القرآن وتنمية الذائقة الجمالية ..

إن الهدف الأساسي من تنمية الذائقة الجمالية هو مواجهة آفة الأمية الجمالية التي تحول دون وعي الفرد وإحساسه بالجانب الجمالي للبيئة التي يعيش فيها ويتنعم من خيراتها، وإن لم نسعَ إلى محو هذه الأمية فأننا بالتأكيد سنكون وسط مجتمع فاقد للذوق . من البديهي إن عدم الاهتمام بالتربية الجمالية في المجتمع معناه أن هنالك أفراداً فاقدي الحس لهم عيون ولا يبصرون بها .. وبالتأكيد فالأعمى المبصر خير لنفسه ومجتمعه من المبصر الأعمى .. وبناءً على ذلك لابد أن ينال كل فرد نصيبه المعقول من الثقافة الفنية بشتى أشكالها من خلال التدريب والممارسة التي تكسبه بالأخير الخبرة الجمالية التي تكونه بدورها تكويناً ذوقياً يستطيع من خلاله تفسير وترجمة كل ما يحيط به ترجمة فنية تمكنه بدورها من أن يعدل في البيئة والمجتمع الذي ينتمي إليه ليكونا على أعلى مستوى من الجمال وبالتالي تهبانه القدرة على أن يكون مثقفاً جمالياً ويستمتع بما حوله من جمال إلهي مطلق، فثقافة الفن والجمال ليس بالضرورة أن تعني ثقافة المعلومة أو النبوغ في مجال التخصص أو حتى ارتقاء أعلى المناصب الوظيفية وأسماها.. فكم من أناس يشغلون أرقى الوظائف ويتخصصون بأدق فروع العلوم .. ولكنهم يعانون من الأمية الجمالية وليس باستطاعتهم الاستمتاع بتذوق لوحة مرسومة أو أبيات من قصيدة شعرية رائعة والأسوأ أنهم قد لا يستجيبون لجمال رباني خلق لأجلهم الطبيعة .  بناءً على ذلك لابد أن يكون لكل فرد منا معياراً جمالياً يساعده في التفريق بين الجميل والقبيح وما ترتاح له الأنفس وتُقبل عليه .. وهذا لا يكون إلّا من خلال تكثيف الاهتمام بالنشأة الجمالية للفرد منذ حداثة سنه والسعي إلى إيجاد الظروف الملائمة لذلك .. ولكي يكون ذلك فلابد من أن نخطو عدة خطوات أولها تنمية الاحساس الجمالي من خلال إيجاد البيئة الجمالية التي يترعرع فيها النشء ليتفاعل معها ثم يكبر ليتعرف على مسببات جمالها الذي لازمه منذ الصغر وهناك سيصبح الفرد أحد رواد البيئة الجمالية وتصبح عينه لا ترى إلّا الجمال ولا يدرك عقله غيره . وهذا ما عنيّ به الدين الاسلامي حيث ركز على التربية الروحية وتنمية الاحساس الجمالي لدى الإنسان المسلم ليلتفت بنظره إلى نواحي الفن والجمال في خلق هذا الكون وما فيه من منافع مادية وجمالية قد تُوصله إلى الحياة الإنسانية الصحيحة التي لا تقوم على جانب المنافع والماديات .. بل تتعداه إلى ما هو أسمى بتنمية الناحية الوجدانية التي تحقق للحياة سموها الإنساني . لم يتركنا الإسلام في تخبّط من أمرنا في اختيار طريقة تحقيق أهدافنا الجمالية الروحية بل رسم لنا طريقاً مثالياً للوصول إلى غايتنا المنشودة .. ولا يكون ذلك إلّا من خلال طريقين .. أولهما: إن على المسلم أن يتعامل مع الجمال تعاملاً مباشراً ويجعله جزءاً من كيانه وعقله وروحه ووجدانه، حيث يجعل الجمال منهجه ومثله الأعلى في سلوكه وتعامله مع الآخرين في شتى مفاصل الحياة ، ليتحول بذلك الجمال إلى سلوك إنساني عام يستمد ثوابته من كتاب الله والدعوة إليه في آياته الكريمة لتكون سمة عامة في شخصية المسلم . أما الطريق الثاني: فهو التدقيق والتأمل بمظاهر الجمال فيما أبدعه الله جل وعلا في الكون تأمّلاً واعياً وبتدبر وإمعان عاليين في محاولة للوقوف على سر ذلك الجمال وما يتجلى فيها من تكوين محكم وتنسيق بديع يسر الحواس وتبهج له النفوس . وبالتأكيد فالقران الكريم لم يقف بالفرد المسلم عند حدود توجيه النظر والحث على التأمل في آياته فحسب.. بل إن الخالق جل جلاله يصف الذين يستخدمون حواسهم دون أرواحهم ووجدانهم بالحيوانات التي تحركها الغرائز.. كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) .. وفي قوله تعالى: (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا ۖ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ )..  كثير من آي الذكر الحكيم ورد فيها الحرص الشديد على تهذيب النفوس والرقي بالإحاسيس والمشاعر والسمو بها .. ومن خلالها فتح الإسلام الأذهان إلى أهمية الفن والجمال في الحياة ، فقد حرص الإسلام على جعل المسلم فناناً متذوقاً ليحمل مشاعر الجمال في هذه الدنيا وما فيها من جمال وجلال وكمال إلهي . سامر قحطان القيسي الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة 

المرفقات