نوع الخطابة المشاجري ، إذ يستدعي إجابة من المخاطب ، فضلاً عن افتراضه وجود إجماع عن المسؤول عنه[14] . هذا إن كان الاستفهام حقيقياً ، لكن قد يخرج الاستفهام عن معناه الحقيقي – طلب الفهم - إلى معانٍ مجازية أخرى ، وهي موضع عناية هذا البحث .

الاستفهام المجازي :

لا يكون الاستفهام حقيقياً إلا إذا وافق لفظه معناه ، وهو طلب الفهم وانتظار الإجابة من المخاطب ، على حين في الاستفهام المجازي يسأل المتكلم عمَّا يعرفه ويفهمه ، قال ابن جني : " واعلم أنه ليس شئ يخرج عن بابه إلى غيره إلا لأمر قد كان وهو على بابه ملاحظاً له وعلى صَدَدٍ من الهجوم عليه ، وذلك أن المُستفهم عن الشيء قد يكون عارفاً به مع استفهامه في الظاهر عنه ، لكن غرضه في الاستفهام عنه أشياء . منها أن يرى المسئول أنَّه خفى عليه ليسمع جوابه عنه . ومنها أن يتعرف حال المسئول هل هو عارف بما السائل عارف به . ومنها أن يُرى الحاضر غيرهما أنه بصورة السائل المسترشد لما له في ذلك من الغرض ... و ( لغير ذلك ) من المعاني التي يسأل السائل عما يعرفه لأجلها وبسببها ، فلما كان السائل في جميع هذه الأحوال قد يسأل عمَّا هو عارفه أخذ بذلك طرفاً من الايجاب لا السؤال عن مجهول الحال "[15] .

و(الاستفهام الخبري) - على حد اصطلاح الأصوليين العرب عليه – يخرج من حيز الأفعال التوجيهية أو الطلبية – بحسب اصطلاح التداوليين – إلى حيز الأفعال الإخبارية ، إذ يتحول الغرض حينئذٍ من طلب الفهم إلى نقل واقعة أو خبر للمتكلم يحتمل الصدق والكذب ، واتجاه المطابقة فيها من الكلمات إلى العالم[16] .

على حين يكون الغرض الانجازي من الطلبيات أو التوجيهيات هو توجيه المخاطب إلى فعل شيء ما واتجاه المطابقة فيها من العالم إلى الكلمات[17] .

 

 

مبدأ الأنفع حجاجياً :

التفت البلاغيون العرب إلى البحث في جدوى الانزياح عن الاستفهام الحقيقي إلى الاستفهام المجازي ، فتباينت آراؤهم في ذلك ، فمنهم مَن جرد الاستفهام المجازي من الاستفهام كلياً جاعلاً الهمزة في قوله تعالى : (أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)[18] ليست همزة استفهام بل همزة تقرير ،وراحوا يرصدون المعاني المجازية للاستفهام ، ومنهم مَن أثبت بقاء معنى الاستفهام فيه لكن في بعض المواطن ، والفيصل في ذلك السياق الذي يرد فيه ذاك الاستفهام[19] .

وشُغل التداوليون بالسؤال نفسه لكنَّهم طرحوه بالمقلوب متسائلين عن جدوى الاخبار بالاستفهام نفياً وإثباتاً والعدول عن التعبير النمطي المباشر للإخبار ذاهبين إلى أنَّ معنى قوله تعالى – مثلاً - : (ألست ربكم)[20] هو (أنا ربكم) بالتقرير فما نفع العدول عن التعبير الثاني إلى الأول ؟

فتأتي الاجابة على ذلك بأنَّ التعبير الأول يشتمل على معانٍ غير موجودة في التعبير الثاني المباشر  ففيه تقرير مصحوب بلوم " وذلك لما ظن من أمر المخاطبين من أنهم ينكرون ذلك وهو ما لا يمكن أن يكون في (أنا ربكم) "[21] ، إنَّ هذه المعاني الإضافية تعمق " درجة الإقناع بالنتيجة التي يتوجه إليها الملفوظ . إنَّ البحث في كيفية اشتغال مبدأ الأنفع حجاجياً من شأنه أن يدفعنا إلى البحث في الغاية من تطبيق المتكلم له "[22] .

وإذا ما حاولنا توظيف ما تقدم في تحليل بعض القطع الدعائية من مناجيات الإمام السجاد (عليه السلام) فسنجد أن للاستفهام البلاغي حضوراً واضحاً وله بعد حجاجي ظاهر ، يتمحور حول جملة معانٍ أهمها:

النفي : النفي بـ(هل)

قال (عليه السلام) : (إلهِي هَلْ يَرْجِعُ الْعَبْدُ الابِقُ إلاَّ إلَى مَوْلاهُ أَمْ هَلْ يُجِيرُهُ مِنْ سَخَطِهِ أَحَدٌ سِواهُ ؟  إلهِي إنْ كانَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْب تَوْبَةً، فَإنِّي وَعِزَّتِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَإنْ كَانَ الاسْتِغْفارُ مِنَ الْخَطيئَةِ حِطَّةً، فَإنِّي لَكَ مِنَ الُمُسْتَغْفِرِينَ، لَكَ الْعُتْبى حَتّى تَرْضى. إلهِي بِقُدْرَتِكَ عَلَيَّ تُبْ عَلَيَّ، وَبِحِلْمِكَ عَنِّي اعْفُ عَنِّي، وَبِعِلْمِكَ بِي ارْفَقْ بِي) [23] .

تخرج (هل) في هذا المقطع من معنى الاستفهام إلى معنى النفي بدلالة (إلا) وكأنه (عليه السلام) قال : (لا يرجع العبد الآبق إلا إلى مولاه) لكنَّه عدل عن استعمال النفي المباشر الذي يتضمن إقراراً من المتكلم فهو إخبار ليس إلا ، على حين يكسب الاستفهام الخارج إلى معنى النفي النصَّ اشراكاً للمخاطب في الأمر وكأنَّه يريد منه تصديقاً لما قاله[24] . ولما كانت الإجابة بديهية فالمتكلم يحمل المخاطب على الاعتراف بها والمصادقة عليها فيكون الاحتجاج على المعترف أقوى منه على المنكر والمكذب أو المتوقف[25] ، وبلحاظ طرفي الخطاب : المرسل الإمام (عليه السلام) والمرسل إليه الله جلَّ وعلا فإنَّ معنى الحمل على التصديق والاعتراف ينزل مُنزل الاستعطاف المبرر بالحجج والبراهين المتفق عليها .

ثم يدعم (عليه السلام) هذه الحجة بأخرى على شاكلتها واصلاً بينهما بالرابط الحجاجي (أم) : (أم هل يجيره من سخطه أحد سواه) ، قال النحاة في (أم) : إنَّها على نوعين : متصلة ولا تأتي في سياق الاستفهام بـ(هل) فهي حكر على الهمزة[26] ،ومنقطعة تقع بين جملتين تفيد الاضراب عن معنى الأولى إلى معنى الثانية وتمثلوا لها بقوله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ )[27] والمعنى : (بل هل تستوي الظلمات والنور)[28] ، وبهذا يكون معنى قوله (عليه السلام) : (بل لا يجيره من سخطه أحد سواه) ، وهنا يستوقفني معنى الاضراب الذي قال به النحاة وهو ترك المعنى الأول وإثبات المعنى الثاني[29] ، وبالنظر في النصين المتقدمين : الآية الكريمة ، وكلام السجاد (عليه السلام) نجد أنَّ المركب (هل يفعل أم هل يفعل) لا يشتمل على اضراب عن معنى الجملة الأولى وتركه إلى إثبات معنى الثانية ، وما أراه هو أنَّ (أم) عطفت حجة على حجة سابقة تعزيزاً وتوكيداً لها ، ففي : (بل هل تستوي الظلمات والنور) تعزيز وتوكيد لقوله تعالى : (هل يستوي الأعمى والبصير) وليس تركاً للأول وإثباتاً للثاني ، وكذا هو الحال في قول السجاد (عليه السلام) : (بل هل يجيره من سخطه أحد سواه) فهو دعامة وتوكيد لقوله : (هل يرجع العبد الآبق إلا إلى مولاه) ؛ لذا أقول : من شأن الرابط (أم) في سياق كهذا الوصل بين حجتين الثانية أقوى من الأولى .

يبدو أنَّ الرابط الحجاجي (أم) لا تأتي النتيجة معه صريحة بل تكون ضمنية يفهمها المتلقي فهماً . ثم تتوالى الحجج بأساليب مختلفة حتى يظهر الغرض جلياً بالطلب المباشر – الأمر الخارج لمعنى الدعاء– (إلهِي بِقُدْرَتِكَ عَلَيَّ تُبْ عَلَيَّ) ، ويمكن ترسيم بنية الحجاج على النحو الآتي :

الحجج المعطاة

المقدمة : الله هو التواب الغفور تأسست عليها الحجج الآتية :

لا يرجع العبد الآبق إلا إلى مولاه  لا يجيره من سخطه أحد سواه

النتيجة الضمنية

 توقع المغفرة     

 

النفي بـ(الهمزة):

قال (عليه السلام) : (إلهِي أَتَراكَ بَعْدَ الاِيْمانِ بِكَ تُعَذِّبُنِي، أَمْ بَعْدَ حُبِّي إيَّاكَ تُبَعِّدُنِي، أَمْ مَعَ رَجآئِي برحمَتِكَ وَصَفْحِكَ تَحْرِمُنِي، أَمْ مَعَ اسْتِجارَتِي بِعَفْوِكَ تُسْلِمُنِي؟ حاشا لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَنْ تُخَيِّبَنِي)[30] .

قبل النظر في الفعل الكلامي الموجه للحجاج في هذا النص لابدَّ من الوقوف عند ثيمة المفارقة المهيمنة عليه ، فكل فقرة من فقار هذا النص تشتمل على ثنائية ضدية يمكن رصدها على النحو الآتي :

الإيمان ≠ العذاب الحب ≠ الابعاد الرجاء ≠ الحرمان الاستجارة ≠ التسليم

إنَّ مفردات الحقل الأول (حقل الموجب) جميعها مسندة إلى المتكلم (العبد) أما مفردات الحقل السالب فكلها مسندة إلى المخاطب (الرَّب) لتتأسس النتيجة عليها بإنكار كلَّ ما أُسند إليه جلَّ وعلا بقوله (عليه السلام) : (حاشا لوجهك الكريم أن تخيبني) . لم تكن المفارقة أُسَّاً للنتيجة وحسب بل كانت عماداً للحجج المعطاة وانتخاب الأسلوب الأنفع حجاجياً في طرحها ، فتخيَّر (عليه السلام) السؤال الحجاجي ليكون وسيلته في التأثير والإقناع والاستعطاف . فجاءت الهمزة خارجة عن معناها الحقيقي (الاستفهام) إلى معنى النفي ، لكنه ليس نفياً محضاً بل هو نفي مشوب بإنكار وتعجب[31] ، ولو أراد (عليه السلام) النفي فقط لقال : (لا أراك تعذبني بعد الإيمان بك) بل هو نفي مشوب بإنكار تنزيهاً لله جلَّ جلاله ، وهذا ما يقوي الاتجاه نحو النتيجة المرجوة ، بعد توالي الحجج ووصلها بالرابط (أم) الذي رتب الحجج من عامها إلى خاصها لتدعم كل واحدة سابقتها .

النفي بـ(كيف):

تأتي (كيف) للنفي كما في قوله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ )[32] أي : (لا يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم)[33] ، ومنه ما جاء في مناجاته (عليه السلام) :  (... فَآلاؤُكَ جَمَّةٌ ضَعُفَ لِسانِي عَنْ إحْصائِها، وَنَعْمآؤُكَ كَثِيرَةٌ قَصُرَ فَهْمِي عَنْ إدْرَاكِها فَضْلاً عَنِ اسْتِقْصآئِها، فَكَيْفَ لِي بِتَحْصِيلِ الشُّكْرِ، وَشُكْرِي إيَّاكَ يَفْتَقِرُ إلى شُكْر، فَكُلَّما قُلْتُ: لَكَ الْحَمْدُ، وَجَبَ عَلَيَّ لِذلِكَ أَنْ أَقُولَ: لَكَ الْحَمْدُ )[34] .

إنَّ الحجاج في هذا المقطع يتأسس على مقدمة مفادها : أنَّ نعم الله تعالى جمة لا يحيط بها الشاكرون ، وعليه فكل شاكر مقصّر في شكره ، فالعبد مجبول على القصور ليس بتكاسله عن الحمد بل لأنَّ نعمه عزَّ وجلَّ لا يحيط بها شكر شاكر ولا يفيها حمد حامد ، وقد نصَّ (ع) على هذه المقدمة في أول مناجاته (عليه السلام) بقوله : ( إلهِي أَذْهَلَنِي عَنْ إقامَةِ شُكْرِكَ تَتابُعُ طَوْلِكَ، وَأَعْجَزَنِي عَنْ إحْصآءِ ثَنآئِكَ فَيْضُ فَضْلِكَ، وَشَغَلَنِي عَنْ ذِكْرِ مَحامِدِكَ تَرادُفُ عَوآئِدِكَ، وَأَعْيانِي عَنْ نَشْرِ عوارِفِكَ تَوالِي أَيدِيكَ)[35] .

فيدخل (عليه السلام) هذه المحجة في متوالية غير متناهية من التقصير المبرر ، تبدأ من نفي تحصيل الشكر وتنتهي بالعود إلى نقطة البدء استحالة تحصيل الشكر .

إنَّ اصطفاء (كيف) للنفي في هذا السياق يكسبه معنى الإصرار الذي لا يتوفر بالنفي المباشر[36] :     (لا يتحصل لي شكرك) ، سعياً وراء الفعل الأجدى حجاجياً .

النفي بـ(مَن) :

وُضعت (مَن) للاستفهام عن العاقل لكنَّها قد تخرج لمعنى النفي من دون مغادرة كاملة لدلالتها الأولى ، فيكون الاستفهام فيها مُشرباً معنى النفي وليس نفياً محضاً[37] كما في قوله تعالى : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ )[38] . ومن قبيل ما جاء منه في مناجيات السجاد (عليه السلام) ، قوله :

( إلهِي مَنِ الَّذِي نَزَلَ بِكَ مُلْتَمِساً قِراكَ فَما قَرَيْتَهُ ؟ وَمَنِ الَّذِي أَناخَ بِبابِكَ مُرْتَجِياً نَداكَ فَما أَوْلَيْتَهُ ؟ أَيَحْسُنُ أَنْ أَرْجِعَ عَنْ بابِكَ بِالْخَيْبَةِ مَصْرُوفاً، وَلَسْتُ أَعْرِفُ سِواكَ مَوْلىً بِالاِحْسانِ مَوْصُوفاً )[39].

يرتكز هذا المقطع من المناجاة على استبعاد مفارقة (حسن الظن  / خيبة الأمل) إذ لا يحسن الجمع بينهما في مقام كهذا ، حسن ظن العبد بربه في مقابل تخييب الرجاء من الله جلَّ وعلا ؛ لذا جرى تعبير الإمام عنه بالاستفهام الخارج مخرج النفي ، وكأنه قال : (ما ينزل أحدٌ ملتمساً قراك فما قريته) لكن معنى النفي الصريح يفيد الإخبار المحض على حين يشتمل التعبير الذي انتخبه (عليه السلام) على معانٍ ثانوية توحي بطلب إجابة عن سؤاله المشوب بالنفي ليكتسب معنى القطعية والبت ، وفي هذا اشتغال حجاجي بيّن ، ولا سيما بعد وصله بحجة أخرى تحمل الثيمة الحجاجية نفسها (ومن الذي أناخ ببابك مرتجياً نداك فما أوليته) . إنَّ هاتين الحجتين تأسستا على مقدمة ادخر(عليه السلام) ذكرها  إلى آخر المقطع : (ولستُ أعرف سواك مولىً بالإحسان موصوفاً) التي عبَّر عنها بالنفي الصريح ؛    لأنها فكرة قارة راسخة جرى التذكير بها وحسب ، فلم يعتريها انزياح أسلوبي كما طرأ على الحجج المعطاة .

وقد يلحق (مَن) اسم الإشارة (ذا) الذي يفيد معنى التنصيص على الاستفهام إذ تحتمل (مَن) معنى الاستفهامية والموصولية فيأتي (ذا) محدداً لها بالاستفهام ، فضلاً عن قوة ومبالغة فيه[40] قال تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)[41] إذ يكتسب الاستفهام المشرب نفياً معنى التشديد والمبالغة[42] .

ومنه قوله (عليه السلام) :  (إلهِي مَنْ ذَا الَّذِي ذَاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ، فَرامَ مِنْكَ بَدَلاً؟ وَمَنْ ذَا الَّذِي أَنِسَ بِقُرْبِكَ، فَابْتَغَى عَنْكَ حِوَلاً ؟ إلهِي فَاجْعَلْنا مِمَّنِ اصْطَفَيْتَهُ لِقُرْبِكَ وَوِلايَتِكَ، وَأَخْلَصْتَه لِوُدِّكَ وَمَحَبَّتِكَ )[43]. يمكن تمثل الحجج المعطاة على النحو الآتي :

ما من أحد ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلاً ما من أحد أنس بقربك فابتغى عنك حولا

النتيجة : (أنا أروم ذلك) فاصطفيني وقربني .

فالأفعال الانجازية في هذه الحجج غير مباشرة فلا تشتمل على طلب مباشر ولا تفهم إلا بعد تأولها ، وقد اصطلح (جرايس) على هذا النمط من الحجاج (التعاون الحواري) وأطلق عليه (سيرل) (استراتيجية الاستنتاج)[44] ، ففي قول أحدهم : (ما أطيب رائحة طعامك) هو لا يريد إظهار إعجابه بالرائحة بل يريد أن يدفع صاحبه إلى دعوته إلى مشاركته الطعام ، فيكون كلامه متضمناً لفعل انجازي غير مباشر الباعث عليه وهو الاستحياء أو التأدب بالحديث على حد قول (سيرل)[45] .

وكأن الإمام (عليه السلام) لم يطلب ما يريد مباشرة تأدباً منه ، لكنَّه لم يصطبر على التلميح ولم يطق الطلب غير المباشر ، فوصل هذه الحجج بطلب صريح (فاجعلنا ممن اصطفيته ...) .

إنَّ نصوص المناجيات المذكورة سلفاً الخارجة من الاستفهام إلى النفي خارجة من الطلب إلى الإخبار ، لكن لا يعزب عن بالنا أنَّ النص الإطاري الذي يحويها هو نص طلبي دعائي ، فيكون الاستفهام فيها كأنَّه خرج من الطلب إلى الإخبار ليعود بلحاظ إطاره إلى الطلب ثانية .

2- التعجب :

تنبه النحاة العرب على خروج الاستفهام عن معنى الطلب إلى الإخبار المشوب بالتعجب ، قال سيبويه في قولهم : " سُبحان الله مَن هو وما هو فهذا استفهام فيه معنى التعجب. ولو كان خبراً لم يجز ذلك، لأنه لا يجوز في الخبر أن تقول مَن هو وتسكت"[46].

وقال ابن جني في ذلك : " ومن ذلك لفظ الاستفهام إذا ضامه معنى التعجب استحال خبراً وذلك قولك : مررت برجلٍ أيّ رجل ، فأنت الآن مخبر بتناهي الرجل في الفضل ولست مستفهماً ... وإنَّما كان كذلك لأنَّ أصل الاستفهام الخبر والتعجب ضرب من الخبر . فكأنَّ التعجب لمَّا طرأ على الاستفهام إنَّما أعاده إلى أصله من الخبرية "[47] .

التعجب بـ(كيف) :

قد يعدل المتكلم عن توظيف (كيف) في السؤال عن الحال إلى التعجب[48] ومنه قوله تعالى : (قُتل كيف قدَّر)[49] فهو " تعجيبٌ من تقديره وإصابته فيه"[50] .

وقد وظَّف الإمام (كيف) لإفادة معنى التعجب في قوله : (كَيْفَ أَرْجُو غَيْرَكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِكَ ؟! وَكَيْفَ أُؤَمِّلُ سِوَاكَ وَالْخَلْقُ وَالاَمْرُ لَكَ؟! أَ أَقْطَعُ رَجاِئي مِنْكَ وَقَدْ أَوْلَيْتَنِي ما لَمْ أَسْأَلْهُ مِنْ فَضْلِكَ ؟! أَمْ تُفْقِرُنِي إلى مِثْلِي وَأَنَا أَعْتَصِمُ بِحَبْلِكَ؟! يا مَنْ سَعِدَ بِرَحْمَتِهِ الْقاصِدُونَ ، وَلَمْ يَشْقَ بِنِقْمَتِهِ الْمُسْتَغْفِرُونَ ، كَيْفَ أَنْسَاكَ وَلَمْ تَزَلْ ذاكِرِي ؟! وَكَيْفَ أَلْهُو عَنْكَ وَأَنْتَ مُراقِبِي ؟!)[51] .

وقد جاء النص مكتظاً بالعوامل الحجاجية :

أولاً / تبلور الحجج على بنية المفارقة المتأسسة على جملة متقابلات تركيبية :

أرجو غيرك ≠ الخير كله بيدك

أؤمل سواك ≠ الأمر لك

أنساك ≠ ولم تزل ذاكري

ألهو عنك ≠ أنت مراقبي .

إن هذه الأحوال المتضادة تستدعي التعجب من حال العبد تجاه ربّه ، لكن ما يستوقفنا وهو اصطفاء الاستفهام كوسيلة حجاجية للتعبير عن التعجب ، والناظر في هذه الفقار لا يجد استفهاماً خالصاً أو تعجباً محضاً بل هو مزيج مدهش ، إذ لا يخلو التعجب من معنى الاستفهام " فالاستفهام معه مستمر ؛ لأنَّ مَن تعجب من شيء فهو بلسان الحال سائل عن سببه "[52] .

إذن ليس التعجب هو الهدف وحده ، ولا الاستفهام حتى ، بل ما يترشح من معانٍ ثانوية جراء المزج بينهما فالإمام يتعجب مستبعداً أن يكون كذلك محاولاً اشراك المخاطب في نفي التهمة عنه ، وكأنه ينتظر مَن يقول له مجيباً : لا (لا تفعلُ) .

 

النهي :

تقدم القول إنَّ سياقات التأدب في الحديث تستدعي العدول عن الأفعال الانجازية المباشرة إلى غير المباشرة منها ، ومن ذلك العدول عن النهي في مقامات التذلل والدعاء والتوسل إلى الاستفهام .

قال (عليه السلام) : (اِلهي هَلْ تُسَوِّدُ وُجُوهاً خَرَّتْ ساجِدةً لِعَظَمَتِكَ ، اَوْ تُخْرِسُ اَلْسِنَةً نَطَقَتْ بِالثَّناءِ عَلى مَجْدِكَ وَجَلالَتِكَ ، اَوْ تَطْبَعُ عَلى قُلُوب انْطَوَتْ عَلى مَحَبَّتِكَ ، اَوْ تُصِمُّ اَسْماعاً تَلَذَّذَتْ بِسَماعِ ذِكْرِكَ في اِرادَتِكَ ، اَوْ تَغُلُّ اَكُفَّاً رَفَعَتْهَا الاْمالُ اِلَيْكَ رَجاءَ رَأفَتِكَ ، اَوْ تُعاقِبُ اَبْداناً عَمِلَتْ بِطاعَتِكَ حَتّى نَحِلَتْ في مُجاهَدَتِكَ ، اَوْ تُعَذِّبُ اَرْجُلاً سَعَتْ في عِبادَتِكَ . اِلهي لا تُغْلِقْ عَلى مُوَحِّديكَ اَبْوابَ رَحْمَتِكَ ، وَلا تَحْجُبْ مُشْتاقيكَ عَنِ النَّظَرِ اِلى جَميلِ رُؤْيَتِكَ)[53].

وكأنه (عليه السلام) قال : (لا تسوِّد وجوهاً ...) لا ينفرد الاستفهام الدعائي بوصفه صيغة حجاجية ، بل يظل خيطاً في شبكة نسجت بعناية تهدف التأثير وتنشد الاستجابة .

 يتأسس الحجاج في هذه القطعة الدعائية على مقدمة ضمنية (إنَّ الله جلَّ جلاله لا يجزي الحسنة بالسيئة) فجاءت الحجج مساوقة لها باستبعاد صدور حسنة من عبد لا تجزى بمثلها من الرب ، اكتسبت هذه الحجج رجاحتها من توظيف كم من المفارقات ، الموصولة بالرابط الحجاجي (أو) :

تسود وجوهاً / سجدت لعظمتك

تخرس ألسن / نطقت بالثناء عليك

تطبع على قلوب / انطوت على محبتك

تُصِمُّ اسماعاً / تلذذت بسماع ذكرك

تغل أكفاً / رفعت بالدعاء إليك

تعاقب أبداناً / عملت بطاعتك .

بإسناد أفعال الفئة الثانية إلى العبد التي تجزى بأفعال الفئة الأولى المسندة إلى الرب ، الذي يوحي بأنَّ سبيل التعبير عن استبعاد وقوعها بالاستفهام الدعائي – الخارج مُخرج النهي – انفع حجاجياً من التعبيرات الأخرى المحتملة .

وتأتي (كيف) دالة على النهي كما في قوله تعالى : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ)[54] ، أي لا تأخذوه[55] .

ومنه قوله (عليه السلام) : (إلهِي نَفْسٌ أَعْزَزْتَها بِتَوْحِيدِكَ ، كَيْفَ تُذِلُّها بِمَهانَةِ هِجْرانِكَ ؟ وَضَمِيرٌ انْعَقَدَ عَلى مَوَدَّتِكَ كَيْفَ تُحْرِقُهُ بِحَرَارَةِ نِيرانِكَ ؟)[56] .

وكأنَّه (عليه السلام) قال : (لا تذلها ...) إنَّ الانزياح عن النهي الصريح يكشف عن تأدب سافر ، لكنَّه لا يعدم وجود معانٍ إضافية لا تتحقق بالنهي المباشر ، ففي قولنا : (أ تضرب أخاك) نهي مشوب بلوم لا يتحصل بقولهم : (لا تضرب أخاك)[57] .

إنَّ مبدأ الانفعية الحجاجية دفع به (عليه السلام) إلى تخير هذا الأسلوب لما فيه من زيادة في المعنى ، إذ ضمنت صيغة الاستفهام الدعائي زيادة في الاستعطاف والتودد للذات الالهية .

الخاتمة :

أحمد الله ثانية على جميل فضله وإحسانه وتيسيره وصول هذه المتون الجليلة إلينا لتثري لغتنا وفكرنا وتبصِّرنا في الدين والدنيا ولاسيما كلام الأئمة الأطهار عليهم السلام ، ومن هذه المتون الجليلة زبور آل محمد (الصحيفة السجادية) التي جُمعت بين دفتيها أدعية ومناجيات إمام المريدين وزين العابدين الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) .

وبعد ...

فقد أسفر البحث في تتبع ثيمة الاستفهام الحجاجي في مناجيات الإمام السجاد (عليه السلام) عن عدد من النتائج ، منها :

إن اتفاق الهدف في الدعاء والحجاج وهو التأثير والإقناع حوَّل الحجاج من حقل مفارق للدعاء إلى حقل مجاور بل وظِّف الحجاج كآلية دعائية يستثمرها المتضرع لله جلَّ وعلا لتبرير قصوره وسهوه وخطأه . الاستفهام أحد الأفعال الانجازية ويندرج في حيز الطلبيات إن قُصد منه الاستفهام حقيقةً ، لكن قد يخرج عن معناه الحقيقي فلا يستلزم جواباً وهو كذلك في مناجيات السجاد (عليه السلام) ، بلحاظ طرفي الخطاب ، فالإمام لا ينتظر جواباً من الله جلَّ وعلا ؛ لذا أطلق التداوليون على هذا الضرب من الاستفهام بالاستفهام الحجاجي . قد يخرج الاستفهام الحجاجي من حيز الافعال الانجازية الطلبية أو قد يبقى في فلكها ، وهذا منوط بالفعل اللغوي الخارج إليه الاستفهام ، فعند خروج الاستفهام إلى معنى النهي مثلاً يخرج الاستفهام من معنى طلب الإجابة إلى معنى المنع والنهي ، لكن كلا الفعلين يقعان في سياق الأفعال الطلبيات ، على حين عند خروج الاستفهام إلى معنى النفي فإنَّ الاستفهام يتحول من فعل طلبي إلى فعل إخباري يحتمل التصديق والتكذيب ، ويصنف حينها في حيز الإخباريات (بحسب أوستن) . بدا واضحاً استثمار الإمام (عليه السلام) مبدأ الأنفعية الحجاجية من خلال عدوله (عليه السلام) عن المعاني الحقيقية للأساليب إلى معاني مجازية مستلزمة ولا سيما الاستفهام – موضع البحث – فيستعمله (عليه السلام) للتعبير عن النفي تاركاً الاسلوب الحقيقي وأدواته ، وكذا المعاني الأخر ؛ والسبب في ذلك راجع إلى توظيف الانفع حجاجياً ، باستثمار المعاني الثانوية التي يشف عنها التركيب المعدول إليه . إنَّ للحجاج في أدعية الإمام السجاد (عليه السلام) خصوصية فريدة تتأتى من سبيلين : الأول الفيض اللغوي للإمام (عليه السلام) ، والثاني يتمثل بطبيعة النص المدروس وهو الدعاء ، إذ يختلف الدعاء بوصفه جنساً أدبياً - ولا سيما المناجيات - عن الأجناس الأدبية الأخرى بلحاظ متلقيه (الله عزَّ وجلَّ) وما يستلزمه ذلك من خصوصية في الحجاج ؛ وهذا يدفعني إلى دعوة الباحثين إلى دراسة آليات الحجاج في الصحيفة السجادية بشكل أوسع في رسالة أكاديمية تقف عند مفاصل الحجاج جميعها .

وفي الختام أتمنى أن أكون قد أحسنت صحبة (أخت القرآن) و (زبور آل محمد) صلوات الله عليهم أجمعين ووفيتها بعض حقها عليَّ ، سائلة الله التوفيق والسداد والحمد لله أبدا .

المصادر

جريدة المظان

القرآن الكريم

أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين ، د. قيس اسماعيل الأوسي ، بيت الحكمة ، بغداد ، 1988م . استرلتيجيات الخطاب ، مقاربة لغوية تداولية ، د. عبد الهادي بن ظافر الشهري ، دار الكتاب الجديد ، المتحدة ، بيروت ،ط1، 2004م . آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر ، د. محمود أحمد نحلة ، دار المعرفة الجامعية ، 2002م . التداولية عند العلماء العرب ، دراسة تداولية لظاهرة (الأفعال الكلامية) في التراث اللساني العربي ، د. مسعود صحراوي ، دار الطليعة ، بيروت ،ط1 ، 2005 م . الحجاج في القرآن الكريم من خلال خصائصه الاسلوبية ، د. عبد الله صوالة ، دار الفارابي ، بيروت ، ط2 ، 2007م . الخصائص ، لعثمان بن جني أبي الفتح  (ت392)هـ، تحقيق: محمد علي النجار، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ط4 ،1999م. الخطاب والحجاج ، للدكتور أبي بكر العزاوي ، دار الأحمدية للنشر ، الدار البيضاء ،ط1 ، 2007م .. دلائل الإعجاز في علم المعاني تأليف الإمام عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) ، صحح أصله الشيخ محمد عبده و الشيخ محمد محمود شكري الشنقيطي ، ووقف على تصحيح طبعه وعلق على حواشيه : السيد محمد رشيد رضا ، مكتبة القاهرة ، 1961م الرسالة القشيرية لأبي القاسم القشيري (465هـ) ، تحقيق : د. محمود بن الشريف ،دار الشعب للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1989م .  شروح التلخيص، وهي : مختصر العلامة سعد الدين التفتازاني  ، ومواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح لابن يعقوب المغربي ، وعروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح ، لبهاء الدين السبكي ، ط4 ، مؤسسة دار البيان العربي، ودار الهدي ، بيروت /1992م . الصحيفة السجادية ، للإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، دار الكتب العلمية ، بغداد ، 1997 م . في النحو العربي نقد وتوجيه ، د . مهدي المخزومي ، دار الرائد العربي ، بيروت ، ط2 ، 1986م .  في نظرية الحجاج دراسات وتطبيقات ، د. عبد الله صوالة ، مسكيلياني للنشر و التوزيع، تونس ، ط1 ، 2011م .  كتاب سيبويه، لعمرو بن عثمان بن قنبر أبي بشر( ت180هـ) تحقيق : عبد السلام محمد هارون ، عالم الكتب ، بيروت ،ومطابع دار القلم في القاهرة ، د0ت 0  لسان العرب ، للإمام العلامة جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري(ت 711هـ) ،دار صادر، بيروت ، د0ت0  معاني النحو ، د0 فاضل صالح السامرائي ، بيت الحكمة، الموصل، 1989م.  مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ،لابن هشام الأنصاري (ت 761 هـ) طبعة جديدة منقحة ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ،المكتبة العصرية ،بيروت 2005م.  المقتضب ،لأبي العباس المبرد (ت 285هـ) تحقيق : محمد عبد الخالق عضيمة، مطابع الأهرام التجارية ، القاهرة ، 1385هـ.  النثر الصوفي دراسة فنية ، د. فائز طه عمر ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، ط1 ، 2004 .

 

الهوامش:

 

[1] - الصحيفة السجادية : الدعاء / 56 : 229 .

[2] - ينظر لسان العرب : (دعا) 14 / 257

[3] - ينظر نفسه : (حجج) 2 / 228

[4] - ينظر لسان العرب : (نجا) 15 / 308

[5] - نقلاً عن النثر الصوفي دراسة تحليلية : 221 ، ولم أجد هذا النص في النسخة المتوفرة عندي من الرسالة القشيرية.

[6] - نفسه : 442

[7] - ينظر لسان العرب : (دعا) 14 / 257

[8] - ينظر النثر الصوفي دراسة فنية تحليلية : 221

[9] - ينظر مغني اللبيب : 1 / 19

[10] - دلائل الإعجاز : 93

[11] - ينظر آفاق جديدة في البحث النحوي المعاصر : 79

[12] - ينظر نفسه : 100

[13] - ينظر نفسه : 79 ، واستراتيجيات الخطاب : 324

[14] - ينظر في نظرية الحجاج دراسات وتطبيقات : 38

[15] - الخصائص : 4 /  266 - 267

[16] - ينظر آفاق جديدة في البحث النحوي المعاصر : 79

[17] - ينظر نفسه : 79 (سبق لي معالجة التوجيه الاستفهامي في بحث سابق ، لمزيد من التفصيلات راجع الاستراتيجية التوجيهية في سورة مريم دراسة في ضوء تداوليات الخطاب :11- 37 ، مجلة لارك مجلة فصلية محكمة تصدر عن كلية الآداب جامعة واسط ، ع 24 ، ج 2 ، 2017 م ) .

[18] - البقرة : 170

[19] - ينظر أساليب الطلب عند النحاة : 417

[20] - الأعراف : 172

[21] - في نظرية الحجاج دراسات وتطبيقات : 99

[22] - نفسه : 99

[23] - الصحيفة السجادية : المناجاة : (1) 253

[24] - ينظر معاني النحو : 4 / 618

[25] - ينظر الخصائص : 3 / 267

[26] - ينظر مغني اللبيب : 1 / 53 - 55

[27] - الرعد : 16

[28] - ينظر مغني اللبيب : 1 / 55 ، ومعاني النحو : 3 / 242 - 243

[29] - ينظر المقتضب : 3 / 286

[30] - الصحيفة السجادية : المناجاة (3) / 257

[31] - ينظر معاني النحو : 4 / 610

[32] - آل عمران : 86

[33] - ينظر مغني اللبيب : 1 / 230 ، ومعاني النحو : 4 / 633 .

[34] - الصحيفة السجادية : المناجاة (6) / 265

[35] - المصدر نفسه : المناجاة : (6) / 265

[36] - ينظر في نظرية الحجاج دراسات وتطبيقات : 99

[37] - ينظر مغني اللبيب : 1 / 358

[38] - آل عمران : 135

[39] - الصحيفة السجادية : المناجاة (4) / 259 - 260

[40] - ينظر معاني النحو : 4 / 635

[41] - البقرة : 255

[42] - ينظر مغني اللبيب : 1 / 358

[43] - الصحيفة السجادية : المناجاة (9) / 271

[44] - ينظر آفاق جديدة في البحث النحوي المعاصر : 51

[45] - نفسه : 51

[46] - كتاب سيبويه : 2 / 181

[47] - الخصائص : 2 / 272

[48] - ينظر مغني اللبيب : 1 / 230

[49] - المدثر : 19

[50] - الكشاف : 4 / 183

[51] - الصحيفة السجادية : المناجاة (4) / 260

[52] - عروس الأفراح : 2 / 306

[53] - الصحيفة السجادية : المناجاة (3 / 257 - 258)

[54] - النساء : 21

[55] - ينظر معاني النحو : 4 / 633

[56] - الصحيفة السجادية : المناجاة (3) / 258

[57] - ينظر في نظرية الحجاج دراسات وتطبيقات : 99

 

المرفقات