نعيش في هذه الايام ذكرى نهضة الامام الحسين (عليه السلام) وخروجه للإصلاح في امة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) والفاجعة التي حلت بالإسلام والمسلمين باستشهاده واستشهاد جمع من اهل بيته واصحابه الميامين، ولتلك النهضة الكبرى والفاجعة العظمى جوانب كثيرة يتداولها اهل العلم والمعرفة بالبحث والتحقيق، ولكن نريد ان نشير هنا – ونحن نعيش هذه الايام العاشورائية الحزينة- الى جانب من تلك الجوانب وهو ما يمثله الحزن والأسى على مصاب سيد شباب اهل الجنة (عليه السلام) من اهمية في مدرسة اهل البيت عليهم السلام، فقد دلت الاثار والنصوص المتضافرة عن ائمة الهدى عليهم السلام على ان البكاء على الحسين (عليه السلام) واظهار الحزن على مصابه عبادة بنفسها يتقرب بها المؤمن الى الله والى رسوله (صلى الله عليه وآله) وتستوجب جزيل الثواب وعظيم الاجر، فقد ورد عن الامام الباقر عن ابيه الامام زين العابدين عليهما السلام انه كان يقول : (أيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خديه في ما مسّنا من أذى من عدونا في الدنيا بوّأه الله منزل صدق).وورد عن الامام الصادق (عليه السلام) انه كان يدعو في سجوده فيقول : (اللهم ارحم تلك الخدود التي تقلّبت على حُفرَةِ أبي عبدالله (عليه السلام) و ارحم تلك الأعين التي جرَت دُمُوعها رحمة ً لنا وارحم تلك القُلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا).ان الحزن على مصاب سيد الشهداء (عليه السلام) مظهر صادق من مظاهر الحب والولاء لنبي هذه الامة وآله الاطهار الذين اصطفاهم الله تعالى وأمر بمودتهم وحبهم وجعل ذلك اجر هذه الرسالة، قال الله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجراً الا المودة في القربى)، وقد استفاضت الروايات الشريفة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ان المراد من القربى الذين اوجبت الآية الكريمة مودتهم هم علي وفاطمة وابناهما الحسن والحسين (عليهما السلام).ان هذا الحب يجب ان يلامس شغاف قلوب المؤمنين ويجري مع دمائهم في عروقهم، هذا الحب الذي هو شعبة من شعب حب الله عزو جل بحب اوليائه ومن جرت نعمته على هذه الامة على ايديهم فوقفوا مع النبي (صلى الله عليه وآله) وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل ايصال هذه الرسالة الى عامة الناس، حتى امتزجت هذه الدعوة المباركة بدمائهم وجهادهم، بهم بدأها الله وبهم يختم وبهم تبقى مستمرة عالية، لا تقوم لها قائمة من دونهم، انهم حملة هذه الرسالة بدءا واستمرارا وختاما، هكذا شاء الله، ولم يشأ اعتباطا بل لما لهم من مؤهلات ميزتهم عن سائر من سواهم.ان من واجبنا كمؤمنين – بحكم ما اودعه الله في ضمائرنا وما فطرنا عليه من محبة من احسن الينا، فضلا عما ندبنا اليه تعالى وامرنا به – ان نحبهم اكثر من حبنا لآبائنا وامهاتنا وذرياتنا وجميع اهلينا، أليسوا هم من جرت اعظم نعم الله علينا وهو الهداية للايمان على ايديهم، ان هذا الحب هو من الحب لله الذي ورد في النص الشريف انه هو الدين.بالاضافة الى ان الحزن على الحسين (عليه السلام) والبكاء على مصابه براءة منا الى الله عما فعله الاشرار بآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واعلان النصرة لهم ولقائمهم (عليه السلام) عسى ان يكتبنا الله من الشاكرين الذين أشار اليهم في قوله تعالى : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) – سورة آل عمران- .ان مجالس سيد الشهداء (عليه السلام) ومظاهر العزاء له وفق ما توارثه المؤمنون خلفاً عن سلف هي من اعظم ذخائرنا التي لا يمكن ان نفرط بها بل لابد ان نحافظ عليها بكل ما اوتينا من امكانات، وقد وجدنا كيف ألهمت شبابنا بل وشيوخنا فخرجوا بمئات الالاف بكل شجاعة وبسالة دفاعا عن العرض والارض والمقدسات فسطروا اروع الملاحم التي سيخلدها لهم التاريخ، وكفى بمثل هذا فائدة وثمرة لهذه المجالس.. وهي بما تجمعه من حشد كبير من المؤمنين مناسبة فضلى لتثقيف الناس في امور دينهم وتبصيرهم بشؤون زمانهم وطرح الحلول المناسبة لمشاكلهم الفكرية.ومن الضروري الاعتماد فيما يلقى فيها على المصادر الموثوقة ولاسيما فيما يتعلق بنقل الحوادث التي جرت على آل محمد (صلى الله عليه وآله) واجتناب ما سواها حتى لا يتخذ ذلك مطعناً فيها ونقضاً لإحدى اهم الفوائد التي يمكن ان تترتب عليها وهي تثبيت العقائد الحقة في نفوس المؤمنين.اللهم عجل لوليك الحجة بن الحسن الظهور واجعلنا من اهل طاعته وحقق لنا امالنا بنصرته واتمم به لنا السعادة بالحضور بين يديه والشهادة في صفه انك سميع الدعاء قريب مجيب.الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق