ولاية العهد ... وموقف الامام علي بن موسى الرضا منها.

تعد ولاية العهد التي منحها المأمون للإمام الرضا "عليه السلام" من المسائل التي أثيرت حولها الكثير من التساؤلات المتعلقة بالأسباب التي دفعت المأمون للأقدام على مثل هذا العمل، هل هو فعلا اقتناع المأمون بأحقية أهل البيت "عليهم السلام" بالخلافة.؟

بعد انتهاء الصراع الذي كان قائماً بين الاخوين (المأمون والامين) استتب الامر لصالح المأمون العباسي ، بدأ بعرض الخلافة على الامام علي بن موسى الرضا "عليه السلام" ، حيث قال للأمام :" يا بن رسول الله قد عرفت علمك وفضلك وزهدك وورعك وعبادتك واراك أحق بالخلافة مني"، فكان رد الامام عليه قائلا:" بالعبودية لله افتخر وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا، وبالروع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله ، فقال له المأمون: فأني قد رأيت أن اعزل نفسي عن الخلافة واجعلها لك وابايعك"([1])  الا ان الامام "عليه السلام" رفضها قائلا :" ان كانت هذه الخلافة لك والله جعلها لك، فلا يجوز لك ان تخلع لباساً ألبسك الله وتجعله لغيرك، وان كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك ان تجعل لي ما ليس لك"([2]) . الا ان الفضل بن سهل وزير المأمون اشار على المأمون ان يولي العهد للأمام "عليه السلام"، بحجة ان يمحوه ما ارتكبه الرشيد من جرم بحق العلويين([3])،  ولكن ان المتتبع للأحداث التاريخية يتبين له زيف هذا الرواية لعدة اسباب من اهم هذه الاسباب هي : ان ولاية العهد كانت ضمن استراتيجية المأمون السياسية لذا لم يطلع عليها احد لحين قدوم الامام الرضا الى مرو، فعرض المأمون الى وزيره الفضل بن سهل فكرة العهد([4])، فاعترض الفضل وحذر المأمون من مغبة سياسته وخطورتها قائلا:" ... ما هذا الصواب قتلت بالأمس اخاك وأزلت الخلافة عنه وبنو أبيك معاون لك وجميع أهل العراق وأهل بيتك والعرب، ثم أحدثت هذا الحدث الثاني أنك وليت ولاية العهد لابي الحسن واخرجتها من بني أبيك ... وآل العباس لا يرضون بذلك وقلوبهم متنافره عنك"([5]) .

 بالإضافة الى ذلك، محاولة المأمون عزل الامام "عليه السلام" وابعاده عن اتباعه ومريديه باستدعائه الى مرو وفرض الاقامة الجبرية عليه هناك وبهذا يكون تحت أنظار الحاكم وحاشيته مباشره،  فضلا عن تحقيق غرضه السياسي هو نزع فتيل الثورات العلوية وإيقافها عن طريق إرضاء العلويين بإسناد ولاية العهد الى الامام "عليه السلام"([6]) .

وبوصول الامام الى مرو عرض عليه المأمون ولاية العهد فرفض الامام الرضا "عليه السلام" مصراً على اعفائه من هذا الامر، مما دفع المأمون الى تغير لهجته مستخدماً لغة التهديد والوعيد بالقتل قائلا:" انك تتلقاني ابداً بما اكرهه وقد آمنت سطوتي فبالله اقسم لئن قبلت ولاية العهد والا اجبرتك على ذلك فأن فعلت والا ضربت عنقك"([7]) ، فقبل الامام "عليه السلام" مكرهاً على ذلك وأشترط عليه تجريده من جميع صلاحيات ولاية العهد وعدم تدخله بالأمور السياسية مؤكداً للمأمون :" قد نهاني الله تعالى ان القي بيدي الى التهلكة فان كان الامر على هذا، فافعل ما بدا لك وانا اقبل ذلك على اني لا اولي احد ولا اعزل احداً، ولا أنقض رسماً ولا سنه واكون في الامر من بعيد مشيراً"([8]) ،عكست تلك الشروط استراتيجية الامام في مواجهة السلطة عن طريق عدم اعتراف الامام بمشروعية العهد، فكانت مجرد ولاية شكلية اكثر من كونها واقعا تطبيقياً على الساحة السياسية، مما اثار مخاوف المأمون ورجالات دولته وفي مقدمتهم الفضل بن سهل بعدما شاهدوا من اتساع حجم القاعدة الشعبية المؤيدة للأمام في خرسان شعروا  بالخطر الشديد مما يحدث ، فجعل عليه عيوناً تراقبه خشية أن يقوم بما يعدّ مؤامرة ضدّ المأمون.

نستنتج مما تقدم ان الظروف التي رافقت اختيار المأمون للأمام الرضا عليه السلام" ليكون ولياً لعهده لم تكن ظروفاً طبيعية بل كانت هناك دوافع سياسية أملت عليه ذلك ، وعليه يمكن القول ان المأمون لم يكن صادقا في نقل الخلافة الى آل الامام علي بن ابي طالب "عليه السلام" ، بل لم يتعدى الامر بالنسبة اليه سوى لعبة سياسية كان غرضه منها امتصاص غضب الثوار العلويين والقضاء على اسباب التوتر في صفوفهم ويجعل إمامهم ولياً لعهده وليسهم عمله هذا في تثبيت اركان دولته في تلك المدة الحرجة التي مرت بها الدولة العباسية ، فضلا عن ذلك وليضفي على خلافته صفة شرعية بعد حجب الثقة عنه وخلعه من جانب العباسيين في بغداد وتحويل الخلافة الى عمه ابراهيم بن المهدي.  

جعفر رمضان

 

([1] ) الصدوق، عيون اخبار الرضا ، تحقيق حسين الاعلمي،( منشورات الشريف الرضي، 1984)، ج2، ص139. 

([2] ) المصدر نفسه، ص223؛ المجلسي، بحار الانوار، تحقيق محمد باقر البهبودي، (بيروت : مؤسسة الاعلمي للمطبوعات،2008)ج9، ص129.

([3] ) عبد العزيز الدوري ، العصر العباسي الاول دراسة  في التاريخ السياسية والاداري والمالي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2006)، ص208.

([4] ) الصدوق، المصدر السابق، ص160، اابي الحسن علي بن عيسى بن ابي الفتوح لاربلي، كشف الغمة في معرفة الائمة،تحقيق علي آل كوثر، (بيروت : دار التعارف، 2012)، ج2، ص800.

([5] ) محسن الامين العاملي، اعيان الشيعة ، تحقيق حسن الامين،( بيروت : دار المتعارف، 2009)، ج2، ص563.

([6] ) نغم حسن الكناني، المواقف السياسية للائمة الاثنى عشر،(الرافد للطباعة والنشر،2009)،ص284-285.

([7] ) الشيخ الصدوق ، المصدر السابق، ص140.

([8] ) عباس القمي ، منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل، تحقيق هاشم الميلاني،(بيروت : دار المرتضى،2011)، ج2،ص 372.

المرفقات