الخطبة الدينية للسيد أحمد الصافي من الصحن الحسيني الشريف بتاريخ 17 ربيع الثاني 1439 هـ الموافق 05 /01 /2018 م

النص الكامل للخطبة الاولى

الحمد لله الكائن حيث لا كون ولا مكان، الحي حيث لا حدود و لا زمان، الملك حيث لا ملك ولا اعوان، الغني حيث لا ثروة ولا سلطان، احمده حمدا أبلغ به مقام الحامدين وارتفع به الى منازل العابدين.

أخوتي أبنائي آبائي حفظكم الله تعالى ورعاكم وسدد خطاكم، أخواتي بناتي أمهاتي حفظكن الله تعالى بعينه التي لا تنام وألبسكن لباس العفة والحياء السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

أوصيكم جميعاً ونفسي الغارقة في بحار الآثام والمعاصي بتقوى الله تبارك وتعالى ولنعمل جميعاً، ان افضل ما يتقرب به العبد الى سيده ومولاه هو العمل الصالح مع النية الخالصة المحصنة بتقوى الله تعالى عن المحارم، أعاننا الله تعالى وإياكم على انفسنا كما اعان الصالحين على انفسهم، والبسنا وإياكم لباس التقوى فانه خير ما يتقرب به الصالحون الى الله تعالى.

كنا في خدمة الامام السجاد (عليه السلام) وهو يعلمنا ويبين ويوضح لنا معالم الطريق الى الله تبارك وتعالى، وان هذا الطريق الذي يمر به الانسان مملوء بمشاكل كثيرة وكبيرة، فلابد ان يكون الموقف مع الله تعالى موقفاً سليماً وموقفاً صحيحاً، وقد أشرنا سابقاً الى ان من جملة ما يبتلينا الله تعالى به هي مسألة الرزق، وان الله تعالى هو رب العالمين وهو القيوم والخالق والرازق، فالإنسان يمر بمحطات متعاقبة؛ لأننا نؤمن اننا بعد الدنيا لا يكون فناؤنا مطلق وانما هو انتقال من عالم الى آخر، لكن لكل عالم خصوصياته، هذا العالم هو عالم العمل والاعتبار وليس عالم الجزاء، ان الله سبحانه وتعالى سلَّحنا بأدوات العمل والهداية وجعل لنا الخيار في ان نسلك هذا الطريق، وهذا الطريق (الدنيا) عبارة عن محل للعمل وليس محل للجزاء، قد تحدث في الدنيا بعض حالات الجزاء اذا كانت هنالك مصلحة، فينتصر الله لدينه او ينتصر لعبده المؤمن باعتباره مظهراً من مظاهر التدين والرحمة، وقد يحدث غير ذلك اذ مكن الله تعالى الفاسقين والمنافقين من قتل الانبياء مع ان الله ارسلهم هداية للبشر ولو كانت الدنيا محل الجزاء لما كان هذا الفعل .

بعد ان منَّ الله تعالى على الانسان بالعقل سوف يحاسبه عليه، بحيث لا مخلص لنا في ذلك الموقف الذي يسألنا الله تعالى فيه عن كل صغيرة وكبيرة، هو الذي يحتج علينا ويغلبنا فضلاً عن شهادة الملائكة وشهادة الاعضاء.

الشاهد ان من جملة ما يبتلى به الانسان هو الرزق، تارةً تتمثل مصاديق الرزق بالمال، فإذا تأخر رزق الانسان  ماذا يفعل؟  التفتوا هذه مسألة مهمة، الانسان يجري الكلام على لسانه سهل ويمكن ان يطويه بدقائق، القرآن الكريم مثلا، قطعا القرآن الكريم عميق وهو كلام الله تعالى، الانسان إذا اراد ان يقرأه ربما يستغرق عشر ساعات او نهار بأكمله لكن ماذا فهم من القرآن؟  الكلام إذا جرى يسهل لكن فحوى ودقة الكلام يحتاج الى شيء آخر، الانسان عندما يؤمن بالله تعالى، يؤمن ان البلاء والرزق والمرض من الله تعالى ولابد ان يصبر، إذا تعرض الى حالة من هذه الحالات ماذا يفعل؟ هل يطابق كلامه فعله او ان واقعه الجديد يكذب واقعه القديم، من جملة الاختبارات مسألة تأخر الرزق، الانسان قد يتأخر رزقه يوم، يومان، ثلاث، ماذا يفعل؟ هل يترك الله تعالى؟ هل يعترض على مقادير الله تعالى؟ او يصبر وعليه ان يسعى وقد لا يوفق في سعيه، الانسان يؤمن انه إذا مرض عليه ان يصبر  وهو يقرأ ويعلم ان الصبر على المرض فيه أجر وفي بعض الحالات فيه زيادة درجات لهذا العبد، وهو يعلم  ان المريض يأتي يوم القيامة ويتمنى ان ايامه في الدنيا امضاها مريضا ولذلك لعظم الاجر الذي يناله،  الامام السجاد (عليه السلام) يريد ان يبين آثار هذه الحالة عند الانسان ويطلب من الله تعالى ان لا يضعف الانسان ازاء هذه الابتلاءات.

قبل ان ادخل في تفاصيل الدعاء احببت ان ابين، ان الامام عليه السلام يذكر شيء يتعلق بقرابة الانسان، بأرحام الانسان وسنقرأ ان الامام عليه السلام في حالة الرفض كأنها تهمة للأقرباء وللأرحام مع اننا موصون بانه لابد ان نصل الارحام ولابد ان نكون مع الارحام هل هذا المعنى يتناقض مع هذا المعنى او لا؟ بلا شك انه لا يوجد تناقض بين المعنيين، كيف؟ نحن بازاء ما تقع علينا من مسؤولية، وهذه المسؤولية هي ان اصل لا ان اقطع، صلة الأرحام مطلوبة بجميع انواعها، فقطع الصلة مع الارحام من الكبائر، وفي هذا الدعاء كما سنقرأ بيان ان الانسان في الوضع الطبيعي لابد ان يتوكل على الله تعالى ولا يعتمد على الآخرين وان كانوا من القرابة، لان الانسان اذا لم يتربى وفق ما اراده الله تعالى سيبتلى بمسألة الشح ويبتلى بمسألة المن  وتلك صفتان مذمومتان، الشح ان الانسان يمتنع عن العطاء  والمن ان الانسان يعطي بل يعطي قليل لكن يمن كثير فلذلك يبين الامام (عليه السلام) يا رب لا تكلني الى نفسي لأني لا استطيع ان اقوم بمصلحتها و لاتكلني الى قرابتي باعتبار ان هؤلاء اقرب الناس

قال (عليه السلام): (وان وكلتني الى خلقك تجهموني)، معنى التجهم ان يعبس المقابل في وجهي ولا يتفاعل معي، وهي من الصفات الذميمة، الشارع المقدس يبين بعض التعليمات التي تصب في تقوية العلاقات الاجتماعية، ويرغب الانسان بالثواب حتى نتشجع عليها، من جملة هذه الاشياء هي قضاء الحوائج، يقول ان قضاء هذه الحاجة هي من نعم الله عليك، لابد ان تفرح بها مثلا احد ما يطلب منك ان تقضي حاجته وان تستطيع ان تؤديها وشخص آخر يقول لك عندي لك هدية هل تفرح بقضاء حاجة الاول ام تفرح بفعل الثاني؟

المشكلة اننا نفرح بالشخص الثاني ونحزن لطلب الاول، الانسان بطبيعته يحب ان يكسب المنافع، الشارع المقدس يرفض هذا الفهم وعندما يربينا الشارع سنكتشف ان هذه القناعة والتربية خاطئة وعلينا ان نبدلها، افرح بقضاء حاجة الشخص الاول وهذه نعمة من الله تعالى والله تبارك وتعالى لا يبذل بعض النعم الخاصة لكل أحد، علينا ان نستفيد من الكتب السماوية والانبياء ، لأننا سنقف في يوم تشخص فيه الابصار ، التفتوا اخواني العظة للمتكلم قبل ان تكون للسامع واقعا نحن عندنا جرأة على الله تعالى  لسبب وهو ان الله تعالى يمهل، الله تعالى لا يضربنا بسوط العقوبة فورا عندما نعصيه، الله تعالى  يمهل، نحن تجرأنا على الله تعالى، بدأنا نهتك المحرمات، نكذب ونسرق ونظلم ونتجاوز لكننا سنقف عند مليك مقتدر وسنقف عند من لا تخفى عليه الامور، لا صغيرها ولا كبيرها وسنقف عند من لا نستطيع ان نهرب منه، وهذه الوقفة ليس فيها حالة من المداهنة ولا الشفاعة، نعم، قوانين الشفاعة شيء وجرأتنا على الله ووثوبنا على محارم الله  شيء آخر، الشاهد اننا  سنقف في تلك الوقفة التي سيفزع كل منا من هولها ونبكي ونقول: ردونا، ويتمسك احدنا بالآخر، فلا انساب بينكم، الانسان الذي يعتبر عليه ان ينتفض انتفاضة حقيقية ان كان فيه سوء ، لذلك يقول العلماء ان التوبة واجبة، الشيطان لا يتركنا والكثير منا يسوف قائلا: سوف اتوب، سوف اصلح نفسي واداري الآخرين، حتى يصل الى مرحلة اليأس  يرى ان ذنوبه تراكمت فييأس، فالشيطان يريد انصارا لأن وظيفته الاغواء، فيتضرر اذا رأى احدنا قد تاب وقد رجع الى الله تعالى، فيعمد الى ان يخرجه من الايمان بطرق عدة، اما ان يجعله كافراً حقيقيا او كافرا بنعمة الله، والشيطان هو الذي يخرج العباد عن طاعة رب العباد.

الامام (عليه السلام) يبين مسألة الرزق، لا تكلني الى الخلق وإن وكلتني الى خلقك تجهموني، اي يعبسون في وجهي، الامام يتكلم عن هذه الخصيصة الشائعة قائلاً:(وان الجأتني الى قرابتي حرموني وإن اعطوا أعطوا قليلاً نكداً) وهي المبالغة في القلة او العطاء المشفوع بالشدة، لاحظوا اخواني رغم التأكيد على صلة الارحام، صلة الارحام شيء والذلة والمنة شيء آخر، التفتوا اخواني نحن الان مبتلون بقطيعة الارحام، نحن الان مبتلون بأمراض شتى ، ومن هذه الامراض هي قطيعة الرحم، احدنا لا يعرف لما يجري على قرابته فلاناً وفلاناً، وهذه القطيعة من موارد ضيق عند الانسان اما ضيق في المعيشة او ضيق في الحالة العامة وهي مجلبة للفتن والابتلاءات خصوصاً اذا شاع هذا المرض.

جاء حماد وهو احد الرواة الى الامام الصادق (عليه السلام) وهو رجل كبير قال: اعرض عليك ديني، عرض دينه، الامام قال: هذا دين صحيح، صلى حماد، فقام الامام (عليه السلام) وتوضأ وصلى وبدأ الرواة ينقلون فعل الامام في الوضوء والصلاة أين كان الناس قبل ان يتوضأ الامام؟ كان الناس قبل ان يتوضأ الامام الصادق (عليه السلام) يصلون ويتوضؤون، لكن قد يتسامحون في بعض الامور، وقد لا يفهمون بعضها وهم يعاصرون الامام (عليه السلام)، الناس الان تتربى ، التلفزيون يربي ومواقع التواصل تربي والشارع يربي، فيأتي شخص عند سماعه بعض الاحاديث فيصعق ويقول انا لم اسمع بذلك ابداً، الغرابة ليس فيما عندنا الغرابة فيما عندك، الاشكال ليس عندنا الاشكال عندك فقد اصبحت كالنبتة او الشجرة العارية لكنها معوجة، هذه مشكلة ولذلك احبتي كل منا له وظيفة، ونحن عندما نلجأ الى تراث اهل البيت (عليهم السلام) نريد ان نبين ان هذه المعارف وهذه الاخلاق موازينها خاصة ليس لها علاقة بالتقدم العلمي والتكنولوجي، فلا يمكن ان تطبق قوانين الاخلاق على قوانين الفيزياء، ولا يمكن ان تستنسخ قوانين الطب وتحاول ان تطبقها على القوانين الاجتماعية.

عندما نتكلم عن الاخلاق من زمن آدم الى يومنا هذا، هناك غرائز وهنالك ملذات وهنالك أكل وشرب وزواج، هذه الاشياء ثابتة، العلم المتكفل في ذلك لابد ان نعرف كيف نستفيد منه وهذه الوسائل لو استعملناها استعمالاً جيداً لأصبحت وسائل ايجابية، وهنالك برامج جيدة في التلفاز مربية للعوائل وكذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، ففيها معارف جيدة لو دخل الانسان لها من المدخل الصحيح ، لا يختلط الامر علينا ثم بالنتيجة لانعرف حتى كيف نمشي ، إذ يقول بعض الفلاسفة ان الانسان قد تعلم الطيران في الهواء وتعلم الغوص في البحار، لكن الى الآن لم يتعلم المشي على الارض، نسأل الله تبارك وتعالى ان يمن على الجميع بالستر والعافية واليسار وان يوسع الله تعالى عليكم في ارزاقكم وان يزيد من التواصل والتراحم بينكم وبين العوائل، متعنا الله تعالى دائماً بدينه واخذ الله تعالى بيدينا جميعاً الى ما يحب ويرضى وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية

المرفقات