اخوتي اخواتي اعرض على مسامعكم الكريمة الآيتين المباركتين التي ذكرهما الله تبارك وتعالى في سورة غافر : قال الله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) َعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19))
كعادة القران الكريم ان يتحدث عن امور سَتقع ومن أصدق من الله قيلا ً وهذه الامور التي ستقع في الاخرة ، الاخرة الى الان لم يحن وقتها بالنسبة لنا، الاموات الله العالم بمصائرهم لكن لا زلنا في الدنيا ولا نعلم متى ينتهي هذا الاجل الذي ضُرب لنا لا يعلم ذلك الا الله تبارك وتعالى، وهناك مصير سيلقانا..
القرآن الكريم عندما يتحدث عن هذا المصير قطعاً هناك اكثر من نكتة في هذا المطلب يريد ان ينبهنا ويريد ان يعِضنا يريدنا ان نزداد علماً حتى نزداد عملا ً يريدنا ان نطلع على عالم وهذا الاطلاع نحصل به درجة من اليقين ودرجة من الاطمئنان حتى نعمل ولذلك البعض عندما يصف الائمة عليهم السلام بعض أهل الورع والتقوى مثلا ً كأنهم في الآخرة لا يزالون..هم ليسوا في الآخرة لكن هذا التشوّق للآخرة كأن الانسان الان في الآخرة يتحسس نعيم الجنة ويتحسس لفحات جهنم والعياذ بالله، فيعمل لهذه ويبتعد عن هذه..
من المواطن التي ابتلينا فيها في الدنيا مسألة الظلم والتفتوا اخوتي الى معنى في غاية الاهمية وهي مسألة الظلم هذه الرذيلة وهذه الصفة الذميمة العقل يدركها والعقل يرى ان الظلم قبيح.. ما معنى الظُلم ؟
الظُلم هو ان تسلبني حقّي، انا املك حق وانت تسلبني إياه، أنت ستكون ظالماً..حقي في الحياة حقي في الاعتقاد حقي في العمل حقي في الجلوس في مكان وانت تسلبني هذا الحق يعبّر عنه ظالم، ولا شك اخواني هناك ظالم وهناك ظلاّم وهناك أظلم.. الظلم من الصفات التي تقبل الزيادة والنقيصة..التي تقبل فيها صيغة المبالغة كما تقول هذا انسان طويل وهذا أطول، الأطول الطول حاصل والزيادة التي فيها صيغة التفضيل صيغة المبالغة ايضاً.. فهذا ظالم وهذا أظلم بل قد يكون ظلاّم وهذا كثير الظلم يصدر منه ظلماً بعد آخر.. ومن ابشع حالات التجاوز على الاخرين هي حالة الظلم ويبقى المظلوم يعيش حالة الكبت وحالة الألم لأن حقّهُ قد سُلب وهو لا يستطيع ان يُرجع حقّه ..
لماذا يظلم الظالم ؟!
قطعاً لأسباب : السبب الأول : حب التوسع، يحاول ان يريد كل شيء له فيظلم ويتجاوز، عنده سلطة وبهذه السلطة يظلم الآخرين بزعم ان لا أحد يستطيع ان يمنع ظلامته لوجود زبانية ولوجود ناس مسخرين لظلمه، يظلم لجاهه وعنده جاه ويستغفل الاخرين بالظلم خصوصاً الضِعاف، يظلم لأنه عنده مال يحاول بهذا المال ان يشتري الذمم وان يظلم الآخرين.
(الظلم) القرآن الكريم والشرائع السماوية والارضية عادة تشير الى الظلم بإشارات سيئة ومصطلح الحقوق والواجبات يدخل في هذه الخانة ان اعرف حدودي فلا اظلم وتعرف حدودك فلا تظلم.. فهذا حقّي وانت اذا سلبتني حقّي ستكون ظالماً.
لاحظوا القرآن الكريم اخواني، طبعاً الظلم في الدنيا ما شاء الله وفي بعض الحالات نُبتلى بظَلَمة كثيرين، انت كما قلنا اعرف الحق ستعرف أهله واذا عرفت الحق بالنتيجة ستعرف الباطل.. فإذا عرفت أهل الحق ستعرف أهل الباطل..
القرآن الكريم يعطي للظَلَمة في الدنيا ينبّه يبيّن ماذا يقول.. قال تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)
وهذا شيء عجيب غريب لأننا نؤمن ان الانسان هذا كسبه لكننا نغفل.. القران الكريم يقول الدنيا ليست مرتع للمحاسبات قد يفلت فيها من يفلت وقد يضيع من يضيع لأهل الدنيا.. لكن الله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ).
يقول تبارك وتعالى (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)
ثم يقول الله تبارك وتعالى : (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)
لاحظوا هذه العبارة القرآنية (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ )، لأن الله تعالى تبنى الموضوع قال (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) كأن إشارة الى عالم الدنيا هو عالم الظلامات ..
نعم قد انا ارى وانت ترى ان الله تعالى لماذا لا ينتقم من الظالم؟! الله تعالى لا يعجل بعجلة العباد لكن الله تعالى سريع الحساب سرعان ما تمضي الأيام والليالي وينزل الانسان الى حفرته التي لابدَ له منها ثم ينفخ في الصور وننشر جميعاً لحظات وسنرى بأم أعيننا كيف تكون الظلامات وكيف يكون حال المظلوم.
لاحظوا يقول (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18))
(وَأَنذِرْهُمْ) انذار لكل ظالم عندما تقترب هذه الساعة بعض ذلك لا محيص سوف ينقطع كل شيء وهذا التعبير الرائع في الآية الكريمة (إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ) هذا التعبير ان الانسان يكاد قلبه ان ينخلع من شدة هذا الهول.
(كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ) هؤلاء مكبوتون لأنهم ستأتيهم وتقع عليهم الدائرة، وما للظالمين من حميم ولا شفيع لماذا ؟! لأن الشفاعة لا تكون للظالم، نحن نؤمن بالشفاعة لكن هذه الشفاعة لا تكون إلا لمستحق لها أما هذا الظالم الذي ظلم اثنين ظلم ثلاثة ظلم مئة ظلم ألف ظلم آلاف.. هذا لا شفاعة له..
قد يحسب الظالم ان ما يفعله من حقّهِ،
التفتوا اخواني ، لكل ظالم حاشية تُفسد عليهِ ما يفعل لأن مصلحتها في بقاء ظلمهِ هي المستفيدة وهذا الظالم عادة يكون معتوه لا يعلم.. اقصد لا يعلم من باب السفاهة لا يعلم ما يكون مصير الظالمين خصوصاً الذي يظلم الضِعاف والظالم اخواني لا تتوقع ان له موقع رسمي حتى يكون ظالماً، لا، الظالم هذا العنوان قد يبدأ بنا في كل موقع من مواقع حياتنا..ظالم في الاسرة ظالم في الاخ ظالم في العمل الظالم في الموقع السياسي الظالم في الموقع الاقتصادي الظالم في الموقع الاداري..كل هذه الظلم حالة غير قابلة للانكار العقل يدركها وعندما تسلب حق أحد فأنت من الظالمين..فلان يقول لك انت لست ظالم هذا من حقك.. هذا يكذب عليك، فلان يقول لك انت لست ظالماً انت تفعل الصحيح، هذا يخادعك، فلان يقول لك انك لم تظلم الناس هم الذين ظلموا أنفسهم، هذا يريد ان يجر النار الى قرصه هذا يريد ان يستفيد منك فجعلك جسراً لمآربه وبالنتيجة سينكفأ عنك غداً.. إيانا والظلم، لاحظوا الآية الكريمة تعبير في منتهى البلاغة (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ).
الظلم في الحياة الدنيا مشكلة والانسان اذا ظلم احداً لا يستطيع دائماً بتعبيرنا ان يتبارئ الذمّة معه، والظلم كلما كان الموقع فيه تأثير أكثر كان الانسان على خطر أكثر..
لذلك اخواني لابد ان نتحاشى الظلم قدر المستطاع لأن عاقبة الظلم عاقبة غير حميدة..
نسأل الله تعالى ان لا نقبل بالظلم ولا نكن من الظالمين، كلا الأمرين خلاف الوضع الطبيعي، ان الانسان يقبل بالظلم تارة وتارة الانسان مظلوم لا حيلة له وتارة يقبل بالظلم، نسأل الله تعالى ان لا نقبل بالظلم ولا نكون من الظالمين..
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا لما يحب ويرضى .. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..
حيدر عدنان
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق