زيارة الأربعين وسرُّ الولاء الصادق

مُستقاةٌ من الخطبة الأولى لسماحة السيد أحمد الصافي في 21 صفر 1434هـ الموافق 4 كانون الثاني 2013م ونحن لازلنا نعيش أيام الحزن وذكرى شهادة سيِّد الشهداء الحُسين (ع) وذكرى إحياء زيارة الأربعين.هذه الزيارة الكبيرة والعظيمة في كل جزئياتها ، و لا شك إن الباعث الذي دفع الأخوة الأعزاء رجالاً ونساءً في الحضور عند الإمام الحسين (ع) هو هذا الولاء الصادق الذي يحدوها وحباً وتواصلاً مع النبي (صلَّى الله عليه وآله) وتعظيماً للشعائر التي ندب إليها الشارع المقدَّس،إنَّ زيارة الإمام الحُسين (عليه السلام) لاشك إنَّها من الاعمال المرغوبة شرعاً ، والأئمة الأطهار (صلوات الله وسلامهُ عليهم) قد أفردوا جميعاً جانباً مهمَّاً من كلماتهم الشريفة للتأكيد على زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) وسنتناول إحدى هذه الروايات الشريفة لتكون إنموذجاً ومصداقاً لهذا المعنى ، الرواية تُنقل في كتاب كامل الزيارات وهو من الكتب المُعتبرة التي ذكرت جملة وافرة من الأحاديث التي تناولت تأكيد الأئمة الأطهار على زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) الرواية تنقل عن شخصٍ إسمه قُدامة بن زائدة تحدَّث عن أبيه عن زائدة الذي كان طرفاً في الحوار مع الإمام السجاد(عليه السلام) يقول الإمام : ( بلغني يازائدة أنك تزور قبر أبي عبدالله أحيانا؟ فقلت: إن ذلك لكما بلغك فقال لي: فلما ذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك؟ الذي لا يحتمل أحداً على محبتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا؟ والواجب على هذه الأمة من حقنا؟ فقلت: والله ما أريد بذلك إلا الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه، فقال: والله إن ذلك لكذلك فقلت: والله إن ذلك لكذلك يقولها: ثلاثاً وأقولها ثلاثاً فقال: أبشر ثم أبشر ثم أبشر فلأخبرنَّك بخبرٍ كان عندي في النخب المخزون إنه لمَّا أصابنا بالطف ما أصابنا، وقتل أبي وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله، وحملت حرمه ونساؤه على الاقتاب، يراد بنا الكوفة فجعلت أنظر إليهم صرعى، ولم يواروا فيعظم ذلك في صدري ويشتد لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبيَّنت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبرى فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟ فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع، وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مضرجين بدمائهم مرمَّلين، بالعراء مسلبين، لا يكفنون ولا يوارون، ولايعرج عليهم أحد ولا يقربهم بشر كأنَّهم أهل بيت من الديلم والخزر، فقالت: لا يجزعنك ما ترى فو الله إنَّ ذلك لعهد من رسول الله إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرَّجة وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يُدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي و الأيام، وليجتهدنَّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه و تطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً وأمره إلا علواً).لا خطوا إخواني هذه الكلمة (ليجتهدنَّ) فيها تاكيدٌ من أن أئمة الكفر وأشياع الضلالة يبذلون الوسع في محاولتهم لطمس معالم قبر الإمام الحُسين (عليه السلام) فليست هذه القضية مسألة عابرة تمرُّ في خاطر طاغية وتمضي وإنَّما هناك مخططٌ وهناك جهدٌ جهيد من قبل أئمة الكفر والضلالة في محو قبر الحسين (عليه السلام) . وهنا نسأل لماذا ؟ ولمَ كل هذا العناء ؟ و ماهو السر في قضية الامام الحسين (عليه السلام) لتصبح مقياساً للهدى والإيمان ، ونلاحظ هؤلاء الطغاة على مرِّ العصور ينتهجون كافة الوسائل للوصول الى غايتهم الدنيئة فتارةً يحرثون وتارةً يقطعون الطريق على زوار الحسين (عليه السلام) ،وتارةً يأتون بفتاوى لهدم القبر الطاهر ، وتارةً يرسلون المفخخات لقتل زواره ، فملة الكفر واحدة ، وهذه زينب تصرِّح بأنَّ إحياء أمر الحسين وقضية الحسين وشعائر الحسين عهدٌ معهود من الله الى رسوله بأنه سيهيء من يقوم بهذه المهمة على أكمل وجه وهي حفظ ثورة الإمام الحسين من الإنطماس والإندراس ، فالطاغوت العاقل إن كان عاقلاً يجب ان يبتعد عن أذية زوار الحُسين (عليه السلام) والكافر المعاند الضال إن كان عاقلاً يجب عليه أن يكف عن قتل زواره لأنَّ قضية الحسين مسددة من السماء ومحاطة بعناية الله ، فقضية الإمام الحسين(عليه السلام) خارجة عن المألوف ومسألة عظمى تتلعثم أمامها الكلمات فأين ترى مثل هذه الطريقة في التعاطي مع سيد الشهداء (عليه السلام) الطفل , الشيخ الكبير، المرأة ، الشاب ، الكل يتفاعل مع الحسين بصورةٍ لا ينالها الوصف والتعبير . أقول لابدَّ لنا اليوم من التمسُّك بالإمام الحسين (عليه السلام) فهو سبيل النجاة وهنيئاً لكل من شارك في السير الى أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وجزاهم الله خير الجزاء عن رسوله وأهل بيته ،فالحسين مدرسة إنسانية شاملة الإمام الحسين علَّم الصغير وعلَّم الاب وعلَّم الزوجة وعلَّم الأخت وعلَّم الرجل المعاق أن لا يستسلم والمظلوم أن ينتفض من ظلامته ويتحدى ظالميه بالإعتماد على نفسه المؤمنة وإرادته الصلبة . دعائنا للجميع أن يتقبل الله تعالى منهم أعمالهم و يسدِّد هذه الأقدام التي مشت ويكرِّم هذه الأيدي التي أطعمت ونوصيهم بالتمسُّك بالإمام الحُسين (عليه السلام) لأنَّه العترة التي أمرنا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بالتمسك بها .

المرفقات