الخطبة الثانية لصلاة الجمعة للشيخ عبد المهدي الكربلائي في 2/صفر الخير/1440هـ الموافق 12/10/2018م : أيها الاخوة والاخوات ما زلنا في شهري محرم الحرام وصفر الخير نتحدث بماذا يجب علينا ان نتعلمه من الحركة الاصلاحية للامام الحسين (عليه السلام).. من الاصلاحات المهمة التي أراد الامام الحسين (عليه السلام) ان يحققها من خلال ثورته ومبادئه وسيرته هي (الاصلاح الاخلاقي والتربوي عند الفرد والمجتمع). هنا ايها الاخوة والاخوات لابد من مقدمة بعد ذلك نخوض في مفردات الاصلاح الاخلاقي الذي اراده الامام (عليه السلام) والذي علينا ان نسير عليه ونطبقّه.. ما هي أهمية العملية الاخلاقية والتربوية لدى الفرد والمجتمع؟ ايها الاخوة والاخوات هناك نقطة خلل لدينا كفرد ومجتمع وحتى عند الكثير من المؤسسات.. هو ما هو تقييمنا واهتمامنا وعنايتنا بالعملية التربوية والاخلاقية؟ هناك لدينا عملية التعليم الاكاديمي عملية التعليم الاختصاصي بمختلف الاختصاصات المتعددة والكثيرة جداً وهناك لدينا العملية التربوية والاخلاقية، دققّوا اخواني فيما سأبينه في حساسية وخطورة العملية الاخلاقية والتربوية لدى المجتمع ونذكر هذه الاهمية في جنبتين: الانسان لديه الكثير من الطاقات والامكانات طاقات علمية واقتصادية وثروات وامور اخرى كثيرة..هذه الطاقات والامكانات وحركة الانسان في الحياة ان لم توجّه وفق وجهة اخلاقية وتربوية صحيحة فإننا لا يمكن ان نصل لهذه الامكانات والطاقات والقدرات الى تحقيق الهدف في الحياة وهو السعادة والاستقرار و الراحة والتكامل للإنسان واداء الوظيفة المهمة في هذه الحياة.. كلنا الان كفرد وكمجتمع لدينا هذه الطاقات المتعددة كيف نوجهها؟ كيف نوظفها؟ كيف نستعملها للوصول الى البناء وتحقيق الخير والاستقرار والسعادة في المجتمع؟ هذا لا يأتي من العلوم الصرفة البحتة لا يأتي من الطاقات وحدها والامكانات مهما امتلك الانسان من علوم وثقافات وقدرات من دون ان تكون هناك ضوابط اخلاقية وتربوية لا يمكن ان تُوجّه وتُوظّف هذه الطاقات والقدرات لبناء الحياة السعيدة والمستقرة التي ينشدها الانسان، لذلك نرى الكثير ممن يمتلك التقنيات والعلوم المتطورة والكثير من الافكار والثقافات تراه مصدر شر ونقمة على المجتمع بدل ان يكون مصدر خير.. الانسان اجتماعي بطبعه بمعنى لا يمكن ان يعيش بمفرده يحتاج الى الاجتماع والتعايش والاختلاط مع الاخرين من اجل ان يتمكن من أداء وظيفته في الحياة، هذا الاجتماع والتعايش بين الفرد والاخرين ينشأ منه علاقات اجتماعية اقتصادية سياسية فكرية..هذه العلائق ان لم تنضّم وفق اسس اخلاقية وتربوية صحيحة لا يمكن ان تكون هذه العلائق منتظمة ومستقرة..، لابد ان تكون طبيعة هذه العلاقات تؤدي الى الانسجام والى الأُلفة والى المودة والى التعاون حتى يمكن ان نحقق الهدف وان نصل الى الاهداف التي نرجوها، من دون ذلك حينما تسود هذه العلاقات العداوات والإحن والبغضاء والنزاع والصراع لأسباب..حينئذ تتحول حياة الانسان الى شقاء وتعاسة، فإذن لدينا علائق اجتماعية اقتصادية سياسية فكرية لابد ان يكون لها محددات وضوابط وقيود يمكن ان نصل من خلالها الى ان نوظّف هذه العلاقات لبناء الحياة الصحيحة للفرد والمجتمع.. الان اخواني حينما نعيش عصراً ينتشر فيه التضليل والكذب والخداع (ومن أخطره التضليل والكذب الاعلامي والسياسي) وينتشر الغش والتدليس والاستغلال وانعدام الامانة والاعتداء بالقتل والتهجير بين أبناء العشائر لأسباب تافهمة وبيع المناصب وشراء الاصوات بالمال ويسود في طبقة شبابنا وشاباتنا حالات الاختلاط المنحرفة واقامة الاحتفالات في أماكن عامة يسود فيها الاختلاط وبعض الممارسات غير المقبولة اخلاقياً وبالعلن حينما تنتشر مثل هذه الممارسات ثم يغيب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل ربما ينقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً والحق باطلاً والباطلُ حقاً حينئذ وحينما لا نجد تحركاً فاعلاً وسريعاً لتدارك هذه المخاطر فإن انتشار مثل هذه الامور تُنذر بانهيار اخلاقي وموت للقيم والمبادئ السامية والضمير الانساني.. وحينما نرى بلدنا تتقاذفه موجات الفساد المالي والاداري وسوء الادارة وتأخذ ظواهر الفساد الاخلاقي بالانتشار بين شبابه وشاباته بسبب سوء الاستغلال لمنظومات التواصل الاجتماعي وغيرها والذي يؤدي الى ان تنتشر هذه الامور من ظواهر الفساد الاخلاقي.. ولا يجد المواطن في الكثير من الاحيان الا ان يدفع المال مضطراً لينجز اموره ومعاملاته في الكثير من دوائر الدولة.. وعملية التعليم – هذه المشكلة- وعملية التعليم في مدارسنا وجامعاتنا لا ترافقها ولا يتزامن معها عملية الاهتمام بالعملية التربوية والاخلاقية، الاهتمام والعناية بتعليم العلوم الاكاديمية التخصصية مطلوب من دونها لا يمكن ان نتطور وتزدهر حياتنا ولكن الخلل لا يتزامن ولا يترافق مع هذا الاهتمام والعناية الكبيرة بالعلوم الاكاديمية التخصصية لا يتزامن معها اهتمام وعناية بالعملية التربوية والاخلاقية لأطفالنا وشبابنا وشاباتنا ويغيب هذا الاهتمام والعناية عن ساحة المدارس والجامعات والمؤسسات وغير ذلك من الجهات المعنية بهذه الامور.. من المهم جداً اذا اُريد لكل شعب ان يستقر ويتطوّر ويكون هذا المجتمع انسانياً بكل ما للإنسانية من معنى لابد ان يكون هناك تزامن وترافق بين العملية التعليمية الاكاديمية التخصصية والعملية التربوية الاخلاقية، كما نهتم بعملية تعلّم هذه العلوم والثقافات والمعارف بقدرها بل ربما اكثر منها لابد ان يكون هناك اهتمام وعناية بالعملية التربوية الاخلاقية للفرد والمجتمع.. حينئذً فإن هذه الامور الخطيرة التي بيّنا بتوفر الأسباب التي قد تؤدي الى انهيار اخلاقي وقيمي في المجتمع فإن هذه الامور الخطيرة تستدعي تحركاً مجتمعياً وحكومياً واعلامياً واسعاً وفاعلا ً وتحشيد كل الطاقات والامكانات لحفظ قيم المجتمع العراقي الأصيلة وصيانته من الانحرافات الاخلاقية التي تُنذر بعواقب حالية ومستقبلية خطيرة.. ما هي الأسباب في غياب هذه القيم الاخلاقية والالتزام المبدئي في المجتمع ؟ هناك أسباب لابد ان نذكرها وكيفية علاجها ثم نذكر ما هو منهج الامام الحسين (عليه السلام) في عملية الاصلاح الاخلاقي.. هذا ان شاء الله نذكره في الخطب القادمة.. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.. نسأل الله تعالى ان يوفقنا لإصلاح أنفسنا ومجتمعنا اخلاقياً وتربوياً والاقتداء بمنهج الامام الحسين (عليه السلام) انه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.. حيدر عدنان
تصوير: خضير فضاله الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق