لكل فرد على هذه المعمورة قديما وحديثا له وسيلة في اغتنام ما يسعى إليه في تحقيق مآربه، ومن البشر من جعل من الحسين (عليه السلام) وسيلةً لينال مرضاة الباري؛ فكانت هويته حسينية ، تحمل بصمة الإمام الحسين (سلام الله عليه)..
وجاء الشعراء الحسينيون لينظموا عديداً من القصائد في هذا المعنى؛ لكن الشاعر مهدي الأموي، (رحمه الله) قد برع في رسم منظومة تحدثت عن سرائر الصدور، واستنطقت الكلِم البليغ، لتسطر بلحن الولاء والعقيدة المُطلقة؛ أن الحسين (عليه السلام) لنا خيرُ وسيلة، ستكون الشاهد للشفاعة غداً فنظم هذه الأبيات:
إحنا غير حسين ما عدنه وسيله والذنوب اهواي كفته ثجيله
وغداً يبدو لنا سدا منيعا هذه آراؤنا فيها جميعا
والشاعر الأموي- أحد رموز الشعراء الحسينيين الكبار الذين تجترهم ذاكرة الأيام كلما حل شهر محرم الأحزان، فنستذكر: (سورة التوحيد) و(خل يلومونه ما يهمونه) و(هالله هـالله الدهر شيشيل جُورَه) قصائد نظمها وغيرها كثير، حيث قرأها عديد من الرواديد القدامى، وعلى رأسهِم المرحوم الحاج ملا حمزة الزغير والحاج جاسم الگلگاوي والقارئ محفوظ الخطاط والمرحوم الشهيد حسين التريري رحمهم الله جميعا، وقيل إن الملا حمزة الزغير لقبَ الشاعر الأموي بخليفة أمير الشعراء الحاج كاظم المنظور (رحمهما الله) بعد أن أنشد له قصيدة (يبن أمي يحسين زينب تراني)..
ويقول نجل الشاعر الرادود (عبد الأمير الأموي): لقد "ولد الحاج مهدي عبد الرزاق علوان السلامي المكنى بالأموي في مدينة كربلاء المقدسة سنة 1926 ميلادية وترعرع في محلاتها وأزقتها حتى عمر الرابعة عشر حين أخذ يدخل في مجال الخدمة الحسينية كمنشد حسيني، فكان أستاذه الشيخ كريم أبو محفوظ، حيث حفظ القرآن الكريم على يديه واستمر في خدمته الحسينية مع عديد ممن عاصروه في هذا المجال، فكان متأثراً حسب قوله بالحاج الملا حمزة السماچ ابنُ عمه، حيث أحب الأموي خَدَمَة الحسين (عليه السلام) وقد أحبه الجميع"، مشيراً إنه "كان لا يجامل في ما يخص المنبر الحسيني كإدارة أو شعر أو إنشاد"..
فيما بين الرادود الحاج (محمد حمزة الكربلائي): إن" الشاعر الأموي لجأ بمرور الزمن إلى مجال الشعر، فكان قلمه متأثرا بالشاعر المنظور بشهادة عديد من أصحاب الأقلام الذين كتبوا معه وعاصروه كالحاج محمد علي النصراوي والحاج عزيز الگلگاوي والحاج المرحوم محمد شعبان والحاج المرحوم القدير كاظم منظور الكربلائي وعبد الرسول الخفاجي وقد أكد ذلك رحمه الله في عديد من القصائد التي شاع صيتها"..
وأضاف الكربلائي لقد " عاصر الشاعر الأموي نخبة كبيرة من الشعراء الحسينيين، أمثال الشاعر كاظم المنظور والشاعر سعيد الهر وكاظم السلامي وكاظم البنا وعبد علي الخاچي (رحمهم الله) والحاج عزيز الگلگاوي والشاعر المبدع عبد الرسول الخفاجي.. كما وقرأ له عديد من المنشدين المعاصرين، كنجليه الحاج عبد الأمير الأموي وعبدالله الأموي، والقارئ الحاج باسم الكربلائي والسيد حسن الكربلائي وكذلك قرأتُ له ولآخرين كثيرين"، مؤكداً أن "الأموي أحرز إعجاب المجتمع بمختلف مستوياته الثقافية والعلمية إذ جعل من المفردات المألوفة التي يستعملها الناس في حياتهم العادية طيّعةً بين يديه يسخرها ليرسم منها صورا فنية تموج بالبهجة والجمال والفن، فليس بوسع الناقد إلا أن يجعلها من السحر الحلال الذي يبهر الناس ويؤثر فيهم ولا أدل على ذلك من تعدد القراء الذين أنشدوا قصائده، لتجري على ألسن عامة الناس"..
الأموي: من الإنشاد إلى الشعــر مواصلة حسينية
وأشار الشاعر (رضا النجار): إن " شعره امتاز بالمزج بين المصيبة والعقيدة والإرشاد، وكان يبرز في أغلب قصائده عنصر (البطولة)، ويكثر من نظمه بلغة المتكلم الراوي، فكان شعره مسبك النظم واضح المعالم واسع الخيال، لذا اعتبر (رحمه الله) من أشهر الشعراء الذين أنجبتهم كربلاء المقدسة، حيث لا زالت أشهر قصائده تقرأ إلى الآن في المجالس الحسينية وبأصوات شابه"..
وتابع النجار أن "الأموي عمل خادما للحسين (عليه السلام) وساهم بشكل فعلي في إحياء ذكرى استشهاد الإمام (عليه السلام) ليس بنظمه الشعري فقط بل بولائه وانتمائه للمدينة التي احتضنت سيد الشهداء (عليه السلام) فكان يشارك الحسينيين همومهم وآهاتهم وكان يُصبر الآخرين ويرعى ويهتم بالطقوس العاشورائية والعبادية للمدينة، ويشارك بالمشورة في إيجاد الحلول للخروج من مضايقات اللا نظام البعثي الذي لاحق الحسينيين أينما حلوا، فكان رحمه الله ضمن مجموعة حسينية تأهبوا لإعلاء صوت الحسين (عليه السلام) فعمدوا على استمرارية مدرسة المنظور رحمه الله، فكان على الدوام يعلن عن انتماءهِ حسيا للشاعر الكربلائي كاظم المنظور، حيث نُقل أنه قال: (أنا أعترف بأستذة المنظور وفضله عليّ كوني شاعرا)"..
فيما قال نجله الأصغر الرادود (عبد الله الأموي)، إن "كربلاء التي حباها الله تعالى بمنزلةٍ كبيرة يوم اختارها لتكون مثوى الإمام الحسين (عليه السلام) من ذلك الحين باتت تتفجر عطاءً، ومن فيض عطاءاتها إشاعة المواهب الأدبية التي استلهمت منها أروع أناشيد الحب والولاء لقيم الإنسانية العليا التي نادى بها سيد الشهداء (عليه السلام) ومن صداه جاءت تراجم ذاك النِداء فكانوا الشعراء صدا صداحا.. فقالوا والشارع الحسيني لا يغالي بأن المرحوم الأموي مثالا للموالي والأديب الذي التزم قلبا وقالبا في نظمه بمفردات أبيات قصائد شعره الشعبي وتسخيرها لموال الحسين (عليه السلام) ..
وعاد الشاعر رضا النجار، ليشير أن الأموي بعد أن سَلمَ رايته باطمئنان إلى نجليه اللذين أصبحا خيرَ خَلفٍ لخيرِ سلف في إطار الخدمة الحسينية الشريفة، وإرادةً منه أن يشعرهما بأهمية مسألة الالتزام بالخط الحسيني، وهو بهذا بدأ بهدفٍ جديد أفاضَ الله تعالى بعطفه عليه؛ قبل أن يرحل عن داره الدنيا، فشاء أن يضع تركتَه من الخدمة الحسينية فضفاضة تلهج بيا حسين، وبدل الصوت صوتين يصدحان بالولاء لآل البيت (عليهم السلام)..
الشاعر الأموي قبل أن تمتد له يد المنون امتدت له خلسة كف المرض لتعتصره وتجعله الأنات نحيلا فيلتهمه الموت.. لينتقل إلى رفقته وأحبابه من أسلافه الشعراء الحسينيين حيث مثوى الصالحين، وتودعه الأيادي بين ملوحة بالتوديع وبين حاملة لنعشه حتى نهاية المطاف، مغلقةً صفحة سجل حياته الذي أفناه بخدمة مولاه الحسين (عليه السلام). فنظم الشاعر المؤرخ تيسير سعيد الأسدي كلمات وثقَ من خلالها تاريخ وفاة شاعر أهل البيت مهدي الأموي:
الموت حقٌ للعبادِ أُرسلا قد مات مهديُّ فلا حول ولا
فَبَان مفجوعا لنا تاريخ (فَفُجِعَتْ لموتِ مهديْ كربلا)
حسين النعمة
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق