سعى الرسام في هذا العمل أن يستحضر كل مفرداته للتوسيم الموقعي والمكاني، فالمشهد هو عبارة عن إقرار كامل للمرجعية الواقعية.. النخيل والأعداء والماء والتي هي دليل على ذلك، وهي علامات لازمة في استكمال المحاكاة الواقعية للشخصية المراد تمثيلها، هنا عملت الانطباعية دورها كأساس للتعبير واختيار الزمن حتى تتيح فرصة كاملة للألوان والخطوط أن تمثل مشهداً جماليا حاضناً للعنصر الأساسي والذي حرص الرسام أيضاً أن يشير إلى علامات مجاورة تستكمل طريقة بناء رمزه.
تم تشييد التكوين الجمالي وفق مستوى شكلي وآخر دلالي، والشكلي سعى من خلاله الرسام أن يكون تكويناً مفتوحاً حاضناً لكل العلاقات اللونية والخطية والتنظيمية لإنتاج أشكالٍ تقترب من فكرة الموضوع الأساسية، أما الدلالي فقد جاء به الفنان من خلال إرساله لمجموعة من العلامات المدركة جمعياً في الذهن، والتي يستدل من خلالها إلى شخصية المشبه له بغض النظر عن البحث في عملية التطابق أن صحت أم لم تصح، ولذلك أصبحت هذه العلامات (الراية، القربة، الماء، النخيل) من اللوازم عند استحضار شخصية أبي الفضل العباس عليه السلام .
أن أدوات التعبير الأساسية - الخط واللون - لا يمكن لها أن تبني شكلاً دون الرجوع إلى مرجعياته التاريخية والعقائدية في مثل هذه المواضيع, فهي سمة اختصت بها الرسوم المعبرة عن واقعة الطف، ولذلك حاول الرسام جاهداً أن يُمثل الجمال الطبيعي في أشكاله فكانت اللوحة جميعها عنصراً رئيساً سيادياً، فهي كل الموضوع، وبدأت العملية التنظيمية والتنسيقية في بناء شخصية أبي الفضل (سلام الله عليه) بطريقة نحتية حولت فرشاة الرسام إلى أزميل دقيق ينحت ويصوغ بدقة عالية بناء شكله عبر الاعتناء بخطه ولونه، فالروايات تنقل أجواء معركة الطف وأوصاف شخصية أبي الفضل والتي من خلالها استقراء الفنان أوصاف الشخصية الكريمة، حيث تم بناء شكلها بعناية ودقة ؟ وهو يحمل القربة والسيف وسط المياه التي أظهرها الرسام بشكل واضح وإن أدى ذلك إلى مخالفة موقعها أو حجمها في تناسق الشكل العام فالأساس هو مطابقة المضمون، فرسوم الطف رسوم روحية فكرية قبل أن تكون رسوم شكلية مادية ، فانسابت الأشكال وخطوطها بالتماعات لونية متمازجة مع فضاء اللوحة من سماء وماء لتعطي إحساساً بملمس الماء وجريانه وغضب السماء من هول هذا الحدث .
عمد الفنان إلى بناء اللون وفق نظامي التضاد اللوني من جانب والانسجام من جانب آخر حتى يحقق الوصول للجمال المبتغى للأشكال، فحين يحاول الرسام أن يظهر شخصية أبي الفضل وبطولته وشموخه والسماء ملبّدة بالغيوم من فوقه والأعداء يتربّصون به بين النخيل، فهو قد حقق تطابقاً لسمات شخصيته الفذة في عملية لونية منظمة لا تبتعد عن مدلولات رمزية قصدية ، فاللون السمائي المتمثل بالسماء والماء والزي الذي يرتديه عليه السلام وهالة القداسة فوق رأسه تعبر كل هذه الأشياء عن مكانته المقدسة، أما بعض درجات اللون الأحمر والأجواء المغبرة الحزينة التي تسود اللوحة فهي الرمز الذي يوحي بمصير الشخصية التي سوف يخضب رأسه بدمه.
أن الانفعال العاطفي والوجداني وضواغط العقيدة حفزت الرسام على أن يبدع صورة جمالية تعكس فكره وجهده في التعبير والتأثير، فالأشكال ما زالت حيوية وضربة الفرشاة تحيلنا إلى جريان الماء وغضب السماء.., وجمال المنظر ينقل المتلقي إلى حب وعشق يبعده عن الإحساس بجو المعركة، فغاية الرسام أن يمثل الشخصية بروحها ومنزلتها الدينية أما حضور عدتها ما هي إلا ضرورة توصيلية لإدراك معنى العمل وفكرته الأساسية فحقق الشكل جماله وقبوله.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق