الخطبة الدينية بإمامة السيد أحمد الصافي بتاريخ ( 19جمادي الاول 1438 هـ الموافق 17 /02 /2017 م)

اتّباع الهوى قضيّةٌ خطرة ويندر من يسلم منها

طول الأمل المذموم هو تلك الآمال المتعلّقة بالدنيا

النص الكامل للخطبة الاولى

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسلام على خير خلق الله أبي القاسم محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، الحمد لله الذي اليه مصائر الخلق وعواقب الأمور، نحمده على عظيم إحسانه، ونيّر برهانه، ودوام فضله وامتنانه، حمداً يكون لحقّه قضاءً ولشكره أداءً، والى ثوابه مقرِّباً ولحسن مزيده موجباً.. إخوتي أهل الفضل أبنائي أمل البلاد آبائي أهل النصيحة والسداد، أخواتي بنات العفّة بناتي زهرات الإيمان ومنبت الحسنات أمّهاتي صاحبات الحجور الطاهرة السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.. أوصيكم ونفسي المكبّة على المعاصي بتقوى الله تبارك وتعالى والمراقبة له، فإنّه إن لم نره فهو يرانا وغداً سنكون في موقفٍ صعب فالشاهد هو الحكم، أعاننا الله تعالى وإيّاكم على أنفسنا كما أعان الصالحين على أنفسهم وألبسنا وإيّاكم لباس التقوى فإنّه خير لباس وخير ما يتقرّب به العبد الى الله تعالى، اللهمّ اجعلنا جميعاً من المتّقين..

ورد عن أمير المؤمنين(صلوات الله وسلامه عليه) من جملة ما قال، قال: (إنّما أخاف عليكم اثنتين، اتّباعُ الهوى وطول الأمل، أمّا اتّباع الهوى فهو يصدّ عن الحقّ وأمّا طول الأمل فيُنسي الآخرة)، أميرُ المؤمنين(صلوات الله وسلامه عليه) له قدرة خاصّة، وهذه القدرة تبيّن دقائق الأمور بشكلٍ ملفت للنظر، فهو ربيبُ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وهو تلميذُ القرآن وقد علّمه رسول الله(صلّى الله عليه وآله) ألف باب من العلم وفي كلّ باب يُفتح له ألفُ باب، ولا شكّ أنّ ما وصلنا منه (صلوات الله وسلامه عليه) من هذا المنبع الصافي فأمير المؤمنين هو نفس النبيّ(صلّى الله عليه وآله) ولا شكّ أنّه يرأف بنا كما أنّ النبيّ أُرسل رحمةً للعالمين، وأميرُ المؤمنين(عليه السلام) أيضاً يرأف بنا ويخاف علينا، والخوف لأمرٍ مستقبليّ على خلاف الحزن، أنّ الإنسان يحزن لأمرٍ فات أو لأمرٍ وقع، والإنسان يخاف من أمرٍ سيأتي أو سيقع، والخوف والحزن من سنخ الغرائز، فالنبيّ يخاف ويحزن والإمام يخاف ويحزن وهذه ليست من سنخ الرذائل، فإنّ الرذيلة لا يُمكن أن تُلصق بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله) –والعياذ بالله- فالجبن من الرذائل أمّا الخوف فهو من سنخ الغرائز كالعطش والجوع والحبّ والكره، أمير المؤمنين يقول: (إنّما أخاف عليكم...) وهذه الـ "إنّما" تفيد الحصر، ولأهمّية ما سيُبيّن من تلك الخصلتين أميرُ المؤمنين يقول: إنّما أخاف عليكم، ولاحظوا هذا التعريض لبيان هذه الخصاصة في هذا النفس من أمير المؤمنين الذي فيه رقّة، فهو (سلام الله عليه) يخاف علينا لم يخفْ على نفسه في هذا المقطع وإنّما يخاف علينا، فمعنى ذلك أنّنا وقعنا في اهتمامه (صلوات الله وسلامه عليه)، وقال هذه المخوفة ناشئة من جنبتين مهمّتين: واحدة لها آثار معيّنة والثانية لها آثار أخرى، لكن كلتا الصفتين الاثنتين لا ينبغي أن تكونوا من أهلها وهما: قال (إنّما أخاف عليكم اثنتين الأولى اتّباع الهوى والثانية طول الأمل)، طبعاً ذكر النبيُّ(صلّى الله عليه وآله) من قبله جملةً في غاية الأهمّية وبيّن أنّ (حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة) كلّ خطيئة تنتاب الإنسان ويتفاعل معها لها منشأ، وعندما نصل بهذه المناشئ نرى أنّ مصدر هذه الخطايا هو حبّ الدنيا، هاتان الجملتان متفرّعتان على هذا المعين الذي صدر من النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، أميرُ المؤمنين يوضّح هذا المطلب قال: (اتّباع الهوى وطول الأمل) ما هو الأثر الذي يؤثّره اتّباع الهوى؟!! -لاحظوا كلام أمير المؤمنين- قال: (..أمّا اتّباع الهوى فهو يصدّ عن الحقّ) أي سيكون اتّباع الهوى حاجزاً وصادّاً عن الحقّ، والإنسان إذا صُدّ عن الحقّ لا يجد هذا الحقّ بعد ذلك، لأنّ بينه وبين الحقّ جداراً أصبح صادّاً مانعاً عن الرؤيا يمنع عن أن يأتي الى الحقّ، كما أقول أنّ هذا الجدار يصدّني عن رؤية ما خلفه فلا أرى ما خلف الجدار، هذا الجدار يصدّني وبالنتيجة سأخسر.

اتّباع الهوى إخواني حقيقةً قضيّةٌ خطرة ويندر من يسلم منها، الهوى معناه أنّ الإنسان يترك قياده لرغباته وأمزجته وميوله بلا أن يتأمّل وبلا أن يتفحّص، لعلّه استئناساً بالمطلب، كان أحد القضاة وهو من أهل المعرفة وأهل الخير قبل أن يموت أوصى زوجته سرّاً، قال بعد أن تُسبل يداي وتغمض عيناي وأُغطّى لا تكشفي وجهي، -التفتوا- قال: لا تكشفي وجهي، فعلاً التزمت بما قال لكنّها كشفت وجهه بعد مدّةٍ قبل أن يُقبر، كشفت وجهه فشاهدت شيئاً لم يسرّها كان وجهه طريّاً وطيّباً فارتعبتْ من ذلك الحال، على كلّ حال لم تعرف السبب بعد ذلك أخبرها في رؤيا -مع غضّ النظر عن مواطن صدق الرؤيا أو غيرها- قال لها ما كشفتِهِ وما رأيتِهِ قد أفزعك، وهذا بسبب أخيك!! -التفتوا ما هي المشكلة- قال: جاء أخوك مع خصمٍ له حتّى أقضي بينهما فأنا قلتُ -ميلاً لأخيك-: اللهمّ اجعل الحقّ معه، وعندما تخاصما تبيّن واقعاً أنّ الحقّ معه، -لاحظوا الدقّة- عندما تخاصما تبيّن أنّ الحقّ معه فأنا حكمتُ له، هذا جزاء هذا الميل مع أنّني لم أحكمْ بغير الحقّ، لكن جزاء هذا الميل هذه الحالة أو القرابة قد صدّتني عن الحقّ، وأمثال هذه المسألة كثيرٌ جدّاً لكن نحن لم يكشفْ لنا الغطاء ولم نرَ حقيقة أعمالنا ولم.. ولم.. ولم، وطبعاً آثار بعض الذنوب تكون آثاراً وضعيّة تحجب عنّا الحقائق، الله سبحانه وتعالى لا نُحجب عنه لكن رحمته تُحجب عنّا بسبب ما فينا من الخطايا والذنوب، لولا أنّ الشياطين -كما في الخبر- لولا أنّ الشياطين يحومون الى ولد بني آدم لنظروا الى ملكوت السماوات والأرض، هذه الجملة من أمير المؤمنين ليست جملةً عابرة إنّما هو يخاف علينا وهو الأب والإمام والشفيق والرؤوف وهو الرحمة، إنّما يخاف علينا قال إذا أنتم تتّبعون الهوى سيصدّكم ذلك عن الحقّ، وطبعاً هذا في العقائد وفي الفروع وفي الفقه والأخلاق والأفعال وفي كلّ شيء، أنّ الإنسان إذا يتّبع الهوى سيكون هناك مصدٌّ بينه وبين الحقّ ولا يُمكن أن يرى الحقّ إلّا بأن يرفع هذا المصدّ، ورفع هذا المصدّ لا يتمّ إلّا بترك اتّباع الهوى -عمليّة تراتّبية-، وأمير المؤمنين يعلّمنا -وهو الصادق- لا يُمكن أن أبقى أتّبع الهوى وأريد أن أصيب الحقّ هيهات ثمّ هيهات، لابُدّ أن أتجرّد.

والآن لو جلس كلٌّ منّا جلسة محاسبةٍ مع نفسه ويرتّب هذا البرنامج المحاسب الدقيق ويرى كم موقف من المواقف قد مال عن الحقّ بسبب الهوى، ولعلّ الذي يدقّق في التاريخ يرى العجب العجاب أنّ الناس مالت وصدّت عن الحقّ رغبةً في اتّباع الهوى بل اتّباع الهوى بنفسه، وحدث ما حدث من مشاكل تاريخيّة كبرى ودماء قد تُسفك بسبب اتّباع الهوى، وهذه جريرةٌ لا تنتهي عند حدّ وإنّما هي باقية وإلّا أنا أسأل عند حضرة سيّد الشهداء(عليه السلام) والعالَم كلّه يعرف الآن من هو الحسين(عليه السلام) وما هي الجريرة التي فعلها سيّد الشهداء –وحاشاه- وما هو الذنب الذي ارتكبه سيّد الشهداء(عليه السلام) –وحاشاه-، الإنسان عندما يدقّق ويكون المشهد العاشورائيّ أمامه يرى أنّ هؤلاء الذين تكالبوا عليه (عليه السلام) لماذا فعلوا هكذا؟!! ما هو السبب أنّك تُعادي مثل الحسين(عليه السلام)؟!!! وما هي الفائدة التي جنيتها بعد أن قتلت سيّد الشهداء؟!!! العاقل يُحاسب نفسه ما هي الفائدة؟ ألا يكون شيءٌ غير اتّباع الهوى؟! النفس تحبّ السلطنة تحبّ الملك تحبّ المال، وكما في بعض الأخبار أنّ أمير الكوفة زاد في عطاياهم ضعفاً، فالذي كان يأخذ مائة أصبح يأخذ مائتين والذي يأخذ خمسين أصبح يأخذ مائة، تفرّق الناس باتّباع الهوى وبالنتيجة صدّوا عن الحقّ، إنّ الإنسان يوم القيامة يقف وعنده أعداء -التفتوا إخواني- يقف يوم القيامة ويُجعل هذا العمل الذي أمامه، يأتي فلان يقول لقد ظلمتني ويأتي فلان يقول لقد سرقتني والناس كلّها تحبّ في تلك الحالة أن تنجو، لا أحد يحبّ أن يبقى إنّما الكلّ يُريدون أن ينجوا، وعندما يأتي الينا الحقّ نرى أنّنا قد قتلنا الحقّ!! كيف سيكون الموقف أنّ الإنسان لم يعادِ أحداً بل يعادي مَنْ جعله الله تبارك وتعالى باباً واسعاً للرحمة، وإذا يكون هذا هو العدوّ له -والعياذ بالله-، الله تبارك وتعالى يقول: (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ...) كيف ننصُرُ الله، هل يحتاج الله الى نصرة؟!!! الله تعالى بما هو ذات لا يحتاج جميع الكائنات، لكن القرآن يرتّب يقول: (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) الله تعالى يُريد نصرة، النبيّ عيسى(عليه السلام) يقول: (مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ) هذه النصرة تتحدّد بكلّ ما يتعلّق بالأشياء التي تصدر عن الله تعالى، فالإنسان إذا نصر النبيّ نصر الله وإذا نصر الإمام نصر الله وإذا نصر العالِم نصر الله وإذا نصر المؤمن نصر الله، فالإنسان عندما يأتي يوم القيامة وهو قد عادى الله تعالى، وهذه الكيانات هو قد آذى النبيّ وآذى الإمام وآذى المؤمن وآذى الله تعالى، كيف سيخرج من هذه الشرنقة التي أُدخل نفسه فيها؟!! بسبب ماذا؟ بسبب محبّته ورغبته لهذا الهوى!! وفي فحوى الرواية قبّح الله رجلاً تذلّه رغبته.

أمير المؤمنين يقول: (إنّي أخاف عليكم..) لأنّ هذا سيصدّ عن الحقّ مهما يقال لك أنت لا تسمع، في واقعة الطفّ -ذكرنا بخدمتكم سابقاً- أنّ سيّد الشهداء خطب أكثر من خطبة وأصحابه خطبوا أكثر من خطبة، يا فلان لقد أبرمتنا بكثرة كلامك!! هكذا كانوا يقولون لزهير وأمثاله وبرير، ما ندري ما تقول!! هؤلاء لا يُمكن أن يروا الحقّ، وطبعاً أنت اسحبْ واقعة الطفّ على مشاكلنا اليوم، الناس إذا اتّبعت الهوى لا تعرف الحقّ بل تعاديه، ولعلّنا نوفّق الى مطلبٍ آخر له علاقة بهذا مستقبلاً، الإنسان في بعض الحالات لا يصدّ عن الحقّ فقط وإنّما يُحارب الحقّ ويعادي الحقّ وهذا فعلاً حصل في واقعة الطفّ وأمثالها، الشواهد كثيرة ولا نريد أن نطيل ونسرد الكثير من الشواهد، الغرض أنّ اتّباع الهوى من آثاره السيّئة أن يصدّ عن الحقّ لأنّ الحقّ والهوى لا يجتمعان، فإذا تمسّك بالهوى جانب الحقّ وإذا تمسّك بالحقّ جانب الهوى، فلا شكّ كلّما اتّبعنا الهوى ابتعدنا عن الحقّ وسيكون هذا الجدار بيننا وبين الحقّ وهيهات هيهات أن نرى الحقّ -والعياذ بالله-، فلا مناص من أنّ اتّباع الهوى لابُدّ أن نبتعد عنه، (إنّما أخاف عليكم اثنتين...) ما هي الثانية؟ قال: (طول الأمل) ما معنى طول الأمل؟! لاحظوا تارةً هناك أمل ممدوح وتارةً أمل مذموم، الأمل الممدوح أنّ الإنسان يذنب ثمّ يلتفت فيأمل من الله تعالى أن يوفّقه للحسنات، كما صرف بعض العمر في الحرام يأمل من الله تعالى أن يتدارك ما بقي من عمره بالحسنات ويفعل لها، أو يمرض فيأمل من الله الشفاء ويطلب من الله الشفاء، ولعلّ كثيراً من الأدعية ندعو الله تعالى بها لإطالة الأعمار، هذا مبنيّ على أمل أنّ الإنسان يبقى لكن ليس هذا الأمل المذموم، الإنسان يدعو يقول: اللهمّ ارزقني ولداً صالحاً، الله تعالى أيضاً يرزقه بل يبشّره أنّك ستُرزق إذا بُشّر ستُرزق يعني هناك أجل هناك أيّام إضافيّة وهناك أشهر ستأتي اليك وهذا ليس من الأمل المذموم، وإنّما هذا نحوٌ من الرجاء والرجاء من سيماء المؤمن أنّ الإنسان لا ييأس، فالمذنب لا ييأس من رحمة الله تعالى بل لابُدّ أن يتوجّه الى الله تعالى ويحثّ الخُطى على أن يلحق بسيرة الصالحين، لكنّ طول الأمل المذموم هو تلك الآمال المتعلّقة بالدنيا بقرينة قوله: (طول الأمل يُنسي الآخرة) فهذا الأمل غير مربوط بالآخرة، الأمل الذي له علاقة بالآخرة هذا لا يُنسي الآخرة هذا من الآخرة، كما في رواية أحدهم قال للإمام الصادق(عليه السلام): إنّي أحبّ الدنيا، قال: ما تصنع بها؟ قال: أصوم وأصل أرحامي وأتصدّق...، قال: هذه ليست الدنيا هذه الآخرة. طول الأمل الذي يأمل الإنسان فيه أفعالاً وكأنّه خالدٌ في الدنيا، وهذه –إخواني- من الابتلاءات الكثيرة أنّ الإنسان في بعض الحالات لسذاجة عقله وفكره إذا رأى بدنه صحيحاً وإذا رأى وضعه المادّيّ جيّداً يعتقد أنّه هو في بُعْدٍ عن البلاء ولا يرى دينه، وعندما يرى دينه يراه لا دين أصلاً، فهل هناك أعظم بلاءٍ من هذا البلاء؟!! أن الإنسان يبتلى بأنّه لا دين له، يبتلى بأنّ علاقته مع الله تعالى علاقة سلبيّة، هذا هو الابتلاء الذي لا نجاة منه، ابتلاءاتُ الجسد ابتلاءاتُ المال مع سلامة دين الإنسان ومع سلامة قلبه ومع سلامة توجّهه هذا ابتلاءٌ يسهل أمامه ذلك الخطب الجلل، هذه الآمال التي يخشى منها أمير المؤمنين هي آمالٌ تُبعد الإنسان عن الآخرة وكأنّنا خُلقنا للدنيا وكأنّنا مخلّدون، لا يُمكن أن يفد على ذهن أحدنا أنّنا سنغادر مع أنّنا نحضر جنازة فلان والأعزّة ونذهب الى مجالس العزاء لكنّنا نغفل عن أن سيأتي يومٌ نكون كهؤلاء، وهذا اليقين -يقين الموت- يقينٌ لكن الإنسان لأنّه يأمل لم يتحسّب لهذه اللّحظة التي ليس فيها بعد ذلك من معتبٍ أبداً، وإلّا الإنسان هو في بحبوحة من العيش وفي حالة من الزهو فجأة يطرقه الطارق الذي لابُدّ منه وعزرائيل(عليه السلام) لا يُرشى، عزرائيل لا يُرشى!! لا نقول له: أمهلنا هنيئة أو اصبرْ علينا اذهبْ الى الآخرين!!! يعني لا نستطيع أن ندفعه عنّا، بعض الناس ينقلون قصصاً أنّ هذا مات وعاد الى الدنيا، حقيقةً هذا نوعٌ من الاعتبار لنا هذا ليست له علاقة بأنّ عزرائيل(عليه السلام) قد تراجع عن مهمّته، الله تعالى يريد أن يرينا -إن صدقت هذه القصص- بعض الصور من هول المطّلع، فهذا طول الأمل الإنسان يعتقد أنّه سيبقى وبالنتيجة ينسى الآخرة، إذا كنز يقول: بعد ذلك، إذا أراد أن يتوب يقول: سوف، وإذا أراد أن يُعطي حقّ فلان يقول: عندما أتمكّن، وهذا كلّه آمال ويصرّ نفسه عليها ويده ثمّ فجأةً يأتي ملكُ الموت لا زائراً وإنّما قابضاً.

أمير المؤمنين يعلّق -هذه المسألة مهمّة- نحن نعتقد أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) بمُقتضى اعتقاداتنا له شأنٌ عظيم يومَ القيامة، وعندما يفصّل هذا التفصيل فأمير المؤمنين يرى حقائق الأمور كما هي، وهذه الآخرة التي هي المحطّة النهائيّة لنا، ومن أمثلة الدنيا كثيراً الآن الإنسان يسير لغايةٍ ثمّ تعترضه بعض المُلهِيات وتُحاول أن تصرفه عن تلك الغاية، هنا الناس يعاتبونه يقولون له: أنت نسيت الهدف الأوّل، أنت نسيت سبب الرحلة وقد التهيت بهذه الأمور، حالنا في الآخرة كهذه الحال قطعاً نحن نسير الى هدفٍ معيّن وله ضوابط وله موازين، ثمّ تأتي هذه المنغّصات وتُحاول أن تصرفنا فمَنْ ضعفت نفسُهُ منّا ذهب يميناً أو شمالاً ومن ادّاركته رحمةُ الله تعالى -وكلّنا مفتقرون ومحتاجون الى رحمته تبارك وتعالى- يُدرك أن يُمسك الجادّة الوسطى، الأمر ليس سهلاً إخواني إنّما نذكّر أنفسنا ويذكر بعضنا بعض، كلّنا يحتاج الى حالة الإيقاظ، أنّ الإنسان يقرأ القرآن لكن تارةً يقرأه ويمرّ عليه مرور الكرام وتارةً يقرأه ويتذكّر ويتدبّر، وبالنتيجة لابُدّ أن ترفرف ملائكةُ الموت علينا جميعاً والمسألة مسألة وقت، فهذا ابن العشرين وهذا ابن الثلاثين والأربعين والستّين والثمانين والمائة بالنتيجة المصير واحد.

أميرُ المؤمنين(عليه السلام) يقول هذه المسألة -طول الأمل- وهناك قصّة مسبوقة لحضراتكم لكن من باب تطييب الكلمة بهذه القصّة، يُقال أنّ أحد خلفاء بني العباس أو نهاية خلافة الأمويّين أراد أن يعرف هل يوجد الآن شخصٌ معمّر قد أدرك النبيّ؟ فقيل له: نعم سمعنا أنّ هناك شخصاً طاعناً في السنّ يدّعي أنّه قد أدرك النبيّ. قال: عليّ به. جاءوا بالرجل يحمله حمّالون لضعفه ووهنه، فاقترب منه وقال: أنت أدركت النبيّ؟ قال: بلى.. كنتُ صغيراً آتي مع أبي وأدركت النبيّ. قال: هل حفظت منه شيئاً؟ قال: نعم. قال له: ماذا قال؟ قال: سمعته يقول(صلّى الله عليه وآله): (إذا شاب المرءُ شابت معه خصلتان: اتّباع الهوى وطول الأمل) فهذا الخليفة أمَرَ له بمالٍ ثمّ أكرمه باعتباره قد سمع حديثاً من النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، عندما خرج الرجل الطاعن في السنّ قال: ارجعوني. فأرجعوه، فهمس في أذن هذا الخليفة قال: هذا العطاء في كلّ شهر ستُعطيني مثله؟ فقال الخليفة: صدق رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، هذا رجلٌ شارف على الموت فشابت معه هذه الخصلة!!.

إخواني الموقفُ عسير يوم القيامة وكلّ مَنْ حاول أن يسهّل المطلب فهو مشتبه، نعم هناك أبواب لرحمة الله تعالى -لا نغفل- هذا شيءٌ آخر، لكن ما يتعلّق بعلاقتنا مع الله تعالى أمرٌ يحتاج الى تأمّل دائماً ومتابعة دائمة، نعم.. الله تعالى فتح الأبواب بل أبواب واسعة، وفي بعض الروايات (العجب كلّ العجب لمن لم ينجُ) لسعة رحمة الله تعالى، لكن اعطِني الضّمان أن لا أُطرد من رحمة الله تعالى، اعطِني الضمان أن تكون هذه العاقبة عاقبة على خير، ما هو الضمان؟!! شخصيّاتٌ كان عليها قوامُ الدين في بعض الحالات في زمن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) انهارت، وشخصيّات كانت إذا قامت قامت معها سيوف بالآلاف فانهارت، كانوا إذا عرضت لهم الدنيا وثبوا عليها، تارةً الإنسان الدنيا غير معروضة عليه فلا يُفتَتَن لكن إذا عرضت له الدنيا وثب عليها، كان بعض الخلفاء من قرّاء القرآن عندما وصلت النوبة له أن يتسلّط على رؤوس المسلمين قال لكتاب الله: هذا فراقٌ بيني وبينك.. انتهى، الإنسان عليه أن يدعو الله تعالى دائماً إخواني بالتعقّل لحسن العاقبة بالإيمان بالتوازن، والإنسان، الله يحتجّ به على نفسه (...كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)، قطعاً الإنسان يعلم أنّ هذا التوجّه صحيح وهذا التوجّه خاطئ..

أعاننا الله تعالى وإيّاكم على أنفسنا كما أعان الصالحين على أنفسهم، اللهمّ لا تُخرِجْنا من هذه الدنيا إلّا وقد حططت عنّا جميع الأوزار وسهّلت لنا ذلك الباب -باب الشفاعة- ونحن من المتمسّكين بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله) والعترة الطاهرة من النبيّ الى قائم آل محمد، اللهمّ أعنّا بمحمدٍ وآله على ذلك اليوم ولا تجعل أمورنا حسرةً وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

 

المرفقات