تناول ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي خطيب وإمام الجمعة في كربلاء المقدسة في خطبته الثانية من صلاة الجمعة التي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف في(20/ محرم الحرام/1436هـ) الموافق(14/11/2014م ) ، أمرين وكما يأتي:الأمر الأول :إن ما شهدته الساحة في الأسابيع الأخيرة من تحرك خارجي لمسؤولين في الدولة العراقية ضم مختلف الفرقاء السياسيين بهدف الانفتاح على دول الجوار وفتح صفحة جديدة من علاقات التفاهم والتعاون بين العراق وهذه الدول خطوة صحيحة نأمل أن تلقى تجاوباً مناسباً منها فتتعاضد الجهود من أجل حلّ المشاكل التي يعاني منها العراق والمنطقة بشكل عام.كما نأمل أن يكون التغيير في بعض القيادات العسكرية – الذي أُعلن عنه مؤخراً – خطوة في سبيل إصلاح المنظومة العسكرية والأمنية في البلد.إن المأمول من الفرقاء السياسيين وخصوصاً القادة هو التعاون الجادّ والحقيقي في سبيل إصلاح واقع الأداء في جميع مؤسسات الدولة خصوصاً المهمة منها، وهنا نود بيان ما يلي :1- لقد بات من الواضح لدى جميع المسؤولين وكثير من المواطنين ما هي الأسباب التي أدت إلى الانهيار الكبير في المؤسسات العسكرية والأمنية الذي كان مدخلا لتمكن عصابات(داعش) من السيطرة على مناطق واسعة من العراق..ولماذا نجد أن الكثير من مؤسسات الدولة تخفق في أداء مهامها بصورة صحيحة؟إن من جملة هذه الأسباب المهمة التي تحتاج إلى إرادة جادة وتحرك عاجل من قبل المسؤولين المعنيين لكي نتدارك تأثير بعض السياسات الخاطئة للفترة المنصرمة هو الفساد المالي والإداري المستشري في أغلب مؤسسات الدولة.وهذا لا يمكن معالجته إلا إذا تعاون القادة من مختلف الفرقاء السياسيين في محاربة الفساد بصورة حقيقية بعيداً عن المحسوبيات وبشكل صارم وجريء من دون وجل وخوف من أحد، ولابد أن يبدأ ذلك على مستوى القيادات والمواقع الرفيعة لدى الكتل السياسية ومن يمثلهم في المواقع التشريعية والتنفيذية،وينبغي للقيادات العليا لجميع الكتل الذين بيدهم زمام الأمور وأساسياتها أن يشخّصوا مواطن الفساد في كتلهم والمحسوبين عليهم وأن يكونوا على يقظة ووعي وحذر من وجود عناوين خادعة تغطي عدداً من عمليات الفساد المؤثرة وعلى مستويات عليا في من يمثلهم في السلطة التشريعية والتنفيذية – وأن هذه العناوين- كتمويل الكتلة أو الحزب أو دعم العملية الانتخابية وغير ذلك من هذه العناوين لا تعطي المبرر أبداً لبقاء هذا المسار الخاطئ.إن مشكلة الفساد المالي الحكومي مشكلة مزمنة في هذا البلد وقد تفاقمت في السنوات الأخيرة ولابد أن تتظافر الجهود لمكافحته فإنه إن بقي بمستوياته الراهنة فلا يرتجى مستقبل زاهر للعراقيين في الاستقرار الأمني و السياسي والتنمية الاقتصادية والتقدم العلمي وسائر النواحي الحياتية المهمة.2- إن البناء المهني لمؤسسات الدولة يحتاج إلى الإصلاح في مختلف المستويات – فإن اعتماد الولاء للحزب أو الكتلة وجعله هو المعيار في اختيار المسؤولين بذريعة أن الولاء هو الذي يضمن سلامة الأداء كما تراه الكتلة أو الحزب والإهمال الواضح لاعتماد معايير الكفاءة والنزاهة والإخلاص في الخدمة والشجاعة والجرأة في اتخاذ القرارات من الأسباب الأساسية لفشل كثير من مؤسسات الدولة في أدائها.إن البلد بحاجة إلى أن يتحلى القادة السياسيون بالشجاعة والجرأة والإقدام على اتخاذ قرارات حاسمة في هذا المجال، وعدم القبول بتبوء أي شخص لأي موقع – ولا سيما المواقع المهمة – إذا لم يكن مؤهلا ً له تماماً حتى لو كان يدين بالولاء التام لهم أو لأحزابهم أو كتلهم.3- لقد أثبتت السنوات الماضية أن اختلاف الفرقاء السياسيين وعدم الانسجام والتفاهم فيما بينهم قد أضر بالعراق وشعبه كثيراً – بل قد أضر حتى بالكتل السياسية نفسها- وفي المقابل فإن تحركهم سواء أكان على مستوى الداخل أو الخارج – كفريق واحد يحمل جميعهم همّ العراق ومصالحه ويقدمها على مصالحهم الخاصة سواء أكانت حزبية أو طائفية أو مناطقية هو الذي يعطي لهم قوة ووزناً واحتراماً لدى الآخرين.ومن هنا فإن المأمول أن يترفع الفرقاء السياسيون عن مصالحهم الخاصة ويتقارب بعضهم من البعض الآخر بما يؤدي إلى تماسكهم ووحدة موقفهم في القضايا الأساسية الداخلية والخارجية وبما يحقق المصالح العليا للبلاد.4- إن من العوامل المهمة لتجاوب المواطنين مع الحكومة ودعمهم لها واستقرار الأوضاع العامة هو تفقد مظالم العباد ومطالبهم المشروعة والاستجابة لها بحسب الإمكانات وقد تكون القيادات السياسية في خضم انشغالها بالواقع المعقد في غفلة عن هذا – فلابد من تكليف لجان يتمتع أعضاؤها بالحس الوطني والتفهم لمطالب الناس من جميع الشرائح والمكونات لحلها ورفع ما يقع من الظلم والحيف عليهم.وبهذه المناسبة نشير إلى ما يعانيه طلاب الجامعات من النازحين في أمر استضافتهم في جامعات أخرى فإن هناك حاجة ماسة إلى تسهيل إجراءات الاستضافة لئلا تفوتهم هذه السنة الدراسية، وأيضاً يشتكي الكثير من أحبتنا الطلاب الذين حازوا على معدلات عالية جداً كـ 97% ومع ذلك لم يتم قبولهم فيما يرغبون فيه من الكليات ككلية الطب بسبب عدم توفر المقاعد الكافية.فالمطلوب من وزارة التعليم العالي أن تبذل كل ما في وسعها لتحقيق ما يستحقه هؤلاء من القبول في تلك الكليات.الأمر الثاني :إن عدم إقرار الموازنة للعام 2014م قد أضر كثيراً بما كان يؤمل إنجازه من مشاريع ضرورية لخدمة المواطنين وفوّت الفرصة على كثير من الخريجين والعاطلين لتوفير فرص العمل لهم – ووضع بعض المحافظات في موقف حرج تجاه ما هو مطلوب منها من نفقات تشغيلية وخدمات.وحيث إن عام 2014م على وشك الانتهاء فلابد من تدارك ذلك بالإسراع بإقرار موازنة عام 2015م ، وإذا كان انخفاض الإيرادات المالية قد وضع الميزانية العامة في عجز مالي – فالمطلوب إبداء المرونة الضرورية وتقدير ما تمر به البلاد من ظروف صعبة – وذلك بالتغاضي عن بعض المطالب التي يمكن تأجيلها إلى وقت آخر..وأما مع الإصرار على بعض المواقف وتعطيل الميزانية القادمة فإن الضرر سيصيب الجميع ويؤدي إلى مزيد من المعاناة لأبناء الشعب العراقي.
اترك تعليق