الحلقة الرابعة في ظل حكّام كمعاوية ويزيد، كان القتل، أبسط الوسائل التي تُستعمل تجاه كل من تعرّض لهم أو لم يتعرّض حتى, فالشبهة كانت كافية لأن يُصفّى الإنسان جسدياً وصار التمثيل بالجثث, ودفن الأحياء, وبقر بطون الحوامل, والصلب على النخيل, وتقطيع الأيدي والأرجل, وسمل العيون, وقتل النساء, وألوان العقاب البدني المختلفة هي لغة الحديث اليومية, وكثرت الخيانة والوقيعة والدسّ والتزلّف والسرقة وهتك الأعراض ومصادرة الأموال، وأصبحت هذه السمات هي الطبيعية لتلك المرحلة. (إن لله جنوداً من عسل), (رملة), (المنصب), (الذهب). هذه هي أوراق (جوكر) معاوية التي لعب بها بمقدرات الأمة, ونخر بها في صميم الجسد الإسلامي، و أوشك أن يأتي عليه, وبهذه الأوراق تنكّر لكل ما يمت إلى الأخلاق بصلة وسحقها بكوامنه الخبيثة، وأرسى حكمه على الجماجم والدماء. الورقة الأولى: وهي وسيلته الجبانة في القتل بالسم، استعملها لتصفية خصومه، كالإمام الحسن (عليه السلام)، ومالك الأشتر وغيرهما, بل استعملها حتى ضد من والوه وساندوه فخاف من شعبيتهم ومكانتهم الإجتماعية وخشي من اعتراضهم على تسنّم دعيه يزيد مقاليد السلطة، كعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص، وإبان بن عثمان. أما الورقة الثانية: (رملة) ابنته، التي صيّرها أضحوكة الناس، وفاكهة تندرهم، لكثرة الرجال الذين واعدهم بالزواج منها في سبيل تحقيق مآربه، والتاريخ يذكر قائمة طويلة من هؤلاء المخدوعين، نكتفي بواحد من هؤلاء التعساء الذين خُدعوا بهذا الزواج الوهمي وهو: عبد الله بن سلام القرشي. كان هذا الرجل واليه على العراق وجاء لزيارته لتهنئته على سلامته من الضربة التي نجا منها وجاءت معه زوجته (أرينب بنت اسحق)، وكانت من أجمل النساء، فرآها يزيد وهام بحبها فعمل معاوية على تنفيذ رغبة ابنه المتهتك, فواعد ابن سلام بتزويجه من ابنته رملة، إن هو طلق زوجته فطلقها، ولكن معاوية رفض تزويج هذا المخدوع من ابنته بدعوى إنه غير كفؤ! ولكن هذه المرأة (أرينب) لم تصل إلى يد يزيد بفضل الإمام الحسين (عليه السلام)، الذي لاقى القافلة التي حملتها في طريقها إلى الشام، فأرجع المرأة المغلوبة على أمرها إلى زوجها النادم. ونحن نترك التعليق على هذه الحادثة إلى القارئ الكريم، ليرى إلى أي مدى وصل الإنحدار والإنحطاط الأخلاقي لمعاوية لتحقيق مآربه وتلبية نزوات يزيد، والخلق السامي الذي حمله الحسين في إصلاح الأود والإعوجاج. أما الورقتان الثالثة والرابعة: فقد لعبهما معاوية في سوق الذمم، واشترى بهما الضمائر الرخيصة كل حسب مركزه الإجتماعي والسياسي ومدى انتمائه إلى السلطة الأموية وتلبية أوامرها. في ذلك الصراع العنيف على المناصب والمغانم، غلبت المصلحة على الدين ووصلت الأخلاق إلى أقصى درجة من الإنحدار فأصبح شتم علي بن أبي طالب في الصلاة وعلى المنابر سُنة يجب أن تُتّبع !! وأصبح دفن الأخيار من الصحابة الكبار أمثال حجر بن عدي الكندي، وأصحابه الإثني عشر وهم أحياء، وقتل عمرو بن الحمق الخزاعي ورفع رأسه على رمح، وهو أول رأس يرفع في الإسلام، هو تطبيق للشريعة ! فقد خرج هؤلاء على طاعة الخليفة باعتراضهما على سب علي !!!! هذا هو الإسلام الأموي البشع الذي جر الويلات على الأمة الإسلامية ولا تزال آثار تحريفه وانحرافه إلى الآن. لقد أحكم معاوية على الناس سلطته المتجبرة وكما أعدّ لهذه الوسائل الوحشية أزلاماً وزبانيةً، فقد أعدّ لتبرير هذه الجرائم، جيشاً من جنود إبليس من فقهاء الشريعة الأموية، أمثال: كعب الأحبار وسمرة بن جندب وأبي هريرة وغيرهم، ليرددوا شعاره الذي لبسه قفّازاً يخفي به يديه الملوّثة بالدماء: (يؤتي الملك من يشاء)، وبناءً على ذلك، فكل سلوك له مهما بلغت وحشيته و دناءته يستمد من هذا الاختيار..! هكذا تلاعب معاوية بمعنى هذه الآية الشريفة، وحرّفها من غير وازع من دين، وقد نظّر وعاظ السلاطين من هذا الشعار، وفلسفوا فاكتشفوا المذهب الجبري، فكانت الجرثومة التي عانى منها الجسد الإسلامي لفترة طويلة ومازالت بقايا هذا المرض المزمن تنشر فيروسها في البلاد الإسلامية، وتنعق بأضاليلها لتصوّر تلك المرحلة بأنها (بناء دولة)! وإن معاوية (رجل دولة)! ولا أدري أية دولة هذه التي تُبنى على سحق كل القيم الإنسانية ويكون بُناتها من القتلة والمجرمين والإنتهازيين؟ ثم أي بناء هذا الذي تزعزع بالثورات الغاضبة والصرخات المستنكرة من قبل أعلام الأمة نفسها، وفي مقدمتهم، الحسين ابن نبي الأمة، وخليفته الشرعي؟ حتى تقوّضت هذه الدولة بدمه الطاهر، فذهب يزيد إلى مزبلة التاريخ، ليعلن ابنه معاوية الأصغر على الملأ براءته وخروجه من هذه الدولة الفاسدة التي جرّت الويلات على الناس، وليقتله مروان وتنتقل الخلافة من السفيانيين إلى المروانيين الذين لم يزد عمر دولتهم على نصف قرن حتى انهارت على يد العباسيين. هذا ما عمل معاوية لأجله من إزهاق الأرواح البريئة وانتهاك الحرمات والنكث بالوعود ووو...إلى الكثير من موبقاته في تأسيس دولته ثم انتهاج سياسة (كسروية)، (هرقلية) مستبدة.
اترك تعليق