بين خطاب اللون وتلقي النص الفني ..

مما لا شك فيه إن للتواصل الإنساني في مسيرته عبر التاريخ وسائل وسبلاً لها تنوعها ووظائفها الذاتية وفقاً لمرحلة فكرية أو شعورية تتحدد على فنونها الوسيلة التي ينشد من خلالها التواصل .

فما عرف عن الإنسان القديم من أدوات ومكوّنات حياتية تمثل نمط حياته اليومية والوجودية وما أحدثته التطورات الحياتية وإفرازها لأنماط المعيشة والتفكير والاتصال في عصور لاحقة إذ أن طقوس العبادة، والمآتم، والأفراح وما تجود به العصور القديمة من رموز طقسية وأسطورية لها ما يناظرها على مستويات التواصل المعاصر على الرغم من اختلاف السعة الاتصالية .                                                                            

ولأن الفن واحد من مسارات ومظاهر ومجمل ما عرف من الحضارات الإنسانية في تأثرها التأريخي ، كان له وفقاً لذلك وسائله التعبيرية والاتصالية ، أخذاً  بطروحات المرحلة التاريخية ، ومنجزها الحضاري من فكر وثقافة وذائقة جمالية وفنية .    

رأى أرسطو أن الفن له عدته الاتصالية التي يختلف فيها عن أنماط التواصل الإنسانية ، ومادامت ماهية الفن تقوم على تأكيد ما يجوز وقوعه وليس ما وقع فقد حظي الإنتاج الفني والعملية الفنية باهتمام ودراسة واستقصاء, فيما أهمل حقل المتلقي حتى العقود المبكرة الأولى في القرن العشرين ، حينما أخذت الحداثات الفنية دورها في الإطاحة بالبنى الاجتماعية للعمل الفني وعزله عن محيطه الخارجي وتكريس دراستها الجمالية عن ردود فعل المتلقي تجاه منظومة العمل الفني والجمالية الداخلية حصراً ، الأمر الذي دفع بإعلاء فعل التأويل والقراءة عند المتلقي ليكون له فضاءه الجمالي والنفسي والمعرفي في تحاوره مع العمل الفني نفسه .                                                                                  

وبعد هيمنة (التطهير) الارسطي على مجمل التاريخ الفني اتيح مجال التحاور مع العمل الفني نفسه ، ففلسفة  (كانت) وتأكيدها على الذاتية وفعل ( الأنا ) له دوره في إقصاء المهيمنات الموضوعية وسطوتها وفتح أبواب (الشعور) والإحساس ، فيما أسماه (بالجليل) ، وتثبيت ظاهرية (هوسرل) وتأجيلها لتأريخ الأشياء وإبرازها الشعور القائم بين الذات والمظاهر الخارجية من الأشياء والمعالم الحياتية والفكرية عموماً في لحظة التلقي نفسها ، ويستوقفنا ( هوسرل ) أمام صورة ظاهرة تؤكد انفتاح الشعور وقدراته في تحديد ماهية المكونات الخارجية بعد تاريخ من الشك في قدراته، أي الشعور في تحديد الحقائق، لذلك أصبح من ضمن تعريفات  - الفينومينولوجيا - إنها علم الشعور وليس المقصود من الشعور الحسي الجزئي المتعين في الإنسان الفرد الذي اختص علم النفس التجريبي بدراسته، وإنما المقصود هو الشعور بالأشياء باطنها وظاهرها .

ومما تقدم ذكره يتجلى لنا انه لابد أن تنقلب طبيعة المتلقي للخطاب الفني، فللمتلقي أن يخلق نفسه الفني والجمالي لذاتهِ وحسب مكتسباته ومدخراته الجمالية، الأمر الذي يتيح له حرية القراءة والتأويل بعيداً عما تفرضه الذائقة الفنية بتوحيد الاستجابة لمجمل متلقي الخطاب وشوقهم إلى وجهة نظر أحادية ينشأ بها مجتمع التلقي، لذا يمكن لنا القول ان لنظرية التلقي أو استجابة القارئ دورها في تفعيل دور التلقي ونقله من مرحلة الاستهلاك إلى الإنتاج الجمالي ولها حجمها التعبيري والجمالي دون شك  .

واخيراً رجح كثير من الدارسين هذه النظرية على أثر مرجعها المعرفي الفلسفي لقراءة مجمل الخطابات الفنية قراءة جمالية فنية دونما انطباع شخصي أو ذاتي أو معياري باعتبارها وسيلة أو جسراً تواصلياً بين المتلقي والنص الفني .

اعداد

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات